أصول المحاكمات
أصول المحاكمات la procédure تعبير يطلق على مختلف القواعد المتعلقة بتحديد الاختصاص القضائي ورفع الدعوى وسيرها أمام المحاكم والطلبات والدفوع التي تقدم في أثنائها، والأحكام التي تصدر بشأنها وطرق الطعن بهذه الأحكام، وتنفيذها.
ولهذه القواعد أثرها في زيادة المعاملات وتنشيط الحياة الاجتماعية في المجتمع لأنها من العوامل المهمة في استقرار المعاملات بين الناس وفي اطمئنانهم على حقوقهم، كما أنها تؤدي إلى ضمان وصول الحق إلى صاحبه من غير مشقة ذاتية ولا كبير عناء مما يقوي الائتمان ويزيد الضمان.
وقواعد الأصول على نوعين: قواعد شكلية بمقتضاها تجبر الدولة الناس على الخضوع لأحكام القانون في علاقاتهم وروابطهم، وقواعد موضوعية تبحث في جواهر الروابط والعلاقات الاجتماعية بين الناس.
وتشغل قواعد الأصول مركزاً وسطاً بين القانون العام[ر] والقانون الخاص[ر] فهي تتصل بالقانون العام من ناحية كما تتصل بالقانون الخاص من ناحية ثانية. فالقواعد التي تتعلق بالمصلحة العامة، كالتنظيمات القضائية، تدخل في نطاق القانون العام. أما القواعد التي لاتهم سوى الخصوم أنفسهم فإنها تدخل في نطاق القانون الخاص. وقد قيل: في الدعوى تزول الحواجز التي جرى الفقه على إقامتها بين القانون الخاص والقانون العام.
والأصل أن تنظّم هذه القواعد جميعها في قانون واحد يسمى قانون الأصول. إلا أن المشرع لم يشأ أن ينظمها بقانون واحد متأثراً بالتفريق بين القانون الخاص والقانون العام، من جهة، ومتأثراً باختلاف الدعاوى، من جهة أخرى.
فمن جهة التأثر بالقانون العام والخاص آثر المشرع في سورية أن يبحث أنواع المحاكم في قانون السلطة القضائية، في حين نظم باقي قواعد الأصول في قانون الأصول وقانون البينات. ومن جهة اختلاف الدعاوى فإن المشرع ميز بين الأصول المتبعة في الدعاوى المدنية وأقر لها قانوناً خاصاً، وبيْن الدعاوى الجزائية فأصدر لها أصولاً خاصة. كما عني بوضع قواعد أصول تتعلق بالدعاوى الإدارية إضافة إلى الأصول الخاصة التي تتبع في كل محكمة يصار إلى إحداثها بحكم القانون.
والقانون العام لمجموعة قواعد الأصول المتبعة في مختلف الجهات القضائية في الجمهورية العربية السورية هو قانون الأصول الصادر بالمرسوم التشريعي ذي الرقم 84 المؤرخ في28/9/1953 والتعديلات اللاحقة به، بمعنى أن كل محكمة تطبق قواعد الأصول الخاصة بها والواردة في قانونها، وإذا لم يرد نص بقانونها الخاص فيرجع بذلك إلى القانون العام وهو قانون أصول المحاكمات للمواد المدنية والتجارية. وكان المشرع في العهد العثماني قد سمى هذا القانون باسم قانون أصول المحاكمات الحقوقية، وكان إلى جانبه قانون أصول باسم قانون أصول المحاكمات الشرعية. وظل الاصطلاح العثماني سائداً في سورية ولبنان والأردن والعراق حقبة من الزمن بعد الاستقلال. أما مصر فتسمي قانونها باسم قانون المرافعات المدنية والتجارية، ويطلق في لبنان على قانون الأصول اسم أصول المحاكمات المدنية في حين اقتبس العراق، في قانونه الجديد، الاصطلاح الشائع في مصر وهو قانون المرافعات. أما المشرع السوري فقد أبقى في قانونه الجديد على تسمية «قانون أصول المحاكمات» للمواد المدنية والتجارية.
أصول المحاكمات للمواد المدنية والتجارية
يتناول قانون أصول المحاكمات للمواد المدنية والتجارية تنظيم مختلف المسائل المتعلقة بالادّعاء أمام القضاء والتنفيذ الجبري. ويدخل في ذلك تحديد اختصاص المحاكم، وكيفية رفع الدعوى، وقيدها، وإجراءات الجلسات ونظامها، والأحكام التي تصدر بشأنها، وطرق الطعن بهذه الأحكام، وغيرها من المسائل الإجرائية الأخرى.
وتبدأ إجراءات التقاضي عادة برفع الدعوى إلى المحكمة المختصة باستدعاء أصولي يسلم مع ما يرافقه من صور أوراق الإثبات لكاتب الضبط ضمن ملف خاص، وتقيد في ديوان المحكمة، وبعد تبليغها إلى المدعى عليه واتخاذ الإجراءات الأخرى يعين رئيس المحكمة جلسة للنظر في الدعوى.
جلسة المحاكمة:
يُعدّ كاتب المحكمة قائمة بالدعاوى التي تعرض في كل جلسة مرتبة بحسب الساعات المعينة لرؤيتها. ويجب أن تكون المرافعة في قاعة المحكمة علنية إلا إذا رأت المحكمة من تلقاء نفسها أو بناء على طلب الخصم إجراءها سراً محافظة على النظام أو مراعاة للآداب العامة أو لحرمة الأسرة. ويحق لقاضي الأمور المستعجلة أن يعقد جلساته في غير قاعة المحكمة وفي أي وقت يحدده.
في الدعاوى الصلحية يسعى القاضي لمصالحة الخصمين قبل الدخول في الدعوى، وإن لم يستجب طرفاها للمصالحة شرع بمحاكمتهما. ينادى طرفا الدعوى في الساعة المعينة، وإذا حضر المدعى عليه نفسه أو محاميه جاز له طلب تأجيل النظر بها إلى جلسة تالية ليتسنى له الدفاع عن نفسه، وللمحكمة إعطاء الفرص المناسبة لطرفي الدعوى بغية الاطلاع على دفوع كل واحد منهما ووثائقه والرد عليها كلما اقتضى الحال.
ويأذن الرئيس في الكلام للمدعي أو لوكيله أولاً ثم يأذن في الكلام للمدعى عليه حتى إذا انتهى الطرفان من أقوالهما وتقديم دفوعهما ومستنداتهما قررت المحكمة إقفال باب المرافعة، وبعدئذ يجوز للخصم أن يقدم للمحكمة في الأيام الثلاثة التي تلي إقفال باب المرافعة مذكرة واحدة خطية لاستكمال بعض النقاط أو تصحيحها، وتقدم هذه المذكرة إلى ديوان المحكمة وتودع نسخ عنها بعدد الخصوم ويعطى الخصم مدة ثلاثة أيام للرد على خصمه أو للإجابة عنها.
وللخصوم أن يطلبوا إلى المحكمة في كل حال تكون عليها الدعوى تدوين ما اتفقوا عليه في محضر الجلسة.وإذا حدثت واقعة جديدة، أو ظهرت واقعة غير معلومة بعد إقفال باب المرافعة وقبل النطق بالحكم، كان للمحكمة أن تقرر من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم فتح باب المرافعة مجدداً وإعادة الدعاوى إلى جدول المرافعات، حتى إذا أكملت المحكمة أو طرفا الدعوى النواقص التي ظهرت فيها أعلنت مرة ثانية إقفال باب المرافعة. فإذا تهيأت الدعوى للحكم في موضوعها أصدرت المحكمة قرارها النهائي فيها.
ولا شك في أن أمر ضبط الجلسة وإدارتها موكول إلى رئيس المحكمة الذي يتولى توجيه الأسئلة إلى الخصوم والشهود. وللقضاة في قضاء الجماعة أن يستأذنوا الرئيس في توجيه ما يرونه من الأسئلة.
وللمحكمة أن تأمر بمحو العبارات النابية أو المخالفة للآداب أو النظام التي تخرج عن حدود الدفاع التي رسمها القانون. وللرئيس أن يخرج من الجلسة من يخل بنظامها، فإن لم يمتثل وتمادى كان للمحكمة أن تحكم عليه بالحبس أربعاً وعشرين ساعة أو بتغريمه عشر ليرات حكماً غير قابل لأي طريق من طرق الطعن، ويبلغه رئيس المحكمة إلى النيابة العامة لتنفيذه.
ويأمر رئيس المحكمة بكتابة محضر في كل جريمة تقع في أثناء انعقاد الجلسة ويتخذ الإجراءات التي يراها ضرورية للتحقيق بهذه الجريمة.
اترك تعليقاً