الرقابة على دستورية القوانين بالمغرب
من الامور المسلم بها في مجال القانون الدستوري ما يعرف بقاعدة تدرج القوانين , و مفاد هذه القاعدة وجود تدرج هرمي يشكل فيه القانون الأساسي – الدستور- أعلى و أسمى القواعد القانونية داخل المنظومة القانونية للدولة , و بالتالي وجب ان تخضع كل القواعد القانونية الاخرى من قوانين تنظيمية , قوانين عادية و مراسيم …لهذا القانون الأسمى الذي هو الدستور , و هذا ما يعرف بالشرعية الدستورية . و نظرا لذلك وجب ايجاد جهاز يخول له ضمان هذا التطابق بين القوانين و الدستور . و ينطبق كل هذا فقط على الدساتير المكتوبة .
و حيث إن المغرب يحتوي على دستور مكتوب , كان من اللازم ضمان هذه الشرعية الدستورية من خلال جهاز يسهر على منع صدور اي نص قانوني يخالف الدستور . حيث أولى المغرب كغيره من الدول اهمية كبرى لذلك , فقد تم احداث الغرفة الدستورية بالمجلس الأعلى في أول دستور عرفته المملكة المغربية في دجنبر 1962 ( الباب العاشر من هذا الدستور ) . لم يقف الامر عند هذا الحد بل و بموجب الدستور المعدل في اكتوبر 1992 تم احداث المجلس الدستوري ( الفصل 76 ) , حيث تمت عنونة الباب السادس من هذا الدستور بالمجلس الدستوري . وقد صار كذلك الدستور المعدل لاكتوبر 1996 و( المعمول به حاليا) في نفس المنحى مع تغييرات مست تكوين هذا المجلس …
يتألف المجلس الدستوري بموجب الفصل 79 من دستور 1996 من اثنا عشر عضوا و هم كالآتي
– ستة أعضاء يعينهم الملك
– ستة أعضاء , ثلاثة يعينهم رئيس مجلس النواب بعد استشارة الفرق . و ثلاثة يعينهم رئيس مجلس المستشارين بعد استشارة الفرق كذلك .
أما رئيس المجلس الدستوري فيختاره الملك من بين الأعضاء الست الذين عينهم .
و كذلك فقد حدد نفس الفصل ( الفصل 79 ) مدة تعيينهم في تسع سنوات غير قابلة للتجديد . حيث يجدد كل ثلاث سنوات ثلث كل فئة من أعضاء هذا المجلس . غير ان الدستور المغربي ترك للقانون التنظيمي 93.29 المتعلق بالمجلس الدستوري طريقة و كيفية تجديد الثلث . فقد نصت المادة 3 من هذا القانون يجدد كل ثلاث سنوات كل فئة من أعضاء المجلس الدستوري . و عند أول تعيين لأعضاء المجلس الدستوري عقب إنشائه يعين ثلث من أعضاء كل فئة لمدة ثلاث سنوات , و الثلث الثاني لمدة ست سنوات , و الثلث الاخير لمدة تسع سنوات . . و قد كان أول تعيين لأعضاء المجلس الدستوري في 21 مارس 1994 .
أما بخصوص الوظائف التي لا يجوز الجمع بينها و بين العضوية في المجلس الدستوري , فقد بين ذلك القانون 93.29 في المادة 4 حيث أكدت هذه المادة على عدم جواز الجمع بين العضوية في المجلس الدستوري و العضوية في الحكومة و مجلس النواب و مجلس المستشارين و المجلس الاقتصادي و الاجتماعي . و كذلك اي وظيفة عمومية او مهمة انتخابية , او شغل منصب مهما كان مقابل أجر في شركات يكون اكثر من نصف رأسمالها مملوكا لشخص اعتباري او أكثر من أشخاص القانون العام .
و في إطار الرقابة على دستورية القوانين يمكن القول أن هذه الرقابة قد تكون رقابة سياسية عندما يعهد بها الى هيئة سياسية , و قد تكون رقابة قضائية عندما تتولاها هيئة قضائية , و نظرا لكون الموضوع يتعلق بالرقابة على دستورية القوانين بالمغرب , فيستشف من خلال طريقة تعيين المجلس الدستوري التي تم التحدث عنها انها رقابة يعهد بها الى هيئة سياسية , و بالتالي فهي رقابة سياسية بإمتياز . و مما يفرد الرقابة على دستورية القوانين بالمغرب انها رقابة سابقة على اصدار القانون (الفصل 81) , بمعنى ان القانون عندما يصدر لا يجوز الطعن فيه بعدم دستوريته , فقد سبق غربلته قبل أن يدخل حيز التنفيذ .
فيما يتعلق بالإختصاصات المخولة للمجلس الدستوري فقد تحدث الفصل 81 من الدستور المغربي الاخصاصات المهمة و الاساسية . فقد أثارت الفقرة الاولى من هذا الفصل الاختصاصات المسندة بفصول الدستور أو بأحكام القوانين التنظيمية . مما يعني ان هنالك اختصاصات اخرى يجب البحث عنها غير الاختصاصات الموجودة في الفصل 81 , و هذه الاخيرة موجودة في الدستور او في القوانين التنظيمية .
يتمتع المجلس الدستوري بالعديد من الاختصاصات الغير منصوص عليها في الفصل 81 أهمها
-المهمة الإستشارية و التي يمارسها رئيس المجلس الدستوري بخصوص إعلان حالة الإستثناء (الفصل 35) و كذلك يتم استشارة رئيس المجلس الدستوري من طرف الملك عند حل البرلمان (الفصل 71)
-الفصل 48 حيث يجب أخذ موافقة المجلس الدستوري …
-الفصل 53 فض النزاع التشريعي الذي قد يحصل بين الحكومة و البرلمان من طرف المجلس الدستوري .
وجب كذلك البحث في القوانين التنظيمية لايجاد اختصاصات اخرى للمجلس الدستوري . ومن هذه الاختصاصات ما هو موجود في القانون التنظيمي 5.95 المتعلق بطريقة تسيير اللجان النيابية لتقصي الحقائق , حيث سمي القسم الرابع من هذا القانون ب الاحالة على المجلس الدستوري , و قد بينت المادة 20 من هذ القانون أنه في حالة وقوع خلاف بين مجلس النواب و الحكومة بخصوص تطبيق هذا القانون التنظيمي يعرض النزاع على المجلس الدستوري .
أما الاختصاصات الاساسية المنصوص عليها في الفصل 81 فتتمثل أساسا في
-مراقبة مطابقة القوانين التنظيمية و الانظمة الداخلية للبرلمان للدستور .
-مراقبة صحة انتخاب أعضاء البرلمان و عمليات الإستفتاء .
مراقبة مطابقة القوانين للدستور قد تكون إما الزامية أو إختيارية .
نصت الفقرة الثانية من الفصل 81 على وجوب احالة القوانين التنظيمية قبل اصدار الامر بتنفيذها , و كذلك إلزامية إحالة النظام الداخلي لكل من مجلسي البرلمان قبل الشروع في تطبيقه . بمعنى ان هذه الفقرة من الفصل 81 قد جعلت احالة كل من القوانين التنظيمية و النظام الدخلي لكل من مجلسي البرلمان إحالة إلزامية .
أما الإحالة الإختيارية فقد تم التطرق إليها في الفقرة الثالثة من الفصل 81 , حيث تم من خلال هذه الفقرة كذلك تبيان أصحاب الصفة في إحالة القوانين على المجلس الدستوري و هم
-الملك – الوزير الأول – رئيس مجلس النواب – رئيس مجلس المستشارين
-ربع أعضاء مجلس النواب – ربع أعضاء مجلس المستشارين .
حيث يحق لكل هؤلاء إحالة القوانين قبل اصدار الأمر بتنفيذها متى إختاروا ذلك ليبث المجلس الدستوري في مدى مطابقتها للدستور .
و من المهم الإشارة في هذا الصدد إلى أن مراقبة المطابقة يجب أن يبث فيها المجلس الدستوري في غضون شهر , و قد تخفض هذه المدة إلى ثمانية أيام بطلب من الحكومة إذا كان الأمر يدعو إلى التعجيل (الفقرة الرابعة من الفصل 81 ) .
بخصوص مراقبة صحة عمليات الاقتراع فالمجلس الدستوري يختص أساسا بمراقبة صحة الانتخابات التشريعية فقط , حيث يفض المنازاعات الانتخابية المرفوعة اليه و المتعلقة بمجلس النواب و مجلس المستشارين فقط . و من المهم الإشارة الى أن أغلب القضايا المعروضة أمامه تتعلق بالمنازعات الانتخابية .
أما عمليات الإستفتاء فيتولى المجلس الدستوري مراقبة الإحصاء العام للأصوات المدلى بها , و البث في صحة عمليات الاستفتاء , و كذلك إعلان نتائج الاستفتاء .
هكذا إذا تبقى الرقابة على دستورية القوانين الوسيلة الأنجع لضمان إحترام الدستور, خصوصا إذا كانت هذه الرقابة منوطة بجهاز يسهر على صون هذه الشرعية الدستورية . و من بين ما يسجل على الرقابة السياسية على دستورية القوانين بالمغرب , مدى تأثرها إلى أبعد الحدود بالرقابة السياسية المعمول بها في فرنسا لا من حيث الهيئة السياسية المخولة بمراقبة دستورية القوانين, و لا من حيث الاختصاصات مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة النظام السياسي في كل من المغرب وفرنسا .
*طالب , تخصص علم السياسة
مصادر
-الدساتير المغربية لسنوات 1962 – 1970 – 1972 – 1992 – 1996 .
-القانون التنظيمي 93.29 المتعلق بالمجلس الدستوري .
-القانون التنظيمي 5.95 المتعلق بطريقة تسيير اللجان النيابية لتقي الحقائق .
اترك تعليقاً