توضيح قانوني للركن الشرعي للجريمة في التشريع الجزائري
الركن الشـرعـي
وضع المشرع أشكال للجريمة منها الجريمة التامة التي يتحقق فيها الركن الشرعي و المادي و المعنوي, ويقصد بالركن الشرعي أو الركن عدم المشاع, هو أن ينص القانون علي تجريم الفعل لان الأصل في الإنسان البراءة, ويختلف الفقه الجنائي في تقرير مدي وجود هذا الركن, إذ يوجد في الفقه من يقيم الجريمة علي الركن المادي و المعنوي فقط.
و اصل الركن الشرعي وارد في الشريعة الإسلامية, في قصة ابني ادم ثم قوله تعالي( و ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا), و هناك قواعد أصولية استخلصت من آيات القران الكريم مثل قاعدة(لاحكم لانفعال العقلاء قبل ورود النص), و قاعدة الأصل في الأشياء و الأفعال الإباحة.
و قد ورد ميدا الشرعية في إعلان حقوق الإنسان عقب الثورة الفرنسية 1789 ثم في المادة 11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 ثم جاء المبدأ في جميع الدساتير العالمية و الوطنية بوجه عام,و بالتالي القاضي الجنائي لا يمكنه إصدار حكمه إلا بناءا علي النصوص القانونية( المادة الأولي من قانون العقوبات).
أهمية المبدأ
مبدأ الشرعية من أهم القواعد الدستورية التي يجب احترامها نظرا للأسباب التالية:
– مبدأ الشرعية يحدد الجريمة و العقوبة المقررة لها.
– المشرع هو وحده صاحب الاختصاص في التجريم و العقاب.
– القاضي ملزم بتقدير العقوبة المقررة قانونا في حدود ما تخوله السلطة التقديرية.
– القاعدة الجنائية هي خطاب موجه للقاضي الجنائي لتطبيقها.
– مبدأ الشرعية هو ضمان للحقوق و الحريات الفردية فهو يحمي الجاني و المجني عليه في آن واحد.
– مبدأ الشرعية هو ضمان لان و استقرار الجماعة.
عناصر قيام الركن الشرعي
يقوم ا لركن الشرعي عل عنصرين هما:
1-خضوع الفعل لنص تجريمي: يجب أن يكون مصدر التجريم منحصرا في نطاق النصوص القانونية المكتوبة, أي يجب أن يكون التجريم و العقاب بنص جنائي مكتوب(م1 ق ع), و إذا كانت السلطة التشريعية هي المختصة بالتجريم و تحديد العقاب و السلطة القضائية مختصة بتطبيق القانون فان السلطة التنفيذية يجوز لها التشريع في مجال المخالفات و هذا بإصدار لوائح تسمي لوائح الضبط.
2-عدم وجود سبب من أسباب الإباحة: يمحو الصفة الإجرامية للفعل ويجعله فعلا مباحا(م 39 – 40 ق ع ).
تفسيـر النصوص الجنائية
التشريع في القوانين الجنائية يجب أن يراعي في إعدادها الدقة في المعني و الوضوح في حرفية النص القانوني حتى لا يثار فيها الغموض فإذا وجد الغموض فهناك رأيين:
الرأي الأول: يري انه يجب الأخذ بحرفية النص لا نه آمر و إلا فتنزل أوامر المشرع إلي مجر د توصيات.
الرأي الثاني: يري انه يجوز التفسير لكمن في حدود ضيقة لان التوسيع قد يؤدي إلي الخروج عن القاعدة القانونية و بالتالي خلق جرائم جديدة غير منصوص عليها مما يؤدي إلي المساس بحقوق الغير.
نطاق تطبيق قانون العقوبات
يخضع قانون العقوبات في تطبيقه لقواعد الزمان و المكان أي يجب أن يكون النص الجنائي نافذا في الزمان و المكان.
أولا: سريان قانون العقوبات من حيث الزمان:
قانون العقوبات ليس قانون ابدي فهو يتغير و يتبدل تماشيا مع متطلبات حماية الجماعة, وذلك بتدخل المشرع بتعديله أو تغييره لان الظاهرة الإجرامية تعرف التطور و التوسع, لذلك فان قانون العقوبات يسري تطبيقه من حيث الزمان بعد نشره في الجريدة الرسمية (م 2 ق ع), (م 468 )ق ع).
قواعد تطبيق قانون العقوبات من حيث الزمان:
– تطبيقه بأثر فوري مباشر أي عدم تطبيقه علي الماضي, وهو ما يعرف بمبدأ عدم رجعية قانون العقوبات, وهو البدا الأصلي.
– تطبيق قانون العقوبات بأثر رجعي أي تطبيق القانون الجديد علي الماضي و تطبيقه علي وقائع قبل نفاذه و هذا هو الاستثناء.
تطبيق القديم الملغي علي وقائع وقعت في ظل سريانه بأثر مستمر في ظل سريان قانون جديد و ذلك لتعذر تطبيق القانون الجديد لأنه اشد علي المتهم( م 02 ق ع ). –
استثناءات تطبيق القاعـدة:
إن قاعدة عدم رجعية النص الجنائي إلي الماضي ليست قاعدة مطلقة فالمشرع استثني منها مصلحة المتهم في تطبيق النص بأثر رجعي فإذا كان المتهم قد ارتكب جريمة في ظل قانون قديم وجاء قانون جديد ورفع الحد الادني و الاقصي للعقوبة فأي عقوبة تطبق عليه؟
إن القاضي الجنائي يجب عليه أن يختار من بين القوانين فان كان احد القوانين يخفف العقاب علي المتهم أو ينزل بدرجة الجريمة فعليه تطبيقه أي بمعني أن للقاضي سلطة اختيار القانون الأصلح للمتهم, ولكي يرجع القاضي لتطبيق هذا الأجراء لابد من توافر شرطين:
– أن يكون القانون الجديد أصلح للمتهم.
– أن يكون القانون الجديد صادر قبل الحكم النهائي علي المتهم.
ثانيا: سريان القانون من حيث المكــــان:
تنص المادة 12 من الدستور علي انه ( تمارس سيادة الدولة علي مجالها البري و مجالها الجوي وعلي مياهها كما تمارس الدولة حقها السيد الذي يقرره القانون الدولي علي كل منطقة من مختلف مناطق المجال البحري التي ترجع إليها”.
وتنص المادة 03 من قانون العقوبات” يطبق قانون العقوبات علي كافة الجرائم التي ترتكب في أراضي الجمهورية كما يطبق علي الجرائم التي ترتكب في الخارج إذا كانت إذا تدخل في اختصاص المحاكم الجزائرية طبقا لأحكام قانون الإجراءات الجزائية”.
مبررات مبدأ الإقليمية:
-يجسد فكرة سيادة الدولة علي إقليمها.
– هو اقرب إلي اعتبارات الإدارة لان غالبا ما تكون أدلة الإثبات متوفرة في مكان ارتكاب الجريمة.
– القاضي الوطني اقدر علي تحديد عناصر قيام المسؤولية الجزائية و هو ادري من غيره بالقانون الوطني.
– إن مكافحة الجريمة وردع المجرمين تتحقق بتطبيق مبدأ الإقليمية.
الجرائم التي تقع بالجزائر و لا يطبق عليها قانون العقوبات
القاعدة العامة أن قانون العقوبات يطبق علي من يرتكب الجريمة بالجزائر مهما كانت جنسيته و مركزه إلا أن هناك أشخاص لا يطبق عليهم و هم:
1- رئيس الدولة: يعتبر رئيس الجمهورية رئيس المجلس الاعلي للقضاء ( م154 دستور)و (م 63 قانون القضاء), فهو القاضي الأول في البلاد, و بالتالي لأداء وظيفته لا يخضع للواعد العامة, و لتنظيم الدولة يقتضي الأمر تمتعه بالاستقلالية التامة عن السلطة القضائية و التشريعية حتى يتمكن من ممارسة صلاحيته الدستورية, و لكن لا يعني ذلك انه معفي من المسؤولية الجنائية فطبقا لنص المادة158 من الدستور فانه تؤسس محكمة عليا للدولة تختص بمحاكمة الرئيس عن الأفعال التي توصف بأنها جناية عظمي.
2- نواب الشعب: طبقا لنص المادة 109 من الدستور فان النواب يتمتعون بالحصانة البرلمانية و عليه لا يطبق عليهم قانون العقوبات إذا توافر شرطين:
الشرط الاول: أن تكون الجريمة من الجرائم القولية كالسب و الشتم و الاهانة و القذف.
الشرط الثاني: أن ترتكب الجريمة أثناء انعقاد الجلسة.
3-السلك السياسي الأجنبي: يتمتع أفراد البعثات الدبلوماسية و السياسية الأجنبية بحصانة سياسية تمنعهم من الخضوع للقضاء الجزائري مثل منظمة الأمم المتحدة و هيئاتها و الجامعة العربية و الوحدة الأفريقية و غيرها و لكن لا يعني ذلك آن سلوكهم المجرم لا يخضع للعقاب بل يخضعون لقوانين بلدانهم.
4-السلك القنصلي: تطبق عليهم نفس الاجراءات التي تطبق علي السلك السياسي.
5-القوات المسلحة الأجنبية: بشرط أن يكون حضورهم للجزائر بناءا علي معاهدة أو اتفاق.
الحالات التي يمتد فيها النص الجنائي إلي دولة أخري:
يتعدى النص الجنائي اقليميته اذا توافرت الشروط التالية:
1- أن يرتكب الشخص الجريمة وتوصف بأنها جناية أو جنحة في الجزائر ثم يغادرها قبل أن يحاكم أو أن يرتكب أفعال الجريمة الرئيسية فيها أو أن تكون تمس امن دولة الجزائر.
2- أن يرتكب الجريمة خارج الجزائر ضد سيادتها.
3- أن تقع الجريمة في باخرة أو طائرة تحمل علم الجزائر.
4- أن يكون الجاني أو المجني عليه يحملان الجنسية الجزائرية.
إذا تحققت هذه الشروط تختص المحاكم الجزائرية بمعاقبته, ولكن إذا صدر الحكم عليه في الدولة التي تم إلقاء القبض عليه فيها يسقط حق الجزائر في متابعته لأنه لايمكن محتكمة الشخص مرتين علي جرم واحد.
المبادئ الاحتياطية:
سبقت الإشارة أن المادة 03 من قانون العقوبات تنص علي تطبيق قانون العقوبات الجزائري علي جرائم ترتكب في الخارج طبقا للمواد 582 ألي 589 من قانون الإجراءات الجزائية ثم أن المبادئ الاحتياطية تعطي مجالا أوسع في تطبيق النصوص الجنائية لا يتسع لها مبدآ الإقليمية بمفرده و هذه المبادئ هي:
1- مبدأ العينية: يقصد به تطبيقه علي كل جريمه تقع في الخارج تمس بمصلحة أساسية للدولة بغض النظر عن جنسية مرتكب الجريمة, وقد اعتمد المشرع الجزائري هذا المبدأ حماية للمصالح العليا للدولة مثل المصالح الاقتصادية مثل جرائم تزييف النقود و الأوراق المصرفية المتداولة أو الجرائم الماسة بسلامة الوطن و طبقا لنص المادة 588 من قانون الإجراءات الجزائية فان هذا المبدأ يطبق علي الأجانب دون الوطنيين.–
2- مبدأ الشخصية: يقصد بشخصية النص الجنائي تطبيق القانون الجنائي الجزائري علي الوطني الذي يرتكب الجريمة في الخارج ويعود لبلده, ويعتبر هذا المبدأ وسيلة قانونية فعالة لمنع فرار المجرمين المواطنين من العقاب إلي أوطانهم, ذلك أن افتراض عدم العقاب مسالة غير واردة لان فيه تشجيع الأفراد علي ارتكاب الجرائم ثم الفرار إلي أوطانهم الأصلية, و ثانيا تسليم الدولة لمواطنها المجرم إلي الدولة التي ارتكب فيها الجريمة غير وارد تطبيقا لمبدأ عدم تسليم الدولة لرعايها ( المادة68 من الدستور), إلا بناءا علي قانون تسليم المجرمين و قد نظم المشرع الجزائري هذه القواعد في المواد694-720 من قانون الإجراءات الجزائية.
3- مبدأ قانون العلم: طبقا للمادة 590 ق اج يطبق القانون الجزائري علي الجرائم التي ترتكب علي متن السفن التي تحمل الراية الجزائرية الراسية في إقليم الجزائر آو المياه الدولية أما إذا كانت راسية في دولية أجنبية يطبق القانون الأجنبي مهما كانت الراية اما كانت السفينة أجنبية راسية بالجزائر يطبق القانون الجزائري و لذا كانت السفينة عسكرية راسية بالجزائر يطبق قانون جنسيتها متي كان رسوها وفق معاهدة أو اتفاقية, و طبقا للمادة 591 ق ا ج فانه يطبق القانون الجزائري علي الجرائم التي ترتكب علي متن الطائرات الجزائرية مهما كانت جنسية الجاني أو المجني عليه, ويطبق القانون الجزائري علي متن الطائرة الأجنبية إذا كان الجاني أو المجني عليه أو إذا هبطت الطائرة بالجزائر بعد وقوع الجريمة.
4 –المبدأ العالمي:
لم يأخذ القانون الجزائري بهذا المبدأ تطبيقا لمبدأ عدم تسليم المواطنين, ومحتوي هذا المبدأ أن فكرة التضامن بين الدول دعت إلي إدانة كل الجناة الذين يرتكبون نوع من الجرائم, و المهم إلقاء القبض علي المجرم في أي مكان و محاكمته مثل جرائم المتاجرة بالجنس و المتاجرة بالأطفال.
اترك تعليقاً