خصائص العقد الطبي
بالرغم من عدم الوصول إلى وصف دقيق للعقد الطبي و معرفة الطبيعة القانونية له ، فهذا لا يمنع أن يتمتع هذا العقد بخصائص معينة تميزه عن باقي العقود ، فهو يعتبر عقد رضائي يقوم على اعتبار شخصي و متقابل الالتزامات ( المطلب الأول ) و هو عقد مدني ممتد و متتابع ( المطلب الثاني ) و هو عقد يبرم عن بعد ( المطلب الثالث ) و هو عقد قابل للإنهاء أو الفسخ ( المطلب الرابع ).
المطلب الأول : العقد الطبي عقد رضائي يقوم على اعتبار شخصي و متقابل الالتزامات
المريض يختار الطبيب نسبة إلى كفاءته العلمية الحقيقية أو المفترضة , و أيضا نظرا للثقة الموضوعة في شخص الطبيب حتى يطمئن لأوامره و تعليماته و هذا الاختيار لا يخضع لاتباع شكل معين ؛ و بالمقابل يتمتع الطبيب بدوره بقدر من الحرية في التعاقد في ممارسة نشاطه المهني ، فمن حيث المبدأ يجوز رفض التعاقد مع مريض معين – بالمفهوم الضيق فقط – وفقا لمبدأ حرية التعاقد فلا يكره الطبيب على قبول التعامل مع أي مريض.
و يتضمن العقد الطبي التزامات متقابلة فهو ينظم التزاما على الطبيب بتقديم العلاج اللازم و بإتقان للمريض و يجبره على حفظ سره و عدم إفشائه ، مقابل ذلك يلتزم المريض بدفع الأتعاب , كما يلتزم أيضا بإتباع نصائحه و إرشاداته ، من هنا نستشف أن هذا العقد يعد من فئة عقود المعاوضة إذ تنص المادة : 310 من التقنين المدني على طابع المعاوضة لهذا العقد وتنص على أنه ” أن تتقادم بسنتين حقوق الأطباء و الصيادلة
” بشرط أن تكون هذه الحقوق ” واجبة لهم جزاء عما أدوه من عمل مهنتهم و عما تكبدوه من مصاريف ” وتنص المادة : 211 من قانون ترقية الصحة و حمايتها على أن ” تحدد عن طريق التنظيم أسعار الأعمال التي يؤديها الأطباء و جراحوا الأسنان و الصيادلة “.
فالحق في التطبيب – العلاج – يأتي على رأس الحقوق نتيجة لماله من أهمية اجتماعية ، فيتدخل الطبيب كلما حصلت الضرورة دون أن يتقاضى مسبقا أي أجر على ذلك، مثاله : حالة الضرورة المنصوص عليها في المادة 210 من قانون الصحة التي تنص على أنه ” يتعين على الأطباء و ج راحي الأسنان و الصيادلة أن يمتثلوا لأوامر التسخير التي تصدرها السلطة العمومية مع مراعاة أحكام المادة : 206 التي تلزم الأطباء بكتم السر المهني إلا في حالات يسمح لهم قانونا ، كما تنص المادة: 236 من القانون نفسه على أنه ” يعاقب طبقا لأحكام المادة 442 مكرر قانون العقوبات” وعلى أنه “من لم يمتثل لأوامر السلطات العمومية المع دة و المبلّغة حسب الأشكال التنظيمية “, كما نصت على ذلك المادة : 210 من هذا القانون .
كما أن العلاقة بين الطبيب و المريض هي علاقة تبادلية ، تلقي بالتزامات متقابلة على طرفيها و هما الطبيب من جهة أولى ، و المريض من جهة ثانية.
المطلب الثاني : العقد الطبي عقد مدني ممتد و متتابع
يظل العمل الطبي يتصف بالطابع المدني بعيدا عن الطابع التجاري ، و قد نصت المادة : 20 من مدونة أخلاق الطب صراحة ” يجب ألا تمارس مهنة الطب …..
ممارسة تجارية ….. ” و منعت الطبيب من القيام بأساليب الإشهار المباشرة وغير المباشرة.
كما يتميز العقد الطبي على أنه عقد ممتد ، متتابع و مستمر , فهو عادة لا يتحقق مرة واحدة و لا ينفذ فورا , لكونه يتحقق خلال ع دة مراحل مرتبطة و منشئة لالتزامات جديدة يتحّلى بها كل من المريض و الطبيب , فالقيام بفحوصات و إجراء التشخيص و معالجة الأسقام تستغرق وقتا قد يطول أو يقصر حسب الحالات ، مما يجعل عنصر الزمن جوهريا في هذا العقد.
المطلب الثالث : العقد الطبي عقد يبرم عن بعد
قد يبرم العقد الطبي بين المريض و الطبيب ليس في صورة لجوء هذا المريض إلى عيادة الطبيب ، بل قد يبرم عقد عن بعد بدون التواجد أو الالتقاء المادي للأطراف و حضورهم مجلس العقد لحظة تبادل التراضي بينهما, فيصدر الإيجاب و يقترن به القبول عبر شبكة الأنترنيت بين الطبيب و المريض اللذان يضمهما مجلس واحد حكمي افتراضي ، و من ثم فهو عقد فوري متعاصر , و عليه فهو يبرم بين غائبين في المكان في مثل هذه الأحوال ، فهو من العقود التي تتم بين حاضرين في الزمن ؛ و العبرة في تحديد مكان العقد هو المكان الذي وصل فيه العلم بالقبول من طرف من أصدر إيجابه للطرف الآخر، و هذا حسب المادة : 61 من التقنين المدني الجزائري ” ينتج التعبير عن الإرادة أثره في الوقت الذي يتصل فيه ، بعلم من و جه إليه ، و يعتبر وصول التعبير قرينة على العلم به ما لم يقم الدليل على عكس ذلك “
المطلب الرابع : العقد الطبي عقد قابل للإنهاء أو الفسخ
فما دام أن العقد الطبي يقوم على أساس التراضي و التقابل في الالتزامات و كذا على أساس الثقة مراعين الاعتبار الشخصي, فإن العقد ينعقد إذا ما وافق المريض على الطبيب المعالج كأصل عام ؛ و هذا الاعتبار نفسه الذي خول للمريض أن ينهي العقد ، و سبب ذلك هو أن ثقة المريض لا يشترط توافرها عند إبرام العقد فحسب بل ينبغي أن تبقى قائمة و مستمرة طيلة فترة العلاج, فإذا فقد المريض ثقته في الطبيب في أي لحظة من اللحظات كان له أن يفسخ العقد بإرادته المنفردة ، و بالمقابل بإمكان الطبيب فسخ العقد إذا ما أخلّ المريض بالتزاماته – واجب دفع الأتعاب أو ثمن العلاج – قِبل الطبيب المعالج غير أنه لا مجال لأن يكون جسم الإنسان محلا للخطر بفسخ العقد خاصة في حالة الإستعجال و الضرورة.
و هكذا أخلص إلى أن العقد الطبي تكون الالتزامات فيه متقابلة, إذا لم يو ّ ف أحد المتعاقدين بالتزاماته جاز للمتعامل الآخر بعد إعذاره للمدين أن يطلب تنفيذ العقد و فسخه مع التعويض في كلتا الحالتين.
و أخلص أخيرا أن العقد الطبي يكتسي طابعا خاصا من قبيل العقود غير المسماة ذو الطبيعة المتميزة في قيام أركانه.
اترك تعليقاً