توضيح قانوني لمشكلة انحلال الزوجية في الزواج المختلط
نظرا للصعوبات التي تعترض انحلال ميثاق الزوجية في إطار الزواج المختلط، سواء من حيث تحديد القانون الواجب التطبيق أو الاختصاص القضائي، أو على مستوى تنفيذ الأحكام و منحها الصيغة التنفيذية، و ذلك بسبب الاصطدام الدائم بمفهوم النظام العام، و خاصة عندما يكون الطرف الآخر منتميا لإحدى الدول الغربية مع ما يحمله من اختلاف في المرجعية الثقافية و الدينية اللذان يساهمان في تحديد النظام العام بشكل كبير.
أما هذه الإشكالات، عملت الدولة المغربية على إبرام بعض الاتفاقيات الثنائية – سواء مع الدول الأوربية أو العربية – رغبة في تضمينها قواعد إسناد أكثر مرونة حماية لرعايا الدول الموقعة على الاتفاقية، غير أن حسن تفعيل هذه الاتفاقيات رهين بالتطبيق السليم من طرف القضاء.
و هكذا سنحاول، من خلال هذا العمل المتواضع، معرفة بعض البدائل المعتمدة في بعض هذه الاتفاقيات مركزين على الاتفاقية المغربية الفرنسية لسنة 1981 مع ما يعترضها من عوائق، متناولين في محور أول قواعد الإسناد المضمنة في بعض هذه الاتفاقيات، وفي محور ثان بعض عوائق تطبيق هذه الاتفاقيات
المحور 1 : قواعد الإسناد المضمنة في بعض الاتفاقيات الثنائية
قليلة هي اتفاقيات التعاون القضائي التي تتناول مسألة تنازع القوانين فس مادة الأحوال الشخصية بالنظر لصعوبة التوفيق بين قواعد التنازع سيما إذا وضعت في إطار الأنظمة القانونية كالتباين بين النظام القانوني للدول الإسلامية و الأنظمة القانونية اللائكية للدول الغربية.
و بالرجوع إلى الاتفاقية المغربية الفرنسية المتعلقة بحالة الأشخاص و الأسرة والتعاون القضائي الموقعة في 10 غشت 1981 و ارتباطا بموضوع انخلال الزوجية، نجد الفصل 9 من هذه الاتفاقية ينص على أنه :” ينحل الزواج وفقا لقانون إحدى الدولتين التي ينتمي إليها الزوجان يوم تقييد الطلب. ينطبق في الفرقة – إذا كان أحد الزوجين مغربيا و الآخر فرنسيا ساعة تقييد الطلب- قانون الدولة التي يقع بها موطن الزوجين المشترك أو آخر موطن مشترك لهما “
فمن خلال هذه المقتضيات يتبين أن الاتفاقية المغربية الفرنسية قد تبنت قواعد إسناد مرنة للتخفيف على رعايا الدولتين، و ذلك بإخضاع فرقة الزوجين لقانون موطنهما المشترك أو آخر موطن مشترك لهما، بدل التمسك السلبي أحيانا بقانون الجنسية
و بخصوص الاتفاقية بين المغرب و مصر – و إن كان التقارب بين الدولتين من الناحية الدينية و الثقافية لن يطرح كبير إشكال – فقد نصت في المادة 9 على أنه :” يطبق على انقضاء الزواج و آثاره قانون الدولة التي ينتمي إليها الزوج بجنسيته وقت الطلاق، أو عند رفع دعوى التطليق أو الانفصال “
فهذه المادة تخضع انحلال الزواج المختلط لقانون جنسية الزوج سواء وقت الطلاق أو عند رفع دعوى التطليق، فإخضاع الطلاق لقانون جنسية الزوج راجع على ما يبدو للتقارب بين القانونين المصري و المغربي في مجال الأحوال الشخصية و لاعتمادهما على المرجعية الإسلامية.
أما بخصوص الاختصاص القضائي، فقد نص الفصل 11 من الاتفاقية المغربية الفرنسية على أنه : ” يمكن أن تكون محاكم إحدى الدولتين التي يقع بها موطن الزوجين المشترك أو آخر موطن مشترك لهما مختصة وفق الفقرة( أ) من الفصل 16 من اتفاقية التعاون القضائي و تنفيذ الأحكام المؤرخة في 5 أكتوبر 1957 بالنظر في الفرقة بين الزوجين. غير أنه إذا كان الزوجان من جنسية واحدةلإحدى الدولتين، فيمكن لمحاكم هذه الدولة أن تكون مختصة أيضا أيا كان موطن الزوجين وقت تقييد الدعوى. إذا قدمت دعوى أمام محكمة إحدى الدولتين و قدمت ثانية بين نفس الأطراف و في نفس الموضوع أمام محكمة الدولة الأخرى فيجب على المحكمة المحالة عليها الدعوى الثانية أن ترجئ البث فيها “
فحسب مقتضيات هذا الفصل نلاحظ أن الاتفاقية المغربية الفرنسية لسنة 1981 قد تبنت قواعد إسناد مرنة للتخفيف على رعايا الدولتين، و ذلك بإخضاعها لفرقة الزوجين لاختصاص محاكم إحدى الدولتين التي بها موطن الزوجين المشترك أو آخر موطن مشترك لهما، فإذا مغربيان، أو طرف مغربي أو آخر فرنسي يتوفران على موطن مشترك لهما في فرنسا أن يتطالقا لأمكنهما أن يقدما طلبهما إلى المحاكم الفرنسية باعتبارها محاكم موطنهما المشترك .
كما أن هذه الاتفاقية – من خلال الفصل 11 دائما- سمحت للزوجين من جنسية واحدة أن يقدما طلبهما لمحاكم موطنهما المشترك بصرف النظر عن مكان وجود موطن الزوجين وقت تقييد الدعوى، غير أن القضاء استقر على أن اللجوء إلى هذه الحالة الأخيرة مشروط بعدم اللجوء لهذه المحاكم قصد التحايل و التهرب من القانون الواجب التطبيق.
و تجنبا للتناقض الذي قد يحدث بين أحكام محاكم الدولتين، فقد نص الفصل 11 على ضرورة إرجاء محاكم إحدى الدولتين البث في دعوى الطلاق إلى حين فصل محاكم الدولة الأخرى فيها.
و تجدر الإشارة إلى أن نفس هذه المقتضيات المتعلقة بالاختصاص القضائي قد تناولتها الاتفاقية المغربية المصرية من خلال المادة 10
و تجنبا للتناقض الذي قد يحدث بين أحكام محاكم الدولتين، فقد نص الفصل 11 من الاتفاقية الفرنسية المغربية على ضرورة إرجاء محاكم إحدى الدولتين البث في دعوى الطلاق إلى حين فصل محاكم الدولة الأخرى فيها، و هو نفس ما تضمنته الاتفاقية المغربية المصرية.
غير أنه لا بد من الإشارة إلى أنه متى اصطدم قانون إحدى الدول المتعاقدة مع النظام العام، فإن هذا القانون سيستبعد، مما يبين أن مفهوم النظام العام حاضر بقوة حتى ضمن الاتفاقيات الثنائية، فقد نصت المادة 11 من الاتفاقية المغربية المصرية مثلا : ” يجوز لمحاكم أي من الدولتين الامتناع من تطبيق قانون الدولة المتعاقدة الأخرى إذا أحالت عليها أحكام هذه الاتفاقية متى كان ذلك مخالفا للنظام العام فيها”.
فهذه الاتفاقيات، و إن كانت تحاول تقريب وجهات نظر الدول الموقعة عليها، تصطدم بمجموعة من العوامل تجعل تطبيقها أمرا عسيرا.
المحور 2 :بعض عوائق تطبيق الاتفاقيات الثنائية
رغم الدور الكبير الذي تحاول أن تلعبه الاتفاقيات الثنائية في التقليص من التعارض بين القوانين الداخلية فيما يتعلق بالأحوال الشخصية، فإن الأهداف المتوخاة منها كثيرا ما تعترضها مجموعة من العوائق.
فمن هذه العوائق ما يرتبط بالغموض الذي يكتنف نصوص الاتفاقية ذاتها، و من ذلك مثلا تنصيص الفصل 9 من الاتفاقية المغربية الفرنسية على أنه : ” يطبق في الفرقة – إذاكان أحد الزوجين مغربيا و الآخر فرنسيا ساعة تقييد الطلب – قانون الدولة التي يقع بها موطن الزوجين المشترك، أو آخر موطن مشترك لهما”، فهنا يمكن القول أنه إذا كان تطبيق قانون الموطن المشترك لا يثير أي إشكال، خاصة إذا كان موجودا بإحدى الدولتين، فإن قانون آخر موطن مشترك لهما ، و لنفرض أن هذا الأخير يوجد بدولة ثالثة ، فهل يكون من المقبول إخضاع الزوجين المغربي و الفرنسي لقانون هذه الدولة، أم أنه يبقى من الضروري إخضاعها لقانون إحدى الدولتين اللتين ينتميان إليها و رفعا لهذا اللبس، كان من الأولى أن تشترط هذه المادة وجود آخر موطن مشترك بإحدى الدولتين .
و من أمثلة هذا الغموض كذلك، ربط الفقرة 2 من الفصل 11 من الاتفاقية المغربية الفرنسية إخضاع الفرقة لقانون الجنسية إذا كان الطرفان من دولة واحدة بوقت تقييد الدعوى، فهنا يثار إشكال، فإذا كانت الفرقة في فرنسا لا يمكن أن تتم إلا بعد تقييد الدعوى أمام القضاء و صدور حكم فيها، فإنه بالنسبة للمغرب ينبغي التمييز بين الطلاق الذي يكفي فيه تقديم طلب في الموضوع لقسم قضاء الأسرة الذي يأذن في إيقاعه بعد توفر شروطه، و بين التطليق الذي يتم عن طريق الدعوى و بواسطة حكم قضائي.
و هذا ما يوضح أن عبارة ” تقييد الدعوى” قابلة للتأويل من قبل المحاكم الفرنسية على وجه الخصوص بصورة تستبعد من خلالها الطلاق الذي يتم بإرادة الزوج المنفردة، و حتى لا يبقى هذا الغموض قائما يجب تغيير هذه العبارة على الأقل تجاوزا على أنها تشمل جميع أنواع الطلاق المعروفة و المعمول بها في القانونين الفرنسي و المغربي على حد سواء.
و إذا كانت هذه بعض العوائق المتعلقة بجانب النص القانوني، فهناك عوائق أخرى لا تقل عنها أهمية، و هي تلك المرتبطة بالنظام العام، سواء المغربي أو المرتبط بالدولة الأجنبية، و خاصة في مجال الطلاق، فمثلا، القضاء الفرنسي غالبا ما لا يعترف بالأحكام و القرارات الصادرة عن القضاء المغربي و ذلك نظرا لكون النظام العام في فرنسا لا يجيز الطلاق الانفرادي بعلة أنه يكرس عدم المساواة بين الزوجين عند حل العلاقة الزوجية، و ذلك رغم التعديلات التي جاءت بها مدونة الأسرة، كما أن المحاكم المغربية بدورها تعمد إلى استبعاد القانون الأجنبي بناء على مخالفته للنظام العام، كما جاء في قرار للمجلس الأعلى الذي نص على : ” إن الحكم الأجنبي الذي ينص على عدم إمكانية تطبيق القانون المغربي على مغاربة مسلمين في نزاع يتعلق بالتطليق يعتبر مخالفا للنظام العام المغربي و غير قابل لتذييله بالصيغة التنفيذية لما فيه من خرق للفصل 430 من ق.م.م”
فيتضح من هذا أن محاكم الدولة المغربية و الدول الأجنبية تتخذ النظام العام كذريعة لاستبعاد القانون الأجنبي، و إن اختلفت الأسس التي يبنى عليها هذا الاستبعاد، الشيء الذي يعطل العمل بالاتفاقيات الثنائية التي ما تم إبرامها إلا للسماح لقانون كل دولة بالتطبيق فوق إقليم الدولة الأخرى.
و من بين العوائق التي تقف عقبة أمام تطبيق الاتفاقيات الثنائية هو لجوء الأفراد أحيانا إلى التحايل على القضاء، و هكذا مثلا تصرف المحاكم الفرنسية النظر عن الطلاق الذي يجريه الزوج المغربي المسلم على زوجته بدعوى أن لجوء هذا الأخير إلى القاضي المغربي لإيقاع الطلاق بالرغم من وجود موطن الزوجين في فرنسا، إنما كان بهدف الاحتيال و التهرب من الاختصاص المعقود في هذا الإطار للمحاكم الفرنسية، و هو ما أثير في العديد من الأحكام الفرنسية، كما جعلت أحكام أخرى عدم التحايل في اختيار المحاكم الأجنبية من طرف الزوج شرطا من الشروط اللازمة لإمكانية الاعتراف بآثار الطلاق الموقع بالخارج.
من كل ما سبق يتبين أنه إن كان الهدف من وضع الاتفاقيات الثنائية هو وضع قواعد إسناد مرنة تتوخى وضع حلول مناسبة للنزاعات التي قد تنشأ بين رعايا الدولتين، فإن الواقع يشهد على أنها تعترضها صعوبات تجعل تطبيقها أمرا عسيرا نظرا للغموض الذي يكتنف بعض موادها و كذا اصطدامها بفكرة النظام العام، و هو ما يبين أن تحقيق أهدافها رهين بمدى مرونة القضاء في تعامله معها و مع النظام العام.
اترك تعليقاً