ايـة وتـوالـي أحـكـام الـتـحـكيــم بـــدون عـــقـــد
وإذا كانت اتفاقية الاستثمار أصبحت تحيد عن مركز تحكيم واشنطن لحسم منازعات الاستثمار، فإن مراكز التحكيم لم تفسر ذلك بأنه تخلي عن التحكيم الإلزامي ولكنها اعتبرت أن التحكيم يبقى إلزاميا والخيار للمدعي هو بين واحد من التحكميات الثلاث، لكن المهم والأجدى من ذلك هو أننا أصبحنا أمام تحكيم بدون عقد، لكن إذا كانت اتفاقية الاستثمار بالمعنى السابق تعني التحكيم الإلزامي بدون عقد، وإذا خلت من الإشارة إلى مركز تحكيمي فهل يعني ذلك أن اتفاقية إنشاء مركز تحكيم واشنطن لحسم خلافات الاستثمار بين الدول ومواطني الدول الأخرى لاتطبق أم أن هذه الاتفاقية تصبح مطبقة إلزاما إذا كانت الدولة المضيفة أو الدولة المستثمرة منظمة إليها ؟ أم أن الأمر يحتاج إلى عقد تحكيمي لأن التحكيم قائم على حرية الإرادة ؟
لكن الملاحظ بقراءة ديباجة اتفاقية تسوية منازعات الاستثمار بين الدول ومواطني الدول الأخرى الموقعة في 18/03/1965 تتضمن قواعد تؤكد الحاجة إلى عقد تحكيمي، وتبعد أي شبهة عن تفسيرها بأنها تحكيم إلزامي، لكن مسيرة التحكيم الإلزامي اخدت تقفز فوق نصوص الاتفاقية لتأخذها قسرا إلى التحكيم الإلزامي. حيث تذب مقدمة الاتفاقية إلى القول
تقديرا للضرورة التعاون الدولي في العمل على التنمية الاقتصادية، ولأهمية الدور الذي تؤديه الاستثمارات الدولية الخاصة في هذا المجال.
ونظرا إلى أنه من الممكن أن تنشب منازعات متعلقة بهذه الاستثمارات من وقت لأخر بين الدول المتعاقدة وبين مواطني الدول الأخرى المتعاقدة.
ومع التسليم بأنه بينما تخضع مثل هذه المنازعات عادة للإجراءات القانونية الوطنية، إلا أن الطرق الدولية لتسويتها قد تكون مناسبة في بعض الأحوال .
“ومع إعطاء أهمية خاصة لتوفير أداة دولية للتوفيق أو التحكيم، بحيث يمكن
للدول المتعاقدة ولمواطني الدول الأخرى المتعاقدة أن يطرحوا عليها مثل هذه المنازعات، إذا ما أرادوا دلك .”
ورغبة في إنشاء مثل هذه الأداة تحت رعاية البنك الدولي للإنشاء والتعمير.
ومع التسليم بأن رضا الطرفين المشترك بأن يعرضا مثل هذه المنازعات “للتوفيق أو التحكيم بواسطة مثل هذه الأداة، يكون اتفاقا ملزما يستوجب بصفة ” خاصة أن توضع أي توصيات للتوفيق موضع الاعتبار، وأن تحترم وتنفذ أحكام المحكمين.
ومع تقدير إن الدولة المتعاقدة لا تعتبر بمجرد التصديق على هذه الاتفاقية أو قبولها أو إقرارها- وبغير رضاها – ملزمة بعرض أي نزاع معين للتوفيق أو التحكيم.
والواضح من نص مقدمة الاتفاقية هذه. أنها لاترتب تحكيما إلزاميا للاستثمار، ولكن تقرير مديري المركز الذي أنشأته الاتفاقية أضيف إليها في ملحق خاص يقول، ” إن التراضي يمكن أن يتم على سبيل المثال في اتفاقات استثمار تحيل الخلافات إلى المركز. ويضيف الملحق أن الاتفاقية لا تفرض أن يتم التراضي في عمل قانون واحد، وبالتالي فانه يمكن للدولة أن تعرض في إطار قانون يهدف إلى تشجيع الاستثمارات، إحالة الخلافات على المركز إذا كانت ناجمة عن نوع معين من الاستثمارات، فإذا قبل المستثمر هذا العرض خطيا فإن التوافق والتراضي يكونان قد تما “.
لكن هذه الظاهرة لم تتوقف في حدود مركز واشنطن رغم الاعتراضات التي وجهت إلى هذا الأخير والطريقة التي يقتني بها الاختصاص، لكن للأسف الظاهرة انتقلت إلى مركز تحكيم غرفة التجارة الدولية في باريس الذي أصبح يعتبر نفسه مختصا للنظر في خلافات الاستثمار لمجرد أن اتفاقية حماية الاستثمار معقودة بين دولة مضيفة للاستثمار ودولة المستثمر، وبمجرد أن هذه الاتفاقية أشارت إلى أن الخلافات تحل بواسطة تحكيم غرفة التجارة الدولية. وفي غياب أي عقد تحكيمي يحيل إلى تحكيم غرفة التجارة الدولية أو إلى تحكيم اتفاقية حسم منازعات الاستثمار بين الدول ومواطني الدول الأخرى؟
وأخذت الأحكام ضد الدول المضيفة للاستثمارات تتكاثر برغم اعتراض الدول المضيفة للاستثمار على هذا النوع من التحكيم الإلزامي الذي ليس فيه تراض ولاعقد تحكيم بين الطرفين. والنص الذي صار أساسا للتحكيم الإلزامي هو الذي يرد عادة في اتفاقات الاستثمار ويقول:
” أن الطرفين الموقعين يعطيان الحق لكل مستثمر من أي الجهتين بتقديم مراجعة تحكيمية أمام المركز الدولي لحسم الخلافات في موضوع الاستثمار، في حال لم يعالج هذا الخلاف في مهلة ثلاثة أشهر.” هذا هو النص النموذجي الذي اعتمدته اتفاقيات حماية الاستثمار بالنسبة للإحالة إلى تحكيم اتفاقية حسم منازعات الاستثمار بين الدول ومواطني الدول الأخرى، أو الإحالة إلى تحكيم غرفة التجارة الدولية.
وهذا النص هو الذي أفضى إلى اعتماد مراكز التحكيم الأوروبية والأمريكية (غرفة التجارة الدولية، ومركز واشنطن) ومراجعة المستثمرين الذين صارا يعتبران نفسيهما مختصين ويسيران بالتحكيم إلى أخره. وتفسيرهم أن شرط التراضي لكل حالة بحالها أي العقد التحكيمي لكل حالة لا يعدو لازما لاختصاص التحكيم بل يصبح اختصاص مركز تحكيم واشنطن المرتبط باتفاقية حسم منازعات الاستثمار، يصبح اختصاصه أليا وبالتالي إلزاميا دون حاجة لعقد تحكيمي، لأنه يبني اختصاصه على اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمار التي تحيل إلى تحكيم مركز واشنطن، أو على انضمام الدولة إلى اتفاقية حسم منازعات الاستثمار بين الدول الأخرى، لننتقل بذلك للحديث عن الفكر القانوني والقضائي السائر في هذا الاتجاه.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً