دور الإرادة المشتركة للمتعاقدين في تحديد دلالة العربون
وفقا لنص المادة 72 مكرر من القانون المدني فإن دفع العربون يفيد الحق في خيار العدول عن العقد الذي أبرمه الطرفان، وهذه تعد قرينة بسيطة قابلة لإثبات عكسها بإقامة الدليل على اتجاه إرادة المتعاقدين الصريحة، أو الضمنية التي تتضح من ظروف التعاقد إلى غير ذلك بكافة طرق الإثبات كأن يثبت القاضي أن مبلغ العربون كبير مما يحمله على تفسيره بأن هذا المبلغ إنما دفع ليكون جزءا من الثمن، وما كان الطرفان ليقصدا من ورائه أن يكون لإثبات خيار العدول.
وواضح من النص المتقدم أننا بصدد قاعدة مكملة ،وليست آمرة وبالتالي للأفراد أن يتفقوا صراحة، أو ضمنا على مخالفتها فقد يتفقان على أن يكون العربون لتأكيد العقد، كما يمكنهما الاتفاق على أن يكون العربون دلالة عدول، بل يمكنهما الاتفاق على حكم مخالف في حالة العدول لما ذكره المشرع كأن يتفقا على أن يرد البائع مثلا المبلغ الذي قبضه فعلا وليس ضعفه كما جاء في النص، أو أن المشتري إذا عدل لا يكتفي منه بفقد العربون الذي دفعه بل يدفع ضعفه، أو ضعفيه.
ومنه فإن تحديد دلالة العربون مرده الإرادة المشتركة لكلا المتعاقدين فقد يعتبر المتعاقد أن دفعه لمبلغ العربون لكي يثبت له الحق في العدول ومقابل ذلك فهو يترك الجزء المدفوع كعربون للمتعاقد الأخر فهو بمثابة ثمن دفعه للعدول. وقد يكون قصد المتعاقد من دفع مبلغ العربون لضمان تنفيذه وإظهار النية المؤكدة أمام المتعاقد الأخر، وهنا يعتبر العربون جزءا من تنفيذ العقد، وبالتالي لا يحق لأحد المتعاقدين أن يعدل عن تنفيذ العقد وإلا ترتبت مسؤوليته العقدية، وللقاضي السلطة التقديرية في الوصول إلى النية الحقيقية للمتعاقدين هل قصدا بالعربون دلالة بت أو دلالة عدول في حالة غياب الاتفاق الصريح للمتعاقدين سواء تضمن ذلك العقد الأصلي، أو كان في عقد مستقل، وعليه فالقاضي يستخلص النية الحقيقية للمتعاقدين من ملابسات التعاقد، أو ظروفه، ويشترط أن يبين الأسباب التي من أجلها توصل إلى قناعته في استظهار نية المتعاقدين فإذا لم تتمكن المحكمة من استظهار هذه النية سواء بالاتفاق الصريح، أو الضمني فقد اعتبرت المادة 72 مكرر أن دلالة العربون دلالة عدول.
ــــــــــــــــــ
1) يقول الفقيهان بودري و سينيا أن القانون لم يتناول العربون إلا بالنسبة لعقد الوعد الملزم للجانبين ، لكن ليس هناك ما يمنع من سريان المادة 1590 على كافة العقود الملزمة للجانبين القابلة بطبيعتها للعربون .
عبد الحكم فودة : المرجع السابق، ص 180 هامش رقم 1
2) «L’art 1590 du C civ , qui attribue aux arrhes le caractère d’un moyen de dédit , s’applique aux ventes comme aux promesses de vent , de sorte qu’il est sans intérêt de rechercher si les actes litigieux constituent une simple promesse de vente ou présent les caractères d’une vente »
Paris 2 mars 1964 : J C P 64 , 1V , 2d G 160
3) عبد الرزاق السنهوري الوسيط جـ1 ص 260
4) عبد الرزاق السنهوري الوسيط، جـ1 ص259.
اترك تعليقاً