حالات امتناع الادارة عن تنفيذ القرار القضائي الاداري ومبرراتـه
اعتبارات قد تتمسك بها الإدارة فتدفعها إلى عرقلة تنفيذ القرار القضائي الإداري ، وضمن هذه الاعتبارات نجد حالات معينة يتوقف فيها التنفيذ بالتالي فإن الإدارة تختلق الأعذار والمبررات .
الفرع الأول : حالات الامتناع
يأخذ الامتناع إما شكل امتناع إرداي في التنفيذ إما صراحة في شكل قرار إداري أو عمل مادي صادر منها أو يكون نتيجة لسكوت الإدارة عن اتخاذ أي إجراء من شأنه التأكيد على نيتها على التنفيذ ، وقد يأخذ الامتناع شكلا مغايرا يفهم منه إحجام الإدارة عن التنفيذ ويتجلى ذلك في إهمال الإدارة القيام بالتنفيذ أو التنفيذ المعيب
.أولا : الامتناع عن التنفيذ الإرادي
إن الامتناع هنا يأخذ صورتين تبعا للطريقة المعبر بها في إصرار الإدارة ، فإما أن يكون مكشوفا واضح المعالم أو أن يكون بأحد المظاهر الدالة دلالة قاطعة عليه فهو إما أن يكون امتناع صريح أو أن يكون امتناع ضمني .
ـــــــــــــ
(1) مسعود شيهوب – المبادئ العامة ، المنازعات الإدارية ، الهيآت والإجراءات أمامها- الجزء 03 ديوان المطبوعات الجامعية سنة 1999 ص 342 .
• الصورة الأولى : الامتناع الصريح
يتجسد هذا الامتناع بصدور قرار صريح من الإدارة يفهم منه رفض تلك الأخيرة تنفيذ القرار القضائي بما لا يدع الشك في مخالفتها لحجية الشيء المقضي فيه ومجاهرتها بالخروج على أحكام القانون .
ولعل الامتناع هنا قد يكون مبررا من الإدارة وفي بعض الأحيان أو أغلبها يخفي النية السيئة للإدارة لعدم التنفيذ وعلى هذا الحال فإن حصول قوة قاهرة أو حادث فجائي يحول دون مقدرة الإدارة على تنفيذ التزامها فيحرر الإدارة من التزام التنفيذ ويبرر صراحة امتناعها عن إجراءه (1) .
وقد ساير القضاء الفرنسي هذا الغرض فأصدر مجلس الدولة قرارات عديدة برفض الحكم بالغرامة التهديدية لإجبار الإدارة عن تنفيذ أحكام وقرارات صادرة ضدها متى تبين له أن ظرفا استئنائيا حال دون قيامها بذلك تطبيقا لأحكام المادة 4 من القانون رقم 539-80 المتعلق بالغرامة التهديدية ، ولعل هذا ما أقره المفوض Pauté في تقريره في قضية السيدة Menneret أن ” … قانون الغرامة التهديدية قد أعطى لمجلس الدولة إمكانية إلغائها حال تصفيتهـا إذا ما تحقق لديه توفر ظرف غير عادي أو ضرورة أدت إلى رفض الإدارة تنفيذ الحكم الصادر في مواجهتها …” (2) ، ويكون الامتناع في غير هذه الحالة غير مبرر إذا ثبت عدم مبادرة الإدارة إلى التنفيذ رغم وجود أي ظرف أو قوة قاهرة وهنا يتضح أن الإدارة عمدت إلى عدم التنفيذ بقصد .
لذا فإن الإدارة لا يكفي عند حد إصدراها لقرار إداري يوحي أنها ستنفذ القرار القضائي الإداري بل يجب أن يلي إصدار هذا القرار وضعه موضع التنفيذ الفعلي ومضمون القرار الإداري يجب فيه أن ينفذ القرار القضائي الإداري بما جاء فيه من نتائج قانونية تطبيقا فعليا (3) .
• الصورة الثانية : الامتناع عن التنفيذ الضمني
يرى البعض أن هذه الصورة هي الأكثر شيوعا في تجسيد الإدارة تنفيذ القرارات القضائية الإدارية فهي تلجأ إلى هذه الوسيلة دون الحاجة إلى إصدار قرار صريح بالرفض كما رأينا ، فتلزم السكوت إزاء القرار القضائي ذو الحجية وللإدارة وفقا لهذه الصورة موقفين إما تستمر في تنفيذ القرار الإداري الذي ألغي أو تقوم بإعادة إصدار قرار إداري مماثل للذي ألغي .
ـــــــــــــ
(1) حسينة شرون – امتناع الإدارة عن تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية الإدارية – رسالة ماجستير ، جامعة بسكرة 2003 ص 56 .
(2),(3) Jacqueline , Morende ,de viller ,op.cit, p 723 .
أ- ففي الحالة الأولى فإن الإدارة تتجاهل القرار القضائي وعليه فإنها تستمر في تطبيق القرار الإداري الذي ألغي ومن أشهر هذه الحالة ما جاء في قضاء مجلس الدولة الفرنسي في قضية “Rousset” التي تتلخص وقائعها في أن الإدارة أصدرت قرار بعزل السيد “Rousset” من منصبه دون وجه حق فطعن في القرار المذكور ليحصل على إلغائه قضائيا من طرف مجلس الدولة غير أن الإدارة لم تعده إلى وظيفته مما دفعه إلى رفع دعوى جديدة لإلغاء قرار الامتناع عن تنفيذ حكم الإلغاء الصادر لصالحه والتعويض له عما أصابه من أضرار نتيجة ذلك (1) .
ووفقا لذلك نجد أن القضاء المصري للتأكيد على أن الإدارة تلتزم دائما بالمبادرة في تنفيذ الأحكام في وقت مناسب من تاريخ صدورها وإعلانها ، وإن تقاعست أو امتنعت دون وجه حق اعتبر هذا الامتناع بمثابة قرار إداري سلبي مخالف للقانون يستوجب التعويض (2) .
أما عندنا فنشير إلى قرار رئيس الغرفة الإدارية بمجلس قضاء الجزائر العاصمة المؤرخ في 13/03/1979 في قضية تتلخص وقائعها أن اقتطعت إدارة الضرائب المتنوعة من إحدى الشركات الفرنسية العاملة بالجزائر مبلغا ماليا قدره : 1.932.677.78 دج بدون وجه حق فرفعت الشركة دعوى أمام الغرفة الإدارية لمجلس قضاء الجزائر لوقف الإجراءات التنفيذية لهذا الاقتطاع ورد المبلغ المقتطع وكان أن صدر الأمر بذلك غير أن إدارة الضرائب لم تستجب لأمر الغرفة الإدارية ولم تتوقف عن الإجراءات التنفيذية إلى غاية تأميم تلك الشركة (3) .
ب- أما الحالة الثانية أن تقوم الإدارة بإعادة إصدار القرار الملغي فتعمد الإدارة هنا بإعادة إصدار القرار المحكوم بإلغائه فتتحايل الإدارة على تنفيذ القرار القضائي بإصدار قرار جديد يحقق هذا القرار الملغي ولو بوسيلة أخرى (4) .
وقد تحتج الإدارة في إصدار قرارها الثاني لتصحيح العيب الذي شاب القرار الذي ألغي وتستند بصورة خاصة في تغيير الأسانيد القانونية أو المادية وكذلك في حالة إلغاء القرار لعيب الشكل أو الاختصاص .
ونجد أن موقف القضاء الجزائري من هذا الأسلوب الذي تنتهجه الإدارة من خلال الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا ( سابقا ) ومن المبادئ المقررة أن على الإدارة تنفيذ القرار الصادر بالإلغاء يعيب الشكل أو الاختصاص حتى ولو كان الخطأ ثابتا على الموظف ولها بعد ذلك أن تعيد إصداره بعد تصحيحه إن أمكن ، لأنه لا يوجد ما يمنعها من ذلك ما دام هدفها هو تصويب التصرفات القانونية الخاطئة(5) .
ـــــــــــــ
(1) Conseil d’état , 08 Fev 1961 , Rouset , Recueil des décisions ,P 85 .
(2) عبد الغني بسيوني عبد الله – القضاء الإداري ” قضاء الإلغاء ” – المرجع السابق ص 330 وما بعدها .
(3) الأمر الاستعجالي رقم 60 الصادر في 13/05/1979 مشار إليه في ابراهيم أوفائدة – المرجع السابق ص 189 .
(4) مثال عن ذلك أن تقوم الإدارة بفصل الموظف بغير الطريق التأديبي بعد أن يكون الحكم قد صدر له بإلغاء قرار فصله بالطريق التأديبي .
(5) ابراهيم أوفائدة – المرجع السابق- ص 126-127 .
أما قضاء مجلس الدولة الفرنسي رأى أن تنفيذ حكم الإلغاء مطلوب حتى ولو أمكن التصحيح تطبيقا لقاعدة عدم جواز تصحيح القرار الإداري بأثر رجعي حتى ولو كان العيب خارجيا (1) .
أما في مصر فقد تباينت أحكام القضاء بين جواز التدارك اللاحق للشكل شرط أن يكون غير مؤثر على مضمون القرار الإداري وبين القول بأن هذا الاستيفاء أو التصحيح من الإدارة المتأخر للإجراءات لا يصحح القرار الإداري محل الإلغاء .
– نخلص أن هذا الامتناع المتكرر من الإدارة أدى إلى اللجوء إلى القضاء الإداري لإلغاء القرار الإداري أو الاكتفاء بالتعويض مع الإشارة إلى أن امتناع الإدارة ليس دائما ظاهرا بل هي في أحيان كثيرة تتذرع بدواعي النظام العام وأحيانا تلجأ إلى الانحراف بالإجراءات بما يسمح لها بإصدار قرارات إدارية تراعي فيها الشكليات القانونية لكنها تهدف لنتيجة واحدة وهي عرقلة تنفيذ قرارات القضاء (2) .
ثانيــا : التنفيذ المعيب للقرار القضائي
استقر الفقه والقضاء على المبدأ الذي يقضي بأن التنفيذ يجب أن يكون في وقت مناسب ومدة معقولة فإن خرج الأمر عن ذلك اعتبر أن التنفيذ معيب يوحي بأن هناك امتناع من جهة المحكوم عليه .
أمام هذا فإن الإدارة قد تلجأ لهذا الحل متخذة في الحال ذاته صورتيــــن :
• الصورة الأولى : التنفيذ الجزئي للقرار
إن الإدارة ملزمة عند إعلانها بقرار قضائي إداري أن تقوم بالتزامها بالتنفيذ الكامل لمقتضى القرار وذلك بإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل صدور القرار الملغي فلا يحق لها أن تخضع ما قضى به القرار القضائي لسلطتها التقديرية لأنه ما يفرضه القضاء من أحكام حائزة لقوة الشيء المقضي به التزام مفروض عليها (3) .
والتنفيذ الجزئي قد يكون ناقصا فلا تنفذ الإدارة بعض ما جاء به القرار القضائي ويعد هذا العمل من الإدارة امتناعا منها ومن أمثلتها : القرار القضائي الإداري الذي يلزم الإدارة بإعادة الموظف المفصول إلى منصبه وتمكينه من حقوقه المالية فتعمد الإدارة إلى تنفيذ الشق الأول من القرار القضائي دون الشق الثاني .
ـــــــــــــ
(1) سليمان الطماوي – قضاء الإلغاء – الكتاب الأول ، مصر ، دار الفكر العربي سنة 1976 ص 790 ومايليها .
(2) حسينة شرون ، المرجع السابق – امتناع الإدارة في تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية الإدارية – ص 64 .
(3) فريدة أبركان– رقابة القاضي على السلطة التقديرية للإدارة –ترجمة عبد العزيز أمقران ، الجزائر ، مجلة مجلس الدولة ، عدد 01 سنة 2002ص36
وقد أشار مجلس الدولة الفرنسي لهذه الحالة في قراره المؤرخ في 30/06/1997 بقوله ” … إذا كانت الإدارة قد اكتفت بأداء التعويض المحكوم به دون الفوائد القانونية المترتبة على التأخير في تنفيذه فإن هذا يعني أنها لم تنفذ القرار إلا جزئيا مما يستوجب القضاء ضدها بغرامة تهديدية 500 فرنك يوميا حتى تقوم بدفع هذه الفوائد (1) .
وقد يكون التنفيذ المعيب نتيجة فهم خاطئ للإدارة لفحوى منطوق القرار القضائي الإداري ، ولعل الحل المتبع هنا هو إرجاع الفصل في مشكلة الغموض في المنطوق إلى القاضي الإداري لبيان كيفية تنفيذه ويكون ذلك في شكل دعوى تفسيرية ترفعها الإدارة إلى القاضي الإداري لتفسير الغموض ، أما قيامها بالتنفيذ دون هذا الإجراء وفقا لما أملته عليها تفسيراتها اعتبر تنفيذا معيب يؤسس الامتناع في التنفيذ .
– وتفاديا لذلك فقد درج قضاء مجلس الدولة الفرنسي على تحديد كيفية تنفيذ قراراته خاصة بعدما تعددت حالات تأخير التنفيذ نتيجة لذلك بعدما ألغى المشرع الفرنسي الخطر الذي كان مفروضا على القاضي الإداري بأن لا يوجه أمر للإدارة بما يراه مناسبا لتنفيذ حكمه (2) .
• الصورة الثانية : التنفيذ المتأخر للقرار القضائي
لعل هذه الحالة الأكثر شيوعا من سابقتها فهنا تلجأ الإدارة إلى التباطؤ في التنفيذ متحججة تارة بانتظار الفصل في الاستئناف وأخرى لعدم تحديد القرار لمدة التنفيذ (3).
وفي هذا الصدد نجد أن التشريع الفرنسي بموجب القانون رقم 95/125 الصادر في 08/02/1995 المتعلق بصلاحيات المحاكم الإدارية ومحاكم الاستئناف وكذا القانون رقم 80/539 الصادر في 17/06/1980 المتعلق بالغرامة التهديدية في تنفيذ الأحكام من طرف أشخاص ، القانون العام قد أعطى للقاضي الإداري سلطة تحرير مدة تنفيذ أوامر القضاء المتعلقة بتنفيذ الأحكام القضائية ، التي متى لم تنفذ الإدارة التزامها بفواتها اعتبر إخلال بالتنفيذ خاصة إذا كان التأخير مبالغا فيه .
ـــــــــــــ
(1) جورج فوديل وبيار د يلفولفيه – القانون الإداري – الجزء 02 ، ترجمة منصور قاضي ، لبنان ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع سنة 2001 ص 225 .
(2) محمد باهي أبو يونس – المرجع السابق – ص 164 .
(3) وتجدر الملاحظة أن القضاء الفرنسي وعلى خلاف نظيريه المصري والجزائري قد لجأ في بعض أحكامه إلى تحديد المدة التي يجب على الإدارة أن تقوم خلالها بالتنفيذ وإلا فرضت عليها الغرامة التهديدية أو التعويض أو بهما معا .
أما بالنسبة للنظام الجزائري وعلى الرغم من تحديد المدة القصوى لتنفيذ القرار القضائي المتضمن إدانة مالية ضد الإدارة (1) فقد أوجب على أمين الخزينة العامة أن يتخذ إجراءات السداد في أجل أقصاه شهران من تاريخ إبداع طلب التنفيذ بالنسبة لتلك الصادرة لصالح الإدارة وخلال ثلاثة أشهر بالنسبة للأفراد لكن الأمر يبقى عالقا بالنسبة لأحكام الإلغاء والتي تفتقد مدة لتنفيذها .
الفرع الثاني : مبررات الإدارة عن عدم التنفيذ
لما كان من المقرر فقها أنه لا تكليف بمستحيل ولا إجبار إلا على تأدية مقدورة فإنه لا مجال للبحث عن وسائل قانونية لإجبار الإدارية على تنفيذ القرارات القضائية الإدارة إذا استحال تنفيذها وذلك إذا كان المبرر قائما وشرعيا وإلا عد الامتناع في غير هذه الحالة إخلال بالمسؤولية يترتب عنه جزاء قانوني .
ولعل من أهم المبررات التي تحتج بها الإدارة إما يرجع إلى استحالة قانونية أو واقعية .
أولا : الاستحالة القانونية
وتجتمع هذه الحالة في ثلاث أمور فقد تتعلق بالتصحيح التشريعي أو بوقف تنفيذ القرار القضائي أو نتيجة لإلغاء القرار القضائي من طرف مجلس الدولة .
أ- التصحيح التشريعي :
يراد بالتصحيح التشريعي أن يقوم المشرع بإصدار تشريع أو تقوم الإدارة بإصدار قرار تنظيمي أو لائحي يتم بموجبه تصحيح أثار تترتب على حكم الإلغاء ، وهذه الحالة يراد منها تصحيح القرار الإداري الملغى وتجد الإدارة بهذه الحالة نوع من التحرر إزاء التزامها بالتنفيذ لكن يثار الإشكال حول التصحيح التشريعي ومدى التوافق بينه وبين حجية القرار القضائي الإداري .
وهنا يتم التمييز بين حالتيــــن :
ـــــــــــــ
(1) القانون رقم 91/02 المؤرخ في 17/01/1991 .
• الأولى : أن التصحيح لا يشمل إلا الآثار المترتبة على القرار الملغى ولا يتعد إلى المضمون ، فهنا الإدارة تعفى من التزامها بتنفيذه بالنسبة للمرحلة الأولى غير أنها تظل ملتزمة بتنفيذ مقتضيات القرار القضائي التالية لصدوره .
• الثانية : أن المشرع لا يستطيع القيام بإجراء التصحيح لدافع شخصي بل تكون غاية التصحيح تحقيق الصالح العام ، ومن أمثلة ذلك نجده في القضاء الفرنسي حينما ألغى مجلس الدولة الفرنسي مرسوم تعديل القانون الأساسي للمسرح الفرنسي بسبب الانحراف بالسلطة لأنه الباعث على التعديل في القانون الأساسي كان الامتناع عن تنفيذ قرارات قضائية (1) .
ب- وقف تنفيذ القرار القضائي الإداري :
هذه الحالة رأيناها سابقا بحيث رأينا أن المشرع الجزائري نص على وقف تنفيذ القرار القضائي وجعله من اختصاص رئيس مجلس الدولة حاليا في شكل دعوى استعجالية تمارسها الإدارة بالموازاة مع الاستئناف المرفوع منها ضد القرار القضائي الإداري وخلصنا أن القضاء راح يوقف تنفيذ القرار القضائي الإداري متى تبين له أن تنفيذه يحدث نتائج يصعب تداركها .
ج- إلغاء القرار من طرف مجلس الدولة :
هذه الحالة هي أن يصدر من مجلس الدولة قرارا قضائيا يقضي بإلغاء القرار القضائي محل التنفيذ فيصير بذلك محل التنفيذ منعدما وفي هذه الحالة تحرر الإدارة من التزامها بالتنفيذ .
ومن تطبيقات ذلك ما صدر في القضاء المصري من المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 2202 لسنة 93 جلسة 27/07/1993 مما جاء فيه “… ومن حيث أنه من المعلوم أنه يترتب على صدور حكم من المحكمة الإدارية العليا بإلغاء حكم صادر من محكمة القضاء الإداري أن يزول لكل ما كان للحكم الملغى من آثار بحيث يعود الحال إلى ما كان عليه قبل صدور الحكم المذكور (2) .
ـــــــــــــ
(1) أنظر بالتفصيل ذلك : أحمد محيو – المنازعات الإدارية – ترجمة فائز أنجق وبيوض خالد ، الجزائر ديوان المطبوعات الجامعية 1994 ص 201
(2) طعن وارد بـ: حميدي ياسين عكاشة – الأحكام الإدارية في قضاء مجلس الدولة – مصر ، منشأة العارف الإسكندرية سنة 1997 ص971،970
ثانيـا : الاستحالة الواقعية ( المادية )
إن امتناع الإدارة في التزامها بالتنفيذ هنا يرجع إلى واقعة خارجة عن نطاق القرار القضائي بحيث يعتري تنفيذ القرار عارضا يستحيل معه التنفيذ .
ومرد هذه الاستحالة لا يخرج عن صورتيـــن :
– الصورة الأولى : الاستحالة الشخصية : فهنا يستحيل تنفيذ القرار القضائي يرجع إلى الشخص المحكوم له بحيث تطرأ ظروف تؤدي إلى الاستحالة ولعل المثال الأتي أدل على الفكرة هي أن يصدر قرار قضائي إداري يقضي بإلغاء القرار الإداري الذي فصل الموظف عن وظيفته وعن تنفيذ القرار القضائي يكون الموظف المحكوم له قد وصل إلى سن التقاعد ، فتنفيذ القرار يعد من الناحية العلمية مستحيلا .
ويضرب لنا القضاء الفرنسي عن ذلك ضمن قراره الصادر بتاريخ 27/03/1987 بإلغاء فصل موظف بعد بلوغه سن المعاش مما استوجب معه القضاء برفض طلب الغرامة التهديدية لإجبار الإدارة عن تنفيذه (1) .
أما بالنسبة للجزائر فإنه في حالة صدور قرار قضائي بإلغاء فصل موظف بلغ سن التقاعد فيما بعد فإنه يتعين على الإدارة أن تصدر قرارين إداريين يقضي القرار الأول بإعادة إدراج الموظف المفصول تنفيذا للقرار القضائي ، أما الثاني فيقضي بإحالته على التقاعد وذلك من أجل احتساب وتقدير معاش التقاعد ويكون بذلك التنفيذ صوريا (2) .
ـــــــــــــ
(1) محمد باهي أبو يونس – المرجع السابق- ص 145 .
(2) شرون حسينة – المرجع السابق- ص 45 .
– الصورة الثانية : الاستحالة الظرفية
مرد هذه الحالة ظروف استثنائية لا يكون فيها أمام الإدارة إلا أن تؤثرها على تنفيذ القرار القضائي ، إذن فعدم التنفيذ هنا يكون راجع لظروف خارجية .
ومن أمثلة ذلك القرار القضائي الإداري الذي يطالب الإدارة بتسليم وثائق معينة للمحكوم له لكن عند التنفيذ يتضح أن تلك الوثائق قد تلفت نتيجة حريق أو سرقة ، ومن ذلك نجد قضاء مجلس الدولة الفرنسي الذي فرض الغرامة التهديدية لإجبار الإدارة على تسليم الوثائق المطلوبة تنفيذا لإلغاء قرار الامتناع عن تسليمها نتيجة لفقدانها مما يترتب استحالة تنفيذه (1) .
أو القرار القضائي الإداري الذي يقضي بإزالة المباني التي تمت إقامتها على أرض المحكوم لصالحه وعند التنفيذ تكون تلك المباني قد هلكت من قبل .
وقد يكون الامتناع يرجع أن الاستمرار في التنفيذ سوف يهدد النظام العام ويترتب عنه إخلال خطير يتعذر تداركه كحدوث فتنة أو تعطيل سير مرفق عام ، فهنا ترجيحا للمصلحة العامة يوقف التنفيذ .
كما قد تكون الاستحالة راجعة إلى عدم توفر الاعتمادات المالية ونجد هذا شائعا في أحكام التعويض لأن عدم توفر المال يعتبر العقبة التي تحول دون التنفيذ
إلا أن الفقه يرى أن هذه العقبة مؤقتة لأن الإدارة ملزمة بالحصول على الاعتماد المالي اللازم للتنفيذ في السنة المالية ذاتها أو في السنة الموالية لها (2)
ونجد أن المشرع الجزائري قد اعتبر القرار القضائي بالتعويض ضد الإدارة بمثابة الأمر بالدفع بمقتضى الأمـر 91/02 المتعلق بضمان تنفيذ أحكام التعويض الصادرة ضد الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية إذ يقوم أمين الخزينة الموجودة في دائرة الاختصاص بعد انقضاء أجل أربعة أشهر من اتخاذ إجراءات التنفيذ القضائي دون جدوى ، بإجراءات السداد خلال ثلاثة اشهر بالنسبة للأفراد العاديين ، وخلال شهرين بالنسبة للتنفيذ لصالح الجماعات المحلية والمؤسسات العمومية (3) .
ـــــــــــــ
(1) محمد باهي أبو يونس – المرجع السابق- ص 147 .
(2) عبد الفتاح مراد – جرائم الامتناع عن تنفيذ الأحكام وغيرها من جرائم الامتناع – مصر دار الكتاب والوثائق ، دون سنة نشر ص 131 .
(3) على غرار التشريع الجزائري فإن التشريع الفرنسي تصدى لهذه المشكلة بالقانون رقم 539/80 الصادر في 16/07/1980 المتعلق بتنفيذ الأحكام المتضمنة مبالغ مالية وقد تم تعديل هذا القانون بالقانون رقم 321/2000 .
تبقى الحالة الأخيرة والمتمثلة في خشية وقوع اضطرابات تمس النظام العام ، فهنا والذي استقر عليه الاجتهاد القضائي المقارن أن لجهة الإدارة أن تمتنع عن تنفيذ القرار القضائي إذا كان يترتب على تنفيذه إخلال بالأمن والنظام العام .
ولعل من أشهر تطبيقات هذه الحالة امتناع الإدارة الفرنسية عن تنفيذ حكم قضائي بدعوى المساس الخطير بالأمن العام وتتلخص وقائع القضية أن أحد الأفراد المقيمين بتونس حصل على حكم بملكيته لقطعة أرض وعندما ذهب لوضع يده عليها فوجئ بأن قبيلة عربية استقرت عليها منذ زمن بعيد ويستغلونها لمورد رزق ، رفضت التخلي عن الأرض والخروج منها فلجأ إلى الإدارة الفرنسية طالبا منها دعمه بالقوة العمومية لتنفيذ الحكم غير أن السلطات المعنية رفضت ذلك بحجة أن نتيجة ذلك إشعال فتنة وثورات جانب الأهالي ، فلجأ المعني بالأمر أمام مجلس الدولة الذي قضى لصالحه بالتعويض لاعتبارات العدالة (1) .
أما في الجزائر فقد نص المشرع صراحة لهذا المبدأ في المادة 324 من ق.إ.م ” … وعندما يكون التنفيذ من شأنه أم يعكر الأمن العمومي إلى درجة الخطورة فيمكن للوالي أن يطلب التوقيف المؤقت لهذا التنفيذ …”(2) .
والملاحظ أنه لا يوجد معيار دقيق لتحديد درجة خطورة الإخلال بالنظام العام فالأمر متروك للسلطة التقديرية للقضاة تبعا لموضوع المنازعة المعروضة أمامهم .
ـــــــــــــ
(1) مسعود شيهوب – المسؤولية عن الإخلال بمبدأ المساواة – دراسة مقارنة ، الجزائر ديوان المطبوعات الجامعية سنة 2002 ص 53 –54 .
(2)قرار المحكمة العليافي20/01/1979قضية “بوشاط وسعيدي” انظر مسعود شيهوب– المسؤولية عن الإخلال بمبدأ المساواة- المرجع السابق ص 66
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً