أهمية حرية الصحافة والقيود الواردة عليها
تعد حرية التعبير وإبداء الرأي من قبيل الحقوق المقدسة للإنسان ، والتي تعتبر حرية الصحافة أهم تجسيداتها ، فهي تعني في المقام الأول عدم خضوعها للرقابة والترخيص والضرائب ، وتمكين رؤساء تحرير الصحف من صلاحية تقرير سياسة الصحيفة ،وكذا الحق في التحقيق والحصول على المعلومات ، وأيضا حرية نشر هذه المعلومات والآرء ، وذلك حتى تتحقق الأهمية المرجوة من الصحافة ، وكون الصحافة لن يتأتى لها أن تؤدي الدور المنوط بها وتتحقق الأهمية المرجوة منها إلا بكفالة حريتها ، وحتى لا تتحول هذه الحرية إلى فوضى فإننا نرى أنه من المهم جدا تحديد هذه الأهمية بدقة ، ونبين أيضا على أنه بالرغم من أهمية هذه الحرية فتبقى حرية محدودة لإعتبارات سنتطرق لها لاحقا .
المطلب الأول : أهمية حرية الصحافة
يعتبر موضوع الحرية من أهم الموضوعات التي تطرح على بساط البحث في أي مجتمع وفي أي عصر ، فالحرية كانت – و لا تزال – هدف البشرية منذ فجر التاريخ حتى وقتنا الحاضر، فهي التي أنارت طريق البشرية في كفاحها الطويل والمستمر من أجل تحقيق المزيد من الرفاهية والتقدم ، فلا مجال للإبداع بدون حرية ، ولا قيمة للتقدم بدون تحقيق المزيد من الحرية ، وتزداد الحرية قيمة وتربو مكانة حين تقترن للصحافة وترتبط هذه الأخيرة بها ، وهذا للمكانة التي تتبوؤها الصحافة كإحدى وسائل التعبير عن الرأي في المجتمع المعاصر والمنزلة التي تحتلها في النظام الديمقراطي ، فهي السبيل إلى معرفة ما يدور في المجتمع، والإحاطة للقيم الإجتماعية والسائدة بين جنباته ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإنها تكشف عن النقص المتفشي بالمجتمع ، وتعمل على دفع الجهات المسؤولة على إصلاح وتكملة هذا النقص سواء من النواحي الإجتماعية أو الإقتصادية أو الثقافية. هذا الدور الأساسي للصحافة هو ما يفسر سر إهتمام المواثيق الدولية لحقوق الإنسان – عالمية كانت أم إقليمية – والدساتير الوطنية لحرية الصحافة ، ومنها الدستور المغربي وهو ما يبين أيضا العلة من تكريس مدونة الحريات العامة المغربية الجزء iii منها للإعلام والإتصال بما يمثل ذلك ضمانة جوهرية لهذه الأخيرة ” فقد كان واضعوها على علم بأن هذه الحرية هي السبيل الأقوم لتوطيد وشائج وصلات قوية بين أفراد المجتمع على نحو يمكن معه إقامة وحدة معنوية بينهم ، وذلك لأن هذه الحرية حين تكون مكفولة حقا وصدقا ، فأنها تمكن أفراد المجتمع من العلم بالأمور التي تهمهم جميعا ، والوقوف على القيمة الإجتماعية للأعمال التي تصدر ممن يتصدون لخدمة المجتمع في مختلف المجالات، فيعرفون ما إذا كانت نافعة أو ضارة .وبذلك يتحقق التعاون بينهم من أجل خير المجتمع وصالحه .”
هذا ما لأهمية حرية الصحافة من دور على المستوى الإجتماعي .أما بالنسبة لأهميتها على المستوى السياسي فإنها لازالت ملء الأسماع والأذان تترجم سر ما إكتسبته من قيمة ومكانة المجتمع الديمقراطي ، حيث تعد التعبير الصادق عن الديمقراطية والسمة البارزة على قيمها. ذلك أنه إذا كان كل مجتمع في حاجة إلى الصحافة، فإن المجتمع الديمقراطي فحسب هو الذي يحتاج إلى حرية الصحافة ، الأمر الذي يبين أن المعيار الدقيق لقياس مدى دمقراطية نظام الحكم في مختلف الدول هو هذه الحرية . لذلك قيل بأنه ” إذا أردت أن تعرف ما إذا كان النظام السياسي في دولة ما ديمقراطيا أم لا ، فاسأل عن حال حرية الصحافة بها؟” .
فإذا كانت الديمقراطية تقتضي أن يحكم الشعب نفسه بنفسه طبقا للقرارات التي تصدرها التجمعات الشعبية ، فإن هذه الصورة من الديمقراطية تتعارض والإعتبارات العملية، وكذا طبيعة المجتمع وظروف المواطنين ، لذا وجدت صورة أخرى لديمقراطية هي ما يعرف بالديمقراطية النيابية والتي يساهم المواطن من خلال وسائلها التي من أهمها حق الإقتراع أو الإنتخاب في الحياة السياسية ، وكي تكتسي هذه الصورة من الديمقراطية صبغة الشرعية فلا بد من وجود وسيلة تنير الأفراد وتساعدهم على حكم أنفسهم حكما صحيحا يتماشى مع مصلحتهم العامة التي تحتاج إلى العون من ذي القدرة في إكتشافها وإيجادها فكانت هذه الوسيلة هي الصحافة بحريتها ،وذلك من خلال دورها في تكوين الرأي العام المستنير الذي يستطيع أن يختار بين المرشحين وبدائل الحلول السياسية . هذا من جهة ومن جهة أخرى فإذا كان النظام الديمقراطي يعني إتصال الحكام بالمحكومين للتشاور حول نظام الحكم ، وإدارة الدولة ، فإن الصحافة هي همزة الوصل بين الطرفين . فمن خلالها يعلم الحاكم ما يريده الشعب وعبرها يقف الشعب على تصرفاته ، يتمكن من الرقابةعلى أعمال الحكومة فهي تعد بحق الوسيلة الفعالة لممارسة هذه الرقابة ، لذا فلابد من كفالة حريتها ، وأنه بدون كفالة هذه الحرية يكون ضمان هذا الحق ضربا من المستحيل أو محاولة لأشعال فتيل نار في أعماق ماء . هذه الكفالة التي لن تتحقق إلا من خلال حمايتها من أي بغي يفتح عليها وذلك بألا تقوم الحكومة بإهدارها وألا يعمل النفعيون على إحتكارها عن طريق الرأسمال ، وذلك حتى تسير سيرها الطبيعي وتؤدي رسالتها بموضوعية وأمانة .
وفي النهاية ، و إرتباطا بهذه الحرية وحتى لا نشرع باب التعدي على حرية الأفراد وحقوقهم المشروعة والنظام العام…. بدعوى حرية الصحافة، فإنه لا يسعنا إلا أن نخص الكلام بتفصيل عن القيود القانونية التي ترد على هذه الحرية .وإلا فإنه بقبولنا إعطاء مفهوم واسع لحرية الصحافة ، فالأكيد أن ذلك سيوقعنا لا محالة في المحظور .
المطلب الثاني: حرية الصحافة حرية محدودة
رغم الأهمية التي تحتلها حرية الصحافة في روح النظام الديمقراطي كما سلف الذكر ، فإن هذا لا يعني أبدا أنها مطلقة ،- كونها تعد من الحريات التي يتعدى أثرها الفرد إلى المجتمع وإلى السلطة – فالأصل المستقر عليه في الأنظمة القانونية أنه لايمكن أن تكون هذه الحرية مطلقة بلا قيد وإلا إ نقلبت إلى فوضى ، وحملت في طياتها البغي والعدوان على كيان الدولة ، وهو ما من شأنه أن يفضي إلى إنكار مبدإ التنظيم الإجتماعي وجدواه . لهذا الغرض وجب تنظيم هذه الحرية دون أن يؤدي ذلك إلى نقضها أو الإنتقاص منها وهو ماحدى بالمشرع المغربي إلى تنظيمها .
وهكذا نجد الدستور المغربي الحالي حينما تطرق في فصله التاسع إلى حرية الرأي والتعبير- إن الدستور يضمن لجميع المواطنين : … – حرية الرأي وحرية التعبير بجميع أشكاله …( فإنه عاد وأكد في الفقرة الأخيرة منه ) على أنه: لايمكن أن يوضع حد لممارسة هذه الحريات إلا بقانون – .وبإحالة الدستور على القانون لتنظيم هذه الحرية على نحو ما تكشف العبارة المذكورة ( …. بقانون ) .فقد قصد من ذلك تنظيم هذه الحرية وذلك حتى لا يعبث بها التافهون أو يستغلها النفعيون والمحتكرون أو سيطر عليها الخونة أو المتعصبون فيساء إستعمالها ، وتصبح وسيلة لدعوة إلى الكراهية والقومية أو العرفية أو الدينية أو إثارة الجماهير وسخطهم وإحداث بلبلة وإضطرابات في المجتمع بعدما كانت قد وجدت لعكس هذا كما بينا ذلك سابقا .
ويمكن أن نستنتج حدود ممارسة حرية الصحافة من خلال ما تطرق إليه المشرع المغربي في الباب الرابع من قانون الصحافة المتعلق بالجرائم أو الجنح المرتكبة عن طريق الصحافة ، حيث التحريض على إرتكاب الجرائم والجنح ، والجنح المرتكبة ضد الشؤون العامة وتلك الماسة بالأشخاص ، وكذا المرتكبة ضد رؤساء الدول والممثلين الأجانب ونشر الوثائق الممنوع نشرها ، أضف إلى ذلك مخالفة الأداب العامة ، كلها كما نعتقد ضوابط وقيود لممارسة حرية الصحافة بدليل أن تجاوزها يرتب المسائلة الجنائية . وسنتطرق بتفصيل إلى هذا في فصل لاحق .
وتجدر الإشارة إلى أن هذا المقتضى – أي محدودية حرية التعبير – مؤكدا أيضا بمقتضى المعاهدات الدولية ، وكذا الإعلان العلمي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1948 وهكذا نجد أن المادة 19 منه بعد أن نصت على ضرورة أن يكفل لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير . عادة وقيدت ممارسة هذا الحق بضرورة إحترام حقوق وحريات الغير وحماية النظام العام ، والمصلحة العامة ، والأخلاق العامة أيضا ، وهذا بالتأكيد هو مايشكل القيود التي ترد على حرية الصحافة ، والتي تعد بحق كما نرى قيودا قانونية لابد من وجودها حتى يتحقق التوازن بين حرية الصحافة وحماية الصالح العام ، خاصة ونحن نلمس من خلال العقد الأخير من القرن المنصرم ، إنفراجا سياسيا ، صاحبه إمتداد لمساحة حرية النشر والرأي والتعبير ، هذا الإمتداد شجع بعض الصحف على تناول قضايا الفساد والإنحراف الإجتماعي بمعالجات فيها من الحرية والجرأة والتجاوز الشيء الكثير ، وفيها من الإثارة والإنحطاط المهني والأخلاق القدر الكافي ، إعتقادا منها أن حرية الصحافة تسمح بإستخدام الرعونة والخفة الممقوتة ، بينما حرية الصحافة هي التي تتأسس أولا وأخيرا على مبدئي المسؤولية والإلتزام والأخلاق بمفهومه العام والمهني .
على هذا الأساس وحتى تحترم الصحافة نفسها و منتوجها الإعلامي وقارئها الدائم ، فيجب عليها أن تضع نصب أعينها أثناء معالجاتها وممارساتها المهنية ، قيم المسؤولية والشرف المهني وأخلاقياته …
اترك تعليقاً