آثار المصالحة في جرائم الصرف
إن ما يهدف تحقيقه كل من الإدارة العمومية والمخالف من خلال إجراء المصالحة في المواد الجزائية بصفة عامة وفي جرائم الصرف بصفة خاصة هو هدف واحد ويتمثل في تفادي عرض النزاع على القضاء. فبمجرد ما تتم المصالحة بين الطرفين تنقضي الدعوى العمومية ونتيجة لذلك وحسب ما وصل إليه الطرفان في التصالح تثبت لكل من الأطراف والغير حقوقا، ولذلك فإن للمصالحة أثرين أساسيين بالنسبة للأطراف (أثر الإنقضاء وأثر التثبيت) وأثرين آخرين بالنسبة للغير ( عدم انتفاع الغير بالمصالحة وأن لا يضار الغير بالمصالحة).
أولا: آثار المصالحة بالنسبة للأطراف.
1- أثر الإنقضاء
بصريح نص م9 فقرة اخيرة وما قبل الأخيرة من الأمر 03-01[1] فإن المصالحة يمكن أن تمنح في أية مرحلة من الدعوى إلى حين صدور حكم قضائي نهائي وأن المصالحة تضع حدا للمتابعة تبعا لذلك فإن وقع الصلح قبل المتابعة أو بعدها أو بعد صدور حكم قضائي ما لم يصبح نهائي فإن الدعوى العمومية تنقضي. في حين قبل تعديل 2003 كانت م 425 مكرر ق ع لا تجيز المصالحة إلا إذا كانت قيمة محل الجريمة أقل أو تساوي30000 دج و تبعا لذلك قضت المحكمة العليا في قرارها رقم 148131 مؤرخ 20/05/1997 أن الدعوى الجزائية في جريمة الصرف التي محلها يفوق 30000 دج لا تقبل المصالحة إلا بنص صريح و هو ما لا يتوفر في قضية الحال[2].
ويختلف مآل القضية حسب المرحلة التي تكون قد وصلت إليها الدعوى أو القضية حين وقوع الصلح كالآتي:
1- إذا وقعت المصالحة قبل إحالة الملف إلى النيابة.
نميز بين الحالتين الآتيتين:
أ- إذا لم تتخذ النيابة بشأن الشكوى أي إجراء كطلب إجراء تحقيق افتتاحي أو جدولة الملف أمام المحكمة يتم حفظ الملف على مستواها لعدم تحريك الدعوى بعد.
ب- إذا قامت النيابة بالتصرف في الملف بتحريك الدعوى العمومية فإن الاختصاص لاتخاذ التدبير المناسب يعود إلى الجهة التي تنظر في القضية سواءا قاضي التحقيق أو قاضي الحكم.
2- إذا كانت القضية أمام قاضي التحقيق أو غرفة الإتهام: فيصدر أمر بالنسبة للأول وقرار بالنسبة للثانية بأن لا وجه للمتابعة بسبب انعقاد المصالحة، مع الإشارة أنه إذا كان المتهم رهن الحبس المؤقت يفرج عنه فورا.
3- إذا كانت القضية على مستوى جهات الحكم: يتعين عليها التصريح بانقضاء الدعوى العمومية. إلا أن القضاة غير متفقين على صيغة منطوق الحكم القاضي بانقضاء الدعوى ليذهب البعض منهم إلى القضاء بانقضاء الدعوى بسبب المصالحة ومنهم من يحكم بالبراءة بسبب المصالحة، وتدخلت المحكمة العليا لحسم الموقف فقضت بأن المصالحة تؤدي إلى انقضاء الدعوى العمومية وليس إلى البراءة[3]. مثال ذلك القرار الصادر عن مجلس قضاء وهران بصدد جريمة الصرف المؤرخ 21/12/1999 الذي قضى بانقضاء الدعوى العموية لوقوع المصالحة التي تمت بعد صدور الحكم الإبتدائي [4].
كما أنه إذا كانت القضية أمام المحكمة العليا فيتعين عليها التصريح برفض الطعن بسبب المصالحة بعد التأكد من وقوعها، وقضت بذلك المحكمة العليا في قرارين غير منشورين لعام 1999 قراري الغرفة الجزائية ملف 169982 قرار 25/01/1999 وملف 184011 قرار 25/01/1999[5].
2- أثر التثبيت
ويقصد بالتثبيت تثبيت الحقوق المعترف بها للإدارة والمعترف بها للمخالف وذلك كنتيجة لإجراء المصالحة الجزائية بوجه عام، إلا أنه بالنسبة لجرائم الصرف فأثر تثبيت الحقوق محصور على الإدارة وهي الحصول على بدل المصالحة والتخلي لها عن وسائل النقل ومحل الجنحة.
* حق تحديد مقابل الصلح:
منحت للإدارة المختصة بإجراء المصالحة نوع من الحرية في تحديد مقابل الصلح الذي يجب أن يدفعه المخالف إذ وضع المشرع حدين الأقصى والأدنى اللذين يجب مراعاتهما من طرف الإدارة فقط وفق المادتين 9 و4 من المرسوم التنفيذي رقم 03-111.
* التخلي عن وسائل النقل:
كما يحق للإدارة أن تطالب في مقرر المصالحة التخلي عن وسائل النقل الواجب التخلي عنها، وإن نفس المقرر يحدد وجب الدفع وآجاله مع تعيين المحاسب العمومي المكلف بالتحصيل وفقا لذلك يتم نقل ملكية كل من محل الجريمة ووسائل النقل ومقابل الصلح إلى الخزينة العامة وأملاك الدولة.
ثانيا: أثار المصالحة بالنسبة للغير
رجوعا إلى القواعد العامة فإن آثار العقد لا تنصرف إلى غير أطرافه المتعاقدين وانطلاقا من هذا المبدأ لا ينتفع الغير بها ولا يضار منها واتفقت التشريعات والجزائية الأخرى التي تجيز المصالحة على حصر آثار المصالحة في من يتصالح مع الإدارة وحده ولا تمتد للفاعلين الآخرين الذين ارتكبوا معه نفس المخلفة ولا إلى شركائه.
1- لا ينتفع الغير بالمصالحة
والمقصود بالغير هو كل الفاعلين الآخرين أو الشركاء في الجريمة دون المتهم المتصالح، فإنه بالرجوع إلى تشريعات جزائية أخرى وجمركية فإنها تحصر آثار المصالحة إلى المخالف أو الشريك الذي أجرى المصالحة مع الإدارة دون الفاعلين أو الشركاء الآخرين.
وتبعا لذلك لا تشكل المصالحة حاجزا أمام متابعة الغير وهذا ما قضت به المحكمة العليا في قرار صادر بتاريخ 22/12/1997 بشأن مخالفة جمركية والذي جاء فيه “حيث أنه من الثابت أن للمصالحة الجمركية أثر نسبي بحيث ينحصر أثرها في طرفيها ولا ينصرف إلى الغير، فلا ينتفع بها الغير ولا يضار منها” وهو نفس الاتجاه الذي ذهب إليه القضاء الفرنسي[6].
والإشكال الذي يطرح أمام القضاء في حالة تطبيق المبدأ القاضي أنه لا ينتفع الغير بالمصالحة هل يتعين الأخذ بعين الاعتبار ما دفعه المتهم المتصالح – من مقابل الصلح – في تقدير الجزاءات المالية التي ستقضى بها اتجاه المتهمين المساهمين أو الشركاء الآخرين؟
فكان موقف القضاء الفرنسي بعدم خصم مقابل الصلح المدفوع من طرف المتهم المتصالح إذ يدفع الفاعلين الآخرين والشركاء الجزاءات المالية كاملة بالتضامن فيما بينهم، وأكد هذا الموقف في قضيتين قضية سلمون (Salmon)26/11/1964 وقضية بوزليق[7] ومنه استقر القضاء الفرنسي على مبدأين:
المبدأ الأول: لا يستفيد من المصالحة الجمركية كلا من كان طرفا فيها ولا يمكن أن يشكل ذلك عائقا أمام متابعة الأشخاص الآخرين فاعلين أم شركاء.
المبدأ الثاني: المصالحة لا تؤخذ بعين الإعتبار عند تحديد العقوبات المالية للمتهمين الغير متصالحين، وعلى جهة الحكم أن تقضي على هؤلاء بكامل الجزاءات المالية المقررة بالفعل المنسوب إليهم. أما بالنسبة للقضاء الجزائري نفترض أنه إذا عرضت عليه مثل هذه القضايا لا شك أنه سيتخذ نفس موقف القضاء الفرنسي.
نقد المبدأ: إلا أننا نلاحظ أن مبدأ عدم انتفاع الغير بالمصالحة قد يسبب إجحافا في حق البعض مثاله أن يستفيد المتهم الرئيس من المصالحة في حين يقع تبعة الفعل الإجرامي كله على الفاعل الثانوي.
وهدتا بالنسبة لتطبيق المبدأ الجرائم الجمركية ن أما الجرائم الصرف فهل يكون القاضي مجبرا أيضا باستعباد بدل المصالحة الذي دفعه المتصالح في تقديره للجزاءات المالية التي ستطبق على الغير.
إن العقوبات المقررة لمرتكبي جرائم الصرف في م1 من الأمر رقم 96-22 المعدل والمتمم للأمر 03-01هي مصادرة البضاعة محل الجنحة ووسيلة النقل المستعملة في الغش. وإذا لم تحجز الأشياء المراد مصادرتها يتعين للقضاء على المدان بغرامة تقوم مقام المصادرة وتساوي قيمة هذه الأشياء.
فإذا حاولنا تطبيق المبدأ فإنه إدا شارك وساهم في الجريمة ثلاثة أشخاص وتمت الجريمة استعمال سيارة أخفيت فيها البضاعة محل الجريمة إلا أن المصالحة لم تتم إلا بالنسبة لأحدهما وهو صاحب السيارة والدي تخلى إثرها عن سيارته وعلى كامل البضائع المحجوزة فهل يقضي على المتهمين الآخرين بغرامة مالية تجمع قيمة البضاعة المحجوزة وقيمة وسيلة النقل،تقوم مقام مصادرتها أو يكتفي القضاء بالحلم عليهما بالغرامة الجزائية وعقوبة الحبس فقط؟
إنه لا يسوغ في مثل هده الحالة إلا الحكم على المتهمين بالحبس والغرامة الجزائية، على أساس أنه لا يجوز مصادرة الشيء مرتين وهو مبدأ مستقر عليه في المحكمة العليا في مواد جرائم الصرف قبل تعديل1996
2- لا يضار الغير من المصالحة:
ويقصد بهذه القاعدة أنه لا يمكن أن ترتب المصالحة ضررا لغير أطرافها وأساس هذه القاعدة م113ق.م.ج التي تقضي أنه لا يرتب العقد التزاما في ذمة الغير، ولكن يجوز أن يكسبه حقا. وكذا من مبدأ شخصية العقوبة المطبقة في المواد الجزائية وانطلاق من ذلك فإن أثر المصالحة بالنسبة للغير تتوقف على ما يأتي:
– بالنسبة للشركاء في الجريمة الغير أطراف في المصالحة غير ملزمون بما يترتب من آثار على المصالحة التي قام بها المتهم المتصالح.
– بالنسبة للمسؤولين المدنيين لا يلزمون أيضا بما يترتب عن المصالحة في ذمة المتصالح.
– بالنسبة للمضرور فإن المصالحة لا تلزمه بأي شيء ولا يمكنها أن تسقط حقه في طلب التعويض عن الضرر اللاحق به جراء المخالفة واللجوء للقضاء من أجل ذلك.
– أما الإدارة لا يمكنها أن تستعمل اعتراف المتهم المتصالح حجة ضد غيره من المساهمين أو الشركاء في الجريمة كما لا يستفيدون من الضمانات التي يقدمها المتصالح.
كما لا يمكن للإدارة في حالة إخلال المتصالح بالتزاماته الرجوع على الشركاء في الجريمة أو المسؤولين المدنين إلا إذا كان أحدهم ضامنا له أو متضامنا معه أو كان المتهم وكيلا عن أحدهما في مباشرة إجراء المصالحة.
[1] – وهذا ما لم يكن في الأمر 96-22 إذ لم ينص صراحة على انقضاء الدعوى بالمصالحة.
[2] _ المجلة القضائية،العدد الأول، سنة1998، قسم المستندات و النشر المحكمة العليا، الجزائر، ص 222.
[3] – غ.ج.م.ق 3 قرار مؤرخ في 09/06/1991 ملف رقم 71509، غير منشور ، د. أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي الخاص، ص207.
– انظر الملحق رقم14. [4]
[5] – د. أحسن بوسقيعة، المرجع السابق، ص 208.
[6] – استقر القضاء الفرنسي على هذا المبدأ منذ صدور قرار محكمة النقد المؤرخ في 26/08/1820 الذي ألغى قرار محكمة الاستئناف الذي قضى بإسقاط الدعوى العمومية بالنسبة للمتهم المتصالح وغيره من المتهمين الآخرين المتبعين من أجل التهرب من آداء الرسوم الجمركية.
[7] – أكثر تفاصيل عن القضيتين أنظر كتاب د. أحسن بوسقيعة، المصالحة، ص 204 و205.
اترك تعليقاً