المسؤولية المدنية والجنائية للطبيب
الفصـــــــــل الأول:
المســــــــــــؤولية المــــــــــدنية للطــــــــــبيب
تنص المادة 124 قانون مدني جزائري << كل عمل أي كان يرتكبه المرء و يسبب ضرر للغير يلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض>>.
و يقصد بالمسؤولية المدنية بوجه عام المسؤولية عن تعويض الضرر الناجم عن الإخلال بالتزام مقرر في ﺫمة المسؤول وقد يكون مصدر هذا الالتزام عقدا يربطه بالمتضرر، فتكون مسؤوليته عقدية يحكمها و يحدد مداها من جهة، و القواعد الخاصة بالمسؤولية العقدية من جهة أخرى، و قد يكون مصدر هذا الالتزام الق انون في صورة تكاليف عامة كالتزام بعدم مجاوزة سرعة معينة عند قيادة سيارة (1).
أما فيما يتعلق بالمسؤولية المدنية للطبيب فهي عبارة عن تعويض المريض كما حل به من أضرار مادية أو أدبية بسبب الخطأ الطبي و الدعوى المدنية التي يرفعها المتضرر أو ذووه هي وسيلة الحصول على التعويض و قد قسمت المسؤولية المدنية للطبيب إلى مسؤولية عقدية و التي سنتناولها في المبحث الأول، أما المبحث الثاني فيتضمن المسؤولية التقصيرية.
المبحث الأول :
المسؤولية العقدية للطبيب
يترتب على العقد إنشاء التزامات تقع على كاهل كل من طرفيه، و القوة الملزمة للعقد تقضي بان يقوم كل طرف بتنفيذ التزامه العقدي، فان لم يقم المتعاقد بتنفيذ التزامه عينا، و طلبه الدائن أجبر المدين على تنفيذه، فالأصل هو التنفيذ العيني حيث تنص المادة 164 من القانون المدني الجزائري: يجبر المدين بعد اعذاره طبقا للمادتين 180و 181 على تنفيذ التزامه عينا، متى كا ن ذلك ممكنا (1).
هذا فيما يخص المسؤولية العقدية بصفة عامة، أما فيما يتعلق بالمسؤولية العقدية للطبيب نجد بأنها طرحت لأول مرة في قرار محكمة النقض الفرنسية الذي صدر عام 1936 م حيث جاء فيه << ينعقد بين الطبيب و عميله عقد حقيقي…..و إن خرق هذا الالتزام العقدي، و إن كان غير إرادي، يجازي بمسؤولية من الطبيعة ذاتها، أي عقدية أيضا >> (2).
هذا الحكم وضع المريض و طبيبه وجها ل وجه و على قدم المساواة، و التزام المريض التزاما تعاقديا بأتعاب الطبيب.
و عليه سنتطرق في هذا المبحث من خلال ثلاثة مطالب:
الأول يتضمن الطبيعة القانونية للعقد الط بي و الثاني يتمثل في الشروط اللازمة لتوفر العقد الطبي و الثالث يتعلق بالآثار القانونية للعقد الطبي.
المطلب الأول : الطبيعة القانونية للعقد الطبي:
انه من الصعب تحديد الطبيعة القانونية للعقد الطبي مادام القانون المدني لا يتضمن أحكام خاصة به، و لا يمكن مماثلته بالعقود المعروفة فبالتالي العقد الطبي هو ع قد غير
مسمى تتطرق خصائصه إلى معرفة التزام الطبيب في مواجهة المريض (1) غيرأنه
سنتعرض لطبيعة هذا العقد من حيث انه عقد شخصي و مستمر و عقد ملزم لجانبين و أخيرا عقد مدني قابل للإبطال وذلك من خلال ثلاثة فروع تباعا.
الفرع الأول :
العقد الطبي هو عقد شخصي و مستمر .
يقوم العقد على الاعتبار الشخصي ذلك أن المريض عندما يختار طبيبه يراعي في ذلك مؤهلاته و صفاته، و هدا طبيعي لان عقد العلاج هو عقد تراعى فيه شخصية المتعاقد، لهذا فلا يمكن أن تهدر تلك الشخصية عندما نقارن مسلك صاحبها بالمسلك الواجب لتقدير أعماله، لهذا نجد انه يجب الاخد بعين الاعتبار الصفات الشخصية و نضيفها إلى الظروف الخارجية، و ليس معنى ذلك أن نأخذ كافة الاعتبارات الشخصية المتعلقة بشخص المسؤول و إنما نكتفي بالعوامل الشخصية التي لها صلة وثيقة بمهنة الطبيب و مركزه في تلك المهنة، فيختار المريض الطبيب نسبة لكفاءته العلمية الحقيقة و نظرا أيضا للثقة الموضوعة في هذا الطبيب حتى يطمئن لأوامره و تعليماته و نستبعد الحالات الخاصة أين يكون هذا الاختيار حاصلا عن نائب المريض أو عن رب العمل أو عن المستشفى، و يعتبر العقد الطبي عقدا مستمرا لكونه يتحقق خلال عدة مراحل مرتبطة و منشئة لالتزامات جديدة يتحلى بها كل من ال مريض و الطبيب، لكن عند قيام العقد الطبي فالطبيب يلتزم بألا يتخلى عن التزامه. و أن يبذل العناية الكافية، و أن لا ينقطع الطبيب عن معالجة المريض إلا إذا كان له مبررا مسوغا قانونيا.
1- المجموعة المتخصصة للمهنيين:المرجع السابق ص 128
الفرع الثاني :
العقد الطبي هو عقد ملزم لجانبين :
تنص المادة 106من القانون المدني الجزائري على أنه <&l t; العقد شريعة المتعاقدين فلا يجوز نقضه و لا تعديله إلا باتفاق الطرفين و للأسباب التي يقررها القانون>> (1)كما نصت المادة 107 من نفس القانون على أنه:<< يجب تنفيذ العقد طبقا لما أشتمل عليه و بحسن نية>> و طبقا لهذه المواد فان الطبيب عندما يعرض خدماته على المرضى يعد موجبا، فان استجاب المريض لهذا الإيجاب و قبله انعقد العقد بينهما و بالتالي يكون الطبيب ملزما بتزويد مريضه بالعلاج و العناية اللازمتين، و في المقابل يكون المريض ملزما بدفع المال، و هو مقابل هذه الخدمة، كما قد تكون هذه الخدمة مجانية و كل إخلال بهذا الالتزام يؤدي إلى ميلاد المسؤولية العقدية (2) و هذا ما نصت عليه المادة 124 من القانون المدني الجزائري:<< كل عمل أي كان، يرتكبه المرء و يسبب ضررا للغير يلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض >>.
ادن فالطبيب و المريض يتبادلان الالتزامات، بحيث يلتزم الطبيب ببذل العناية و المراقبة، و المريض يلتزم بالوفاء و دفع الأجرة، و بالتالي فهو عقد معاوضة لأن كل من الطرفين يحصل على مقابل ما يقدمه، مع أن لفظ الأجر غير مستساغ، لان صحة المريض في الواقع لا تقدر بثمن، لذلك عوض هذا المصطلح بكلمة أتعاب و هذا هو الأرجح.
و تنص المادة 211 من قانون حماية الصحة على أن: << تحدد عن طريق التنظيم أسعار الأعمال التي يؤديها الأطباء و جراحو الأسنان و الصيا دلة (3)>> و الحق (4) في العلاج يأتي على رأس الحقوق نتيجة لم له من أهمية اجتماعية فيتدخل الطبيب كلما حصلت الضرورة دون أن يقتض مسبقا أي أجر مثاله حالة التسخير المنصوص عليها في المادة 210 من قانون الصحة التي تنص على: << يتعين الأطباء و جراحي الأسنان و الصيادلة أن يمتثلوا لأوامر التستير التي تصدرها السلطة العمومية مع مراعاة أحكام المادة 206>>.
1 – المجموعة المتخصصة للمهنيين، المرجع السابق من ص 126-127.
2- المجموعة المتخصصة للمهنيين، المرجع السابق ص 128
3- القانون رقم 85/05 المتضمن قانون حماية الصحة و ترقيتها الصادرة في 17/02/1985 الجريدة الرسمية العدد8.
4- الحق في العلاج هو حق دستوري لكل مواطن يحمل الجنسية الجزائرية و هدا في إطار ما يسمى دستوريا بحماية الصحة العمومية.
الفرع الثالث :
العقد الطبي هو عقد مدني قابل للإبطال :
بما أن العقد الطبي هو عقد مدني لا يمكنه أبدا أن يتصف بالصفة التجارية و ذلك لا ن الطبيب أو حتى المستشفيات قد تقدم خدماتها مجانا و الغاية منها معالجة المريض بالدرجة الأولى ليس أكثر، حيث تنص المادة 211 من قانون الصحة على انه: << تحدد عن طريق التنظيم أسعار الأعمال الطبية التي يؤديها الطبيب، و جراحو الأسنان و الصيادلة و يعاقب كل من لم يحترم هذه الأسعار طبقا للتشريع و التنظيم الجاري بهما العمل>>.
و بما أن العقد الطبي يعتبر ملزما للجانبين، فالمبدأ هو أن هذا الالتزام هو التزام ببذل عناية، بمعنى أن الطبيب يلزم عليه أن يعتني بالمريض عناية كافية و أن يصف له من وسائل العلاج ما يرجى به شفاؤه من مرضه.
و أما الاستثناء فهو التزام الطبيب بتحقيق نتيجة (1) أما المريض فعليه الالتزام بالوفاء و الاستماع للأوامر و دفع الأجرة.
و يبقى العقد الطبي ملزم لجانبين فيحق لكل من الطبيب أو المريض أن يطلب الإبطال إذا أخل أحدهما بالتزامه في تنفيذ العقد و لكن يجب أن يكون الفسخ من طرف الطبيب لا يسبب أي خطر بالنسبة للمريض. و إذا كان العقد الطبي عقد معاوضة و عقد شخصي و كذلك هو عقد مدني قابل للإبطال فما هي شروط العقد الطبي؟ هذا ما سنتناوله في المطلب الثاني.
اترك تعليقاً