توضيحات قانونية حول تصويت الأمي في الانتخابات النيابية
د. ليث كمال نصراوين
مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات النيابية المقبلة تتسارع الجهود الحكومية والرسمية لإنهاء كافة الترتيبات اللازمة لإجراء الانتخابات في موعدها الدستوري حيث تراهن الدولة على الهيئة المستقلة للانتخابات لانقاذها من مأزق انعدام الثقة الشعبية بمصداقيتها وشرعية مجلسها البرلماني. فها هي الهيئة المستقلة للانتخاب تسابق الزمن لإصدار التعليمات التنفيذية الخاصة بإجراء الانتخابات والتي يتطلبها قانون الانتخاب الأردني لعام 2012، حيث يأتي في مقدمتها من حيث الأهمية التعليمات التنفيذية الخاصة بطريقة اقتراع الناخب الأمي أو الذي لا يعرف الكتابة وذلك استنادا لأحكام المادة (40) من قانون الانتخاب.
إن ما يسجل على المشرع الأردني في قانون الانتخاب أنه قد أحال إجراءات تنظيم تصويت الأمي إلى تعليمات تنفيذية خاصة تصدر عن الهيئة المستقلة للانتخاب في الوقت الذي كان يجب عليه أن يحدد آلية تصويت الناخبين الأميين وغير القادرين على القراءة والكتابة في صلب قانون الانتخاب بوضع الخطوط العامة لتلك الآلية، على أن يترك أمر معالجة التفصيلات الدقيقة إلى تعليمات تصدرها الهيئة المستقلة، وذلك كما كان عليه الوضع في كافة قوانين الانتخاب التي تعاقبت منذ تأسيس إمارة شرق الأردن والتي كانت تضمن آلية تصويت الأمي صلب قانون الانتخاب. فالفلسفة التشريعية من إصدار الأنظمة والتعليمات تتمثل في تنفيذ أحكام القانون وتوضيح كيفية تطبيقها، بحيث تلتزم هذه التعليمات عند إصدارها بحدود القانون المطلوب تنفيذه، فلا تعدل في نصوصه أو تعطل تنفيذها. لذا فإنه لا يفترض بالأنظمة والتعليمات أن تأتي بأحكام قانونية جديدة لم يتضمنها القانون، بل يجب أن يقتصر دورها على ضمان تطبيق النصوص القانونية والتوسع في تنفيذها.
ومع ذلك، فإن التعليمات المنتظر صدورها عن الهيئة المستقلة يجب أن تتجاوز العيوب المتكررة في آلية تصويت الأمي وغير القادرة على القراءة والكتابة والتي ما فتئ المشرع الأردني يطبقها حتى وقت قريب قبل صدور قانون الانتخاب الحالي. فمشروع قانون الانتخاب لعام 2012 ومن قبله قوانين الانتخاب المختلفة كانت تحدد إجراءات تصويت خاصة للأميين أقل ما يمكن القول عنها أنها غير دستورية وتخالف المادة (67) من الدستور التي تنص على أن “يتألف مجلس النواب من أعضاء منتخبين انتخابا عاما سريا ومباشرا وفقا لقانون الانتخاب”. فقد كان دائما ما يفرض المشرع الأردني في قانون الانتخاب على الناخب الذي يدعي الأمية أن يحلف اليمين أمام رئيس لجنة الاقتراع والفرز بأنه غير قادر على الكتابة وذلك تحت طائلة حرمانه من ممارسة حق الانتخاب إذا رفض ذلك.
إن مثل هذا الإجراء ينطوي على امتهان لكرامة الناخب وآدميته خاصة وأن الأشخاص الآخرين المواجدين في مركز الاقتراع والفرز من مرشحين ومندوبيهم سيعلمون أن الناخب لا يجيد القراءة والكتابة، وهو ما سيكون له تأثيرات نفسية على شخص الناخب قد تدفع به إلى العزوف عن المشاركة في الانتخابات تلافيا للحرج. كما أن حرمان الناخب الأمي الذي لا يؤدي القسم من الاقتراع يشكل مخالفة لأحكام المادة (67) من الدستور التي تنص على أن الاقتراع عاما ومقرر لجميع الناخبين وليس مقيدا بأدلاء اليمين أو بأي إجراء آخر حتى ولو كان الناخب أمي لا يعرف القراءة والكتابة.
وبعد أداء القسم، يعلن رئيس لجنة الاقتراع والفرز أمام عضويها أن الناخب أمي وغير قادر على الكتابة حيث يقوم ذلك الشخص بالهمس بصوت خافت لا يسمعه أحد سوى رئيس لجنة الاقتراع والفرز باسم المرشح الذي يريد انتخابه، وبعد عملية التصويت بالهمس يقوم رئيس لجنة الاقتراع والفرز بكتابة اسم المرشح وفق ما اختاره الناخب على ورقة الاقتراع، ويعرضها على عضوي اللجنة ثم يسلمها للناخب ويطلب منه وضعها في صندوق الاقتراع.
إن هذه الإجراءات الخاصة بتصويت الأمي في قوانين الانتخاب الأردنية المتعاقبة بعيدة كل البعد عن احترام مبدأ سرية التصويت الذي قرره الدستور الأردني، والذي يقصد به حق الناخب في الإدلاء بصوته يوم الاقتراع بسرية تامة تضمن عدم الكشف عن شخص المرشح الذي يختاره. فالتصويت السري يقوم على أن يدلي الناخب بصوته بطريقة لا تسمح للآخرين بمعرفة اتجاهه في التصويت أو الموقف الذي اتخذه فيه حرصا على حريته ولعدم التأثير عليه بالترهيب أو بالترغيب. فتصويت الأمي ولو من خلال الهمس لرئيس لجنة الاقتراع والفرز وعضويها يعد صورة من صور التصويت العلني، على اعتبار أن هناك ثلاثة أشخاص على الأقل هم أعضاء لجنة الاقتراع والفرز سيعرفون اسم المرشح الذي صوت له الناخب. كما أن وجود أشخاص آخرين في مركز الاقتراع من مرشحين ومندوبيهم قد يثير الشكوك بأن يسمع أي منهم همس الناخب أو أن يراقب حركة شفتيه ليتعرف على المرشح الذي صوت له الأمي أو الناخب غير القادر على القراءة والكتابة.
وبالإضافة إلى الحماية الدستورية، فإن مبدأ سرية التصويت في الانتخابات يتمتع بحماية دولية تضفي أهمية قصوى على تطبيقه على الصعيد المحلي. فقد اهتمت المواثيق والإعلانات الدولية لحقوق الإنسان بحق الناخب في سرية التصويت، إذ تم النص عليه صراحة في عدة مواثيق دولية أهمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 الذي ينص في المادة (21) منه على أن “إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم، ويجب أن تتجلى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجرى دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري”. كما أكدت الفقرة 2 من المادة (25) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 أن “للمواطن الحق في أن ينتخب وُينتخب في انتخابات نزيهة تجرى بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري تضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين”.
كما اعتبر الإعلان العالمي الخاص بنزاهة وحرية الانتخابات والذي أقره الاتحاد البرلماني الدولي بالإجماع في دورته رقم 154 المنعقدة في باريس في آذار 1994 أن لكل مواطن بالغ الحق في التصويت في سرية والذي هو حق مطلق لا يجب تقييده بأية طريقة كانت. وأخيرا فقد أكدت الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965 على ضرورة أن تتعهد الدول الأطراف بحظر التمييز العنصري فيما يتعلق بحق الاشتراك في الانتخابات اقتراعا وترشيحا وأن تقرره على أساس الاقتراع العام السري المتساوي.
إن الحلول والبدائل الذي يمكن أن تعتمدها الهيئة المستقلة للانتخاب في التعليمات التنفيذية الخاصة بتصويت الناخب الأمي أو غير القادر على القراءة والكتابة كبديل عن التصويت بالهمس كثيرة ومتعددة وسهلة للتطبيق، وأكثرها شيوعا أن يتم تطوير ورقة اقتراع خاصة بالناخبين الأميين بصورة تضمن أن يقترعوا بصورة سرية وأن يتفادوا التصويت بالهمس لأعضاء لجنة الاقتراع، إذ يمكن أن تتضمن ورقة الاقتراع أسماء المرشحين وصورهم الشخصية أو أي رمز أو إشارة للتعريف بهم ليقترع الناخب الأمي من خلال التعرف على صورة المرشح أو على أية علامة فارقة له وذلك بوضع إشارة بالقلم أو بالبصمة أمام صورة مرشحه أو رمزه الخاص الدال عليه.
ومن الآليات الأخرى التي يمكن للهيئة المستقلة اعتمادها لتصويت الأمي تلك الخاصة بتصويت الأشخاص المعوقين والتي تتم من خلال مرافقين لهم وفقا لإجراءات تصويت الأشخاص العاديين وذلك استنادا لأحكام المادة (41) من قانون الانتخاب. فتصويت الأمي أو غير القادر على القراءة والكتابة من خلال مرافق لا يتعارض مع أحكام الدستور الأردني أو قانون الانتخاب اللذين يشترطان أن يكون الاقتراع عاماً وسرياً ومباشراً دون أن يشترطا أن يكون الاقتراع شخصياً، وذلك على خلاف الوضع في قانون الانتخاب الفلسطيني الصادر رقم (9) لسنة 2005 الذي ينص صراحة على أن يمارس كل ناخب حقه في الانتخاب بصورة حرة ومباشرة وسرية وفردية، وأنه لا يجوز التصويت بالوكالة. وكذلك الحال في قانون الانتخاب اللبناني رقم (25) لسنة 2008 الذي ينص صراحة أنه لا يحق للناخب أن يوكل غيره بممارسة حق الاقتراع.
إن الهيئة المستقلة للانتخاب مدعوة إلى إعادة الاعتبار لتصويت هذه الفئة من الأردنيين في الانتخابات النيابية المقبلة في التعليمات التنفيذية الخاصة بتصويت الأميين التي ستصدر عنها وذلك لتفادي الأخطاء الدستورية السابقة حول مخالفة مبدأ سرية التصويت، ولضمان أن لا تكون تعليماتها ومن قبلها قانون الانتخاب الذي صدرت بمقتضاه عرضة للطعن بعدم دستوريتها أمام المحكمة الدستورية.
اترك تعليقاً