البيع بالعربون :
البيع بالعربون أكثر شيوعا في عقد البيع الابتدائي وأغلب صوره في بيوع الأراضي والعقارات، حيث يبرم المتعاقدون عقدا ابتدائيا. وغالبا ما يكون لدى مكاتب الوسطاء ويحددان فيه أركان البيع الأساسية وشروطه المهمة، ويتم الاتفاق فيه على ميعاد لإبرام البيع النهائي سواء أمام جهة رسمية إذا كان يتطلب القانون ذلك، أو فيما بينهما إذا لم يكن التسجيل الرسمي لازما. والذي يميز البيع بالعربون عن باقي العقود أن العاقدين يتفقان على عربون يدفعه المشتري للبائع، فإذا أخل المشتري بالتزامه ولم يبرم عقد البيع النهائي في الميعاد المتفق عليه خسر العربون وصار من حق البائع ولا يجوز له استرداده، أما إذا كان الامتناع عن إبرام العقد النهائي من جانب البائع، فيكون جزاؤه المثل بأن يرد للمشتري قيمة العربون الذي تسلمه منه ويدفع له مثل ذلك. وفي الحالتين يسقط عقد البيع الابتدائي.
نوايا العاقدين :
وقد يكون هناك شك في تفسير نية العاقدين من وراء دفع العربون، إذ يحمل التعاقد بالعربون إحدى دلالتين، فإما أن يكون قصد المتعاقدين من العربون بأن يكون لكل منهما خيار العدول عن العقد مقابل أن يدفع قيمة العربون للطرف الآخر، أو أن يكون الغرض تأكيد العقد وجعله باتا عن طريق البدء بتنفيذه بدفع العربون، فلا يكون لأي من المتعاقدين حق العدول عن البيع وفي كلتا الحالتين، الأمر مرده قصد المتعاقدين وعلى القاضي مهمة اكتشاف قصدهما ليعرف الاتجاه الذي يفسر فيه العقد بالعربون هل هو عقد بات غير قابل للنقض أم هو عقد قابل للتراجع مقابل العربون.
واعتبر المشرع الجزائري (كغالبية التشريعات العربية) أن دفع العربون في العقد هو للرجوع وليس للبتات، وهذا الاتجاه الذي أخذ به المشرع الجزائري يتماشى مع ما جرى عليه العرف بين الناس وصار أقرب إلى قصد العاقدين.
أما إذا كان قصد المتعاقدين غير ذلك وكان واضحا، فيؤخذ بقصد العاقدين، فعلى سبيل المثال إذا نص في العقد الابتدائي أن المشتري يدفع العربون كجزء من الثمن والباقي يدفع عند إتمام العقد النهائي فهنا لا محالة أن العربون يكون لتأكيد العقد، وليس فيه حق الرجوع.
إلا أنه كقاعدة عامة يعتبر التعاقد بالعربون قرينة على أن فيه خيار التراجع للمتعاقدين إلا أن هذه القرينة قابلة لإثبات العكس وليست قاطعة.
وكذلك فإذا كان العرف يقضي بخلاف ما سبق من اعتبار عقد العربون عقدا قابلا للتراجع بين أطرافه. فإنه لا يعتبر كذلك ويؤخذ بما يقضي به العرف.
توقيع البيع:
والذي تلزم الإشارة إليه أن العربون لا يدفعه المشتري عادة إلا عند إبرام العقد الابتدائي، أما عند توقيع البيع النهائي فالذي يدفعه هو الثمن أو جزء منه ولا يعتبر العربون تعويضا عن ضرر أصاب البائع نتيجة إلغاء البيع من جانب المشتري، بل هو جزاء لمن تراجع عن البيع يدفعه للطرف الآخر ولو لم يترتب على ذلك أي ضرر. فالعربون عبارة عن إثبات حق الرجوع لأي منهما نظير دفع مبلغ، والذي يمكن اعتباره مقابلا لحق الرجوع في العقد، ذلك أنه من حيث المبدأ لا يجوز الرجوع في العقود بالإرادة المنفردة.
وكذلك لا يمكن الزيادة في قيمة العربون إذا كان هناك تعسف في استعمال حق الرجوع، وأي زيادة في قيمة العربون يعتبر تعويضا وليس من العربون.
رفض الحكم:
وبناء عليه لا يمكن رفض الحكم بالعربون بسبب عدم وجود ضرر، حيث ان العربون كما سبق القول هو مقابل الرجوع في البيع، فهو التزام بدلي وليس تعويضا. وكذلك يختلف العربون عن الشرط الجزائي في العقد لأن الشرط الجزائي تعويض متفق عليه مسبقا بين الطرفين عن الضرر الذي ينتج عن الإخلال بالعقد ولذلك يجوز للقاضي تخفيض قيمة الشرط الجزائي باعتباره تعويضا إذا كان مبالغا فيه، بل له ألا يحكم به أصلا إذا لم يتحقق أي ضرر، بخلاف العربون الذي لا يجوز للقاضي الإنقاص منه، ويمكن التفريق بين الشرط الجزائي والعربون بالرجوع إلى ما يبين منه نية العاقدين ومن الظروف التي تحيط بالعقد والوقائع الأخرى، وعليه فإن التكييف القانوني للشرط الجزائي هو نفس التكييف القانوني للتعويض، فلا يمكن اعتبار أن التعويض بدل من تنفيذ الالتزام في العقد لأن عليه أن ينفذ الالتزام الأصلي تنفيذا عينيا إذا كان ممكنا. أما التكييف القانوني للعربون فهو أنه البدل في التزام بدلي، ذلك بأن المدين بائعا كان أم مشتريا يستطيع أن يتفادى تنفيذ الالتزام والرجوع عنه بدفع الحق الذي يقابل هذا الالتزام وهو العربون ويسقط الحق بداهة إذا ما تم دفع العربون، فيعتبر دفعه تنفيذا للعقد
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً