الحق في إعادة التوازن المالي للعقد
بالمقابل مع السلطات التي تتمتع بها المصلحة المتعاقدة عند تنفيذ الصفقة العمومية، لاسيما سلطة تعديل الإلتزامات والشروط التعاقدية بالزيادة والنقصان بإرادتها المنفردة كما سبق بيانه، فإنه يحق للمتعاقد معها الذي يتحمل تبعات هذا السلطات، وكذا تبعات المخاطر الإقتصادية المرهقة لكاهله بشكل يخل بالتوازن المالي للصفقة أن يطلب إعادة هذا التوازن، من خلال تعويضه عن الأعباء التي يتعرض لها أثناء التنفيذ.
فكرة إعادة التوازن المالي قائمة على أساس التعويض بدون خطأ ذلك ” أن هذه السلطات والأعمال والإمتيازات مشروعة لارتباطها وتعلقها بالمرفق العام والصالح العام ” [1]، ولهذه الفكرة حالات يتم اللجوء إليها، حددتها النظريات التي تم تكريسها من طرف الفقه والقضاء بثلاثة حالات، في فرنسا ومصر، فبجانب الحالتين حمل هذه الدراسة، توجد حالة فعل الأمير، والتي لا مكان لها في هذه الحالة ذلك أن المؤسسة العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري ليس لها إصدار أوامر توصف بفعل الأمير في معاملاتها مع الغير لتمتعها بصفة التاجر تجاهه، في حين أن الصفقة في كل من مصر وفرنسا تعتبر عقودا إدارية بدون جدال، بينما الوضع يختلف في مجال هذه المذكرة [2]، وتبيان مكانة نظرية فعل الأمير بينهما فيما يخص صفقات المؤسسة العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري.
أولا: نظرية الظروف الطارئة.
وضع قضاء مجلس الدولة الفرنسية الصادر في 24 مارس 1916 هذه النظرية من بمناسبة نظره في قضية غاز بوردو [3]، ومفادها أنه كلما جدت بعد إبرام العقد ظروف استثنائية خارجية لم تكن في الحسبان، ومن غير الممكن توقعها، أي ليست ناتجة عن الإخلال بالتزامات تعاقدية، وترتب عنها إختلال التوازن المالي للعقد لدرجة يصبح معها تنفيذ الصفقة يشكل إرهاقا وتكاليفه أكبر بكثير من تلك التي تم توقعها عند إبرام العقد، فإنه يجوز للمتعاقد أن يطلب من المصلحة المتعاقدة المساهمة بتحمل جزء من التكاليف والأعباء الإضافية، بما يضمن له تعويض جزء من الخسارة التي لحقت به، فالمصلحة المتعاقدة ” تدفع تعويضا يمنع تجاوز عتبة اختلال التوازن الذي لا يحتمل، وهو ما يسمى التوازن الحدي” [4] وليس تعويضا عن كل الأضرار، ومن أجل ذلك يجب أن يستمر المتعاقد في تنفيذ التزاماته التعاقدية على الرغم من وقوع الإختلال المالي الذي أصابه، وبحسن نية.
ومن أمثلة الظروف الطارئة الحرب، أو الأزمة الإقتصادية، أو صدور أوامر أو مناشير أو قرارات من الإدارة أي من غير المصلحة المتعاقدة [5] ، وهذه الحالة الأخيرة تمثل ما يقابل فعل الأمير الصادر عن الإدارة، لو كانت هي المتعاقدة.
هناك من يرى أن مجال تطبيق هذه النظرية هو العقود الإدارية والعقود التي تبرمها الإدارة وفقا للقانون الخاص [6]، غير أنه يمكن تطبيقها على صفقات المؤسسة العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري على أساس أن فعل الإدارة يعتبر من الظروف الطارئة [7]، لتوفر كل شروط الظرف الطارئ فيه، وبالتالي يرتب نفس آثاره.
[1] د/ عوابدي عمار، المرجع السابق، ص 223.
[2] الحقيقة أنه في مجال الصفقات العمومية في فرنسا ومصر أنها ثلاثة حالات، فبالإضافة إلى الحالتين التي سوف ندرسهما هي مذكرتنا، نجد حالة فعل الأمير، وهي الحالة التي لا نرى مكانا لها في دراستنا هاته ذلك أن المؤسسة العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري ليس لها استعمال صلاحيات السلطة العامة في معاملاتها مع الغير لتمتعها بصفة التاجر
[3] د/ طعمية الجرف، مبدأ المشروعية وضوابط خضوع الإدارة العامة للقانون، القاهرة، دار النهضة العربية، الطبعة 3، 1976، ص 454.
[4] جورج فودال وبيار ديلفولفي، المرجع السابق.، ص 353.
[5] جورج فودال وبيار ديلفولفي، المرجع السابق.، ص 354.
[6] يرى جانب من الفقه أن مجال تطبيق هذه النظرية هو عقد الإمتياز وليس لها دور عندما تجتمع شروط تطبيق العقد في صدد جميع العقود الإدارية الأخرى ( صفقات التوريد والأشغال، إلخ ) باستثناء عقود القانون الخاص بالطبع
جورج فودال وبيار ديلفولفي، المرجع السابق.، ص 355.
[7] د/ سليمان محمد الطماوي، المرجع السابق، ص 627.
اترك تعليقاً