الفرق بين القاضي والجنرال
جاسر عبد العزيز الجاسر
كلاهما عربيان، الاول خبير في القانون الدولي الجنائي، وحجة دولية في مجالات حقوق الإنسان وصل إلى مقاعد قضاة محكمة العدل الدولية، والآخر أيضاً خبير ولكن في مكافحة الشغب الذي توصف به تحركات الشعوب لنيل حقوقها، له دور فعال في قمع انتفاضات الشعب السوداني في دارفور وجبال النوبة، جنرال في القمع والتصدي لطموح الشعوب في نيل الحرية.
القاضي الدكتور بسيوني الذي استعان به ملك البحرين لرئاسة لجنة تقصي الحقائق فيما شهدته مملكة البحرين، والجنرال الدابي الذي رأسه نبيل العربي أمين جامعة الدول العربية لبعثة المراقبين العرب لتنفيذ بنود المبادرة العربية.
نعم كلاهما عربيان، الأول قاض حقوقي تحركه وتضبط أفعاله نصوص القانون وهدفه تحقيق العدالة.
والثاني جنرال حصل على أوسمة «تقديراً» لإنجازاته في قمع التظاهرات والاضطرابات تحركه نزعته العسكرية التي تتجاوز كثيراً الرحمة التي تشكل تركيبة القضاة.
الأول وفق ما يمليه عليه القانون وأخلاقية القضاة العدليين فقاد فريقاً بحث عن أسباب الخلل وكشف تجاوزات السلطة التي استضافت فريقه، ولم يجامل عاهل البحرين فجاء تقريره شاملاً ومنصفاً وغير متأثر برغبات المستضيف، حدد التجاوزات، ونقض كثيراً من اتهامات السلطة للمعارضين، بل برأ تقريره جهات كانت تتهمها حكومة البحرين، والذي حدد تجاوزات من آثار الاضطرابات، وشخص الدوافع التي أدت إلى تلك الاضطرابات دون إغفال التأثير الإقليمي، وفي نفس الوقت لم يعف الأجهزة الأمنية من إقدامها على ارتكاب عمليات قمع غير مقبولة، والإقدام على انتهاج العنف المتصاعد وانتهاك حقوق المواطنين.
تقرير منصف ضمنه توصيات أخذ بها ملك البحرين وبدأ التنفيذ الفعلي لها من خلال جملة إصلاحات لا بد وأن تساعد على معالجة الوضع في مملكة البحرين.
الثاني الجنرال الدابي، رئيس بعثة المراقبين العرب، صاغ تقريره بلغة ضباط المخابرات فانحاز في تلك اللغة إلى «الخيار الأمني» الخيار المفضل لدى جنرالات المخابرات، فساوى بين الجلاد والضحية، واعتبر المطالبين بحقوقهم خارجين على القانون، والذين يقتلونهم يؤدون واجباً وكرد فعل لمواجهة المسلحين.
تقرير غابت عنه التوصيات ووفر حجة للجلادين في سوريا ليواصلوا قتلهم للمتظاهرين، وبدلاً من أن يسهم تقرير الدابي في معالجة الأزمة السورية عقدها، ليقال عن مهمته وتحل بعثة المراقبين بعد أن أدى اختيار «جنرال» إلى تدمير الفكرة، في حين أدى اختيار قاضٍ وحقوقي إلى إنجاح الفكرة وساهم تقريره بما حمله من توصيات إلى وضع أسس عملية لمعالجة أوضاع مملكة البحرين.
نجاح ساهم ملك البحرين في حسن اختياره لشخصية حقوقية دولية نزيهة، وفشل في سوريا أسهم اختيار جنرال صاحب تاريخاً حافلاً في قمع المتظاهرين بتأزيم الوضع في سوريا.
اترك تعليقاً