بحث قانوني و دراسة حول توصيف القانون العراقي للمساهمة الجنائية
بحث بعنوان المساهمة الجنائية في القانون العراقي والمقارن
مقدم من قبل:
عضو الادعاء العام/ قحطان ناظم خورشيد
كجزء من متطلبات الترقية من الصنف الرابع الى الصنف الثالث من أصناف الادعاء العام
بإشراف
المدعي العام/ جواد فتاح آغا
2011
المقدمة
عن علم العقاب والجريمة تتفرع علوم عديدة تدخل في إطار الجريمة والمجرم والعقوبة ومن بين هذه المواضيع القانونية المساهمة الجنائية وهو ما سوف يكون محور بحثنا هذا، وقد وقع اختيارنا لهذا الموضوع لاهميته العلمية ولأنه يدخل في نطاق عالم الجريمة والمجرم والعقاب، فالمساهمة الجنائية تعني تعدد الجناة في الجريمة الواحدة فهي بهذ الوصف تتكون من عنصرين اساسيين هما:
تعدد الجناة ووحدة الجريمة([1])، فتعدد الجناة يأخذ صوراً عديدة بحسب الدور الذي يقوم به كل مساهم في إرتكابها فقد يكون دور أحدهم اساسياً في الجريمة فيسمى الفاعل للجريمة وقد يكون دوراً ثانوياً فيسمى شريكاً لها وقد يتعدد الفاعلون وحدهم دون شريك أو ينفرد فاعل مع شريك او شركاء او يتعدد الفاعلون والشركاء في الجريمة والواحدة.
ووحدة الجريمة تتحقق بوحدتها المادية ووحدتها المعنوية، وقد خاض الباحثون والفقهاء في هذه المفاهيم وحاولوا وضعها ضمن اطار نظري صرف فيما ذهب بعض الشراح الى الخوض في مفهوم المساهمة مستعينين بالقضاء وبالقرارات القضائية فكانت لمساهمتهم هذه أثراً بينّاً وواضحاً في بلورة مفهوم علمي واضح اسهم اسهاماً فعالاً في اثراء الأحكام القضائية ولهذا عهدنا في درساتنا هذه الى ان نقسم البحث الى ثلاثة مباحث كُرّس المبحث الأول في الخوض في المبادئ الأساسية في المساهمة الجنائية وقد وزع هذا المبحث الى ثلاث مطالب خُصّص المطلب الأول منه لتعريف المساهمة الجنائية وعناصرها والمطلب الثاني لبيان المذاهب المختلفة في المساهمة الجنائية فيما بينا في المطلب الثالث التمييز بين الفاعل والشريك في الجريمة وأوضحنا المعيار المعتمد للتمييز بين الفاعل والشريك.
واما المبحث الثاني فهو محّور البحث فقد تم التصدي فيه لمفهوم المساهمة الأصلية في الجريمة وحالات المساهم الأصلي وهي الحالات الأربع التي أوردناها في البحث وهي حالة مرتكب الجريمة لوحده ومن أرتكبها مع غيره وحالة من أرتكب عملاً من الأعمال المكونة للجريمة وحالة الشريك الذي حضر مسرح الجريمة وذلك في المطلب الأول من هذا المبحث وفي المطلب الثاني منه فهو لبيان العقوبة المقررة للمساهم الأصلي.
والمبحث الثالث والأخير خُصصّ لبيان المساهمة التبعية للجريمة وقد قسم هذا المبحث الى ستة مطالب المطلب الأول منه هو للوقوف على الركن الشرعي للمساهمة التبعية والمطلب الثاني هو للبحث في الركن المادي للمساهمة التبعية ويتفرع عن هذا المطلب موضوع التحريض والإتفاق الجنائي والمساعده في ارتكاب الجريمة وهي موضوعات لابد من التوقف عندها قليلاً أتماماً للفائدة وقد تم معالجة النتيجة الجرمية وعلاقتها السببية بسلوك الشريك في المطلب الثالث ويلاحظ ان البحث في النتيجة الجرمية لفعل الفاعل والشريك يقتضي البحث في مسألة الإشتراك في الإشتراك والعدول عن الإشتراك والشروع في الإشتراك وهي مفاهيم قانونية يقتضي منا البحث والخوض فيها لتستكمل الصورة في ذهن القارئ والمتتبع واما المطلب الرابع فقد تم فيه دراسة الركن المعنوي للمساهمة التبعية واما العقوبة المقررة للمساهم التبعي فقد تم بحثها في المطلب الخامس من البحث، كما وتم بحث أثر الظروف والاعذار القانونية على المساهمين في الجريمة وذلك في المطلب السادس.
وأخيراً فقد حاولنا جاهدين من خلال مفردات البحث ان نستخلص موقفاً لنا من هذا الموضوع وكيف تمت معالجته في قانوننا العقابي وهل كانت هذه المعالجة موفقة وكافية لتيسير مهمة القضاء أثناء نظر الدعاوى التي تعرض عليه والتي يتعدد فيها الفاعلين والشركاء وهذا ما نأمل أن نكون قد وفقنا فيه فأن كان كذلك فلله الحمد وان لم نكن كذلك بأن حصلت هفوات هنا أو هناك فهذا هو حال البشر والكمال لله وحده والله المستعان.
الباحث
المبحث الأول
المبادئ الأساسية في المساهمة الجنائية
لعلّ من الموضوعات التي حظيت بإهتمام الفقهاء والشراح من بين موضوعات علم الجريمة والمجرم موضوع المساهمة الجنائية بأشكالها وصورها المختلفة ولابد من ان يتم البدء في تعريف المساهمة الجنائية وعناصرها ليتم بعد ذلك بحث المذاهب الفقهية المختلفة في المساهمة الجنائية ومن ثم التمييز بين الفاعل والشريك في الجريمة و معيار هذا التمييز وأهميته وهو ما سنتناوله في المطالب الثلاثة التالية:
المطلب الأول
تعريف المساهمة الجنائية وعناصرها
المساهمة الجنائية:
تعني تعدّد الجناة في الجريمة الواحدة وبذلك يكون هناك عنصرين أساسيين في المساهمة الجنائية هما: تعدد الجناة ووحدة الجريمة، فتعّدد الجناة قد يأخذ صوراً عديدة بحسب الدور المرسوم لكل مساهم فيها فقد يكون أحدهم فاعلاً رئيسياً فيما يكون دور الآخر ثانوياً فيسمى شريكاً وقد يتعدد الفاعلون وحدهم دون شريك أو ينفرد فاعل مع شريك أو شركاء أو يتعدد الفاعلون والشركاء في جريمة واحدة.
يذهب بعض الفقهاء الى القول بأن وحدة الجريمة تتحقق بوحدتها المادية ووحدتها المعنوية([2])، فالوحدة المادية للجريمة تعني احتفاظ الركن المادي للجريمة بوحدتها المادية ويقتضي ذلك وحدة النتيجة الجرمية وإرتباطها بعلاقة السببية بكل الأفعال التي ارتكبها الجناة لتحقيق النتيجة الجرمية هذه وان كانت متفاوتة في أهميتها مادامت جميعها كانت ضرورية لأحداث النتيجة الجرمية وبالصورة التي تمت، كأن يحرض (أ) كل من (ب و جـ) على قتل (د) فيمسكه (ب) ويطعنه (جـ) طعنة قاتلة فالنتيجة هنا واضحة وهي أزهاق روح المجني عليه (د) وهي مرتطبة بالأفعال التي قام بها الجناة الثلاثة([3]).
أما الوحدة المعنوية للجريمة فهي تعني قيام الركن المعنوي للجريمة بتوافر رابطة ذهنية بين المساهمين في الجريمة تفترض اتفاقاً مسبقاً على إرتكابها او إتفاقاً بينهم على ذلك سواء أكان ذلك سابقاً على تنفيذ الجريمة أو معاصراً لها ولايشترط أن يكون هذا التفاهم صريحاً بل يكفي أن يكون ضمنياً كأن يدخل لص الى دار لسرقتها فيُفاجأ بخادم الدار يساعده على السرقة فيتم السرقة بمساهمتها معاً والتي قامت على التفاهم الضمني بينهما([4]).
المطلب الثاني
المذاهب المختلفة في المساهمة الجنائية
أولاً: مذهب وحدة الجريمة مع التفريق بين الفاعل والشريك.
يشير أصحاب هذا المذاهب الى ان الجريمة تبقى محتفظة بوحدتها بالرغم في تعدد المساهمين في إرتكابها لكونها تبقى وحدة قائمة بذاتها من الناحيتين المادية والمعنوية.
كما اشرنا الى ذلك فيما تقدم، وبالتالي فأن كل مساهم فيها يكون مسؤول مسؤولية قانونية عنها إلاّ انه ونظراً لتفاوت الأدوار التي يقوم بها المساهمون في الجريمة فأنهم يُقسمون الى فريقين يضم كل منهما المساهمين الذين تتعادل أهمية أدوارهم: فريق الذين يقومون في تنفيذ الجريمة بدور رئيسي اصلي ويسمون (الفاعلون) وفريق الذين يقومون بدور ثانوي ويسمون الشركاء([5]).
والفاعلون هم اصحاب الصفة الجرمية الأصلية لقيامهم بالفعل المادي المكون للجريمة أو بفعل من الأفعال المادية المكونة لها كتوجيه طعنه قاتلة للمجني عليه في القتل أو الإستيلاء على المال المنقول المملوك للغير في السرقة. أما الشركاء فهم مساهمون في الجريمة بفعل لايدخل في تكوينها وقد لايكون معاقباً عليه في ذاته كتحريض الفاعل على إرتكاب الجريمة أو القيام بفعل يُسهل له إرتكابها فتنسحب عليهم الصفة الجنائية للفعل الأصلي، وبعبارة اخرى يستمدون صفتهم الجرمية من الفاعل الرئيسي([6]).
وبخصوص مدى هذه المساهمة او المشاركة يتجه انصار هذا المذاهب الى الأخذ بالإستعارة المطلقة أي انهم يستعيرون صفتهم الجرمية من الفاعل الرئيسي([7]).
ويتجه آخرون من أنصار هذا المذاهب للأخذ بمبدأ الإستعارة النسبية وتبعاً لذلك ينشطر هذا المذهب الى إتجاهين اساسين احدهما مذهب الإستعارة المطلقة والآخر يمكن ان يطلق عليه مذهب الإستعارة النسبية([8]).
ولابد إذاً منه ان نلقي بعض الضوء على هذين الإتجاهين او المذهبين في الفقه الجنائي الذي يذهب قسم من الى الميل الى الأخذ بالاستعارة المطلقة فيما ينحى الإتجاه الآخر الى الأخذ بالإستعارة النسبية.
مذهب الإستعارة المطلقة
وبمقتضى هذا المذهب يستعير الشريك صفته الجرمية استعارة مطلقة من الفاعل بحيث تتساوى مسؤوليتهما عن الجريمة ويعاقب كلاهما بنفس العقوبة المقررة للجريمة مع امتداد تأثير الظروف المادية للجريمة الى كل المساهمين في الجريمة فاعلين كانوا ام شركاء([9]).
وكذلك إمتداد تأثير الظروف الشخصية الخاصة بالفاعل الى الشريك دون أن يكون للظروف الخاصة بالشريك اي تأثير على الفاعل ولا على نفسه([10]).
وفكرة الإستعارة المطلقة هذه مأخوذة من القانون الروماني والقانون الكنسي وأخذ بها القانون الجنائي الفرنسي لسنة 1791 ثم قانون العقوبات الفرنسي النافذ والصادر عام 1810([11]).
لكن يلاحظ ان الفقه الفرنسي لم يأخذ بفكرة تأثر الشريك بالظروف الشخصية الخاصة بالفاعل ولم يطبقه القضاء الفرنسي مكتفياً بمعاقبة الشريك بحسب ارتكابه الفعل المكون للجريمة التي شارك فيها ولو لم يكن الفاعل معاقباً لسبب يتعلق بشخصه كما لو كان مجنوناً أو صغيراً غير مميز([12]).
مذهب الإستعارة النسبية
وطبقاً لهذا الإتجاه الفقهي فأن الشريك يستمد إجرامه من الفاعل بنسبة مخففة وأساس ذلك ان يقوم بأعمال ثانوية يجب ان يكون لها اعتبار في تقدير مسؤوليته وفي تخفيف عقوبته وهو يتأثر بالظروف المادية للجريمة ولكنه لايتأثر بالظروف الشخصية الخاصة بالفاعل وإنما يتأثر بالظروف الشخصية الخاصة به كما أنه يؤاخذ بقصده هو ولا بقصد الفاعل وهذه مسألة موضوعية يترك الفصل فيها لمحكمة الموضوع على ضوء الادلة والوقائع المعروضة أمام المحكمة وقد أخذ بهذا المذهب القانون الألماني والقانون البلجيكي والعديد من القوانين العقابية الحديثة([13]).
ثانياً –مذهب وحدة الجريمة مع عدم التفريق بين الفاعل والشريك
يقوم هذا المذهب على أساس تعادل الأسباب فكل من أسهم بنشاطه في احداث النتيجة الجرمية يكون فاعلاً سواء قام بالفعل المادي المكوّن للجريمة او ارتكب فعلاً من الأفعال المكونه لها او اشترك في الجريمة بالإتفاق أوالتحريض أو أبداء المساعدة، وبعبارة اخرى من وُجِدَ في مسرح الجريمة وقد أُوعز له مهمة مراقبة الطريق أو قيادة السيارة التي تنقل الجناة من مكان الجريمة([14]). وفي هذا المعنى ذهبت محكمة التميز العراقية الى اعتبار ان فعل المتهمين يكون منطبقاً وأحكام المادة 406/ 1-ج عقوبات بدلالة مواد الإشتراك في القضية الجزائية التي تتلخص في قيام المتهمين بقتل المجني عليه والإستحواذ على نقوده حيث قام احدهم بإستدراج المجني عليه وأخذه الى منطقة مهجورة فيما قام الآخر بإطلاق النار عليه وأخذ سيارته ونقوده فالمتهمان أعتبرا فاعلين أصليين للجريمة بحسب دور كل منهما في إرتكابها([15]).
وقد وجد هذا المذهب صدى له في العديد من التشريعات القضائية منها القانون النرويجي لسنة 1912 وهو اول قانون عقابي أخذ بهذا المذهب وسار على هذا النهج القانون الإيطالي لسنة 1930، والدانماركي لسنة 1930 والمكسيكي لسنة 1931 والبرازيلي لسنة 1940([16]).
ثالثاً-مذهب تعدد الجرائم بتعدد المساهمين:
ويذهب أتباع هذا المذهب الى القول برفض فكرة وحدة الجريمة فهم لايعترفون بوحدة الجريمة وإنما يعتبرون كل من ساهم فيها يُعّد مرتكباً لجريمة قائمة بذاتها متى توافرت النية الإجرامية لديه (القصد الجرمي) وبذلك تتعدد الجرائم بتعدد الأفعال التي ارتكبت والنوايا الجرمية التي توافرت لديه([17]). فيسأل كل من ساهم في الجريمة عما ارتكبه من افعال مستقلاً عن غيره من المساهمين فمن حرضّ على ارتكاب الجريمة يُسأل عن جريمة التحريض ومن اتفق مع غيره على ارتكاب جريمة يسأل عن جريمة الإتفاق الجنائي ومن ساعد على ارتكاب الجريمة يُسأل عن جريمة ابداء المساعدة سواء نفذت الجريمة في اي من هذه الحالات أم لم تُنفذ ودون أن يتأثر أي من المساهمين في الجريمة بجريمة اي من المساهمين الأخرين أو بأسباب التخفيف أو التشديد التي تتوافر لديه([18]).
ويذهب الدكتور اكرم نشأت الى القول بأن هذا المذهب قد تبناه انصار المدرسة الوضعية في إيطاليا ولم يأخذ به اي تشريع عقابي آخر. ويبدوا ان عدم الأخذ به متأتٍ من صعوبة تطبيقه في سوح القضاء.
ويلاحظ ان المؤتمر الدولي السابع لقانون العقوبات بشأن المساهمين في الجريمة قد أخذ بمبدأ وحدة الجريمة عندما يتعدد المساهمون والإحتفاظ بالتقسيم التقليدي بين الفاعل والشريك وإعتبار أن نشاط الشريك لايعاقب عليه ما لم يرتكب الفاعل الجريمة إعترافاً بمبدأ الإستعارة النسبية أي إستعارة الشريك صفته الجرمية من الفاعل غير ان المؤتمر أرتأى الحدّ من اطلاق مبدأ الإستعارة هذه لإعتبارات تتعلق بالعدالة والسياسة العقابية فخرج المؤتمر بجملة توصيات منها:
أ-قد يتعدد المساهمون في الجريمة الواحدة فأياً كان النظام القانوني المعمول به في دولة ما، يجب ان يكون محلاً للإعتبار مما قد يختلف فيه هؤلاء في العمل الذي يقوم به كل منهم وفي خطئه الشخصي وفي كل ما يتعلق بشخصه.
ب- ((لا تأثير للأحوال والظروف الشخصية البحتة ألاً بالنسبة لمن توافرت لديه سواء كانت نافية أو مخففة أو مشددة للمسؤولية أو مانعة للعقاب))([19]).
جـ-لايُسأل المساهمون ولا يكونون بالتالي محلاً لأي جزاء (عقوبة) ألاً إذا ثبت علمهم بأن العناصر المكونة للجريمة أو الظروف المشددّة لها سوف تتم بواسطة حدهم أو من قبل الجميع.
وواضح، و على ضوء ما تقدم، فان هذا المؤتمر أخذ بمذهب الإستعارة النسبية التي تأخذ به أغلب التشريعات العقابية المعاصرة ومنها قانوننا العقابي والمصري والأردني والليبي واللبناني والتونسي([20]).
المطلب الثالث
التمييز بين الفاعل والشريك في الجريمة
ان لموضوع التمييز بين الفاعل والشريك أي بين المساهم الأصلي والمساهم التبعي في الجريمة أهمية بالغة في التشريعات العقابية التي تأخذ بمبدأ وحدة الجريمة مع التفرقة بين الفاعل والشريك وهي أغلب التشريعات المعاصرة كما سبق بيانه.
أولاً-معيار التمييز بين الفاعل والشريك:
وهناك معياران للتميز بين الفاعل والشريك أحدهما شخصي يقرره أصحاب المذهب الشخصي والآخر موضوعي([21]) قال به أصحاب المذهب الموضوعي وهو ما سنقف عنده قليلاً فيما يلي:
أ-المذهب الشخصي
ويستمد المذهب الشخصي معياره في التميز بين الفاعل والشريك في الجريمة من ركنها المعنوي (فإرادة الفاعل تتجه صوب القيام بالفعل التنفيذي للجريمة بصورة مباشرة ومطلقة بإعتبارها مشروعه الإجرامي في حين تتجه إرادة الشريك مقيدة ومحدّدة عن طريق ارادة الفاعل (الأصلي) وتبعاً لها للقيام بما يساعد في تحقيق مشروعه الإجرامي) ([22]).
فارادة الفاعل تكون قائدة وموجهة لإرادة الشريك ومتبوعه منها بينما تكون ارادة الشريك منقادة لأراده الفاعل وتابعة لها وذلك بصرف النظر عن نوع الفعل الذي يقوم به كل منهما ومقدار خطورته على الحق الذي يحميه القانون، (وهذا الإتجاه تبناه الدكتور محمود نجيب حسني ومعه عديد من الشراح وفقهاء القانون الجنائي)([23]).
ب-المذهب الموضوعي
وطبقاً لأنصار هذا المذهب (فإن الإعتماد على الركن المادي للجريمة هو الذي يؤخذ بنظر الإعتبار) ([24]) فالفاعل هو من يقوم بنفسه بتنفيذ الفعل الجرمي كما رسمه وخططه له الفاعل، مثال ذلك من يقوم بإرتكاب فعل الإعتداء على حياة انسان في جريمة القتل ومن يرتكب فعل الإختلاس في جريمة السرقة فلا يشترط ان يقوم الفاعل بتنفيذ كل الأفعال المكونة للجريمة بل يكفي في نظر أنصار هذا المذهب ان ينفذ الفاعل جزءاً من هذه الأفعال أو حتى جزءاً من أحد الأفعال المكونة للجريمة اذا كان الركن المادي يتكون من جملة افعال ويسوق انصار هذا المذهب المثال الآتي: يعتبر (أ) و (ب)، فاعلان في جريمة الإغتصاب إذا ارتكب (أ) أفعال العنف ضد المجني عليها من خلال أضعاف مقاومتها فيما قام (ب) بفعل الوقاع وحده([25]). وقد اعتبرت محكمة التمييز العراقية في قرار لها (ان عدم ثبوت كون المتهم قام باطلاق عيارات نارية او اشتراكه باي طريقة من طرق الاشتراك لايشكل جريمة الاشتراك حيث أن مجرد حضوره محل الحادث لايعتبر دليلاً على ادانته)([26]). وهذا يعني أن الشخص الذي كان حاضراً مسرح الجريمة ولم يكن على اتفاق مع الفاعل الاصلي لايعد شريكا سواء بالاتفاق او بالمساعدة أو بالتحريض على ارتكابها بعكس حالة المثال الذي اوردته الدكتورة فوزية عبدالستار الذي اشرنا اليه فيما تقدم.
أما الشريك (فهو من يقوم بعمل من الأعمال المهددة أو المسهلة للفاعل في تنفيذ الجريمة الخارجة عن نطاق الركن المادي للجريمة والتي غالباً ما تكون في حد ذاتها غير مشروعة وانما تكتسب عدم مشروعيتها من خلال علاقتها بالفعل الذي ارتكبه الفاعل([27]) ولا بد من التأكيد بالقول بأن المعيار الموضوعي كما نرى هو الارجح لوضوحه وسهولة تطبيقه وأخيراً فأن كلمة الفصل هي للقضاء ليقول كلمته في أية قضية جنائية تعرض عليه من خلال دراسة وقائع القضية وملابساتها.
ثانيا-أهمية التميز بين الفاعل والشريك:
ان لمعيار التفرقة أو التميز بين الفاعل والشريك أهمية كبيرة تبدو جلياً من عدة وجوه:
أ-من حيث العقاب
بعض التشريعات العقابية تقرر عقوبة للشريك أخف من عقوبة الفاعل كالقانون البلجيكي والسويسري واليوناني والهولندي والأردني، بينما تقرر قوانين اخرى عقوبة واحدة للفاعل الشريك بإستثناء الحالات التي ينص عليها القانون على خلاف ذلك فالقانون العراقي (م 51 من قانون العقوبات) و المصري (م41 عقوبات) والليبي (م101 عقوبات) والسوري (م 212 عقوبات) والفرنسي (م 59 من القانون الجنائي الفرنسي) ([28]).
ب-من حيث إعتبار تعدد الجناة ظرفاً مشدداً
هنا يلاحظ الباحث والمتتبع بأن أغلب التشريعات العقابية تعتبر تعدد الجناة ظرفاً مشدداً كما هو الحال عندنا في العراق في الجريمة التي تُرتكب من قبل عدة فاعلين فالرأي الراجح عندنا ان هذا الظرف لايُعد متوافراً إلا إذا تعدّد المساهمون الاصليون في الجريمة([29]).
ج- من حيث تطبيق أسباب الإباحة
بعض أسباب الإباحة نسبي، أي لايستفيد منه إلا شخص له صفة خاصة، كتأديب الزوج لزوجته، فهو أسباب أباحة يستفيد منه زوجها وكذلك شريكه في حين لايستفيد الشريك من الإباحة اذا ارتكب فعل التأديب بنفسه (كما لايستفيد من الاباحة الزوج نفسه اذا ساهم في هذا الفعل كشريك)([30]).وبالنسبة للوضع القانوني في اقليم كوردستان فان فعل الضرب الذي يقوم به الزوج ضد زوجته يشكل جريمة يعاقب عليها قانوناً وكذلك يعتبر سبباً من اسباب التفريق.
نلخص من كل ما تقدم الى ان مبدأ التفرقة بين المساهم الأصلي والشريك يقودنا الى استخلاص النتائج الآتية:
النتيجة الأولى:
الفاعل: وهو الذي يحقق بفعله العناصر المادية والشخصية المكوّنة للجريمة وفي الجرائم السلبية يعد فاعلا من يقع على عاتقه الإلتزام بالعمل ولم يعمله وذلك عن قصد كالجريمة الإيجابية التي تقع بطريق الترك، ومثاله مأمور السجن الذي يمتنع عن تقديم الطعام للسجين فيموت هذا الأخير نتيجة ذلك والأُم التي تمتنع عن إرضاع وليدها فتسبب في موته([31]).
النتيجة الثانية:
الفاعل مع غيره: وهو من يقوم مع غيره بقصد مشترك للأعمال التنفيذية للجريمة، أي تعدد الجناة في الجريمة الواحدة.
النتيجة الثالثة:
فاعل بالواسطة: وهي حالة من يُغري غيره على إرتكاب الجريمة([32]).
فالمنفذ للجريمة غير مسؤول ويقصد بالفاعل المعنوي هنا وهو الشخص الذي ينفذ الجريمة بواسطة شخص آخر حسن النية أو بواسطة انسان لاتتوافر لديه الأهلية الجنائية…..كمن يجلس في مطعم ويطلب من عامل المطعم ان يناوله معطف معلق على جانب من المطعم يعود لغيره ويعتقد عامل المطعم ان المعطف انما يعود للزبون الذي طلب منه ان يناوله اياه في حين يتبين انه لايعود له وإنما لشخص آخر. أو ان ترتكب الجريمة بطلب من الفاعل المنفذ ولكن ليس بنفسه يرتكب فعلها المادي وإنما عن طريق صغير غير مميز يُطلب منه دس السم في شراب الضحية فالقصد الجرمي غير متحقق بالنسبه لهذا الصغير فيما يكون الشخص الذي طلب من الصغير وضع السم في شراب الضحية هو المسؤول عن الفعل الجرمي هذا.
النتيجة الرابعة:
المحرض
يُعد محرضاً من يغري الفاعل عمداً على إرتكاب الجريمة ويلزم لمعاقبة المحرض أن يبدأ الفاعل في التنفيذ، (ومع ذلك من الممكن المعاقبة على التحريض الذي لايترتب عليه أثر بالنظر لخطورة الجريمة وبالشروط الملائمة لكل نظام قانوني) ([33]). بهذا التوجيه اعتبر المؤتمر (التحريض) نوعاً مستقلاً من المساهمة الجنائية.
ونحن نرى متى وقعت الجريمة بناء على هذا التحريض يعاقب المحرض على النتيجة الجرمية التي حصلت، وهو اتجاه تبناه قانون العقوبات العراقي في المادة 48/1 وقد اعتبرت محكمة التمييز العراقية أن قيام المتهمين بقتل المجنى عليه عمداً وسرقة سيارته يشكل فعلا ينطبق واحكام المادة 406/1/أ/ح من قانون العقوبات بدلالة المادة 47 منه وقررت تصديق قرار الغاء التهمة والافراج عن المتهم الثالث لعدم ثبوت تهمة التحريض على ارتكاب الجريمة حيث لم يتأيد لمحكمة الموضوع تحريض المتهم المفرج عن (ز) للمتهمين كل من ع.م و ع.ز.خ عن اقتراف الفعل سواء بالقول. أو باعدادهم بالسلاح([34]).
المبحث الثاني:
المساهمة الأصلية في الجريمة
لاخلاف في ان المساهمة الأصلية في الجريمة تمتاز بالوضوع ذلك ان قيام فاعل معين بإرتكاب الفعل الجرمي لوحده وتوفر الأدلة المادية على إرتكابه للفعل الجرمي يجعله تحت طائلة العقاب وهذا لا يمنع من ان يقوم فاعلان بإرتكاب الفعل الجرمي ويسألان عنها جنائياً… لكن يبدوا ان للمساهم الأصلي حالات لابد من التوقف عندها بحسب مانص عليه القانون سواء عندنا هنا في العراق أو في البلدان الأخرى، وهذه الحالات هي ما ستكون محور البحث في المطلب الأول من هذا المبحث.
المطلب الأول
حالات المساهم الأصلي:
أن أغلب التشريعات العقابية المعاصرة تأخذ بمبدأ وحدة الجريمة مع التفرقة بين المساهم الأصلي والمساهم التبعي فيها وتحرصّ على وضع تعريف محّدد وواضح لكل منها ومن هذه التشريعات قانوننا العقابي والمصري والأردني والليبي والسوري([35]).
فالمادة 47 من قانون العقوبات العراقي نصت عن أنه يُعد فاعلاً للجريمة:
1-من إرتكبها لوحده أو مع غيره.
2-من ساهم في إرتكابها إذ كانت تتكون من جملة أفعال فقام عمداً أثناء ارتكابها بعمل من الأعمال المكونة لها.
3-من دفع بأية وسيلة شخصاً على تنفيذ الفعل المكون للجريمة إذا كان هذا الشخص غير مسؤول جزائياً عنها لأي سبب.
فيما إعتبرت المادة 49 منه الشريك في الجريمة الذي كان حاضراً أثناء ارتكابها أو إرتكب أي فعل من الأفعال المكونة لها وقد أوردت القوانين العقابية العربية صيغاً مماثلة للتقنين العراقي كالقانون المصري في المادة 39 والقانون الليبي في مادته 99 والسوري في المادة 212 منه. ([36]).
ولحالات المساهم الأصلي في الجريمة صوراً عديدة لعل أبرزها:
اولاً-مرتكب الجريمة لوحده:
وهي الحالة المألوفة بأن يقوم شخص واحد بإرتكاب الجريمة وبأحداث النتيجة الجرمية وهي حالة القتل العمد مثلاً كأن يطلق زيد النار على رأس عمر فيرديه قتيلاً وفي السرقة يكون من أستولى على مال الغير بلا رضاه فاعلاً اصلياً للجريمة وفي حالة الامتناع يُعد فاعلاً لها من يلزمه القانون القيام بواجب فامتنع عمداً عن القيام به ومثاله كما اشرنا من قبل، مأمور السجن الذي يمتنع عن تقديم الطعام للسجين فيموت جوعاً([37]).
ثانياً-حالة مرتكب الجريمة مع غيره:
وتحقق هذه الحالة عند تعدد الجناة ويكون الفعل الذي قام به كل منهم يكفي لوحده لوقوع الجريمة كتعاون عدة اشخاص على سرقة مخزن وحمل كل واحد منهم شيئاً فيكون ما قام به كل واحد منهم جريمة سرقة وذلك لاتفاقهم في القصد الجرمي وهذا الأمر هوالذي جعل الفعل المعاقب عليه قانوناً واحداً مع تعدد الجناة([38]).
وقد يكون الجناة كلهم قد ارتكبوا الفعل نفسه المكون للجريمة كما لو اطلق ثلاثة اشخاص رصاصات صوب شخص قاصدين قتله فأصابوه بجروح بليغة نشأ عنها نزيف حاد أودى بحياته، هنا في هذه الحالة لايستلزم لقيام مسؤولية كل واحد من الجناة عن جريمة القتل العمد أن تكون الوفاة قد وقعت بفعل واحد منهم بل تقوم مسؤولية كل واحد منهم بإعتباره فاعلاً ولو كانت الوفاة قد حصلت جملةً بناءً على فعل احدهم وفعل من معه معاً([39]).
وقد ذهبت محكمة التمييز في اقليم كوردستان بقرارها المرقم 113/هيئة جزائية/ 2002 في 7/9/2002 الى قيام المتهم باطلاق عيارات نارية من بندقية الكلاشنكوف باتجاه المجنى عليه يجعله شريكا في ارتكاب جريمة القتل اشتراكا فعلياً ومعاصراً لارتكاب الجريمة بصرف النظر عن كون الطلقات التي اطلقها قد اصاب بها المجنى عليه ام لا بذلك صدقت قرار محكمة الجنايات المختصة وقد اعتبرت محكمة التمييز ان كل واحد من الجناة مسؤول عن جريمة القتل باعتباره فاعلاً اصلياً لها ولو كانت الوفاة حصلت جملة بناء على فعل احدهم وفعل من كان معه([40]).
ثالثاً-حالة مرتكب لعمل من الأعمال المكونة لها:
هنا يمكن تصور توزيع الأعمال الجرمية بين عدة فاعلين فكل من يقوم بفعل من الأفعال المكونة لها يُعد فاعلاً ومثاله (أن يتفق شخصان على تزوير وصل فيقوم أحدهما بتحرير الوصل ويقوم الآخر بتقليد إمضاء المجني عليه)([41]) او حالة ما إذا قام احدهم بخطف شخص من منزله ثم قام آخر بنقله الى المكان المراد إخفاؤه فيه او حالة ما اذا قام احد المتهمين بكسر باب المنزل المراد سرقته وقام الآخر بنقل الأثاث والمواد المسروقة الأخرى من مكان الحادث الى جهة أخرى، فكل هؤلاء يعاقبون بالعقوبة المقررة للجريمة بإعتبارهم فاعلين أصليين([42]).
رابعاً-الشريك الحاضر في مسرح الجريمة
الى جانب الفاعل الأصلي للجريمة قد يكون هناك شريكاً حاضراً في مسرح الجريمة والذي تناط به مهمة مراقبة الطريق المؤدى الى مكان الحادث ومن ثم الإنسحاب من مسرح الجريمة من خلال نقل الفاعلين الأصليين للجريمة وتأمين وصولهم الى أماكنهم المعتادة هذا الشريك هو ما تحدثت عنه المادة -47- في قانون العقوبات العراقي واعتبرته فاعلاً للجريمة أسوة بالفاعل الرئيسي لها ذلك ان حضور الشريك أثناء ارتكاب الجريمة أو ارتكاب أي فعل من الأفعال المكون لها يدل على عدم إكتفاءه بمسامهته التبعية في الجريمة وحرصه على الحضور الى مسرح الجريمة اثناء إرتكابها لتعزيز موقف منفذيها معرضاً نفسه للأخطار الآتية المحتملة أثناء التنفيذ وذلك عند التصدي للفاعلين ومقاومتهم سواء من قبل السلطات الأمنية أو ممن وقعت عليه الجريمة وهذا ما يجعله قد أسهم بدور رئيسي في إرتكاب الجريمة، وبالتالي يصبح فاعلاً لها حكماً ونحن نميل الى هذا الرأي لكونه الأقرب الى تحقيق العدالة.
المطلب الثاني
العقوبة المقررة للمساهم الأصلي
بعد أن تم بيان المعيار المعتمد للتمييز بين الفاعل والشريك بين المساهم الأصلي والمساهم التبعي في الجريمة وكيف ان أغلب الفقهاء والشراح يميلون الى الأخذ بالمعيار الموضوعي الذي يستند الى الركن المادي للجريمة حيث يعتبر ان الفاعل هو من يقوم بنفسه بإطلاق العيار الناري فيصيب المجني عليه بمقتل ([43])، وبعد ان تم الوقوف عند رأي الفقهاء الذي أخذوا بالمعيار الموضوعي لوضوحه وسهولة تطبيقه في سوح القضاء-بقى ان نبين موقف القضاء العراقي من هذه المسألة أي لمن ساهم مساهمة فعالة فحصلت النتيجة الجرمية بناءً على ذلك ففي قرار لها اعتبرت الهيئة العامة لمحكمة التميز العراقية قيام المتهمين بإستئجار سيارة المشتكي لغرض إيصالهم الى منطقة بغداد الجديدة وعند صعودهم الى سيارة المشتكي جلس بجانبه المتهم (أ) وجلس المتهمون الثلاثة الآخرون في الحوض الخلفي للسيارة وعند دخولهم الى أحد الأزقة طلب منه أحدهم النزول من السيارة وتسليم مفاتيح السيارة فرفض المشتكي ذلك مما حدى بالمتهم الآخر (ز) ان يطلق النار فأصابه في كتفه فنزل المشتكي من السيارة مسرعاً وأخذ المتهمون الأربعة سيارته وهربوا بها الى جهة مجهولة ومن ثم تم القبض عليهم واعترفوا بفعلهم الجرمي هنا اعتبرت محكمة التمييز فعل المتهمين ينطبق وحكم المادة 442/3 من قانون العقوبات وبدلالة القرار 1133 لسنة 1982 بإعتبار كل واحد منهم يعد فاعلاً أصلياً للجريمة([44]).
وقررت محكمة التميز نفس المبدأ أيضاً والقاضي بعقوبة كل من المساهمين في جريمة القتل بعقوبة الفاعل الاصلى([45]). وذلك أخذاً بالمعيار الموضوعي الذي يستند الى الركن المادي للجريمة([46]).
المبحث الثالث
المساهمة التبعية للجريمة – الشريك-
المساهمة التبعية او المساهم التبعي –الشريك- إن صح التعبير (هو من يساهم في ارتكاب الجريمة عن طريق فعل يرتبط بالفعل الجرمي تنفيذاً للجريمة)([47]).
وبعيارة أدق تكون مساهمة الشريك بفعل من الافعال المكونة للجريمة سواء أكان فعلاً ممهداً أو مسهلاً للفاعل الاصلي في تنفيذ الجريمة دون أن يكون هذا الفعل (اي فعل الشريك) داخلاً في نطاق الركن المادي للجريمة (والذي لايكون غالباً في حد ذاته غير مشروع وانما يستمد عدم مشروعيته من الفعل الجرمي الذي ارتكبه الفاعل)([48]).
وقد أورد المشرع العراقي تعريفاً مستمداً من احدث ما توصل اليه الفقة الجنائي المعاصر ومتأثراً بالمعيار الموضوعي الذي تبناه الفقهاء وذلك في المادة 48 من قانون العقوبات فأعتبر المشرع العراقي شريكا في الجريمة كل من حرض على ارتكابها فوقعت بناءً على هذا التحريض ومن اتفق مع غيره على ارتكابها فوقعت بناء على هذا الاتفاق ومن اعطى سلاحاً للفاعل أو أدوات وآلات او أي شيء أخر مما استعمل في ارتكاب الجريمة مع علمه بها او ساعده بأية طريقة اخرى في الاعمال الممهدة أو المسهلة او المتممة لارتكابها.
ويستخلص من التعريف المتقدم للشريك (المساهم التبعي) الذي ورد في النص أن للمساهمة التبعية ثلاثة أركان، شرعي ومادي ومعنوي وهو ما سوف نبينه في المطالب الثلاثة الآتية.
المطلب الاول
الركن الشرعي للمساهمة التبعية – الشريك-
وقوام هذا الركن هو الصفة غير المشروعة لسلوك المساهم التبعي (الشريك) ذلك (ان سلوك المساهم التبعي لا يكون غالباً في حد ذاته غير مشروع وانما يكتسب عدم مشروعيته من علاقته بالفعل الذي اقترفه الفاعل)([49]).
ويُعد فعل الفاعل غير مشروع اذا خضع لنص قانوني عقابي ولم يكن خاضعاً لسبب من اسباب الاباحة.
ويمكن ان يكون هناك اشتراك في الجريمة التامة وهي الحالة الشائعة كما يمكن ان يكون الاشتراك في الشروع في الجريمة فمن يحرض شخصاً على قتل آخر فأوقف هذا الفعل او خابَ أثره لسبب لادخل لأرادة الفاعل فيه، يُعد شريكا في جريمة الشروع (الشروع في القتل) أما اذا عَدل الفاعل عن ارتكاب الجريمة الذي حرضه الشريك على أقترافها فعدوله الاختياري ينفي مسائلته وتبعاً لذلك تنتفي مسؤولية الشريك([50]).
ومما تجدر الاشارة اليه هنا انه يستلزم لتطبيق القانون العقابي ان يكون الفعل معاقباً عليه ويثور سؤال هنا ما الحكم اذا كان الفاعل غير مسؤول عن الجريمة التي ارتكبها لكونه مجنوناً او صغيراً غير مميز او لاي مانع من موانع المسؤولية؟ هل يفلت الشريك من العقاب في هذه الحالة.. مادامت مسؤوليته بالتبعية وهنا يمكن القول بأن صدور حكم ببراءة الفاعل الاصلي لايمكن ان يكون له اثر مانع لمسؤولية الشريك الا اذا كانت البراءة تستند الى عدم تحقق الركن المادي للجريمة أما اذا استندت البراءة الى عدم توفر الركن المعنوي (القصد الجرمي) لوجود مانع من موانع المسؤولية الجنائية لدى الفاعل او لتوفر عذر مانع من العقاب لديه فأن مسؤولية الشريك تظل قائمة دون أن تتأثر ببراءة الفاعل([51]).
وهذا الامر يترك في الحقيقة للقضاء للفصل في مسألة قانونية صرفة كهذه، وحريٌّ بنا التأكيد بالقول انه في حالة صدور عفو عام عن الجريمة فان هذا العفو يمحو الصفة الجنائية عن الفعل المكون للجريمة وتبعاً لذلك تفقد المساهمة التبعية في هذه الجريمة ركنها الشرعي لزوال المصدر الذي يستمد منه سلوك المساهم التبعي صفته غير المشروعة([52]).
الا ان العفو عن العقوبة المقررة للمدان لا يمحو الصفة الجنائية عن فعله فلا تزول عدم مشروعيته وبالتالي لاتفقد المساهمة التبعية ركنها الشرعي ويذهب فريق من الفقهاء الى القول بأن التقادم بالنسبة للقوانين التي تأخذ بفكرة التقادم يُجرد الجريمة من صفتها الجنائية التي نشأت عنها ويجعل العقاب من اجلها مستحيلا بالنسبة الى كل من ساهم فيها فاعلاً كان ام شريكا اما التقادم بالنسبة للعقوبة المقررة فلا يستفيد منه الا من استكمل التقادم مدته بالنسبه لعقوبته في المساهمة في الجريمة فاعلاً كان ام شريكاً دون غيره([53]).
والملاحظ أن قانوننا العقابي لم يأخذ بالتقادم المسقط للدعوى الجزائية ولا للعقوبة المقررة سواء كان فاعلاً أصلياً او مساهماً تبعياً بأستثناء قانون رعاية الاحداث رقم 76 لسنة 1983 المعدل الذي أخذ بالتقادم المسقط للعقوبة وانقضاء الدعوى الجزائية تبعاً لذلك.
المطلب الثاني
الركن المادي للمساهمة التبعية – للشريك-
يمكن القول ان الركن المادي للمساهمة التبعية يكون من سلوك الشريك والنتيجة الجرمية والعلاقة السببية بين هذا السلوك والنتيجة.
وسلوك الشريك يكون باتخاذ احدى وسائل او صور الاشتراك وهنا يمكن القول بان قانوننا العقابي اسوة بالتشريعات العقابية المعاصرة ذكر وسائل الاشتراك حصراً وحددها بثلاث وسائل هي على سبيل الحصر بحيث لايمكن ادانه متهم بالاشتراك في الجريمة مالم يبين في قرار الادانة الوسيلة التي اتخذها في اشتراكه وألا كان القرار معيباً من الناحية القانونية وجبَ نقضه.
وصور الاشتراك هذه هي بايجاز:-
اولاً- التحريض
يتم التحريض بخلق التصميم على الجريمة لدى الفاعل ودفعه بناء على ذلك الى ارتكابها وهو بذلك يؤدي الى نتيجتين احداهما نفسية وهي تتضح في اتخاذ الفاعل قراره وتصميمه على ارتكاب الجريمة والنتيجة الثانية مادية تظهر في اندفاعه وعزمه على ارتكاب الجريمة بناءً على قرار اتخذه هو بهذا الشأن.
ويلاحظ ان القوانين العقابية لاتشترط طريقة معينة للتحريض ومنها قانوننا العقابي خلافاً للقانون الفرنسي الذي حدد هذه الطريقة من خلال تقديم الهدايا او الوعد او الوعيد او المخادعة او الدسيسة او الارشاد او استعمال ما للمحرض من هيمنة على مرتكب الجريمة([54]).
ويذهب الدكتور احمد فتحي سرور الى القول بأن تعداد طرق التحريض وايرادها في القانون امرٌ معيب حيث ان ذلك يُعد من عمل الفقه الجنائي حيث لايمكن حصر اساليب التحريض بالشكل الذي اشار اليه المشرع الفرنسي (وقد حذا حذو المشرع الفرنسي قانون العقوبات الاردنى الذي اعتبر تهّيج شعور الفاعل ودفعه الى ارتكاب الجريمة من قبل الشريك يدخل في باب التحريض على اقتراف الجريمة من قبل الفاعل)([55]).
ثانياً- الاتفاق
يتحقق الاتفاق، (بأتفاق ارادتين او اكثر على ارتكاب الجريمة والارادتان تكونان بمستوى واحد وتلتقيان على مشروع اجرامي واحد يقوم بتنفيذه احد المتفقين فيصبح فاعلاً رئيسياً وذلك خلافاً للتحريض حيث تعلو ارادة الشريك على ارادة الفعال فتدفعه الى ارتكاب الجريمة)([56])-والاتفاق الجنائي يقتضي التقاء ارادتين توافقاً وتفاهما سابقاً على ارتكاب الجريمة ولو بفترة قصيرة وهو وسيلة اشتراك يختلف عن التوافق الذي يتمثل في توارد الخواطر على الاجرام، بقيام فكرة الاجرام بذاتها عند شخص فأكثر كما لو خطرت لشخص فكرة قتل غريمه وخطرت لأخر فكرة قتل هذا الغريم نفسه دون ان يعلم الاول بنية الثاني وتصميمه على اقتراف الفعل الجرمي ثم قام احدهما بتنفيذ الجريمة فأن الآخر لا يعد شريكا في الجريمة([57]). وقد جاء تعريف في نفس المعنى الذي ذهب اليه الدكتور سرور في قرار لمحكمة التمييز لاقليم كوردستان مامفاده(ان في الاتفاق الجنائي ينبغي التقاء ارادات المتفقين على ارتكاب جريمة وأنعقاد عزمهم على مااتفقوا عليه ومن شخصين كحد ادنى وينبغي ان يتوفر القصد الجنائي الذي يقوم على عنصري العلم والارادة- اي يجب أن يعلم الجاني بأنه يدخل في اتفاق على ارتكاب جريمة واما الارادة فالمراد بها الدخول بصورة جدية في الاتفاق ونص المادة (55 ق.ع العراقي) يتشترط التنظيم والاستمرار وعليه فأن مجرد الانضمام الى اتفاق من هذا القبيل لا يشكل جريمة الاتفاق الجنائي)([58]).
ويلاحظ هنا انه عند إدانه متهم بلأشراك في الجريمة بالاتفاق مع غيره على محكمة الموضوع ان تثبت في قرار الادانة وجود الاتفاق وأنه انبنى عليه ارتكاب الجريمة وان تفصل في ذلك فصلاً واضحاً لا لبس فيه لانها مسألة موضوعية وعلى المحكمة ان تبين الاسباب التي بنت عليها اعتقادها بوجود الاتفاق([59]).
ويمكن القول بأن ما أوردناه من قول بضرورة ايراد الاسباب التي اعتمدتها المحكمة في ادانة المتهمين في حيثيات قرارها هو من صلب عمل القضاء وأنه لابد من سوق الاسباب والحيثيات التي استخلصتها المحكمة من وقائع الدعوى وملابساتها ومن ثم تقرر الادانه من عدمه.
ثالثاً- المساعدة
وهي كما عرفها قانون العقوبات العراقي في المادة 48/3([60]) والمصري في المادة 40/3 والليبي في المادة (100/2) تشمل كل معاونة على ارتكاب الجريمة أياً كان شكلها وطبيعتها وتتم المساعدة في احدى حالتين او مرحلتين:
أ-المرحلة السابقة على وقوع الجريمة بأن ترد المساعدة على الاعمال المجهزة لها كتقديم السلاح الذي يستعمل في الجريمة او تقديم معلومات عن كيفية دخول المسكن المراد سرقته.
ب-المرحلة المعاصرة لوقوع الجريمة: بأن ترد المساعدة على الاعمال المسهلة للجريمة كترك الخادم باب سيده مفتوحاً لتمكين السارق من دخوله او قطع اسلاك الهاتف للحيلولة دون استنجاد المجني عليه بالشرطة هاتفياًاو ترد المساعدة على الاعمال المتممة للجريمة كما هو الحال في إعارة الفاعل سيارة ليستخدمها في نقل المسروقات.
وقد يثور هنا تساؤل هل يمكن تصور فعل المساعدة بطريقة الامتناع أي الموقف السلبي الذي يتخذه شخص من الجريمة عند أرتكابها أي وبعبارة اخرى الموقف السلبي الذي قد يتخذه شخص من ارتكاب الجريمة كما اذا شاهد شخص جريمة ترتكب وكان قادراً على منعها فلم يمنعها هنا لايعد هذا الشخص شريكاً في الجريمة ولو كان امتناعه عن قصد بأن يُمكن الجاني من ارتكابها فيما نرى جانب من الفقهاء اعتبر الشخص المشار اليه في المثال السابق اذا كان القانون يفرض عليه واجب القبض على الجاني ومنعه من ارتكاب الجريمة وامتنع عن القيام بهذا الواجب الذي كان قادراً على القيام به يُعد شريكا بالمساعدة بطريقة الامتناع في الجريمة المرتكبة([61]).
ونحن نرى انه في الحالة الثانية وهي حالة امتناع من كان القانون يفرض عليه واجب القبض على الجاني ومنعه من ارتكاب الجريمة وغالباً مايكون هذا الشخص رجل أمن او شرطة فمن الصعوبة بمكان اعتباره شريكا للفاعل بطريق المساعدة وانما يمكن ان تُتخذ الاجراءات القانونية بحقه لتقاعسه واهماله في اداء الواجب او الخطأ الجسيم بما تفرضه عليه اصول مهنته وعلى كل حال فالقضاء هو وحده القادر على التثبت من هذه الحالة وعلى ضوء مجريات التحقيق والمحاكمة وما يسفر عنهما من نتائج تؤدي الى ادانة هذا الشخص او تقرر الافراج عنه.
المطلب الثالث
النتيجة الجرمية وعلاقتها السببية بسلوك الشريك:
لكي تتم المساهمة الجنائية بشكلها القانوني لابد من اكتمال هذا الركن بوقوع الجريمة التي حرض أو أُتفق او ساعد على ارتكابها وثبوت العلاقة السببية بين سلوك هذا الشخص وهذه النتيجة الجرمية([62]) وعلاقته السببية هذه بين سلوك الشريك والنتيجة الجرمية تتوافر (اذا ثبت للمحكمة أنه لولا سلوك الشريك ما كانت ترتكب الجريمة على النحو الذي أُرتكبت به أو أنه بغير هذا السلوك كانت ترتكب ولكن بصورة تختلف عن الصورة التي أُرتكبت بها او كان لهذا السلوك دور في اتخاذ الجريمة صور معينة)([63]).
ولكي تستكمل الصورة في ذهن القاريء والمتتبع لابد من بحث الاشتراك في الاشتراك والعدول عن الاشتراك والشروع في الاشتراك.
اولا: الاشتراك في الاشتراك
يمكن تصور عدة حالات للاشتراك في الاشتراك ومثاله ان يُحرض (أ) (ب) على تحريض (ج) على ارتكاب جريمة او استعانة أ بزميله ب للحصول على معلومات من ج تساعده على ارتكاب الجريمة.
ففي المثالين السابقين هل يعتبر (ب) شريكاً-بالتأكيد يكون المتهم (ب) شريكاً في الجريمة ولكن يدور خلاف حول ما اذا كان يعتبر شريكاً ايضاً كل من (ا) في المثال الاول و (ج) في المثال الثاني.
يذهب معظم الفقهاء والشراح([64]) الى عدم اعتبار شريك الشريك شريكاً لعدم توفر علاقة مباشرة له مع الفاعل كما يفهم من نص المادة التي تعّرف الشريك بانه (من حرض على ارتكاب الجريمة) ( و من اتفق مع غيره على ارتكاب الجريمة) ومن (اعطى الفاعل سلاحاً او الآت او اي شيء آخر وساعده..) وتميل محكمة النقض الفرنسية الى هذا الرأي([65]).
فيما يذهب فريق اخر من الفقهاء([66]) بالقول بان القانون لايشترط توافر علاقة مباشرة بين الشريك والفاعل وانما كل ما يتطلبه هو توافر العلاقة السببية بين سلوك الشريك وجريمة الفاعل وهذه العلاقة قائمة فعلاً بين سلوك شريك الشريك وجريمة الفاعل كما يبدو واضحاً في المثالين المذكورين اعلاه، اذ لولا هذا السلوك لما ارتكبت الجريمة وبالتالي فأن شريك الشريك يكتسب صفة الشريك.
ويبدو ان هذا الرأي هو الرأي الراجح والذي يحقق العدالة المتوخاة وهو ما اخذت به المحكمة النقض المصرية([67]) فقد جاء في حكم لها (…. ان المادة 40 من قانون العقوبات “والتي تقابل نص المادة 48 عقوبات العراقي” قد قررت الاشتراك في الجريمة ولا تشترط في الشريك ان تكون له علاقة مباشرة مع الفاعل للجريمة، وكل ما توجبه هو ان تكون الجريمة قد وقعت بناءً على تحريضه على ارتكاب الفعل المكون لها او بناءً على اتفاقه على ارتكابها مع غيره أياً كان ومهما كانت صفته، او بناءً على الاعمال المتممة او المجهزة او المسهلة لها يستوي في هذا كله ان يكون اتصاله بالفاعل الاصلي قريباً او مباشراً، او بعيداً بالواسطة اذ المدار في ذلك كما هو ظاهر في النص علاقة المتهم بذات الفعل الجنائي المكون للجريمة لا باشخاص من ساهموا معه فيها، والشريك يستعيد صفته بحسب الاصل من فعل الاشتراك الذي ارتكبه ومن قصده منه ومن الجريمة التي وقعت بناء على اشتراكه فهو الاصح شريك في الجريمة لاشريك مع فاعلها..).
ويلاحظ انه في قرار المحكمة العليا المصرية قد عدد حالات الاشتراك كما اوردتها المادة 40 من قانون العقوبات المصري والتي تقابلها المادة 48 من قانون العقوبات العراقي وقد تبنت محكمة النقض المصرية مبدأ كون الاشتراك في الجريمة اياً كانت طبيعته هذا الاشتراك سواءٌ كان بالأتفاق او التحريض او المساعدة معاقب عليه قانوناً وبنفس عقوبة الفاعل الاصلي للجريمة.
هذا وقد حكمت محكمة التميز العراقية بالاعدام ضد المتهمين الثلاثة الذين ساهموا في عملية شل مقاومة المجني عليه وتناوبهم على ملاوطته ومن ثم قيام احد المتهمين بطعنه بالحربة التي كانت معه للتخلص من تبعات فعلهم الدنيء واستدلت في قرار التجريم باحكام المادة 406/1/ج عقوبات وبدلالة المواد 49,48,47 منه بأعتبار ان المتهمين الثلاثة كانوا على اتفاق بدعوة المجني عليه للانتقال معهم الى مكان الحادث ومن ثم أرتكاب فعل اللواط معه بالقوة وقتله فيما بعد، وذلك أخذاً بمدأ ان المتهم (ع) هو الذي استدرج المجني عليه الى مكان الحادث ولحق به المتهمان الآخران فالمساهم الاصلي (ع) شاركه في فعلته هذان المتهمان الآخران (ص)و ( ر) فتساوي اطراف الجريمة بالعقوبة المقررة للتهمة! ([68]).
ثانياً: العدول عن الاشتراك
قد يصادف ان يعدل الشريك عن مواصلة سلوكه الممهد او المسهل للفاعل في تنفيذ الجريمة بارادته واختياره لسبب ما كالندم او الخشية من عواقب الفعل الجرمي ولكن الفاعل لا يأبه بهذا التردد والعدول من الشريك ويقدم هو لوحده بارتكاب الجريمة، هنا في هذه الحالة لا تنتفي مسؤولية الشريك عن اشتراكه في الجريمة (غير ان مسؤولية الشريك تنتفي اذا استطاع بعدوله ان يحول دون تنفيذ الجريمة كاسترداد السلاح أو الآله المقرر استخدامها في الجريمة او تهديده للفاعل الاصلي باخبار الجهات الامنية في حالة اقدامه على الفعل الجرمي وبذلك تكون العلاقة السببية انقطعت بين سلوك الشريك وجريمة الفاعل([69]).
ثالثاً: الشروع في الاشتراك
يذهب بعض الفقهاء الى عدم تقرير العقاب على الشروع في الاشتراك عند تحريض الشريك او اتفاقه او مساعدته على ارتكاب الجريمة دون ان ترتكب اصلاً او تم ارتكابها لاسباب بعيدة عن وسيلة الاشتراك التي انطوى عليها سلوك الشريك، وذلك لفقد سلوك الشريك المصدر الذي يتمد منه صفته غير المشروعة لعدم ارتكاب الجريمة اصلاً او لانتفاء رابطة السببية بالجريمة المرتكبة.
ولكن بعض القوانين العقابية وخلافاً لهذا الاتجاه تعاقب المحرض والمساعد كما في حالة الشروع بتنفيذ الجريمة ولكن المحكمة يمكنها ان تمنحهم تخفيفاً استثنائياً للعقوبة او تقرر اعفائهم منها كالقانون البولوني لسنة 1932 وهو اتجاه لم يجد قبولاً لدى غالبية شراح القانون([70]).
المطلب الرابع
الركن المعنوي للمساهمة التبعية – للشريك-
الركن المعنوي للمساهمة التبعية وهو ما يعبر عنه بالقصد الجنائي ولكي يتوافر القصد
الجرمي لدى الشريك لابد من علمه بماهية سلوكه ونتيجته الاجرامية، وبعبارة أخرى (أن يكون القصد مع الفاعل تحقيق النتيجة الجرمية) ([71]).
ويتوفر القصد الجنائي لدى الشريك بالتحريض أو الاتفاق لأن طبيعتها تتضمن وجودها بالضرورة في حين قد لايتوافر هذا القصد لدى من يقدم المساعدة الى الفاعل لذلك اشترط القانون صراحة توافر هذا القصد لدى الشريك بالمساعدة([72]).
حيث اشارت المادة 48/3 الى ذلك بالقول (من أعطى الفاعل او الفاعلين سلاحاً او اي شيء اخر مما استعمل في ارتكاب الجريمة مع علمه بها أو ساعده عمداً باية طريقة اخرى) وهذا النص في قانوننا العقابي اورده المشرع المصري بنفس المعنى في المادة 40/3 والمشرع الليبي في المادة 100/3([73]).
أذن من اعطى غيره سلاحاً لا يعتبر شريكا في جريمة القتل الا اذا كان يعلم أن من يأخذ السلاح سيستعلمه في قتل أنسان وهو كذلك يقصد ذلك.
ومن يصنع مفاتيح مقلدة ويبيعها الى شخص يحتمل ان يستعملها في ارتكاب جريمة سرقة مع علمه بذلك لايعد شريكا في جريمة السرقة التي يرتكبها ذلك الشخص مالم يكن قاصداً معه ارتكاب الجريمة، وقد يعد مرتكباً لجريمة اخرى يعاقب عليها القانون هي جريمة تقليد المفاتيح مع توقعه استعمالها في ارتكاب جريمة/ م 447 ق. ع.ع.
ويذهب الدكتور محمود ابراهيم اسماعيل الى القول بأن العلم بالجريمة لا يستلزم التفاهم السابق في الاشتراك بالمساعدة، بل يكفي لتحقيق قصد الاشتراك علم الشريك بمشروع جريمة الفاعل واتجاه ارادته الى المساهمة في تحقيق هذا المشروع، ويسوق الدكتور محمود المثال التالي، شخص ترصد لخصمه قريباً من منزله لقتله وكان جار المجني عليه يعلم بذلك فذهب اليه واخرجه من داره، قاصداً تمكين الفاعل من تنفيذ جريمته بالجار في هذه الحالة يعد شريكا في جريمة القتل العمد لتوافر علمه بالجريمة وقصده الاشتراك فيها ولم يتصل بالفاعل او يتفاهم معه على اعمال المساعدة التي قام بها([74]).
فيما يذهب بعض الفقهاء الى انه لايلزم ان يكون قصد الشريك محدداً ينصب على ارتكاب جريمة معينة، وانما يجوز ان ينصب قصده على جريمة غير معينة كما اذا حرض (أ) (ب) على الانتقام له من (ج) فقتل (ب) (ج) أو ضربه او احرق مسكنه فأن (أ) يعد شريكا للمتهم (ب) فيما ارتكبه من هذه الجرائم([75]).
بينما يرى شراح أخرون ان الاشتراك لا يتحقق الا اذا أنصب قصد الشريك على ارتكاب جريمة معينة كالقتل او السرقة او الاغتصاب الجنسي او اي من الجرائم الاخرى المعاقب عليها قانونا، وقد اخذ بهذا الرأي القضاء الفرنسي بحسب ما اشار اليه الدكتور علي راشد وهو يرى انه هو الرأي الراجح قياساً على الرأي الاول([76]).
ونحن نرى ان المسألة مسألة موضوعية تفصل فيها محكمة الموضوع من خلال وقائع الدعوى و ملابساتها وظروفها لتقرر فيما بعد ماتراه مناسباً.
المطلب الخامس
عقوبة المساهم التبعي – الشريك-
اختلفت التشريعات العقابية في تقرير العقوبة المقررة للمساهم التبعي (الشريك) فبعض التشريعات قررت عقوبة للشريك اخف من عقوبة المساهم الاصلي ومن هذه القوانين قانون العقوبات البلجيكي والسويسري واليوناني والهولندي([77]).
وكذلك بعض التشريعات العربية كالقانون الاردني والسوري واللبناني([78]) الا اننا قد نجد حالة ما اذا كان الشريك الذي يساعد الجاني على فعلته ولولا هذه المساعدة لما ارتكبت الجريمة فهنا يلزم القضاء تقرير عقوبة مساوية لعقوبة الفاعل.
ويخرج من قاعدة تقرير نفس عقوبة الفاعل للشريك ما استثنى بنص خاص قد يقرر للشريك عقوبة اخف او أشد من العقوبة المقررة للفاعل كما هو الحال في نص المادة 270 عقوبات العراقي التي تقضى بعقوبة السجن مدة لاتزيد عن سبع سنوات او بالحبس لمن أمدّ مقبوضاً او محجوزاً او موقوفاً او محبوساً باسلحة او آلات او للاستعانة بها على الهرب او ساعده على ذلك في حين نصت المادة 267 على عقوبة الحبس مدة لاتزيد على سنتين او غرامة لاتزيد عن مائتين دينار لمن هرب بعد القبض عليه أو حجزه او توقيفه او حبسه، الا انه في هذه الحالة يعتبر الشريك مستقلاً عن اجرامه ومسؤوليته عن الفاعل، فلا تسري عليه ظروف الفاعل التي تغير من وصف الجريمة ولو كان عالماً به، اما ظروفه فانها تسري عليه شخصياً لانه يعتبر فاعلاً في الجريمة.
وقد ينفرد الشريك بالعقاب بخلاف حاله العقوبة المقررة للفاعل الاصلي فالشريك يعاقب بالعقوبة المقررة للجريمة ولو كان الفاعل غير معاقب بسبب عدم توفر القصد الجنائي لديه او لاحوال اخرى خاصه به (كمانع المسؤولية او مانع العقاب كما هو منصوص عليه في قانون العقوبات العراقي م 50/2 والمصري 42 والليبي 102) ([79]).
وطبقاً للسلطة التقديرية الممنوحة للقاضي وفي نطاق تقرير العقوبة المقررة للجريمة (فقد لا تتساوى عقوبة الشريك مع عقوبة الفاعل الاصلي فقد تقرر المحكمة الحكم على الشريك بعقوبة اخف من عقوبة الفاعل الاصلي كما له ان يطبق الظروف القضائية المخففة على احدهما دون الاخر وذلك تبعاً لظروف الجريمة وما يحيط بكل مساهم فيها) ([80]).
قلنا فيما سبق ان الشريك يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها قانونا للجريمة ولو كان فاعل الجريمة غير معاقب عليه بسبب عدم توفر القصد الجرمي لديه.
وقد ذهب جانب من الفقهاء الى وجود تناقض بين ماورد في الفقرة القانونية من المادة 50 عقوبات وبين ماورد في الفقرة الثانية من المادة 47 من نفس القانون هذه الفقرة التي تنص انه يعتبر فاعلاً من دفع بأية وسيلة شخصاً عن تنفيذ الفعل المكون للجريمة اذا كان هذا الشخص غير مسؤول جزائيا عنها لأي سبب: ذلك لان من اعتبرته الفقرة الثانية من المادة 50 شريكا اعتبرته الفقرة الثالثة من المادة 47 فاعلا([81]).
ونحن نرى بانه لايوجد مثل هذه التناقض لان الشريك الذي ورد في النص الاول يتميز عن الفاعل وبعبارة ادق عن الفاعل (المعنوي) المعرف في النص أعلاه وان كان يوجد جانب من وجه الشبه بين سلوكهما ذلك ان الفاعل الاصلي (المعنوي) وكذلك الشريك بالتحريض المنفرد بالعقاب لايرتكب بنفسه القتل المكون للجريمة، لركنها المادي وانما يرتكبه غيره ولكن يتميز احدهما عن الاخر من ثلاث نواحي:
فمن ناحية تتوافر لدى الفاعل الاصلي (المعنوي) ارادة السيطرة على المشروع الاجرامي واعتبار الجريمة ترتكب لحسابه وباستغلال شخص غير أهل للمسؤولية او انه حسن النية، بينما الشريك بالتحريض لاتتوفر لديه هذه الارادة فهو لا ينظر الى المشروع الاجرامي على انه خاص به وانما على انه مشروع غيره وهذا يعني انه لاتتوفر لديه ارادة ارتكاب الجريمة لحسابه وانما ارادة المساهمة في جريمة غيره، ومن ناحية ثانية في التحريض يتطابق قصد الشريك وتصوره للجريمة مع قصد وتصور الفاعل، بينما لا وجود لهذا التطابق في حالة الفاعل الاصلي (المعنوي) من ناحية ثالثة،الفاعل يؤثر في ارادة غير معتبرة قانوناً فيدفع صاحبها الى ارتكاب الفعل الجرمي بينما الشريك بالتحريض يؤثر في ارادة معتبرة قانونا لشخص كامل الاهلية فيخلق لديه قرار ارتكاب الجريمة([82]).
المطلب السادس
تأثير الظروف والاعذار القانونية على المساهمين في الجريمة
واستكمالاً لفائدة البحث نرى لزاماً أن نشير الى أن قانوننا العقابي اسوة بالتشريعات العقابية المعاصرة أورد نصوصاً قانونية للظروف والأعذار القانوينة سواء منها المشددة أوالمخففة للجريمة وبيان ما إذا كانت هذه الظروف والأعذار لها تأثير على المساهمين في الجريمة من عدمه ، فهناك نوعان من الظروف ، ظروف مادية وظروف شخصية فالظروف المادية للجريمة هي التي تتعلق بالركن المادي للجريمة أي بموضوع الجريمة منها المشددة للعقوبة كالتسلق وكسر الأقفال وحمل السلاح في السرقة ومنها المخففة للعقوبة كوقوع السرقة على مال زهيد (م 446 / 2 عفوبات عراقي) وحول مدى تأثير هذه الظروف على المساهمين في الجريمة فقد اشارت المادة – 51 – عقوبات على أنه ( إذا توافرت في الجريمة ظروف مادية من شأنها تشديد العقوبة أو تخفيفها سرت أثارها على كل من ساهم في إرتكابها فاعلاً أو شريكاً علم بها أو لم يعلم.
هذا وقد جاء النص العقابي في قانون العقوبات الاردني على غرار النص العراقي بأن أشار الى أن ( مفاعيل الاسباب المادية التي من شأنها تشديد العقوبة أو تخفيفها أو الاعفاء منها تسري على كل من الشركاء (الفاعلين مع غيرهم) في الجريمة أو المتدخلين فيها أو المحرضين على ارتكابها مع ان مثل هذا النص العقابي لم يرد في قانون العقوبات المصري فأن الفقه والقضاء في مصر يقر بسريان الظروف المادية في الجريمة المشددة والمخففة على كل من ساهم فيها فاعلاً أو شريكاً علم بها أو لم يعلم وذلك طبقاً لما جرى عليه الفقه والقضاء في فرنسا التي لم يرد في قانونها أيضاً نصاً مماثلاً للنص العراقي والأردني([83]).
وأما بصدد تأثير الظروف الشخصية على المساهمين في الجريمة فان من المتفق عليه تشريعاً وفقهاً وقضاءً أن الظروف الشخصية البحتة المتصلة بشخص المجرم لتسري عليه وحده دون غيره من المساهمين في الجريمة كالظروف المانعة من المسؤولية الجنائية أو المخففة لها ، أو المانعة من العقاب والظروف المشددة كالعود مثلاً .
ويثور خلاف بشأن سريان الظروف الشخصية المزدوجة عن المساهمين في الجريمة وهي الذي لها جانبان شخصي ومادي ، يتمثل الجانب الشخصي فيها بصفة تعود الى المجرم ويتمثل الجانب المادي فيها بأثرها الذي يغير وصف الجريمة فهي شخصية المصدر مادية الأثر ويسوق الدكتور محمود محمود مصطفى المثال التالي لهذه الحالة وهي صفة الخادم الذي يسرق المخدوم وصفة الطبيب في جريمة الاجهاض حيث تسهل هذه الصفة عادة ارتكاب الجريمة بما يغير بالتالي من وضعها القانوني أي التكييف القانوني ([84]).
اما عندنا في العراق فأن قانون العقوبات العراقي يقضي سريان أثر الظروف المزدوجة الى المساهم في الجريمة فاعلاً أو شريكاً أذا كان عالماً بها أي المعول عليه هنا هو علم الجاني بها ، فقد نصت المادة-51- منه على أنه (اذا توافرت ظروف مشددة شخصية سهلت ارتكاب الجريمة فلا تسري على غير صاحبها الا إذا كان عالماً بها ، اما ما عدا ذلك من الظروف فلا يتعدى أثرها شخص من تعلقت به سواء كانت ظروف مشددة أو مخففة).
هذا وقد ميز قانون العقوبات المصري بين الفاعل والشريك في هذا الصدد ، أذ نص الشق الأخير من المادة 39 منه على انه (..اذا وجدت أحوال خاصة بأحد الفاعلين تقتضي تغيير وصف الجريمة أو العقوبة بالنسبة له فلا يتعدى أثرها الى غيره منهم) أي لا يتعدى أثرها الى الفاعلين الاخرين معه في حين قضت المادة 41 /1 منه على انه (( لا تأثير على الشريك من الأحوال الخاصة بالفاعل التي تقتضي تغيير وصف الجريمة اذا كان الشريك غير عالم بتلك الأحوال)) أي ان لأحوال الفاعل التي تقتضي تغيير وصف الجريمة تأثير على الشريك أذا كان عالماً بها.
واما بالنسبة للأعذار القانونية في الجريمة فان قانوننا العقابي أورد في المادة (52) منه النص التالي ( اذا توافرت اعذار شخصية من العقاب أو مخففة له في حق احدالمساهمين فاعلاً أو شريكاً فلا يتعدى أثرها الى غير من تعلقت به ، أما الأعذار المادية المعفية من العقاب أو المخففة له ، فأنها تسري في حق كل من ساهم في ارتكاب الجريمة .
فالاعذار المادية هي التي تتعلق بالركن المادي للجريمة أي بموضوعها من حيث إتصالها بالمجني عليه أو بذات السلوك الإجرامي أو بنتيجته الجرمية ، وتسري أثار هذه الأعذار إذا توافرت في جريمة على كل من ساهم في ارتكابها فاعلاً أو شريكاً سواء كانت معفية من العقاب ، كأتلاف مرتكب جريمة التقليد أو التزوير أو التزييف مادة الجريمة قبل استعمالها وقبل الشروع في البحث عن مرتكبها (م303 عقوبات عراقي) أو كانت مخففة للعقاب كالخطف الذي لم يحدث أذى بالمخطوف وتركه قبل أنقضاء مدة ثمانية واربعين ساعة من وقت الخطف في مكان أمين يسهل الرجوع منه الى أهله (م426/1) .
أما الأعذار الشخصية فهي المتصلة بشخص المجرم ولا يتعدى أثرها على غير من تعلقت به من المساهمين في ارتكاب الجريمة فاعلين أوشركاء ، وقد تكون معفية من العقاب كالأعفاء من عقوبة الاتفاق الجنائي اذا بادر المجرم بأخبار السلطات العامة بوجود الاتفاق الجنائي وعن المشاركين به قبل وقوع أية جريمة من الجرائم المتفق على ارتكابها وقبل قيام السلطات الامنية بالبحث والاستقصاء عن أولئك الجناة (م59/1 عقوبات عراقي) كما قد تكون الأعذار الشخصية مخففة للعقوبة كأبلاغ أو أعتراف الراشي أو الوسيط بالجريمة بعد اتصال الدعوى بالمحكمة وقبل انتهاء المحاكمة فيها( م-311- عقوبات عراقي ).
وبعد أن وقفنا على أثر الظروف المادية والظروف الشخصية على المساهمين في الجريمة فاعلين كانوا أم شركاء لابد أن نلقي بعض الضوء على مدى تأثير النتائج المحتملة للجريمة المرتكبة على المساهمين الأصليين والشركاء على حد سواء ، فقد نصت المادة – 53 – من قانون العقوبات العراقي على أنه (يعاقب المساهم في الجريمة فاعلاً أو شريكاً بعقوبة الجريمة التي وقعت فعلاً ولو كانت غير التي قُصد ارتكابها حتى كانت الجريمة التي وقعت نتيجة محتملة للمساهمة التي حصلت ) في حين اشار قانون العقوبات المصري الى نتيجة مقاربة لما ورد في النص العراقي حيث أوضحت المادة 43 منه بالقول (( … من اشترك في جريمة فعليه عقوبتها ولو كانت غير التي تعمد ارتكابها حتى كانت الجريمة التي وقعت نتيجة محتملة للتحريض أو الاتفاق أو المساعدة التي حصلت )) ويلاحظ ان النص العراقي يختلف عن النص المصري في كونه ينطبق على الشريك والفاعل في حين ان النص المصري ينطبق فقط على الشريك وأن كان الرأي في الفقه والقضاء المصري قد استقر على تطبيق المادة -43- أيضاً على الفاعل اذا كان ارتكب فاعل اخر جريمة تُعد نتيجة محتملة لمساهمتها([85]).
ويبدو من كل ما تقدم ان اقرار قانون العقوبات العراقي والمصري مسؤولية المساهم في الجريمة عن النتائج المحتملة للجريمة التي ساهم فيها يتعارض مع القواعد العامة للاشتراك في الجريمة التي تقضي بعدم مسائلة شخص عن جريمة يقوم بها غيره الا إذا أحاط علمه بعناصرها واتجهت ارادته الى المساهمة فيها كذلك لاحظ الفقهاء (ان عدم ايراد مثل هذين النصين العراقي والمصري أقرب الى الصواب فترك أمر تقرير مسؤولية كل من ساهم في الجريمة فاعلاً أصلياً أو شريكاً فيها للقضاء وتحدد هذه المسؤولية على ضوء الافعال التي قاموا بها فيترك أمره للقضاء الذي يمثل الضمانة الأكيدة لحسن تطبيق القانون)([86]).
ولابد أخيراً من بيان حالة اختلاف القصد من أحد المساهمين في الجريمة عن قصد الأخر ففي هذه الحالة يعاقب كل منهم بحسب قصده أو كيفية علمه بها هذا ما أوردته المادة (54 من قانون العقوبات العراقي حيث نصت على انه ( اذا اختلف قصد أحد المساهمين في الجريمة – فاعلاً أو شريكاً – أو كيفية علمه بها عن قصد غيره من المساهمين أو عن كيفية علم ذلك الغير بها ، عوقب كل منهم بحسب قصده أوكيفية علمه).
وكمثال على اختلاف القصد – اذا قصد الفاعل قتل المجني عليه مع سبق الاصرار وهو ظرف مشدد بينما اقتصر قصد الشريك والفاعل الأخر على القتل العمد لعدم وجود تصميم سابق لديهما عوقب الفاعل الأصلي بعقوبة القتل العمد مع سبق الاصرار وعوقب كل من الفاعل الآخر والشريك بعقوبة القتل العمد.
كذلك اذا حرض (أ) (ب) على ضرب (ج) مع علمه انه مصاب بمرض يؤدي الى موته في حالة ضربه ، وكان (ب) يجهل ذلك عندما اقدم على ضربه عوقب (أ) المحرض بعقوبة القتل العمد وعوقب (ب) الفاعل بعقوبة الضرب المفضي الى الموت ، وكمثال على اختلاف كيفية العلم بالجريمة اذا اخفى (أ) و (ب) أشياء متحصلة من جريمة سرقة وكان (أ) يعلم بأن تلك الأشياء متحصلة من سرقة بسيطة و (ب) يعلم انها متحصلة من جريمة سرقة مقترنة بظرف مشدد عوقب (أ) حسب كيفية علمه بجريمة اخفاء أشياء متحصلة من سرقة بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات وعوقب (ب) حسب كيفية علمه بجريمة الأخفاء بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات (م460 عقوبات).
ولم يرد نص مماثل للنص العراقي في القوانين العقابية للدول الأخرى المتقدمة مثل فرنسا ومصر والاردن وسوريا ولبنان وان كان يتحسن ايراد مثل هذا النص الذي أورده المشرع العراقي الا أن محاكم تلك الدول أخذت باحكام القواعد العامة التي وردت في النص العراقي([87]).
الخاتمة
كنا قد اخترنا بحثاً بعنوان المساهمة الجنائية في التشريع العراقي ولقد تم اختيارنا لهذا الموضوع لاهميته العلمية من الناحيتين الفقهية والقضائية ذلك أنه من المؤكد وبالذات في عصر التطور التكنولوجي وتغير المفاهيم والقيم ومنظومة الافكار والآراء في المجتمعات وتأثير وسائل الاتصال الحديثة اضافة الى الازمات الحادة التي تمر بها البلاد نجد ان غالبية الجرائم ترتكب بفعل اشخاص عديدين يساهمون في ارتكابها كلٌ بحسب الدور الذي ُرسم له في تنفيذها..
ولقد توقفنا عند مبدأ وحدة الجريمة مع التفرقة بين المساهمة الاصلية والمساهمة التبعية فيها، بين من يقوم بمهمة ارتكاب فعل القتل مثلاً وهو ما يطلق عليه الفاعل المساهم الاصلي وبين الشريك المساهم التبعي ولعل الحالة الواضحة والشائعة هي حالة ارتكاب الفاعل للجريمة لوحده، الفاعل الذي يقوم بفعل اطلاق النار صوب المجني عليه فيرديه قتيلاً، هذا الفاعل يكون هو وحده من قام بفعل القتل وتحققت نتيجته الجريمة وهي الوفاة، فتوفر لديه الركن المادي وقصده الجرمي (الركن المعنوي) و الرابطة السببية بين الفعل والنتيجة، لكن الذي يثير الاشكال ويحتاج الى وقفه تأمل واستبصار هو حالة ارتكاب الفاعل للفعل الجرمي ليس لوحده كما في الحالة المتقدمة وانما بمساهمة آخرين حُدد دور كل واحد منهم في تنفيذها وقد بينا حالة الشريك (المساهم التبعي) بحسب تعريف المادة 48 من قانون العقوبات العراقي وحالة الاتفاق الجنائي والتحريض على ارتكاب الجريمة.. وقد تم الوقوف عند حالة الفاعل (المعنوي) وكيف ان جانبا من الفقه يرفض فكرة الفاعل المعنوي([88]).
فيما يرى فريق آخر من الفقهاء انه ليس في القانون مايحول دون الاخذ بهذا الرأي فيما ذهب فريق ثالت من الفقهاء الى قبول الفكرة في حالة كون منفذ الفعل المادي لاتتوفر لديه الاهلية الجنائية، كالمجنون و الصغير غير المميز([89]).
في حين أقرّ القضاء المصري في بعض احكامه فكرة الفاعل (المعنوي) (فاعتبر فاعلاً للقتل بالسم من يضع السم في حلوى ويوصلها الى المجني عليه بوساطة شخص حسن النية، وقضى بأن من يقدم اخباراً كاذبا بوساطة شخص لم يكن الا آلة بيد الاول يكون فاعلا لهذه الجريمة)([90]).
وقد تم الوقوف قليلاً عند الاشتراك في الجريمة التامة وكذلك الاشتراك في الشروع في الجريمة وتبين لنا سلوك الشريك الجنائي عندما يتخذ احدى وسائل الاشتراك سواء بالتحريض او بالاتفاق او المساعدة الجنائية وحالة الاشتراك في الاشتراك والعدول عن الاشتراك والشروع في الاشتراك وحكم القانون بذلك وخلصنا الى عقوبة المساهم التبعي وحالة انفراد الشريك بالعقاب وتميزها عن حالة الفاعل المعنوي.
وقد رأينا من خلال البحث ان الاشتراك لا يتحقق، الا اذا قصد الشريك على ارتكاب جريمة معينة كالقتل او السرقة او احراق اموال الغير او اي من الجرائم المنصوص عليها قانونا وقد بينا ضرورة ان يتحدد قصد الشريك بارتكاب جريمة معينة وقد أخذ بهذا الرأي جانب من الفقه الجنائي ونحن نميل الى الاخذ بهذا الرأي لكونه الارجح والاقرب الى تحقيق العدالة.
وقد تعزز ذلك لدينا بعرض بعض القرارات الصادرة من قضائنا العراقي ومن قضاء محكمة تميز الاقليم بالذات، وخلصنا الى القول بان يترك الامر للقضاء ليقول كلمته، فللقضاء كلمة الفصل في هذه المسألة من خلال ماتبين له من وقائع القضية وملابساتها، وبيان تأثير الظروف والاعذار القانونية والقضائية على اي من مرتكبي الجريمة ومن ثم اتخاذ القرار المناسب..
اننا بهذا نكون قد انتهينا من القاء بعض الضوء على هذا الموضوع والذي نأمل ان نكون قد وفقنا في طرحه للبحث والمناقشة عسى ان يكون فيه نفع وفائدة فأن كنا قد اصبنا فذلك توفيق من الله العلي القدير وان كنا قد اخفقنا في بعض جوانب منه فالكمال لله وحده..
عضو الادعاء العام
قحطان ناظم خورشيد
المصادر
1.د. احمد صفوت، شرح القانون الجنائي، القسم العام القاهرة سنة 1928.
2. د. احمد فتحي سرور، الوسيط في شرح قانون العقوبات، الجزء الاول القسم العام، مطبعة القاهرة.
3. د. اكرم نشأت ابراهيم في كتابه الموسوم (القواعد العامة في القانون العقوبات المقارن) الطبعة الولى لسنة 1998 الصادر من مطبعة الفتيان بغداد.
4.السعيد مصطفى السعيد- شر ح الاحكام العامة في قانون العقوبات- طبعة 4- القاهرة- 1962.
5. د. حسنين ابراهيم صالح عبيد، النظرية العامة للظروف المخففة، رسالة دكتوراه القاهرة سنة 1970.
6. د. رؤوف عبيد، السببية في القانون الجنائي طبعة ثانية القهرة 1972.
7. د. رمسيس بهنام، النظريات العامة للقانون الجنائي، الاسكندرية 1965.
8. د. عبدالوهاب حومد، العقوبة الجزائية العامة، طبعة خامسة دمشق 1959.
9. د. علي راشد، القانون الجنائي، المدخل واصول النظرية، الطبعة الثانية القاهرة سنة 1974.
10.د. علي زكي العرابي شرح القسم العام لقانون العقوبات المصري، القاهرة 1925.
11.د. علي حسين خلف ،د, سلطان عبدالقادر الشاوي، المباديء العامة في قانون العقوبات، بغداد، 1982.
12.د. فخري عبدالرزاق الحديثي، شرح قانون العقوبات، القسم العام، بغداد ، 1992.
13.د. فوزية عبدالستار، المساهمة الاصلية في الجريمة، رسالة الدكتوراه لسنة 1967.
14.د. كامل السعيد، الاحكام العامة للاشتراك الجرمي في قانون العقوبات الاردني، عمان 1983.
15.د. محمد الفاضل، محاضرات في تسليم المجرمين، القاهرة طبعة 1966.
16.د. محمد زكي ابو عامر، قانون العقوبات القسم العام الاسكندرية طبعة 1986.
17.د. محمد محي الدين عوض، القانون الجنائي مبادوؤه الاساسية ونظرياته العامة في التشريعية المصري والسوداني القاهرة سنة 1963.
18.د. محمد مصطفى القللي، المسؤولية الجنائية، طبعة ثانية القاهرة 1984.
19.د. محمود ابراهيم اسماعيل، شرح الاحكام العامة في القانون العقوبات القاهرة 1959.
20.د. محمود محمود مصطفى، شرح قانون العقوبات، القسم العام، طبعة ثامنة القاهرة سنة 1971.
21.د. محمود محمود مصطفى، اصول قانون العقوبات في الدول العربية، الطبعة الثانية، القاهرة، 1960.
22.د. محمود محمود مصطفى، فكرة الفاعل والشريك في الجريمة، المجلة الجنائية القومية مجلد1 عدد1 القاهرة 1958.
23.د. محمود نجيب حسني، المساهمة الجنائية في التشريعات العربية، القاهرة طبعة سنة 1960.
المجلات القانونية
1. المبادي القانونية في القرارات الجزائية لمحكمة التمييز اقليم كوردستان، اعداد القاضي عثمان ياسين، مطبعة منارة اربيل.
2. المختار من قضاء المحكمة التمييز القسم الجنائي، الجزء الثاني، اعداد الاستاذ ابراهيم المشاهدي نائب رئيس محكمة التمييز سابقاً.
3. مجلة القضاء العراقية.
4. مجلة العلوم القانونية، السياسية- العدد الثاني- سنة 1964- القاهرة.
القوانين
– قانون العقوبات العراقي المرقم111 سنة1969
الفهرست
الموضوعات
الصفحة
1 المقدمة
3
2 المبحث الاول: المباديء الاساسية في المساهمة الجنائية
5
3 المطلب الاول: تعريف المساهمة الجنائية وعناصرها
5
4 المطلب الثاني: المذاهب المختلفة في المساهمة الجنائية
6
5 أولاً/ مذهب وحدة الجريمة مع التفريق بين الفاعل والشريك
6
6 ثانياً/ مذهب وحدة الجريمة مع عدم التفريق بين الفاعل والشريك
8
7 ثالثاً/ مذهب تعداد الجرائم بتعدد المساهمين
9
8 المطلب الثالث: التمييز بين الفاعل والشريك في الجريمة
10
9 اولاً/ معيار التمييز بين الفاعل والشريك
10
10 ثانياً أهمية التمييز بين الفاعل والشريك
12
11 المبحث الثاني: المساهمة الاصلية في الجريمة
15
12 الملطب الاول: حالات المساهم الاصلي
15
13 اولاً/ مرتكب الجريمة لوحده
16
14 ثانيا/ مرتكب الجريمة مع غيره
16
15 ثالثاً/ مركتب العمل من الاعمال المكونة لها
17
16 رابعاً/ الشريك الحاضر في مسرح الجريمة
17
17 المطلب الثاني: العقوبة المقررة للمساهم الاصلي
18
18 المبحث الثالث: المساهمة التبعية للجريمة
19
19 المطلب الاول: الركن الشرعي للمساهمة التبعية
20
20 المطلب الثاني: الركن المادي للمساهمة التبعية
21
21 أولا/ التحريض
21
22 ثانياً/ الاتفاق
22
23 ثالثاً/ المساعدة
23
24 المطلب الثالث: النتيجة الجرمية وعلاقتها السببية بسلوك الشريك
24
25 اولاً/ الاشتراك في الاشتراك
24
26 ثانياً/ العدول عن الاشتراك
26
27 ثالثاً/ الشروع في الاشتراك
27
28 المطلب الرابع: الركن المعنوي للمساهمة التبعية
27
29 المطلب الخامس: عقوبة المساهم التبعي
29
30 المطلب السادس: تأثير الظروف والاعذار القانونية على المساهمين في الجريمة
31
31 الخاتمة
35
32 المصادر
37
33 الفهرست
38
([1]) الدكتور محمود نجيب حسني، المساهمة الجنائية في التشريعات العربية، القاهرة، طبعة سنة 1960، ص15
([2]) د. محمود نجيب حسني، نفس المصدر، ص16
([3]) وفي هذا المعنى ذهبت محكمة التميز العراقية في قرار صادر من هيئتها العامة الى القول (….من حيث ان الثابت ان ارتكاب المتهمين الأربعة لجريمتي قتل المجني عليهما عمداً مع سبق الإصرار بالإتفاق والإشتراك بإرتكابها تدل على شراسة في طبائع المدانين وإستهتارهم بلأرواح البشرية فيكون فعلهم ينطبق وأحكام المادة 406/ 1-أ عقوبات وبدلالة مواد لإشتراك 47، 48، 49 منه صحيحاً وموافقاً للقانون فقرر تصديقه ) قرار الهيئة العامة المرقم 8/ هيئة عامة/ 1991 في 30/ 7/1991 وهذا يعني ان الأفعال الجرمية التي ارتكبها المتهمون والتي احدثت النتيجة الجرمية وهي القتل فاستحقوا عنها عقوبة الإعدام-نقلاً عن الأستاذ ابراهيم المشاهيدي في كتابة الموسوم (المختار في قضاء محكمة التمييز/ القسم الجنائي جـ2، سنة1977، ص79.
([4])د. علي راشد، القانون الجنائي، المدخل واصول النظري العامة، الطبعة الثانية، القاهرة 1947، ص439
([5]) د. محمود محمود مصطفى، شرح قانون العقوبات، القسم العام، الطبعة الثانية، القاهرة، ص308
([6]) د. محمود محمود مصطفى، المصدر نفسه، ص309
([7]) د. محمود محمود مصطفى، نفس المصدر،ص309، وفي هذا المعنى وفي هذا المعنى نجد ان القرار الصادر من الهيئة العامة لمحكمة التمييز العراقية ما يؤكد ذلك بصدد المساهمة في ارتكاب الجريمة حيث تم اتفاق المتهمين على استدراج الضحية سائق السيارة مع سيارته الى منطقة نائية وفتشوا جيوبه واخذوا نقوده واطلقوا عليه النار وسرقوا سيارته وحثوا عليه التراب لغرض اخفاء جسم الجريمة فصدقت قرار محكمة الجنايات بتجريمهم وفق المادة 406/ 1-ج عقوبات وبدلالة مواد الإشتراك حيث اعتبر كل واحد من المتهمين الإثنين فاعلاً رئيسياً لها القرار 103/ هيئة عامة، 1992في 3/10/1992 نقلاً عن الأستاذ ابراهيم المشاهدي، المصدر نفسه، ص103.
([8]) الدكتور محمود محمود مصطفى، المصدر نفسه، ص309
([9]) الدكتور محمود محمود مصطفى، فكرة الفاعل والشريك في الجريمة بحث منشور في المجلة الجنائية القومية، مجلد1، عدد1، القاهرة 1958، ص22
([10]) د. محمود محمود المصدر نفسه، ص23
([11]) لمزيد من التفاصيل راجع د. أكرم نشأت ابراهيم في كتابه الموسوم (القواعد العامة في قانون العقوبات المقارن) الطبعة الأولى سنة 1998، الصادر عن جامعة الفتيان، ص201
([12]) د. محمود نجيب حسني، المصدر نفسه، ص406
([13]) المصدر نفسه، ص407.
([14]) د. محمود محمود مصطفى، المصدر السابق، ص24.
([15]) قرار الهيئة العامة بالعدد 28/ هيئة عامة/ 1991 خ30/7/1990 نقلاً عن الإستاذ المشاهدي المصدر نفسه،ص113.
([16]) الدكتور أكرم نشأت ابراهيم، المصدر نفسه، ص203
([17]) البحث الموسوم بـ (الإتجاه الحديث في فكرة الفاعل والشريك في الجريمة) الذي أُلقي في مؤتمر الجمعية الدولية لقانون العقوبات للفترة من 26/9-ولغاية2/10/1957 وشارك فيه نخبة من الفقهاء والباحثين والذي عقد في أثينا، راجع مجلة العلوم القانونية السياسية العدد الثاني سنة 1964، القاهرة، ص112.
([18]) الدكتور أكرم نشأت إبراهيم، المصدر نفسه، ص203
([19]) نقلاً عن الدكتور محمود محمود مصطفى، المصدر نفسه، ص25
([20]) لمزيد من التفاصيل أنظر الدكتور أكرم نشأت ابراهيم المصدر نفسه، ص204 وما بعدها وتأكيداً لما أورده د. نشأت ابراهيم من ان قانوننا العقابي أخذ بمبدأ الإستعارة النسبية بالنسبة لموقف الشريك الجنائي الى موقف الفاعل الأصلي فقد تبنى قضائنا الجنائي ذلك ففي قرار لمحكمة تمييز اقليم كوردستان فقد تم المصادقة على قرار الإدانة والحكم بحق المتهمين وفق المادة (405 عقوبات) وبدلالة المواد 47، 48، 49 من ذلك ان احد المتهمين حضر مسرح الجريمة وهو يحمل كلاشنكوفً واطلق عيارات نارية صوب المجني فأعتبر فعل الفاعل شريكاً في جريمة القتل بصرف النظر عن كون الإطلاقات التي أطلقها أصابت المجني عليه أم لا، مادام تم إطلاق النار من الفاعلين الآخرين (قرار الهيئة العامة 2002 في 7/ 9/ 2002 منشور في كتاب المبادئ القانونية في القرارات الجزائية لمحكة تمييز كوردستان ، اعداد القاضي عثمان ياسين، مطبعة منارة
([21]) د. اكرم نشأت ابراهيم، المصدر نفسه، ص203
([22]) د. محمود نجيب حسني، المصدر نفسه، ص407
([23]) المصدر نفسه، ص408، وانظر أيضاً من أنصار هذا المذهب الدكتورة فوزية عبدالستار في كتابها (المساهمة الأصلية في الجريمة) رسالة الدكتوراه، القاهرة، 1967ص90)
([24]) فوزية عبدالستار، المصدر نفسه، ص88
([25]) المصدر نفسه، ص89
([26]) القرار التمييزي رقم 102/ هيئة جزائية ثانية/ 2008 في 5/6/2008 منوشر في مجلة النشرة القضائية العدد الثاني بغداد، ص41 من منوشرات مجلس القضاء الاعلى.
([27]) الدكتور أحمد فتحي سرور، الوسيط في شرح قانون العقوبات، الجزء الأول، القسم العلم، القاهرة، ص502 ويبدو ان الدكتور سرور هو من أشد المتحمسين لهذه الفكرة أو هذا المعيار –ان صح التعبير-
([28]) تنص المادة (51) من قانون العقوبات العراقي على أن اذا توافرت في الجريمة ظروف مادية من شأنها تشديد العقوبة أو تخفيفها سرت آثارها على كل من ساهم في ارتكابها فاعلاً كان اوشريكاً علم بها او لم يعلم، اما اذا توافرت ظروف مشددة شخصية سهلت ارتكاب الجريمة فلا تسري على غير صاحبها الا اذا كان عالماً بها. اما عدا ذلك من الظروف فلا يتعدى اثرها شخص من تعلقت به سواء كانت ظروفاً مشددة او مخففة.
ولمزيد التفاصيل في مسالة كيفية فرض العقوبة على الفاعل الاصلي والمساهم التبعي (الشريك)، انظر: الدكتور ، محمد محي الدين عوض في كتابه الموسوم (القانون الجنائي مباديء اساسية ونظرياته العامة في التشريعين المصري والسوداني، القاهرة، ن سنة 1963 . .
([29]) وهو المذهب الذي تبناه الدكتور محمود نجيب حسني، المصدر نفسه، 407
([30]) د. فوزية عبدالستار، المصدر نفسه، ص88
([31]) د. محمود نجيب حسني، المصدر نفسه، ص408
([32]) المصدر نفسه، ص408
([33]) من توصيات المؤتمر الدولي السابع لقانون العقوبات بشأن التميز بين الفاعل والشريك، راجع لمزيد من التفصيل د. فوزية عبدالستار، المصدر نفسه، ص89
([34]) قرار الهيئة العامة رقم 112/ هيئة عامة/ 1992 في 30/11/1992 منشور في مجلة الاحكام العدلية التي يصدرها المكتب الفني في محكمة التمييز/ العددان الثالث والرابع لسنة 1993.
([35]) د. فوزية عبدالستار، المصدر نفسه، ص184، وهي التي قامت بدراسة مقارنة بين القوانين العقابية بصدد موضوع المساهم الأصلي والمساهم التبعي في رسالتها للدكتوراه الموسوم بـ (المساهمة الأصلية في الجريمة) تقدمت بها لجامعة القاهرة، 1967
([36]) المصدر نفسه، ص185
([37]) د. فوزية عبدالستار، المصدر نفسه، ص185
([38]) د. محمد زكي ابو عامر، شرح قانون العقوبات القسم العام، الأسكندرية، طبعة 1986، ص389
([39]) المصدر نفسه، ص389
([40]) نقلاً عن كتاب المباديء القانونية في القرارات الجزائية لمحكمة التمييز لاقليم كوردستان سنة 1999-2003 اعداد القاضي: عثمان ياسين، مطبعة منارة، ص44.
([41]) د. رؤوف عبيد، السببية في القانون الجنائي، طبعة ثانية، القاهرة، 1972، ص316
([42]) د. محمود ابراهيم اسماعيل، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات، القاهرة 1959، ص304 والدكتور محمد فاضل في كتابه القيم (محاضرات في تسليم المجرمين) القاهرة طبعة عام 1966، ص12 حيث اسهب الدكتور الفاضل في شرح هذه الحالة. وقد ذهبت محكمة التميز العراقية الى إعتبار أن احد المتهمين كان يقود سيارته خلف سيارة المجني عليه وقام زميله المتهم الآخر بإطلاق النار على الضحية وإصابته بمقتل مع علم الأول وإتفاقه مع شريكه مُطلق النار في قتل المجني عليه يجعل كل منهما فاعلاً أصلياً للجريمة (انظر القرار التميزي رقم 8-هيئة عامة، 1991، في 30/7/1991 نقلاً عن الأستاذ ابراهيم المشاهدي في كتابه المختار من قضاء محكمة التمييز –الفسم الجزائي، المصدر نفسه، ص84
([43]) د. عبدالوهاب حومد، الحقوق الجزائية العامة، طبعة خامسة، دمشق 1959، ص301
([44]) رقم القرار 4/ هيئة عامة/ 1991 في 16 /5/1990 منشور في مجلة القضاء العراقية الصادرة من نقابة المحامين العراقية العددان الأول والثاني في 1991، النسة السادسة والأربعون، ص164
([45]) قرار رقم 15/ هيئة عامة/ 1992في 29/2/1992 منشور في المختار من قضاء محكمة التمييز، للاستاذ المشاهدي، القسم الجنائي، الجزء الثاني، ص90.0
([46]) هذا وقد اعتبرت محكمة التمييز العراقية قيام المتهمين بإرتكاب جريمة القتل للمجني عليه وبهذه الطريقة البشعة لغرض الإستيلاء على نقوده وأن تجريمهما ومن قبل محكمة الجنايات وفق المادة 406/أ-ج، ج عقوبات وبدلالة مواد الإشتراك 47، 48، 49 منه والحكم كل على واحد منهم بالإعدام شنقاً حتى الموت، كان صحيحاً وموافقاً للقانون فقرر تصديق وذلك من منطلق ان كلاً المتهمين قاما بدور أصلي وفاعل في ارتكاب الجريمة و رقم القرار 20/ هيئة العامة /2001 في 13/1/2001 منشور في مجلة القضاء العراقية-العددان الأول والثاني- السنة السادسة والخمسون، ص104
([47]) د. عبدالوهاب حومد،المصدر نفسه، ص301.
([48]) نقلاً: عن د. محمود نجيب حسني، المصدر نفسه، ص288.
([49]) د. عبدالوهاب حومد،المصدر نفسه، ص302.
([50]) د. اكرم نشأت ابراهيم،المصدر نفسه، ص213.
([51]) د. محمد زكي ابو عامر، المصدر نفسه، ص401.
([52]) د. محمود نجيب حسني، المصدر نفسه، ص239.
([53]) د. محمود محمود مصطفى، المصدر نفسه، ص237.
([54]) نفس الشيء في القانون العقابي المصري بالنسبة لصور الاشتراك التي وردت فيه حيث لم يشترط طريقة معينة للتحريض وهو مافعله المشرع العراقي، انظر في تفصيل ذلك د. محمود محمود مصطفى-المصدر نفسه، ص327.
([55]) د. احمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات، ج1، القسمالعام القاهرة، ص632.
([56]) د. احمد فتحي سرور، المصدر نفسه، ص632.
([57]) د. محمود محمود مصطفى، المصدر نفسه، ص331.
([58]) نقلاً عن كتاب المباديء القانونية في القرارات الجزائية لمحكمة تمييز اقليم كوردستان، للقاضي: عثمان ياسين، نفس المصدر، ص24.
([59]) الدكتور السعيد مصطفى السعيد، المصدر نفسه، ص315.
([60]) تنص المادة 48/3 على أن من اعطى الفاعل سلاحاً او الات او اي شيء آخر مما استعمل في ارتكاب الجريمة مع علمه بها أو ساعده عمداً بأي طريقة اخرى في الاعمال المجهزة او المسهلة او المتممة لارتكابها، قانون العقوبات العراقي، رقم (111) لسنة 1969، ص24.
([61]) من هذا الرأي الدكتور احمد فتحي سرور، المصدر نفسه، ص641، و د. اكرم نشأت ابراهيم، المصدر نفسه، ص216، و د. محمود نجيب حسني، المصدر نفسه، ص643.
([62]) د. علي راشد-القانون الجنائي، المدخل واصول النظرية العامة-الطبعة الثانية القاهرة-1974، ص473.
([63]) د. محمود نجيب حسني-المصدر نفسه، ص463.
([64]) د. احمد فتحي سرور، المصدر نفسه، ص647، والدكتور السعيد مصطفى السعيد، المصدر السابق، ص38، و د. محمد زكي ابو عامر، المصدر نفسه، ص400، والدتور رمسيس بهنام-النظرية العامة للقانون الجنائي، الاسكندرية 1965، ص212.
([65]) نقلاً عن الدكتور محمود محمود مصطفى، المسؤولية الجنائية طبعة الثانية القاهرة 1948، ص320.
([66]) من هذا الرأي، د. اكرم نشأت ابراهيم، المصدر نفسه، ص217، والدكتور حسنين ابراهيم صالح عبيد/ النظرية العامة للظروف المختلفة، رسالة دكتوراه القاهرة 1970، ص216.
([67]) نقض مصري في 7/6/1943 نقلاً عن مجموعة القواعد القانونية التي قررتها المحكمة النقض المصرية في خمس وعشرين سنة من 1931-1955، ج6، ص279.
([68]) قرار الهيئة العامة لمحكمة التميز العراقية 23/ هيئة عامة/ 91 في 1/9/1991 منشور في كتاب الاستاذ ابراهيم المشاهدي الجزء الثاني من كتاب المختار في قضاء المحكمة التميز-القسم الجنائي سنة 1997، ص102، وفي قرار آخر اعتبرت محكمة التمييز قيام احد المتهمين بطعن المجني عليه بالدرنفيس الذي كان يحمله معه فيما قام الثاني بالضغط على رقبته بغية كتم انفاسه وخنقه وقبل ان يلفظ أنفاسه ارتكبا فعل اللواط معه فتم تجريمهم وفق المادة 406 عقوبات بدلالة المواد 49,48,47 منه- رقم القرار 26/ هيئة عامة/ 1991 في 30/9/1991، نفس المصدر، ص106.
([69]) الدكتور رؤوف عبيد-السببية في القانون الجنائي، المصدر نفسه، ص305، ولمزيد من التوسع في هذا الشأن انظر الدكتور احمد صفوت-شرح القانون الجنائي …… القاهرة، 1928، ص377.
([70]) الدكتور رؤوف عبيد-المصدر نفسه، ص306، وما بعدها.
([71]) الدكتور علي راشد-المصدر نفسه ص474.
([72]) الدكتور رؤوف عبيد-المصدر نفسه، ص345.
([73]) نقلاً عن الدكتور اكرم نشأت ابراهيم-المصدر نفسه، ص219.
([74]) الدكتور محمود ابراهيم اسماعيل، المصدر نفسه، ص318.
([75]) الدكتور علي زكي العرابي، شرح القسم العام لقانون العقوبات المصري، القاهرة طبعة 1925، ص37.
([76]) د. علي راشد، المصدر نفسه، ص474.
([77]) علي زكي العرابي، المصدر نفسه، ص37.
([78]) نقلا عن الدكتور محمود محمود مصطفى، المصدر نفسه، ص347.
([79]) لمزيد من التفاصيل انظر الدكتور نشأت ابراهيم، المصدر نفسه، 240.
([80]) الدكتور السعيد مصطفى السعيد، المصدر نفسه، ص330.
([81]) الدكتور على حسن الخلف والدكتور سلطان عبدالقادر الشادي، المباديء العامة في القانون العقوبات بغداد 1982 ص229، من هذا الرأي الدكتور فخري عبالرزاق الحديثي في كتابه القيم، شرح قانون العقوبات القسم العام، بغداد 1992.
([82]) الدكتورة فوزية عبدالستار، المصدر نفسه، ص348، وهي من انصار هذا الرأي الذي يميز بين الفاعل المعنوي والشريك بالتحريض وقد توسعت في تفصيل هذه المسألة بالقول (كذلك يشبه سلوك الفاعل (المعنوي) وسلوك الشريك بالمساعدة المنفرد بالعقاب ولكنهما يختلفان من حيث ان الفاعل الاصلي لديه ارادة ارتكاب الجريمة لحسابه وعن طريق شخص ينظر اليه كأداة في يده وارادته هي الوحيدة بالنسبة لجريمة المرتكبة اما الشريك بالمساعدة تتوافر لديه ارادة المساهمة في الجريمة اعتبارها جريمة غيره وارادته ثانوية بالنسبة للفاعل الاصلي فضلاً عن سلوك الفاعل ليس مساعدة في المعنى القانوني الدقيق لهذا التعبير) ص249 وما بعدها.
([83]) الدكتور كامل سعيد / الاشتراك في الجريمة المصدر نفسه ، ص48.
([84]) د. محمود محمود مصطفى، اصول قانون العقوبات في الدول العربية، الطبعة الثانية، القاهرة، سنة1960،ص110، ولمزيد من التفاصيل بهذا الشأن أنظر : د.محمد مصطفى القللي، المسؤولية الجنائية، القاهرة ، سنة 1948، ص112 وما بعدها.
([85]) انظر : د. محمود نجيب حسني، المصدر نفسه، ص495.
([86]) من هذا الرآي : د. كامل السعيد، المصدر نفسه، ص62.
([87]) للمزيد من التفاصيل أنظر : د.محمود محمود مصطفى، المصدر نفسه، ص108.
([88]) الدكتور رؤوف عبيد-المصدر نفسه، ص316.
([89]) الدكتور محمود نجيب حسني-المصدر نفسه، ص432.
([90]) نقض في 4/7/1916 المجموعة الرسمية سنة 18 ص25، رقم 13 ونقض 28/3/1903 مشار اليه في كتاب الدكتور السعيد مصطفى السعيد-المصدر السابق، ص301.
اترك تعليقاً