الشرط الجزائي
يقصد بالشرط الجزائي ذلك البند الاتفاقي الذي يدرج بالعقود لضمان تنفيذها، وبمقتضاه يلتزم المتعاقد الذي يخل بالتزامه تعويض المتعاقد الآخر. فالهدف من الشرط الجزائي إذن هو حمل المتعاقد على تنفيذ التزامه. ومن هنا تأتي أهمية استعمال الشرط الجزائي وشيوعه في مختلف صور التعاقد، ففي البيع يلجأ إليه كل من المشتري والبائع على حد سواء، الأول يتحصن به ضد إقلاع البائع عن تسليم المبيع، والثاني يتحرز بمقتضاه لحالة عدم سداد الثمن أو التأخير فيه. وفي عقد القرض يستند المقرض إلى الشرط الجزائي ليأمن سداد المقترض لمبلغ القرض، وفي الوقت المتفق عليه، وفي عقود المقاولات المختلفة يجد أصحاب الأعمال في الشرط الجزائي وسيلة فعالة تدفع بالمقاولين إلى تنفيذ ما تعهدوا به في وقته المحدد.
ولا يتطلب استخدام الشرط الجزائي لوجوده شكلاً أو صيغة خاصة، كقاعدة عامة، بل للمتعاقدين مطلق الحرية بالنسبة لشكل الشرط الجزائي وصيغته، فيمكن إدارجه بالعقد بالتصرف المنشئ للالتزام الأصلي، كما يمكن أن يقع باتفاق مستقل ولو كان لاحقاً للعقد، وقد يتم الاتفاق عليه صراحة، كما يمكن استخلاصه من مضمون الاتفاق وشروطه.
وظيفة الشرط الجزائي
ظهر الشرط الجزائي في عهده القديم كجزاء أو عقوبة خاصة تلحق بمن يخل بالتزامه، ويتم الاتفاق عليها بين أطراف العقد مسبقاً، وتجلّى هذا المعنى في العصور الأولى للقانون الروماني نتيجة للشكلية التي كانت تسوده. غير أن تطور الأفكار القانونية أوضح تعارض الصفة الجزائية لهذا الشرط مع الأخلاق والعدالة، إضافة إلى تضمنه شبهة الربا المحرم، الأمر الذي انتهى باقتصار دور الشرط الجزائي على وظيفته التعويضية، وعلى ألا يكون له دور جزائي إلا عرضاً واستثناء، ويتم ذلك من خلال دوره التعويضي. وهكذا تتحقق الوظيفة الجزائية فقط عندما يتم الاتفاق على الشرط بقدر يزيد قليلاً عن التعويض المستحق قانوناً، فيعمل الشرط بالقدر الذي اتفق عليه، ومن ثم، يصبح له، في حدود القدر الزائد عن التعويض المستحق، نوعاً من الجزاء الاتفاقي. أما الوظيفة التعويضية للشرط الجزائي فتتحقق عندما يتم تقدير هذا الشرط بمبلغ مساوٍ لقدر الأضرار المتوقع حدوثها نتيجة الإخلال بتنفيذ الاتفاق الأصلي.
أحكام الشرط الجزائي
لأن الشرط الجزائي ما هو إلا تعويض اتفاقي للضرر الناتج عن الإخلال بتنفيذ العقد، فهو يخضع للقواعد والأحكام العامة في التعويض والمسؤولية بصفة عامة، لذلك عندما يعمد المتعاقدون إلى استخدام الشرط الجزائي كشرط مقيد للمسؤولية بتقديره بمبلغ يقل عن المبلغ المستحق أصلاً، فهو لا يصح لأنه يؤدي إلى مخالفة القواعد الآمرة في هذا الصدد، ذلك أنه لا يجوز أن يترتب على الشرط الجزائي إعفاء المدين من مسؤوليته المترتبة على غشه أو خطئه الجسيم، ولا أن يترتب عليه مخالفة النصوص التي تضع حدوداً للمسؤولية في حالات معينة.
والشرط الجزائي، باعتباره تقديراً اتفاقياً لمقدار التعويض الذي يستحق عن الأضرار المترتبة على مخالفة أحد المتعاقِدَين لالتزاماته، هو بند أو شرط اتفاقي يتم بإرادة ورغبة أطرافه، ومن ثم يتعين إنفاذه كما هو، ولا يجوز تعديله أو المساس به، إعمالاً لما للعقود والاتفاقات من قوة ملزمة تحول دون تعديلها إلا باتفاق الطرفين أو بنص القانون. لذلك فالقاضي لا يملك بحسب الأصل تعديل الشرط الجزائي، ويتعين عليه تطبيقه، كما هو وارد باتفاق الأطراف، بيد أن حصانة الشرط الجزائي وعدم جواز تعديله ليست إلا الأصل العام، الذي يرد عليه بعض القيود أو الاستثناءات، فهناك حالات محددة يستطيع القاضي التدخل فيها لتعديل الشرط الجزائي سواء بالتخفيض أو الزيادة:
ـ فالقاضي يملك تخفيض الشرط الجزائي عن القدر المتفق عليه إذا كان الالتزام الأصلي قد نفذ في جزء منه، إذ يقع عليه عندئذ التدخل لمواءمة الشرط وجعله متناسباً مع القدر الذي لم ينفذ من الالتزام، وتخفيض الشرط الجزائي في حالة التنفيذ الجزئي للالتزام الأصلي لا يعد في حقيقته استثناء يرد على مبدأ حصانة الشرط الجزائي، إذ إن هذا التعديل يتفق مع إرادة الطرفين وحقيقة نيتهما، فعندما يتفق الأطراف على شرط جزائي فإن إرادتهما تنصرف إلى مواجهة عدم تنفيذ الالتزام كلية، فيتم تقدير التعويض الكامل عن الأضرار الناتجة عن عدم تنفيذ الالتزام تنفيذاً كاملاً، فإذا نفذ الالتزام في جزء منه دون الجزء الآخر، فمعنى ذلك أن الأضرار المترتبة على هذا التنفيذ الجزئي تكون أقل من تلك الأضرار التي يواجهها الشرط الجزائي أصلاً، وذلك يتطلب تدخل القاضي لتقدير الشرط وتعديله بما يتلاءم وما لحق الدائن من أضرار، وهكذا يتفق تعديل الشرط الجزائي في حالة التنفيذ الجزئي للالتزام الأصلي مع إرادة الطرفين، وفي إجرائه احتراماً لها.
ـ يملك القاضي كذلك تخفيض الشرط الجزائي المبالغ فيه بدرجة كبيرة، فالهدف من الشرط الجزائي، كما تقدم، هو مجرد التقدير الاتفاقي للتعويض، الأمر الذي يتطلب أن يكون الشرط ملائماً لهذا التعويض، فإذا زاد الشرط على ذلك، بأن كان مُبالَغاً فيه بدرجة كبيرة، يكون قد خرج عن نطاق وظيفته التعويضية ليقوم بوظيفة جزائية لم يصرح بها القانون، الأمر الذي يتطلب ضرورة تدخل القاضي بتعديل مساره، وقَصْرِه على التعويض دون الجزاء، فيقوم القاضي برفع المغالاة عن الشرط وتخفيضه إلى القدر الملائم.
– أما زيادة الشرط الجزائي فلا يرخص بها للقاضي إلا في الحالة التي يقل فيها الشرط عن قيمة الأضرار التي لحقت الدائن، وكانت هذه الأضرار ترجع إلى غش المدين أو خطئه الجسيم، باعتبار أن الشرط الجزائي في هذه الحالة، أي التي يكون فيها التعويض أقل من الضرر، يتضمن إعفاء المدين من مسؤوليته، ولما كان هذا الإعفاء باطلاً ولا يعمل به في الحالة التي يرجع فيها إخلال المدين بالتزامه إلى غشه أو خطئه الجسيم، فإن الشرط الجزائي يكون باطلاً في هذه الحال، ويسترد القاضي سلطته الأصلية في تقدير التعويض عن عدم تنفيذ الالتزام، ويقضي بالتعويض الذي يراه مناسباً للأضرار التي لحقت بالدائن.
لذلك فزيادة الشرط الجزائي يمكن تقريرها في نطاق المسؤولية التقصيرية في جميع الحالات، وأياً كان الخطأ الذي صدر عن المدين، أي حتى ولو لم يصدر منه غش أو خطأ جسيم، باعتبار أن تنظيم هذه المسؤولية لا يسمح للمدين بالإعفاء منها، نظراً لتعلقها بالنظام العام.
وإعمالاً للفكرة السابقة نفسها، إذا كان المقصود من الشرط الجزائي ليس تقدير التعويض المستحق عن الأضرار المتوقع حدوثها، وإنما ستر اتفاق على إعفاء المدين من مسؤوليته، بالمخالفة للقواعد الآمرة التي تحظر مثل هذه الاتفاقات، فيجب هنا إعلاء كلمة القانون وتنفيذ ما يفرضه من قواعد آمرة واجبة التنفيذ، وإحباط كل محاولة ترمي إلى مخالفة هذه القواعد، فالشرط الجزائي يجب ألا يتخذ مستنداً للتحايل على القواعد التي تحظر الإعفاء من المسؤولية، أو التي تقيدها بحد معين.
وأخيراً، ليس هناك ما يمنع إمكان زيادة الشرط الجزائي عن القدر المحدد به في الحالة التي يصاب فيها الدائن بأضرار غير تلك التي قصدها الشرط الجزائي، كأن كان الشرط قد أدرج أصلاً لحالة التأخير في تنفيذ الالتزام الذي يثقل المدين، فإذا لم يقم هذا الأخير بتنفيذ التزامه كلية، تعين زيادة الشرط الجزائي ليعوض كل الأضرار التي تترتب على عدم التنفيذ، وليس فقط التأخير فيه.
فائدة الشرط الجزائي
تتمثل الفائدة الأساسية للشرط الجزائي في إعفاء الدائن من إثبات ما لحقه من ضرر، حيث يُفتَرض أن عدم تنفيذ العقد يتضمن الإضرار بالدائن. ولأن الأصل إعمال الشرط الجزائي كما هو متفق عليه من أطرافه، فإن اشتراطه يفترض أن الإخلال بتنفيذ العقد يتضمن في ذاته الإضرار بالدائن، فالضرر، مع الشرط الجزائي، يثبت بمجرد عدم تنفيذ الاتفاق، وعلى من يدّعي خلاف ذلك إقامة الدليل.
من ناحية أخرى يُفترض في الشرط الجزائي أن الضرر المترتب على عدم تنفيذ العقد مساوٍ لما تم الاتفاق عليه بالشرط الجزائي، وفي ذلك تسهيل كبير لعبء الإثبات على الدائن.
اترك تعليقاً