التمويل والحاجة إلى المخارج
أن عقود التمويل في الغالب تكون من العقود المركبة من أكثر من تصرف وعقد وبالذات إذا كان المقصود من عملية التمويل المال ولا تهدف إلى تملك السلعة محل التمويل، وهو ما أشرنا إلى أنه يسمى بـ “التورق”, وأشرنا إلى خلاف الفقهاء في هذه الصيغة وأن المصرفية الإسلامية تأخذ بهذا القول, وإذا تحدثنا في إطار جواز التورق فلا بد أن نشير إلى أن الأمر لم ينته بعد, حيث إن البنوك والمؤسسات التي ستأخذ بهذه الصيغة تحتاج إلى مخارج فقهية لإكمال صفقات التمويل بالقليل من المخاطر أو بمخاطر منعدمة إن أمكن. والمخاطر هنا تكمن في كون البنوك والمؤسسات لا تملك مخازن لتخزين السلع وبالتالي فهي في حاجة إلى شراء السلعة – وقد يتطلب الأمر استيرادها – ومن ثم بيعها إلى العميل, ولأن العميل لم يشتر السلعة من البنك كون البنك لم يملكها أصلا, فتأتي المخاطرة في رجوع العميل عن وعده بالشراء بعد شراء البنك للسلعة مما يدخل البنك في تعقيدات وخسائر كبيرة. ولتجاوز هذا الإشكال لجأت البنوك إلى اشتراط الخيار لمدة محددة يراعى في تحديدها مدة عرض السلعة على العميل فإن اشتراها العميل تزول الخطورة, وإن لم يشترها يرجع البنك عن شرائه استنادا إلى اشتراطه الخيار, وتسمى هذه الصيغة بـ ” المرابحة للآمر بالشراء” أو “المرابحة مع الوعد بالشراء” .
وقد صدرت عدد من الفتاوى والقرارات من المجامع والهيئات الفقهية بخصوص هذه الصيغة, ومنها قرار المجمع الفقه التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي عام 1409هـ، حيث قرر “أن بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا وقع على سلعة بعد دخولها في ملك المأمور، وحصول القبض المطلوب شرعاً هو بيع جائز، طالما كانت تقع على المأمور مسؤولية التلف قبل التسليم، وتوافرت شروط البيع وانتفت موانعه”, وكما أشرت فالمصرفية الإسلامية في حاجة إلى مخارج لتصحيح وتسويق عقودها, ويجد البعض حرجا واستغرابا من القول بهذه المخارج من قبل المجامع والهيئات الشرعية ” المصرفية الإسلامية “, وقد يكون اختلط على هؤلاء المخارج بالحيل الممنوعة فالأخيرة تستند إلى الالتفاف على النصوص الصريحة والوقوع في المنهي عنه بحيل لا تخرج الأمور عن وضعها الحقيقي, في حين تهدف المخارج إلى البحث عن الصيغ الفقهية الجائزة وقد تكون مركبة والعمل بها ولا حرج في ذلك, وقد أخذ بهذه المخارج الكثير من الفقهاء, وفي كتاب ” إعلام الموقعين ” لابن قيم الجوزية الكثير منها.
وبخصوص موضوع المقال فقد أفتى الإمام محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة حين سئل عن مخرج لهذه الصيغة بـ: إذا قال شخص لآخر: اشتر هذا العقار –مثلاً- وأنا اشتريته منك وأربحك فيه، وخشي إن اشتراه ألا يشتريه منه من طلب الشراء, فقال الإمام: المخرج أن يشتري العقار مع خيار الشرط له، ثم يعرضه على صاحبه، فإن لم يشتره فسخ العقد ورد المبيع , فقيل للإمام الشيباني: أرأيت إن رغب صاحبه –طلب الشراء- في أن يكون له الخيار مدة معلومة؟ , فأجاب: المخرج أن يشتري مع خيار الشرط لمدة أكبر من مدة خيار صاحبه، فإن فسخ صاحبه العقد في مدة خياره استطاع هو الآخر أن يفسخ العقد فيما بقي من المدة الزائدة على خيار صاحبه.
اترك تعليقاً