العقود النمطية ومعادلة إقرار التوازن العادل
بالنظر الى التراكم الذي خلفه النقاش حول العقود النموذجية، من قبيل المؤيدين للتعامل بها، ومدى مساهمتها في إقرارا التطور التجاري والمحافظة على السرعة والائتمان تيسيرا لظروف التجارة الدولية. ورغم أن طبيعة البحث لاتتسع لمناقشة مختلف جوانب هذا الأسلوب في التعاقد سواء من زاوية أنواعه وغزارة أنماطه واختلاف الجهات التي ينبثق عنها[1]، فإن مايهمنا هنا وبالدرجة الأولى هو التأكد من كون أن هاته العقود النموذجية تضمن للمتعاقد حرية واستقلالية التقاضي إعمالا لإرادته، مما يؤكد بأنها وبالرغم من كونها معدة سلفا فإنها لاتسري إلا باتفاق الأطراف،
وهذا الأمر قدي يوحي بأن هاته العقود تختلف عن عقود الإذعان التي لاتجري المساومة ولا المناقشة حول شروطها، لكن من حيث الواقع فإن تلك الحرية مقيدة باعتبار أنها تتأثر بما تفرضه الجمعيات التجارية والتي لاتتردد حين صياغتها للعقود النموذجية، من تفضيل مصالح أعضائها بالدرجة الأولى سواء كانوا مصدرين أومستوردين، وغالبا مايوافق الطرف الأخر على شروط العقد نظرا لحاجته إلى السلعة إن كان مستوردا أو إلى تصريفها إن كان مصدرا، وبالتالي نوجد في وضعية لاتضمن التوازن بين التزامات وحقوق الأطراف المتعاقدة، نظرا لاختلاف القوة الاقتصادية لأحد الأطراف على الأخر، مما يخل بالقوة التفاوضية بين المتعاقدين لصالح أحدهم دون الاخر ومن تم تؤثر في استقلاليته[2]
وبغية إصلاح هذا الوضع تدخلت اللجنة الاقتصادية الأوروبية[3] بمالها من أهمية بإنشاء شروط عامة تقوم أساسا على التوازن العادل بين مصالح البائعين والمشترين، بحيث صاغت مجموعة من العقود النموذجية لبعض السلع الأساسية التي كثيرا مايتم التعامل بها في نطاق دولي. واستطاعت بذلك إيجاد عقود نموذجية تقوم على أساس التوازن العادل بين البائعين والمشترين ونجحت بالفعل في هذا السبيل بتنظيمها أحكام تفصيلية لتعطي للعقد مجالا للمنازعات، بل يجعل المحكم قادرا على أن يؤسس حل النزاع على أحكام العقد ، وهي تعتبر بذلك المثل الفذ على الدور الذي ينبغي أن تقوم به العقود النموذجية في توحيد أحكام قانون التجارة الدولية، وبالنتيجة إمكانية تحقيق التوازن العادل بين مختلف الأطراف لكن هذا الوضع لن يتحقق إلا عن طريق المجهودات التي يجب أن تبدلها الدول النامية وشركاتها عن طريق تأهيل اقتصادياتها وأطرها التقنية حتى يتسنى لها إيجاد عقود نموذجية تقوم على أساس التوازن العادل، مند الاتفاقات التمهيدية التي تسبق إبرام العقد إلى غاية تنفيذه أو حل النزاع الذي ينشب بمناسبته.
ليبقى أمامنا المجال مفتوحا في الأخير للحديث عن الدور الذي يمكن أن تحققه مبادئ العدالة وكذا المبادئ القانونية المشتركة، في الحفاظ على التوازن الاقتصادي للعقد الدولي[4] بمقتضى شروط القوة القاهرةHard chip باعتبار أن هدفها الأساسي والرئيسي هو إعادة التفاوض في العقد بهدف تعديل أحكامه حتى يتماشى مع المعطيات الجديدة والظروف الاقتصادية [5].
مما يفيد بأن الحدود القائمة بين مرحلتي تكوين العقد ومرحلة تنفيذه قد سقطت، فالتفاوض في العقد عند تكوينه يتبعه تفاوض جديد أتناء تنفيذه إذا اصطدم هذا التنفيذ بعائق يجعل تنفيذه مستحيلا أو ضارا بالمدين[6]، مما يسمح بإمكانية تعديل العقد لكي يتلاءم مع المعطيات الجديدة، وهو ماقد يسمح في كل الأحوال بتحقيق المطلوب.
لكن مايسعنا أن نقوله في آخر المطاف، تكريسا لمبدأ قانون الإرادة في المنازعات الخاصة الدولية، مع ضمان تطور القانون التجاري الدولي، هو ضرورة تدخل الدول من أجل إعادة التوازن في الأداءات بين الشركات الكبرى ذات المشروعات الضخمة، والمتعاملين معها من أفراد بل وحتى الدول. وهو أمر بالفعل يتطلب إرادة سياسية من لدن الدول العظمى تجاه الدول السائرة في طريق النمو بغية إعلاء العدالة في المعاملات الخاصة ذات الطبيعة الدولية
[1] الحماية القانونية للعاقد الضعيف في القانون الدولي الخاص ص 176 ومايليها المرجع السابق الإشارة إليه.
[2]. المؤيد المرجع السابق الإشارة اليه ص 316 ومايليها المرجع السابق الإشارة إليه.
[3]الحماية القانونية للعاقد الضعيف في القانون الدولي الخاص المرجع السابق الإشارة إليه ص 177 ومايليها.
[4] المؤيد المرجع السابق الإشارة اليه ص 317 ومايليها المرجع السابق الإشارة إليه .
[5] شريف غانم ، أثر تغير الظروف في عقود التجارة الدولية Hard chip دار النهضة العربية القاهرة 2000 ص 43 ومايليها.
[6] B . Oppetit l’adaptation des contrats internationaux aux changement des circonstance ; la clause de hard chip ( clunet ) 1977 p 799 est s .
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً