الاتـجـاه الـمـقـر بـكـفـايـة الـعـقـد النـمـوذجـي
يذهب الاتجاه المقر بصحة القاعدة القانونية وتحقيق الكفاية الذاتية لهذه العقود النموذجية، إلى أن العادات المقدمة من قبل هيئات دولية في الشروط العامة والعقود النموذجية تعد قواعد وأعراف ملزمة، وأساس ذلك أن تقنينها في هذه الأوساط قد أدى إلى تكرار إتباعها وتكرار العمل بمقتضاها فأصبحت على هذا الأساس ذات مضمون عام ومجرد، في الوقت الذي شعر فيه المتعاملون في هذه الأوساط بأهميتها وضرورتها لتنظيم هذا المجتمع مما يضفي عليها في النهاية سمة الأعراف الملزمة، بل إن استقرار التعامل بمقتضاها قد أكسبها نوعا من الإلزام نتيجة للجزاء الذي تفرضه هذه الأوساط على من يأتي ما خالفها مما أضفى عليها في النهاية الطابع القانوني الملزم، وكفل لها على هذا الأساس صفتها الوضعية التي يصعب إنكارها.
فلم يعد حسب رأي الفقيه كولدمان Goldman من المفيد إنكار الصفة القانونية لها فالحياة وواقعها العملي أقوى من النظرية، بل إن الواقع قد يسهل تنظيمه خارج إطار القانون ولو كان رجال القانون على مستوى مسؤولياتهم ولم يصروا على إنكار هذا الواقع متسترين وراء مبادئ ونظريات لم تعد تلاءم ما يفرضه تطور الحياة الخاصة الدولية، ذلك أن القوانين الوطنية ذاتها تركت أمر تنظيم المجالات النوعية التي ينظمها المتعاقدون في الشروط العامة للعقود النموذجية. كما هو الشأن بالنسبة لقواعد المصطلحات التجارية في مجال البيوع الدولية، وهي شروط يطرحها القضاء الوطني في مثل هده الحالات بإسم سلطان الإرادة مما يكشف عن اعتراف القضاء بوجود هذه العادات بل وتطبيقها في المنازعات المطروحة عليه فضلا عن تسامحه بتنفيذ أحكام المحكمين رغم علمه بأن هذه الأحكام تطبق مثل الأعراف بعد تحررها من سلطان القوانين الداخلية.
كما ساعد على تشكيل هذه القواعد والتكرار العمل بمقتضاها، انتشار استعمال هذه العقود وحرص المتعاملين على تطبيقها عليهم وارتياحهم لها استجابة لمصالحهم، فهي قواعد يعرفونها سلفا ويأنسون العمل بموجبها ويجدون فيها الأمان الذي ينشدونه وتوقعاتهم المشروعة، ذلك أن هذه القواعد ذات الطابع العرفي تملك القدرة على التنظيم المباشر للشروط الدولية[1]. وهو الأمر الذي دعا الأستاذ احمد عبد الكريم سلامة أن يذهب إلى حد القول[2] أن فكرة العقد الدولي الطليق من كل قانون وطني تجد فيما يتعلق بالعقود النموذجية، تأكيدا لاسبيل إلى إنكاره وهو ما يدعمه واقع العقود الدولية ذاتها، فاستقراء الواقع العملي لهده العقود يبرهن أن الاتجاه سائر نحو تحقيق مبدأ الكفاية الذاتية ، بحيث لا يكون هناك حاجة لتطبيق قانون معين على منازعات تلك العقود”.
وبالنظر إلى أدلة تحرير العقود الدولية، التي أعدتها المنضمات الدولية والمهنية، وعقود الشركات الدولية التي تنشأ بموجب اتفاقيات ثنائية أو جماعية، ترمي جميعها إلى تضمين عقودهم أحكاما تفصيلية تحدد قانون علاقاتهم الخاصة، وألا يعطي العقد مجالا للمنازعات، بل يجعل المحكم أو القاضي قادرا على أن يؤسس التسوية على أحكام أو بنود العقد مما سيلزم الإفلات من الخضوع لأي قانون وطني وقد عبر عن دلك الأستاذ CAPTINA بقوله “أنه مع تلك العقود النمطية والشروط العامة، فان تدخل القانون الدولي الخاص تقلص بدرجة كبيرة فتلك العقود تنطوي في نصوص شروطها العامة على تنظيم غاية في الدقة حول الالتزامات التعاقدية فمن غير المفيد في نطاق كبير تدخل القانون الدولي الخاص في حل النزاعات المحتملة”.[3]
عموما إذا كان هذا هو وضع الإرادة في إطار العقود النمطية، وفي ضل الاتجاهات الفقهية المؤيدة والمنكرة لمدى كفايتها الذاتية من عدمها، فإنه يحق لنا ومن خلال النقطة الموالية أن نتساءل عن مدى إذعانية العقود النمطية في مجال العلاقات الخاصة الدولية، وذلك على الشكل التالي.
[1] هشام علي صادق المرجع السابق الإشارة إليه ص 139 ومايليها.
[2] عبد الكريم سلامة العقد الدولي الطليق الصفحة 20و 21 المرجع السابق الإشارة إليه.
[3] رأي وارد في كتاب الاستاد سلامة السابق الإشارة إليه ص 74 ومايليها.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً