خصائص التسبيب فى القضاء الليبي
بعد ان تم منح ليبيا استقلالها بقرار من جمعية الامم المتحدة , استعان الليبيين بجيرانهم من مصر فى وضع قوانين جديدة للدولة الليبية الوليدة ,
وقام خبراء القانون المصريين بنسخ اغلب القوانين المصرية وتم اجراء تعديلات طفيفة عليها بما يتناسب وطبيعة البيئة الليبية , وتم اصدارها كقوانين للدولة الوليدة , وبالتالى فان اغلب المبادىء القانونية المصرية اصبحت تنطبق على القوانين الليبية , وقد استعان رجال القضاء الليبيين باهم الاحكام المصرية عند اصدارهم للاحكام فى القضايا المعروضة عليهم .
وحيث ان القانون المصري اقتبس معظم مبادئه القانونية من القانون الفرنسي وحيث ان القضاء المصرى ردد ما قالته محكمة النقض الفرنسة ودلك عند فصله للوقائع المعروضة عليه وراى ان اتجاة محكمة النقض الفرنسية فيه الحل الأمثل لما هو معروض عليه , وقد اقتدى رجال القضاء المصريين في طريقة كتابتهم للأحكام بنفس اسلوب رجال القضاء الفرنسيين عند كتابتهم للاحكام , ولكن بما ويتماشى مع اللغة العربية ,وبالتالى فان القضاء الليبي سار على نفس منوال القضاء المصرى عند صياغته للاحكام القضائية , ونقل عن محكمة النقض المصرية اهم خصائص الاحكام التى تصدرها , بحيث اصبحت مبادىء المحكمة العليا الليبية تتصف بالإيجاز الغير مخل عند الصياغة , واصبح تناولها للواقعة يتم بصورة مباشرة ,وتطبيقها للقواعد القانونية علي الموضوع يتم دون إسهاب ممل أو اطناب مخل ,وبدون الخوض في فرضيات لا حاجة لايرادها ضمن اسباب الحكم .
واخدت المحكمة العليا الليبية على عاتقها عند عرضها للوقائع فى حيثياتها ان يتم دلك بالقدر اللازم لبيان موضوع الدعوى ,وهذه الميزة المنقولة من نظيرتها المحكمة المصرية , تجعل المطلع على حكمها يتفهمه بيسر وسهولة ويصل إلى النتيجة والتسبيب دون اى عناء او غموض ؛ حيث أنه كلما كان الحكم واضحاً ودقيقاً وموجزاً إيجازاً غير مخل ومسبباً تسبيباً كافياً وتناول موضوع النزاع بصورة مباشرة ,كان الحكم أكثر سهولة في الفهم وفي معرفة ما قضى به فى النزاع المعروض ,وكذلك فى تحديد ما توصل اليه من مبادئ قانونية يتعين الأخد بها من جميع المحاكم والجهات.
ومن ضمن الخصائص التى يتميز بها القضاء الليبي هي اعتباره للمحكمة العليا ليست درجة من درجات التقاضى , وانها لا تعتبر محكمة موضوع بل
هي محكمة قانون فقط ، وقد استقر الفقة على انه بناء على دلك لا يستطيع الخصوم أن يثيروا امام المحكمة العليا لأول وهلة مسائل متعلقة بالوقائع لم يسبق لهم طرحها على محكمة الموضوع (المحكمة الابتدائية أو أمام محكمة الاستئناف ).
فالمحكمة العليا تحاكم الحكم المطعون فيه امامها , لتتحقق عما ادا كان دلك الحكم قد خالف القانون , أو أخطأ في تطبيق القانون , أو شابه فساد في استدلالاته أو قصور في تسبيبه .
وإذا نقضت المحكمة العليا الليبية الحكم لأول مرة فأنها تعيد القضية إلى المحكمة التى تم الطعن فى حكمها امامها ,و التي يتعين عليها ان تعيد النظر فى الواقعة من جديد وتلتزم بقضاء المحكمة العليا فيها . ولكن ادا تم الطعن بالنقض امام المحكمة العليا فى دلك الحكم الجديد , ورأت المحكمة العليا
ما يستوجب نقضه , فانها فى هدة الحالة تقضى بنقض الحكم وتقوم بالفصل فى الموضوع .
ومن أهم الأساليب الفنية التى تلتزم بها المحكمة العليا الليبية عند كتابتها للاسباب فى الوقائع المعروضة عليها تحاشى دكر قاضي المحكمة الأدنى ، بحيث لاتقوم بنسب الخطأ إلى القاضي ولكن ينسب الخطأ والقصور للحكم الذي أصدره , ومن امثلة دلك تدكر المحكمة العليا عبارة(( الحكم المطعون فيه جاء مجهَّلاً مما يعجز المحكمة العليا من اعمال رقابتها عليه )) وذلك عندما تقصَّر المحكمة الأدنى في بيان الوقائع أو في تسبيب حكمها بما فيه الكفاية. وهدا الأسلوب فى عدم اسناد الخطأ للقاضى تلتزم به ايضا محكمة الجنح المستأنفة عند نظرها لطعون الاستئناف فى احكام المحاكم الجزئية .
وتصدر الاحكام عن المحكمة العليا الليبية بإجماع الآراء ولا يعتد بالرأي المخالف ، ويلتزم المستشار المقرر عند كتابتة لمسودة الحكم بخط يده ,بكتابة الحكم وفقاً لرأي اغلبية المستشارين وإن كان لا يتفق معهم فيما اتجهوا إليه فى الحكم .
ويرى الفقه أن إبداء الرأي المخالف يكون في مرحلة المداولة فقط ولا يجب ان يتضمَّنه الحكم الصادربحجة سرية المداولة وأن ايراد الرأي المخالف ضمن حيثيات الحكم يضعفه ويشكك الخصوم في صحته ، ومن ثم فلا لزوم له على الإطلاق ، وعكس هدا الرأى ما استقر عليه الفقـه والقضاء الانقلو أمريكي وبعض الدول التى تسير على منواله ومنها السودان – اد اعتبر ان إبداء الرأي المخالف وابرازه ضمن الحيثيات يدل على جدية المداولة التى قام بها المستشارين ,ويفسح المجال للمستشار المخالف بأن يبين وجهة نظره القانونية في عدم قبوله للرأي الذي ذهبت إليه الأغلبية بما يحملها لتعيد النظر فيما كتبته قبل أن يصدر الحكم علها تراجع نفسها .
ولما كانت المحكمة العليا الليبية هي محكمة قانون , فإنها لا تتدخل في تقدير محكمة الموضوع للعقوبة طالما أنها كانت بين الحدين المنصوص عليهما في القانون ، كما أنها لا تتدخل في تقدير التعويض المدني باعتبار أن ذلك من إطلاقات محكمة الموضوع و طالما كانت الأسباب التى استند اليها الحكم المطعون فيه سائغة لحمله وتتفق مع ما هو ثابت بالاوراق .
ومن خصائص الأحكام الجنائية الليبية والتى تم نقلها عن القضاء الجنائى المصرى أنه يكتب بصورة نمطيه , اد تبدأ كل فقرة من فقراته بكلمة ((وحيث)) ويتم بعدها إيراد دفع أو عدد من الدفوع المثارة في الطعن في فقرة والرد عليها في الفقرة التالية , وتبدأ ايضأ بكلمة (( وحيث ان ))
ولدلك تعرف الأسباب عند جانب من الفقه بالحيثيات , بسبب كثرة ما يتضمن الحكم من كلمة ( وحيث ان ).
بقلم اخوكم المستشار الليبي
اترك تعليقاً