انتشار الزواج العرفي
دراسة فقهية مقارنة
المقـدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، ونشهد ألا إله إلا الله الملك الحق المبين، ونشهد أن محمدًا رسوله الأمين وخاتم رسله أجمعين بعثه ربُّه رحمة للعالمين.
أما بعد؛ فليس يخفى على أحد أن المجتمع يتغير تغيرًا سريعًا، فالظاهرة فيه لم تكد تظهر إلا وتتولد عنها أفراد من جنسها لا تقل خطرًا عنها، وهذا المجتمع في تطوره السريع ربما أطاح بقيم وثوابت كان أولى به أن يحافظ على ثباتها، ففي الحفاظ على ثباتها حفظ له.
وقد تبع هذا شيء من السلوك غير السوي يستباح معه شيء الناس، والمستبيح يبرر بجمع من المبررات التي لا تثبت أمام النقاش، ولم يترك هذا التغير بابًا إلا وطرقه حتى كاد يطرق باب العبادات، هذا الباب الذي أكمل، وكل ابتداع حادث دليل على ما تقدم.
وليس يخفى أن هذا قد جر على الناس أعظم بلاء تمثل في فساد أخلاقهم وقلة المروءة عندهم، فضعف الإيمان حتى كاد لا يكون خوف من عاقبة، ومظاهر ذلك لا تخفى على من يقلب بصره تتمثل في شهادات الزور التي انتشرت، والأيمان الكاذبة التي تملأ الآذان، وفي إنكار الولد وإدعاء الأعراض والدماء، وفساد الذمم الذي كان المجتمع الأول يتبرأ إلى الله منه، وقد صار يعلم ويتعلم، فرأينا من يوصي حبه فيقول:
إِذَا لَمْ تَكُنْ عَقْرَبًا يَلْدَغُ لَعِبَتْ بِثِيَابِكَ الْعَقْرَبُ
يحاول أن يستبدل بهد السنة هذا المنطق، وهل يتربى مع هذا المنطق السؤال عن الحلال والحرام، بله أن أقول هل يتربى معه الورع؟
والتزاوج سلوك إنساني طبيعي لا غنى عنه لجنس البشر، فقد فطر الناس عليه، فكأن لسان الحال يقول:
فَنَحْنُ بَنُو الدُّنْيَا وهُنَّ بَنَاتُهَا وَعَيْشُ بَنِي الدُّنْيَا لِقَاءُ بَنَاتِهَا
وما كان الدين ليعطل عيشًا شرعه، وإنما يهذب حتى يهنأ الناس بعيشهم من هديه، فشرع وأحكم، وقضي وأبرم، وسن وألزم.
لكن المجتمع ينحرف عن الطريق الذي رسمه الإسلام في هذا الباب الذي لم يعتبره محض معاملة، فيقال: إن الناس أعلم بشؤون دنياهم فيه، وإنما أعلاه بأن جعل فيه جانبًا تعبديًّا في معظمه، فهو يشبه العقود في جانب الحقوق المالية بينما يشبه العبادات في جوانب متعددة.
وأعظم أبواب الانحراف عن الطريق المستقيم في الباب تعدد طرق النكاح التي شاء الإسلام أن تكون واحدة فعائشة – رضي الله عنه – تحكي أنواع الأنكحة التي كانت موجودة، وهي الأربعة التي لم يقر الإسلام منها إلا ما تعارف الناس عليه في ضوء الشريعة، وقد فعله رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأقره وعلم الناس كيف يصنعونه، فهداهم إلى أن يحققوا الأركان وشروط الصحة وشروط الانعقاد، ويتحققوا من عدم وجود الموانع، ثم سماه نكاحًا.
فأبى كثير من الناس إلا أن يجعلوه مضافًا، فقال البعض منهم: نكاح الشغار، ونكاح المسيار، ونكاح النهار، ولو عددنا التسميات لطال بنا الحديث، ومن هذه التسميات النكاح (الزواج) العرفي.
فهل العرفي ما تعارف عليه الناس؟! فذلك الشرعي، أما العرفي فهو ما خادع النظام متمثلاً في التوثيق، فذاك ما أردت أن ألفت النظر إلى دور القانون نفسه في ازدياد حالاته، وإكثار عدد المتعاملين به.
وليس ينكر على القانون أنه أخذ بضرورة التوثيق لهذا العقد وغيره لما نعرفه للتوثيق من منافع، فبه تحفظ حقوق العباد، وبه يذكر الضال فلا ينكر ما عليه من الواجبات، وبه استقرار المعاملات، وقبل كل هذا أنه لا يخالف الإسلام، بل فهم بعض أنه من الواجبات الشرعية خاصة بعد نزول آية الدين.
وعليه فقد كتبت هذه الورقات ليكون يقين أن الالتزام بشريعة الله تستقيم معه الحياة، ويزداد اليقين بأنه ليس أنجع من علاج هذه الشريعة للمشكلات.
واقتضى الكلام في هذا الموضوع أن تكون هذه المقدمة له، ثم يأتي تعريف موجز للنكاح في اللغة والاصطلاح، ثم لكلمة الزواج العرفي، ثم وقفة مع سبب استشهار عقد النكاح ليتلو ذلك تكيف فقهي لعقد الزواج العرفي، ثم كان تناول لموضوع التوثيق بين الشريعة والقانون، ثم كانت وقفة مع الأسباب القانونية التي كانت سببًا في انتشار هذه الظاهرة التي ينبغي أن تتكامل الجهود على الحد منها إذا لم تستطع إخفاءها، ولا يحتجَّن أحد بأن صورة منه جائزة شرعًا، فكونها جائزة لا يعني وجوب العمل بها، كما أن جوازها لا يعني أنها الأمثل في مجتمع هذه الأيام لما ذاع وانتشر من فساد ذمم الناس، وغيره وهذه الأسباب (الثغرات) قد تناولت منها الآتي:
– تحديد سن الزوجين وأثره.
– محاولات الحد من التعدد ودورها.
– دور القوانين الخاصة.
– قانون المعاشات.
– قانون التجنيد.
– قانون الحضانة.
– قوة الشرط القانوني.
ثم ذيلت ذلك بالفرق الاجتماعي الخطير بين الزواج الشرعي العلني وبين الأنواع الأخرى، ومنها العرفي.
وأردفت ذلك كله بخاتمة وثبت للمراجع التي أفدت منها، وعلى الله قصد السبيل، سبحانه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم، فهو خير الفاتحين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
تعريف الزواج العرفي:
لا يختلف في تعريف كلمة الزواج التي تدور في العرف اللغوي بين معنيين: الضَّم، والوطء.
أما العرفي فكلمة يدور معناها في إطار اللغة، في العلم، والإعلام والمعروف، فالعرف ضد النكر، وكلمته تدور – كما يقول الأزهري – في كل ما تعرفه النفس من الخير وتطمئن إليه[1].
وكما لم يختلف في تعريف الزواج في اللغة لم يختلف فيه في الاصطلاح إلا ما كان من خلاف في كونه حقيقة أو مجازًا في العقد أو الوطء؛ فالحنفية على كونه (الزواج) حقيقة في الوطء مجازًا في العقد، أما الشافعية والحنابلة فيرونه حقيقة في العقد مجازًا في الوطء[2].
وليس اختلافهم في هذا فضول قول، وإنما هو خلاف له ثمرته التي يقف عليها من يسأل عن حكم من زنى بها الولد أو الوالد على التزوج بالآخر، فهل حكم التحريم مرتبط بالوطء (مجرد الجماع) أم يرتبط بالعقد؟
ويقف على هذه الثمرة كذلك من يسأل عن حكم تعليق الطلاق على النكاح، فهل يقع بمجرد العقد أم لازال قائمًا حتى يمكن الدخول؟
وابن تيمية يرفض أن يكون هذا في الشرع، وإن رضيه عرف اللغة فيقول: “فقالوا: المراد بالنكاح الوطء، وهذا ما يظهر فساده بأدنى تأمل، وأما أولاً: فليس في القرآن لفظ نكاح إلا ولابد أن يراد به العقد، وإن دخل فيه الوطء أيضًا، فأما أن يراد به مجرد الوطء فهذا لا يوجد في كتاب الله قط”[3].
والنصوص الشرعية – وإن قصدت معنى الوطء بإيرادها الكلمة – فإنها تقصد ما ترتب على عقد صحيح أو فاسد، ويفهم ذلك من منطوق قوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]، فمع الاتفاق على اشتراط الوطء ليحدث التحليل غير أن الوطء لا يحدث أثره إلا إذا كان في نكاح صحيح، يقول الزرقاني: “والنكاح شرعًا إنما يطلق على وطء المعقود عليها لا على مجرد الوطء”[4].
فالنكاح والزواج يراد بهما حقيقة الإيجاب والقبول اللذين يبيحان الاستمتاع بين الزوجين، وعليهما تترتب آثار العقد، وعقد النكاح قد عرف بذكر موضوعه.
أو بذكر آثاره، يقول الجرجاني: “النكاح: عقد يرد على تمليك منفعة البضع”[5]، ويقول القونوي: “عقد موضوع لملك المتعة، أي: حل استمتاع الرجل بالمرأة”[6]، ويقول الشيخ علي حسب الله: “هو اتفاق يقصد به حل استمتاع كل من الزوجين بالآخر، وائتناسه به طلبًا للنسل على الوجه المشروع”[7]، وبعض الفقهاء، اكتفى باشتهاره، فلم يعرفه، فلم ينفق وقتًا في تعريف ما هو معروف مشتهر؟[8].
واشتهار النكاح ناتج عن تفرد هذا العقد، واختلاف طبيعته عن غيره من العقود، فليس يهتم بمقدمات عقد كما يهتم بمقدماته؛ وذلك لأن موضوعه الإنسان ذاته، فهو من أهم العقود إن لم يكن أهمها على الإطلاق، وقد رأينا أنه جعل فيه جانبًا تعبديًّا يسمو به أن يدخله البدل أو الإباحة، وأنه اختص بألفاظ تشبه الألفاظ التي هي ذكر في الصلاة[9]، فالحل فيه مرتبط – كما يقول ابن القيم – بشروط النكاح وانتفاء موانعه، وحضور وقته، وأهلية المحل فيه[10].
أما العرف في الاصطلاح فليس يبتعد كثيرًا عن معناه في اللغة؛ إذ يطلق ويراد به ما تعارف الناس عليه في شؤون حياتهم، ولم ينكروه، واشتهر أمره عندهم وإن لم يشترطوه[11].
والعرف إما فاسد وإما صالح، وهو إما قولي وإما عملي، وقد يكون عامًّا أو خاصًّا، ولا عمل به إلا بتحقق شرطه الذي يتلخص في كونه مطرودًا غير مخالف لنص أو قاعدة شرعية.
أما الزواج العرفي كتركيب فيعنى في الاصطلاح عقد الزواج الذي لم يوثق رسميًّا سواء كان مكتوبًا أو غير مكتوب، فهو عقد لم يسجل على يد المأذون إذا كان بين مصريين في مصر مثلاً، أو لم يشهر في الشهر العقاري إذا كان أحد طرفيه مصريًّا والآخر أجنبيًّا، أو لم يسجل في السفارة المصرية إذا كان بين مصريين خارج حدود مصر.
فإذا توفر في هذا العقد – الذي لم تجر عليه وسائل التوثيق الرسمية السابقة – ركناه، ولم يخل من المهر، أو يشترط فيه إسقاط، وتوافرت فيه الشروط، وعري عن شرط التأقيت، فهو عقد صحيح شرعًا[12].
وصورة الزواج العرفي التي يعرفها المجتمع، وقد فشت فيه إحدى طريقتين:
أولاهما: طريقة الاحتيال والمخادعة للقوانين الوضعية، وذلك باستغلال جانب الشكلية المفرطة في المواد القانونية المحكمة، وهي مجال تفصيل هذا العمل.
—
ثانيهما: طريقة حتمية الأمر الواقع، وذلك الذي يتم في المناطق التي تبتعد بعاداتها عن سلوك التوثيق المدني وظروفه، وهذه الجماعات – وإن كانت تنتهي – لا زال لآثارهما وجود، في شرذمة لم تسجل في سجلات قيد المواليد، ومن ثم فليس من حقهم أن يحملوا إثبات هوية إلا بعد جهد جهيد مما يضطرهم إلى التصرف بعيدًا عن المدنيين، وهؤلاء لهم حق طبيعي في التزاوج، لكن المدنية لن توثق لهم عقودهم، فيضطرهم ذلك إلى التزاوج العرفي بأركانه الشرعية، وشروطه كلها، وبالإعلان الذي يستفيض، ويسمونه بإجراء السنة، وما كذبوا، فإجراء السنة في التزوج لا يعدو هذا.
وقد طالعتنا جريدة الأسبوع في عددها رقم (520) الصادر بتاريخ 29 من صفر 1428 هـ الموافق 19 مارس 2007 م أن هذه المجموعات تمثل (2.000.000) مليوني مصري، وقالت (6 قرى بأكملها ببني سويف، وسبعون ألف أسرة بمطروح لا يعرفون سوى الزواج العرفي).
والعاقدان قد يكونان بنفس الظروف، وقد يكفي أحدهما ليحدث هذا وقد يلجأ المدنيون الذين تحققت فيهم شروط التوثيق إلى هذا طلبًا للتيسير، وتخلصًا من أعباء التسجيل، ولم يدر بخلدهم تحيل، أو رغبة في التملص من الحقوق.
التكييف الفقهي للزواج العرفي:
سبق التنويه إلى خصوصية عقد النكاح عن غيره من العقود على صفحات هذا البحث، بل وجدنا من يجعل للعلاقات الزوجية ما يميزها عن باقي العلاقات التي تأخذ جانب العلاقات الشخصية[13]، وعليه فقد حرصت الشريعة الإسلامية على ضرورة الالتزام بما يحقق المصالح في هذا التعاقد، ويمنع ما قد يلحق من ضرر، وقد ألزمت بأركانه وشروطه، وحرمت الإقدام على ما يخالف ذلك، فإذا خولفت في جانب أساس جوهري في إقامة هذا العقد فإنها تحكم ببطلانه كحكمها ببطلان من نكح أمه أو بإحدى محارمه لاختلال ركن المعقود عليه في شرط الشريعة ألا تكون محرمة[14].
وأما إذا خولفت الشريعة في جانب فرعي ليس جوهريًّا كأن يختل شرط المهر، وذلك بأنها لا تمنع تصحيحه بإزالة ذلك المفسد الذي ألم بهذا العقد.
وأما إذا اتخذت المخالفة جانبًا غير شرعي، كأن تخالف شرطًا قانونيًّا أو مدنيًّا أو عرفًا جديًّا كعدم مراعاة شرط التوثيق، أو عدم مراعاة أخذ إذن القاضي فليست هذه المخالفة بمؤثرة على صحة هذا العقد ما روعيت أركانه وشروطه فعقد الزواج عقد رضائي شرعًا بموافقة طرفيه، ومن ثم لو عقد رجل زواجه على أخرى دون إذن من القاضي، فإن العقد يكون صحيحًا من الناحية الشرعية، وحكم القاضي ببطلانه يكون مخالفًا للدين[15].
وهذا التوصيف لعقد الزواج العرفي متى كان يعوز الأمر الواقع إليه، ولم يجد المتزوجون بدا منه، ولم يلجؤوا إليه لتغيب الأركان الشرعية أو الأوصاف، فأهلية العاقدين موجودة، والزوجة ليست محرمة على زوجها وخلا زواجهما عن شرط التأقيت أو غيره من الشروط التي تخالف مقتضى العقد، وتحرز طرفا العقد من نية لو ظهرت اتهم العقد بسببها كنية التحليل، أو التطليق بعد قضاء وطر، حتى لا يوصف بكونه متعة.
فإذا تحقق وجود ما يطلب وجوده، وغياب ما يتحتم تغيبه فالنكاح ماض شرعًا، وهو صحيح حتى لو عري عن شرط التوثيق، على أن شرط التوثيق ليس حرامًا، ولا تبغضه ما دام لا يخالف أحكام الشريعة، ويساعد على استقرار المجتمع باستقرار أسره.
موقف الشريعة من توثيق النكاح:
والنكاح عقد من العقود لا يدخله البدل أو الإباحة أو الضمان، لم يلزم الشرع بتوثيقه فيما وقف الباحث عليه من كتابات فقهاء الإسلام على اختلاف منازلهم ومذاهبهم، فلم يأت عن واحد منهم أن الشريعة اشترطت أن يقع هذا العقد على يد عالم أو قاض أو حاكم، وليس ذلك عن إغفال أمر الكتابة أو التوثيق، فلا يخفى أن الأمر معلوم خاصة بعد نزول آية الدين[16]، ولا يعقل عند أهل التحقيق أن المقصود بالكتابة الكتابة والإشهاد، لأن الكتابة لا تكون حجة بغير شهادة[17].
هذا إذا قيل بوجوب الكتابة كما ذهب الناس – كما يقول القرطبي[18]: “ذهب بعض الناس إلى أن كتب الديون واجب على أربابها، فرض بهذه الآية بيعًا كان أو قرضًا لئلا يقع فيه نسيان أو جحود”.
أما إذا أخذنا بقول من قال بالندب للكتابة، أو قول من قال بنسخ وجوب الكتابة في الآية بقوله تعالى فيها: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283]، فإننا نؤكد على عدم اشتراط الشريعة لتوثيق العقود عامة، وعقد النكاح منها خاصة، لأنه ليس عقدًا خالصًا، ولا شبه له بالمال إلا في المهر، وذلك إذا لم يكن حالاًّ كله، فابن تيمية يقول: “فما كان الصحابة يكتبون المهور؛ لأنهم كانوا يعجلونها، فليس هناك ما يدعو إلى تسجيلها وكتابتها”[19].
وقال: “ولا يفتقر تزويج الولي المرأة إلى حاكم باتفاق العلماء”[20].
فالشريعة لم تشترط إلا أن تتحقق أركان هذا العقد، وشروطه بحضور شاهدين أو أكثر مع عدم التواصي بالكتمان ليتحقق أمر الإشهار، وهذا يتفق مع ما فعله الإسلام بتعاليمه في نفوس متبعيه، فقد حذرهم من أكل أموال بعضهم بغير حقها، وملأ نفوسهم إيمانًا بضرورة الوفاء بعهودهم وعقودهم، فلا ضرر يتوقع مع التزام الناس بالتدين، ومن ثم فليس على الناس حرج ألا يوثقوا عقدًا أو دَينًا، فدِينهم ومروءتهم يحفظان حقوق الناس عندهم، وهذا مؤدى الآية بنفي الجناح إذا كان الأمان من قبل طرف في طرف {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283].
والشريعة وإن لم تشترط التوثيق لم تمنعه أو تحظره، أو تُخطِّئ عرفًا أو قانونًا عمل به؛ فلا يخفى على أحد إذنها بمبدأ التوثيق، حيث كانت الشهادة دون الكتابة طريقة، ثم كان أمر الكتابة الذي لم يَعْرَ عن الشهادة، ثم عدم منعها من تحكيم وسائل الإثبات الأخرى بما أطلقت للمتعبدين بها أنهم أعلم بشؤون دنياهم، والحديث لا يخفى، وهو غير مقصور على تأبير النخل[21].
فليس ينكر على القوانين الوضعية أنها أخذت بضرورة التوثيق لهذا العقد وغيره لما فيه من منافع كبيرة، فبه تحفظ حقوق العباد فيضمن ألا أكل لأموال الناس بغير حق لإنكار أحقيتهم فيها.
لكن الذي ينكر على القوانين الوضعية والمدنية وغيرهما أن يُنشئُوا ما يَجعلونه في قوة الشروط الشرعية فكما يقول الشيخ على حسب الله – رحمه الله: “فليس لمدوني القوانين أن ينشئوا حكمًا شرعيًّا دينيًّا يحل حرامًا أو يحرم حلالاً، بل هو شرط يترتب عليه أثر قانوني لا دخل له في الحكم الشرعي”[22].
فمؤدى كلام الشيخ أن الزواج إذا كان عقدًا صحيحًا شرعًا، فليس يضيره أن يغيب عنه الشرط القانوني في مسألة التوثيق، وإذا عاقب القانون على اختلال شرطه، فليس يملك أن يحكم ببطلان أو فساد عقد الزواج، ويدين بهذا كل من له فقه صحيح بقضية توثيق العقود في الشريعة الإسلامية، وقد سئل الشيخ مخلوف عن الموقف من أحد عقود الزواج العرفي فقال: “عقد الزواج إذا استوفى أركانه وشروطه الشرعية تحل به المعاشرة بين الزوجين، وليس من شرائطه الشرعية إثباته في وثيقة رسمية أو غير رسمية، إنما التوثيق لدى المأذون أو الموظف المختص نظام أوجبته اللوائح، والقوانين الخاصة بالمحاكم الشرعية خشية الجحود، وحفظًا للحقوق، وحذرت من مخالفته لما له من النتائج الخطيرة عند الجحود”[23].
فعدم التوثيق ليس خللاً في نظر الشريعة، ومن ثم فليس له أثر في الحكم على العقد شرعًا، ولم يذهب أحد من الفقهاء إلى اشتراطه، فالعقد في الشرع صحيح متى وقعت صيغته مستوفاة شروط الانعقاد والصحة، وسلم باقي أركانه فطابع العقود في الإسلام الرضائية.
موقف القانون من توثيق عقد النكاح:
لا يخفى على أحد أن تحكم القوانين في أمور القضاء في خصومات الناس على اختلافها في بلاد الإسلام ليس لها تاريخ طويل، فلم يرتبط بحركة الترجمة مثلاً، وذلك للقوة الراسخة التي صاحبت الإسلام، فلم تجعله يحوج أهله لانتظار ثقافة أو تشريعات وافدة، ولم يجد المجتمع المسلم بدًّا من هذا في عصور انحطاطه بعد انتشار التقليد، فجمود وتقليد وتعصب عندنا يقابله أخذ بوسائل التقدم عند غيرنا، فوفد إلينا مع منتجهم منطقهم وقانونهم، ويرده الدارسون إلى وقت قريب آخر القرن الثامن عشر وأول التاسع عشر.
يقول د. صوفي أبو طالب: “ولم يحس المجتمع بحاجة إلى تجديد الفقه، وتطوير الأحكام حتى أواخر القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر الميلادي حينما بدأ الاتصال والاحتكاك بالحضارة الأوربية التي طرقت أبواب عصر الصناعة، فأصبحت الحاجة ماسة إلى تجديد شباب الفقه الإسلامي بل الحضارة الإسلامية حتى تستطيع الصمود أمام الحضارة الأروبية الناهضة والقوانين الأوربية”[24].
وأوائل القرن التاسع عشر ليست منا ببعيد، ولا أواخر القرن الذي قبله، وعليه فقد كان موقف الشرع من التوثيق هو المعمول بكل وجه، وقد سبق أنهم ما كانوا يوثقون، وأنهم كانوا يكتفون بالإشهاد على عقودهم.
وكتابة مؤخر المهور – وإن اتخذ وثيقة لإثبات الزواج – لا يعد توثيقًا له، لأنه اتخذ صورة كتابة الدين، وقد تأخر أيضًا، يقول ابن تيمية: “لم يكن الصحابة يكتبون صداقات، لأنهم لم يكونوا يتزوجون على مؤخر، بل يعجلون المهر، وإن أخروه فهو معروف؛ فلما صار الناس يزوجون على المؤخر، والمدة تطول ويُنسَى صاروا يكتبون المؤخر، وصار ذلك حجة في إثبات الصداق، وفي أنها زوجة له”[25].
وليس يعنيني أن أفصل القول في نظرية التوثيق القانونية للعقود عامة، وإنما يعنيني موقف القانون من توثيق عقد النكاح خاصة، ولا يخفي أن موقفه يمثل الشرط القانوني لهذا العقد، وقد سبق تقرير أن العقد يقع صحيحًا لازمًا نافذًا به أو بدونه، وقد سبق أن المقنن لا يمكن أن تعطى قوةَ الشرط الشرعي لقوله مهما كان.
ويمثل لشرط المقنن بأمور منها: اشتراطه سنًّا معينة لكلا الزوجين كما جاء في نص المادة 367/ 2 من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 على أنه “لا يجوز مباشرة عقد الزواج ولا المصادقة على زواج مسند إلى ما قبل العمل بهذا القانون ما لم تكن سن الزوجة ست عشرة سنة، وسن الزوج ثماني عشرة سنة وقت العقد، ومن الأمثلة كذلك شرط التوثيق لهذا العقد الخطير، وقد جعله القانون شرطًا لسماع دعوى الزوجية، أو الدعاوى الناشئة عنها، وذلك عند إنكار أحد طرفي العقد للعقد، وأوقف القانون أمر عدم السماع عند الإنكار يعني أنه يرى إمكانية السماع لدعاوى الحضانة، والنفقة، والطاعة للزوج في غير العقد الموثق ما كان هناك رضا بالعقد، ولم يكن ثمة إنكار من أحد طرفيه.
فقد جاء في المادة رقم (99) من القانون 78 لسنة 1931، وذلك في فقرتها الرابعة أنه “لا تسمع عند الإنكار دعوى الزوجية أو الإقرار بها إلا إذا كانت ثابتة بوثيقة زواج رسمية في الحوادث الواقعة من أول أغسطس 1931″، ثم كان نفس هذا الشرط في القانون رقم (1) لسنة 2000م، وهو القانون الذي بدأ العمل به من أول مارس لسنة 2000م، وذلك في المادة رقم 17 وفيها: “ولا تقبل عند الإنكار الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج في الوقائع اللاحقة على أول أغسطس 1931م ما لم يكن الزواج ثابتًا بوثيقة رسمية، ومع ذلك تقبل دعوى التطليق أو الفسخ بحسب الأحوال دون غيرهما، إذا كان الزواج ثابتًا بأية كتابة”.
ولا يخفى ما أحدثته زيادة الجملة الأخيرة من نص المادة (17) حيث لم تمنع من سماع دعوى التطليق، أو الفسخ عند الإنكار بشرط أن يكون الزواج ثابتًا بأية كتابة، كأن تكون كتابة مبدئية عرفية ولو لم توثق، بل أدخلوا في الكتابة ما كان قرينة على الزواج بأن يكون قد أرسل لها ما يفيد كونها زوجته، أو أقر في محضر شرطة بالزواج ونحو ذلك.
وليس تفريق مذكورًا بين الزواج الشرعي وغيره من التزاوج الذي قد يكون قد ألم به مفسد أو مبطل.
وهذه الزيادة قد فتحت الطريق للتخلص من بعض الزيجات العرفية التي لم يكن مجال لسماع دعوى فيها عند إنكارها، فظن القانونيون أن القانون قد يقلل بهذا الإجراء حالات الزواج العرفي، ولم يدر هؤلاء أنهم فتحوا الطريق أمام من كان يرفض هذا النوع من الزواج خشية عدم سماع دعواه، مطمئنين لسماع دعاواهم بما صنع القانون.
على أن المدقق في قراءة نصوص هذا القانون، وبخاصة المادة 17 من القانون رقم (1) لسنة 2000 يتضح له أنه قد قصر فوائد سماع الدعوى فيه على التفريق دون ضمان أي حق آخر معه، فلا مطالبة بإرث أو نفقة عند وفاة الزوج، ولا حق في المطالبة بمهر معلوم أومجهول، فما أفادته الزيادة محصور في إقامة دعوى التفريق، أما دعوى النسب فهي ثابتة بالفراش ولا صلة لها بتوثيق عقد الزواج أو عدمه.
وأوجب القانون بجوار التوثيق لعقد النكاح بالشكل السابق أن يكون على يد مختص، فالمادة (10) من قانون الإثبات تنص على أن “المحرر يكون رسميًّا إذا قام به الموظف العام المختص، وللمحرر حجية مطلقة أمام المحاكم، ولا يجوز الطعن فيها إلا عن طريق الطعن بالتزوير”، ولا يخفى أن اتخاذ المحرر شكل الرسمية بهذا الإجراء أنه لم يكن رسميًّا قبل توثيقه، فالطعن فيه جائز، وإنكاره غير مستبعد، وهم بهذا يشبهون أمر توثيق النكاح بورقة بيع أو تنازل يفترق أمرهما بعد إشهارهما عن قبله، فبعد إشهار التوثيق لا يقبل الطعن أو الإنكار.
أبعد هذا إغراق في الشكلية؟ إن هذه الشكلية هي التي فتحت أبوابًا لزيادة هذه الظاهرة (الزواج العرفي) من حيث لا يقصد القانون، ويمكن التدليل على ذلك من خلال الآتي:
تحديد سن الزوجين وأثره:
كان المأذون (وهو الموظف العام المختص) لا يمتنع عن توثيق أي عقد ما دام يزاول من أهله، فإذا توافر في عقد الزواج ركنه وتحقق شرطه فليس للمأذون أن يمتنع عن توثيقه.
ولم يكن قد اشترط سن للزوجين أو لأحدهما، فلو تقدم رجل ليتزوج بنت العاشرة في السن أو دونها كان من حقهما أن يوثقا عقدهما، وليس لمأذون ولا لغيره أن يمتنع عن ذلك بسلطان عرف أو قانون.
وظل هذا الوضع يسري في الناس حتى صدر القانون رقم 56 لسنة 1923م الذي بدأ العمل به في السنة التالية لصدوره، وقد حدد هذا القانون سنًّا لكلا الزوجين لم يجوِّز للموظف المختص أن يوثق عقدهما إذا لم يتحقق فيهما شرط السن، وقد حدد القانون هذا السن بكونه لا يقل عن ستة عشر عامًا للزوجة، وثماني عشرة سنة للزوج، وحدد السن بكونها هلالية.
ثم نص صراحة على عدم جواز التوثيق بغير هذا كما جاء في الفقرة الثانية من المادة 367 من القانون 78 لسنة 1931، وكان الاختلاف من مراعاة ذلك عند العقد أو عند التقاضي، فعدل النص على أن العبرة بسنهما وقت التقاضي بالنسبة لسماع الدعوى، وإن كان عند العقد بالنسبة للتوثيق، فيجب أن يكون اكتمال في شرط السن.
وقد برَّر القانونيون هذا الاشتراط بأن هذا السن هو الذي يغلب معه الظن أن الزوجين يكتمل عندهما الاستعداد لتفهم الحياة، وإقامتها على ما ينبغي، وقد حاولوا بهذا أن يمنعوا استغلال أولياء الأمور للصغيرات ممن لا يفقهن الشأن في تحقيق أغراض مادية لهم أو لهن دون النظر لتحقيق سعادة زوجية أو غيرها.
وهذا الاجتهاد الذي دفع إلى هذا الاشتراط لم يقف عند هذا، بل وجدت محاولات في الآونة الأخيرة لمحاولة رفع سن الزواج أكثر من هذا حتى يكتمل العقل، ويبلغ من النضج مبلغًا يتفهم معه الحياة الزوجية، وأعباءها ليقوم بها معتبرين في ذا الصالح العام في عصرنا من ملاحظة مصالح الفتيان والفتيات طبيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا وبيئيًّا وغير ذلك.
فطالبوا بتحديد سن ثماني عشرة سنة للفتاة، وبتحديد السن القانوني للفتى حتى لا يكون مسؤولاً عن أسرة وأولاد، وله قوامة على زوجة وهو نفسه قاصر قانونيًّا، يخضع في تصرفاته المالية لإدارة ولي أو وصي.
وقد حَرَس القانونيون مشروعهم السابق بالتفكير في ردع لمن سيحتال عليه، فقد نص في القانون 44 لسنة 1933 في مادته الثانية “يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين أو بغرامة لا تزيد على مائة جنيه كل من أبدى أمام السلطة المختصة بقصد إثبات بلوغ أحد الزوجين السن المحددة قانونًا لضبط عقد الزواج – أقوالاً يعلم أنها غير صحيحة، ويعاقب بالحبس أو بغرامة لا تزيد عن مائتي جنيه كل شخص خوله القانون سلطة ضبط عقد الزواج إذا عقده، وهو يعلم أن أحد طرفيه لم يبلغ السن المحددة للقانون”.
وقد سرى القانون، وسرت حراسته، فظن هؤلاء أو كادوا يتيقنون أنهم بذلك قد حدوا من زواج الصغار، وما علموا أنهم قد فتحوا بذلك بابًا من أبواب الزواج العرفي غير الموثق، ليس يعني أنهم تعمدوه، ولكن فتحهم للباب هذا، ولو عن غير قصد، يمثل فتحًا لوابل من المشكلات منعهم موظفهم من التوثيق.
وزواج الصغار – وإن كنَّا لا نحبذه أو نشجع عليه – لا نستطيع أن نقول: إنه حرام، ومن ثم فليس من حق أحد أن يجرمه، أو يجرم من يوثقه أو يصنعه، هذا إذا وضع الصغار في موضعهم الصحيح، فليس يتفق مع أحد على أن تضيع حقوق شباب بحجة أنهم صغار، فالصغير هو الذي لم يبلغ الحلم، فإذا بلغه صار قادرًا على أن يدبر أمره ويشترط اختباره في شأن المال ليعطي ماله فالله تعالى يقول: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: 59]، وما ذلك إلا لأنهم صاروا ببلوغهم مكلفين كما كلف من قبلهم، أيحكم بأنهم يكلفون ولا يغنمون، أي منطق يقبل هذا؟
وجاء في القرآن: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6].
فعلامة الكبر البلوغ، وهو تهيؤ الكائن أن يحدث في جنسه نوعه، وذلك بعلاماته التي لا تخفى، وليس الكبير ببلوغ سن معينة، فقد تبلغ هذا السن ولا يبلغ صاحبها معها مبلغ العقل الذي يدبر له شأنه، ويحفظ له حاجاته.
وقضية التزاوج بين أفراد الجنس جبلية فطرية، تشبغ رغبة مركوزة لا تتطلب صفات خاصة في عقل من يقوم بها، فالبهائم تتزاوج، وتنجب ولا عقل يدبر شأنًا فيها، والمجنون من بني آدم حقه جبلة أن يكون له امتداد، وإذا زوجه وليه فليس ما يمنع شرعًا، وفطرته تهديه ألا يؤذي وليده، أنرضى له التزاوج وتوثيقه إذا بلغ السن القانوني وترفض أن نوثق لمن يصغره سنًّا، والصغير عنه صاحب عقل وتدبير؟
وإذا رضينا بأن السياسية الشرعية لها أن تقنن ما تضبط به مجتمعها أفلم يظهر لها أن التقعيد لا يمكن أن يحكم المجموع بغير استثناء؟
أليست هناك ظروف تحتم زواج الصغار، أعجز أصحاب العقول أن يفرعوا قواعد لهذه الظروف تضمن ألا يحتال أصحابها لخرق القواعد مع السماح لهم أن يتصرفوا بالاستثناء؟
إن الأمور إذا قننت ولم يراع عند ذلك جوانب الأمور كلها، فإن خرق التقنين لا بد أن يكون من هذه الجوانب التي لم تراع، أيمنع بنص القانون ثري لم يرزق الولد إلا بأخرة من أن يتزوج ولده ليرى حفدته؟
أيمنع عم صبية من أن يزوجها بولده بعد تيتمها ليضمها إليه بسلطان شرع؟ أيتركها وحيدة أم يفتح باب الحرام بينها وبين ابنه الذي لا يقول أحد بطرده من البيت أو عزله.
إن تحريم الحلال بنص قانون أمر لا يجوز، وبجوار عدم جوازه فإنه يفتح بابًا للتحايل لا يستطيع القانون أن يمنع الداخلين فيه، وإذا كان احتيالهم أمرًا حلالاً فليس للقانون أن يسده بله أن ينص على بطلانه، وقد فعل.
المحاولات القانونية للحد من تعدد الزوجات:
لقد جاء الإسلام والمجتمع يعدد الزوجات، ولم تنكر أمر التعدد ديانة سبقت كما لم ينكره عرف صالح، وكان أمر التعدد مطلقًا قبل الإسلام، فقد جاء أن الرجل كان يسلم وتحته العشر[26]، ويسلم تحته الخمس[27]، فأمر التعدد كظاهرة موجودة قبل الإسلام، فقيد الإسلام أمره بألا يزيد عن أربع، واشترط لمن يقدم عليه أن يغلب على ظنه أن يعدلن وعزم عليه ألا يجور ولا يظلم، فظن ناس تعجلوا فهم الآية: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} [النساء: 129]، وربطوا فهمهم مع ظاهر قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] فظنوا أن التعدد غير جائز في الإسلام.
وقد ضل هؤلاء؛ أن فهموا أن الله يأمر بالمستحيل غير الجائز، إذ النص في القرآن: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3]، ولا يخفى أنه يرد على زعم هؤلاء بأن العدل المشترط لانعدام الخوف منه غير العدل الذي لا يستطاع، فميل القلب شيء، والعدل في النفقة والقسم شيء آخر، فإذا استحال تحقيق العدل في المحبة والميل فليس يستحيل ولا يصعب أمره في النفقة والقسم والمبيت، وخلاف ذلك من الأمور الظاهرة.
وللتعدد أسباب تجعل منه تشريعًا ينظر إليه بكل تبجيل وتوقير ليس المجال يفسح لتفصيلها، وقد راعاها الشرع فأذن لأتباعه فيه، فعمروا دنياهم وكثروا نسلهم، وحفظوا حقوق غيرهم وكفلوا بهذا الباب أيتامًا وأرامل وصانوا ودًّا قصر طرفه أن يشبع رغبة الإنجاب للآخر، وصانوا عهدًا بالوفاء لمريضة، الإبقاء عليها مع تزوج غيرها خيرٌ من فراقها، وهذب غرائز الرجال بإشباعها في الحلال المشروع لتسد أبواب الفواحش أو تضيق.
لكن القانون، برغبة القائمين عليه لأغراض أشاعوا أنها عامة، غير أنها تحركها ظروف خاصة في غالبها، شخصية لمن بأيديهم حل كثير من الأمور وعقدها – سعى أن يقيد هذا الحق.
فسبق إلى غير الحسنى القانون السوري بمرسومه رقم 59 الصادر في 17/ 9/ 1953، فنصت المادة 17 من هذا القانون بتقييد تعدد الزوجات بإذن القاضي ثم أعد مشروع قانون بمصر ينص على أنه “لا يجوز لمتزوج أن يعقد زواجه بأخرى، ولا لأحد أن يتولى عقد هذا الزواج، أو يسجله إلا بإذن القاضي الذي في دائرة اختصاصه مكان العقد”، وجاء فيه أيضًا “ولا يأذن القاضي بزواج متزوج إلا بعد التحري، وظهور القدرة على القيام بحسن المعاشرة والإنفاق على أكثر ممن في عصمته، ومن تجب نفقتهم عليه من أصوله وفروعه”، ثم نصت على أنه لن تسمع دعوى زوجية لما حدث بعد هذا التقنين بغير ثبوت الإذن بورقة رسمية.
وقد دافع الشيخ المراغي – رحمه الله – عن هذا المشروع بالتفريق بين ما يفهم من ظاهر القانون، وبين قصده، وذكر أن القانون لا يحكم بعدم صحة النكاح إذا لم يستوف شروط القانون إذا استوفى الشرائط الشرعية المنوطة بالعقد، ثم أضيف في المادة (11) من القانون رقم (100) لسنة 1985 “أنه يجوز للزوجة التي تزوج عليها زوجها أن تطلب التطليق منه إذا لحقها ضرر بهذا الزواج”، كما أعطي هذا القانون نفس الحق للزوجة الجديدة إذا لم تكن تعلم أن زوجها كان متزوجًا بسواها.
تقول المادة: “على الزوج أن يقر في وثيقة الزواج بحالته الاجتماعية، فإذا كان متزوجًا فعليه أن يبين في الإقرار اسم الزوجة أو الزوجات اللاتي في عصمته ومحال إقامتهن، وعلى الموثق إخطارهن بالزواج الجديد بكتاب مقرون بعلم الوصول”، وليته وقف بالأمر عند إعلامهن، وإنما أعطى الحق لكلتيهما أن تطلب الفرقة، الأولى لتضررها بإحداث التزوج عليها والأخرى بتضررها لأنه أخفى عنها، واعتمد المبررون لهذا على ما ظنوه مقررًا عند الإمام مالك، والإمام أحمد من أن الزوجة إذا ادَّعت الإضرار من زوجها بما لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما، فإنه يجوز لها أن تطلب من القاضي التفريق، وحينئذ يطلقها القاضي طلقة بائنة إذا عجز عن الإصلاح بينهما، واستندا في هذا إلى الحديث: ((لا ضرر ولا ضرار))[28].
وقد ظن هؤلاء المبررون – خطأ – أنه ليس من المعروف أو المروءة أن يتزوج زوج على زوجته دون علمها، وأنه لا تجبر زوجة على الاستمرار في عصمة رجل رغمًا عنها، وهذا كلام لا يخلو من لغط، وخلط، ومخالفة.
فهل أعطى القانون حق عدم إجبار المرأة أن تعيش في عصمة رجل رغمًا عنها صفة الإطلاق؟ وهل يطلق القانون الواحدة لنفس السبب؟ ألم يفرض الطاعة عليها؟ إن المعايير إذا ازدوجت، وروعي فيها حال دون حال فأحرى أن تسقط.
أما جانب المخالفة فليس يدعى أن إعلام الزوجة بالتزوج عليها شرط أو ركن أو صفة، بل ربما كان إخفاؤه أكرم، وإذا تساوى أمر إخفائه مع أمر إظهاره فلا يحكم بأن إخفاءه يخالف العرف والمروءة.
لقد خفي على الناس أمر فعل النبي – صلى الله عليه وسلم – عند تزوجه بصفية بنت حيي – رضي الله عنها – وانتظروا ما يفعله النبي – صلى الله عليه وسلم – بأمر حجابها حتى يعرفوا إن كان يعاملها زوجة أو أمة تتسرى، ولو كان الإعلام هو المعروف ما كان انتظارهم لهذا أمرًا ذا معنى[29].
أما اللغط والخلط فآت من كون المرأة لا تتضرر بتزوج زوجها عليها ضررًا يجعل العيش بينهما مستحيلاً، فالضرر ليس على إطلاقه، ولا يحكم بأقله كما يحكم عند تحقق أكثره، فالناس تتضرر لأن الناس يشاركونهم الهواء، فهل يقتل المشاركون من الناس في الهواء لتضرر الناس من شركهم هذا؟ أم أن هذا ضرر غير معتبر، فالكل لهم حق في العيش؟
أيهما أشد ضررًا: أن تشارك امرأة غيرها في زوج؟ أم تستقل واحدة بزوج وتحرم الأخرى؟ سلوا من حرمت لظرف أو ظروف ليصدق عندكم مدلول القول: إن امرأة من أخرى لزوج واحد خير في ميزان العقول من أن تكون واحدة بزوج والأخرى بدون أنيس.
والخلط الآخر الظن بأن كل الرجال في الأمر سواء، فرجل لا يرضى امرأة تنفرد به غير رجل ترضى المرأة بأن يكون حظها منه نصفه، تقول د. بنت الشاطئ: “إن النساء قد تؤثر أنثى عاقلة منهن أن يكون حظها النصف من حياة رجل على أن يكون لها غيره كاملاً، فالرجال ليسوا سواء، وكم من عاقلة رفضت أن يتزوجها شاب سيكون لها، وتشارك أو تقبل أن تشارك أخرى في رجل تراه جديرًا أن يعطي حقًّا في اثنتين”.
ألم يعرف القانونيون والمبررون لقولهم، أن سد باب الحلال يفتح بابًا من أبواب المخالفة؟ ألم يقلقهم حياة البغاء التي يعيشها النسوة اللاتي لا يرضين التعدد؟ أصاروا يقرون قول العامة: “ألف عشيقة ولا لصيقة”؟
إن تعدد الزوجات لو فهم على وجهه بكونه حلاًّ لمشكلة العنوسة التي لا يكاد مجتمع إلا ويخافها ويسعى في علاجها، وأنه يحل مشكلة كثيرات يعطيهن حق التمتع بكونهن زوجات لهن حقوق، وأنه يمثل إيمانًا بحق المحرومة من الزوج عند امرأة ذات زوج تحب لأختها ما تحب لنفسها، لا ينبغي أن يحارب بهذا الشكل السافر، ثم يبرر الحرب ناس يعتمدون على الدين.
إن القانون لما سعي سعيه غير الحميد في النقض لهذا التشريع (تعدد الزوجات) فتح بابًا زاد بسببه المتزوجون عرفيًّا، فكأن القانون – وإن لم يقصد – دفع ظاهرة الزواج العرفي أن تجد لها مبررًا تعلنه، مؤداه محاربة القوانين للطرق السوية التي كانت تسلك في الظروف التي تحكم في التعدد.
ونستطيع أن نقضي على هذا في شقيه كالآتي:
– أما شرط السن فبإعمال الحكم الشرعي في إجازة تزويج الصغار خاصة عند تحقق شرطه، ولا مانع أن يكون نص على استثناءات يراها القانون حرية بالقبول، وإن كانت الظروف الآن لا تدعو إليه، لكن المنع يفتح باب الرغبة في الممنوع، فالمقنن ينبغي ألا يجرم شأنًا جاء الشرع بإباحته، وإن رأى المقنن المصلحة في تضييق مجال حكم أو رأى مصلحة في تأخير حكم فليس ما يمنع أن يمضي رؤيته ما لم يرفضها الشرع، أو يعاند المقنن الشرع.
– وأما إعلام الزوجة فهو أحد سبل محاربة الزواج الثاني (التعدد) والعلاج أن يتعرف الناس على الحاجة إليه، ولا يمنع القانون أمره إن لم يشجع عليه، لتسد أبواب الزواج العرفي.
كما أن الواجب أن يعطى كل إنسان ما خول له الشرع، فالإذن بالتعدد إذا اشترط أن يكون من جهة غير المعدد فإنه سيعبث برغبة المعدد ذاته، إذ هو من جعله الشرع ناكحًا بيده العقدة، فهو المسؤول، أما أن ينقل التقنين ذلك إلى غيره فليحمل غيره أعباء التعدد وغيره.
استغلال الثغرات القانونية وأثر ذلك
بالنظر إلى حال كثير من أفراد المجتمعات الآن، وبالتقليب له في الصعوبات والمشكلات التي يعاني منها هؤلاء الأفراد فبطالة تزيد، ومال يقل وشهوات تتأجج، وأبواب للحلال تغلق وعدم الشعور بالمسؤولية يزيد، وضمائر تزعزع، وألسن تهدي إلى البر بالدنانير تقطع، كل ذلك دفع الناس أن تستغل الموقف، دفعهم ألا يراعوا إلا ما يسألون عنه ماديًّا، وقل شعور الناس بالجانب الأدبي.
ولما لم يكن للقانون سلطان على القلب، فسلطانه على الأبدان، والتفلت من رقابته صار يلح على أفراد تحكم فيهم مواده لغياب الروح عنها، فاستغل الناس ثغرات[30] فيه كانت سببًا في مشكلات اجتماعية متعددة، ومنها انتشار هذه العادة (الزواج العرفي)، فكيف كانت ثغرات القانون كذلك في قضيتنا؟
المطلب الأول: دور قانون المعاشات:
يعرف من له بصر بمواد القانون في هذه الجزئية أن القانون لم يفرق بين الاستحقاق، والمنح بشرط، كما فعلت الشريعة مثلاً في التوريث، ففرق يراعى بين المستحق والوارث في قضية اختلاف الدين، فالثابت أن اختلاف الدين مانع من موانع التوريث في الشريعة بغير خلاف إلا ما جاء عن معاوية ونفر قليل، ومردود عليه بما ورد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ((لا يرث المسلم الكافر، ولا يرث الكافر المسلم))[31].
وأنه قال : ((لا يتوارث أهل ملتين شتى))[32]، فلا ينتقل مال بإرث لمختلف في الديانة.
أما استحقاق المال بقرض، أو رهن، أو هبة، أو وصية أو غير ذلك من أسباب انتقال المال للغير بالاستحقاق فلا يمنع مانع اختلاف الدين، فقد أوصت أم المؤمنين صفية بثلث ثمن حجرتها لأخيها وكان يهوديًّا[33]، وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – يقترض من اليهود، ويسترهنهم درعه[34]، ولم يقل أحد بعدم أحقيتهم في مالهم لكونهم مغايرين في الدين.
أما القانون في موضوع المعاش فقد خلط بين الأمرين بما يتعجب منه، فهو يجعل المستحقين له هم المستحقين للميراث، ولا يمنع أن يعطيه للزوجة المخالفة في الدين، فكأنه يعتبره إرثًا مرة، واستحقاقًا مرة، ثم لا يطبق عليه لا أحكام الإرث، ولا أحكام الاستحقاق، فالإرث يعطاه الوارث أيًّا كان سنُّه، أو وضعه، فالكبير كالصغير والعامل كالعاطل، والطالب كالراغب عنه، والمطلقة من البنات كالمتزوجة، وكلاهما كالطفلة أو الأيم التي توفي زوجها عنها، أما القانون فقد فرق.
والاستحقاق كذلك يعطاه المستحق بغير سؤال عن حاله، لكن القانون لا يعطي المعاش إلا لمن توافرت فيه شروط رضيها كأن يشترط أن يكون المستحق صغيرًا لم يبلغ سنًّا عينها، ويشترط أن تكون البنت المستحقة غير متزوجة أو موظفة.
أما الزوجة فقد اعتبرها القانون مستحقة، وليست وارثة بدليل أنه جعل لها حقها، ولو كانت على غير ديانة زوجها، ولكنه لم يجعلها مستحقة بإطلاق، وإنما اشترط ألا تتزوج بعد الزوج المتوفى، فقد نصت المادة (104) من القانون رقم (79) لسنة 1975 على الآتي: “إذا توفي المؤمن عليه أو صاحب المعاش كان للمستحقين عنه الحق في تقاضي معاش وفقًا للأنصبة والأحكام المقررة بالجدول المرفق من أول الشهر الذي حدثت فيه الوفاة، وقد قصد القانون بالمستحقين في هذه المادة الأرملة، والمطلقة والزوج، والأبناء، والبنات، والوالدين، والإخوة، والأخوات الذين تتوافر فيهم بنفس تاريخ وفاة المؤمن عليه، أو صاحب المعاش – شروط الاستحقاق المنصوص عليها في القانون”.
وفي حق الأرملة على سبيل الخصوص اشترط القانون أن يكون زواجها موثقًا أو ثابتًا بحكم قضائي بناء على دعوى رفعت حال حياة الزوج، كما يشترط بالنسبة لها أيضًا أن يكون عقد الزواج أو التصادق عليه قد تم قبل بلوغ المؤمن عليه أو صاحب المعاش سن الستين[35].
كما اشترط القانون بجوار السابق كله ألا يكون للزوجة دخل آخر من أي نوع يعادل قيمة استحقاقها للمعاش أو يزيد عليه، وألا تتزوج المطلقة التي تستحق المعاش بعد زوجها المتوفى عنها الذي تأخذ عنه هذا المعاش[36].
ثم نص القانون في المادة رقم (113) على الحالات التي يقطع فيها المعاش، وذكر منها بعد وفاة المستحق زواج الأرملة أو المطلقة أو البنت أو الأخت، وهؤلاء النسوة الأربعة يفتح القانون بذلك أمامهن باب الزواج العرفي حتى يحتفظن بحقهن في المعاش الذي استحققنه من موت الزوج، أو الأب، أو الأخ.
ولم يخف هذا عن القائمين على القانون بل ناقشوه واقترحوا أن يحتفظ لمن تتزوج ولو بنصف المعاش حتى تشجع على إعلان زواجها بدلاً من إخفائه، فالذي تعطاه ليس صدقة أو منًّا، وإنما هو أقساط سددها المتوفى ولا بد أن ترد[37].
وقد رفض القائمون على تنفيذ القانون كل ذلك، وأبوا إلا أن يقطعوا معاش من تزوجت بعد زوجها المتوفى صاحب المعاش، وتذرعوا بما لم يراعوه، حيث جاء عنهم أن الإسلام يوجب النفقة على الزوج، فليس من المنطق أن يجرى على زوجته رزق تستحقه من زوج غيره، وتذرعوا أيضًا بأن من يعال لا يستحق معاشًا، كما تذرعوا بأن المعاش ليس ميراثًا ولكنه نتيجة اشتراكات دفعت والحقيقة أن هناك ردودًا على كل ما تذرعوا به، فهم لم يراعوا راي الإسلام في مسألة الحساب الاكتواري الدقيق، وأقروه رغم تحريم الإسلام للربا، وحسابهم هذا أصل فيه ومنه، أم أنهم لا يستهدون من هدى الإسلام إلا وما يتفق مع رغبتهم، أفيؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، وجزاء ذلك لا يخفى.
ثم إن الإسلام لا يحرم أن يكون للزوجة ملك أو ذمة مالية تدخل فيها ما تستحقه من غير زوجها وتنميه، فهل تحرم الزوجة من الإرث لأن لها زوجًا يعولها؟ وهل تحرم المرأة نصيبًا لها في شركة أو مشروع كانت أقامته لأن لها زوجًا؟
ولما كان الإسلام لا يحرم، فلا يحتج أنها لا تستحق مستحقها من المعاش إذا كان لها زوج؛ لأن الإسلام يوجب على الزوج أن يعولها.
أما عن التذرع بعد الاستحقاق بوجود العائل، فهذا يليق لو كان المعاش تبرعًا محضًا، فالمتبرع من حقه أن يحسب لم يتبرع له، ويقدم بحسب اجتهاده ناسا، ويؤخر آخرين أما إذا كان المقنن لهذا ليس متبرعا فليس له أن يحرم الناس حقوقها، لأن اجتهاده أداه إلى ذلك، فالمستحقون للحق أولى به ولو كانوا أغنى الناس.
فالقانونيون لما أقروا أن المعاش ليس ميراثًا وأنه استحقاق وجب عليهم أن يؤدوا الحقوق إلى أهلها، فهم أولى بهال، وتأولهم أن من له عائل لا يعطى لن يعفيهم من كونهم أكلة لأموال الناس بالباطل، فهم يستحلون هذا التأمين باعتباره تعاونيًّا، ولا تتحقق التعاونية بأن يحرم أحد من استحقاق كان له لتأول فاسد يراعى فيه جانب، وتهمل فيه جوانب.
فالقانون في هذه الجزئية قد فتح باب التزوج عرفيًّا – وإن لم يقصد – لثلاثة من النساء بموت واحد، فالزوجة التي توفي عنها زوجها أمرها لا يخفي، وأخت المتوفى لتعطى لا بد أن تكون أيمًا، وكذلك ابنته، هذا إذا كان لكل متوفي زوجة وابنة واحدة وأخت واحدة، فإذا شاء الله وتعددن فقد تعددت حالات هذا الزواج التي نريد أن نقللها قدر الطاقة، إن لم يكن عزم أكيد على إخفائها – فلو افترضنا أن شخصا مؤمنا عليه قد توفي عن زوجتين أو ثلاث وأختين أو ثلاث وبنتين أو ثلاث وأمٍّ تشتهي أو ترغب في الزواج والقانون يمنع كل واحدة من السبع أو العشر من المعاش إذا تزوجت؛ فهل نرضي أن يفتح باب للزواج العرفي أمامهن جميعًا بموت واحد لاحتفاظهن بما يرينه حقًّا لهن.
المطلب الثاني: دور قانون التجنيد:
لن أفصل في مواد القانون؛ فهذا ليس شأنًا لهذا البحث، وإنما ألمح إلى الجزئية التي استغلت منه لانتشار هذه العادة التي تزيد، فقد صدر القانون رقم (127) لسنة (1980م) بتاريخ 23 من شعبان 1400 هـ السادس من يوليو 1980م لتنظيم الخدمة الوطنية والعسكرية، وحوى أسباب الإعفاء من هذه الخدمة، ومنها أن يكون الولد يعول أمه الأرملة أو المطلقة.
فاحتال الناس إعفاء أولادهم من هذه الخدمة، فكان الرجل يطلق زوجة أم ولده من غير بأس رسميًّا بالكتاب، ويتزوجها عرفيًّا لتنطق الأوراق الرسمية بغير الحال الحقيقية، فيعفى الولد من الجندية، ويفتح الباب لزيادة الظاهرة فينا.
ولا يبرئ الناس القانون من الأثر؛ لأنه لم يقصده، فقد فرض على الناس دون أن يقنعهم به، واعتمد الداعمون لفرضه على سلطانه الذي زعموه، ولا سلطان له على قلب أحد، فواضعه والداعم له ينشر عوره في الناس حتى يخدعوه.
وفي هذه الجزئية نسأل: القضية لا تمثل إلا هذا الجانب عندكم؟ أليس يحسن أن يربى الناس على الأخلاق التي تردعهم أن يتحيلوا لفعل ما لا يليق؟ أليست الخدمة الوطنية واجبًا دينيًّا يسعى لتنفيذه، ولو أبته النفس؟ أحرام أن يلحق مِن البيت الواحد أكثر من خادم للوطن؟ ألم يقتل أربعة من بيت واحد في معركة واحدة؟
المطلب الثالث: دور تحكيم الشرط القانوني:
ليس يخفى دور الشرط في العقود، كما ليس يخفى أن الدين طالب بإقامته وضرورة الوفاء به ما لم يكن يحل حرامًا أو يحرم حلالاً، فقد جاء في الحديث: ((المسلمون عند شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالاً))[38]، فإذا خالف الشرط عرف الشرع السابق، فإن الشرع لا يقره ولو تعدد، ولا يقوم الاتفاق عليه بالمطالبة بإتمامه؛ فالاتفاق على قرار ما لا يليق، وفي الحديث: ((ما بال أقوام يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله))[39]، والشرط القانوني لا يختلف أمره، فليس يحل به الحرام، أو يحرم به الحلال لكونه منسوبًا إلى القانون، فكما يقول الشيخ علي حسب الله – رحمه الله: “ليس لمدوني القوانين أن ينشئوا حكمًا شرعيًّا دينيًّا يحل حرامًا أو يحرم حلالاً، بل هو شرط يترتب عليه أثر قانوني لا دخل له في الحكم”[40].
وعليه، فيعد من التعسف أن يضع القانون جمعًا من الشروط لتتم عملية التوثيق، وهي نفسها من الشروط القانونية التي يحكم بصحة النكاح شرعًا إذا عري عنها متى استوفى شروطه وأركانه، ويقول الشيخ مخلوف: “عقد الزواج إذا استوفى أركانه وشروطه الشرعية تحل به المعاشرة بين الزوجين، وليس من شرائطه الشرعية إثباته كتابة في وثيقة رسمية أو غير رسمية؛ إنما التوثيق لدى المأذون أو الموظف المختص نظام أوجبته اللوائح والقوانين الخاصة بالمحاكم الشرعية خشية الجحود، وحفظًا للحقوق، وحذرت من مخالفته لما له من النتائج الخطيرة عند الجحود”[41].
وقد سبق عند دراسة جزئية التوثيق أن العقد لا يفتقر للتوثيق، فليس هنالك مبرر لأن تعتبر بعض القوانين العقود التي لا توثق باطلة، وقد فرقت دار الإفتاء المصرية بين صحة العقد، وصحة سماع دعوى الزوجة عند الإنكار استنادًا لهذا العقد وذلك بتاريخ 1/2/1957م.
المطلب الرابع: دور مواد الحضانة في ذلك:
تقرر في مواد القانون أن الأم أولى بحضانة صغارها ما لم تتزوج، فإذا تزوجت أسقط القانون حقها في احتضان أولادها – وذلك عند النزاع – وقد كثر، خاصة إذا تزوجت من غير رحم المحضون.
ويلجئ هذا كله حاضنة تخشى أن يؤخذ منها المحضون إلى أحد رأيين لا ثالث لهما وهما:
– رفض التزوج البتة.
– إخفاء التزوج من غير أبي المحضون.
والأول لا يلزمنا، فضرره أكبر من نفعه، فقد يفتح للرذيلة أبوابًا، وأما الآخر فيوسع دائرة الزواج العرفي الذي نبتغي تقليصه أو القضاء عليه.
ولو رجعنا إلى تعاليم الإسلام في هذه الجزئية لوقفنا على خير هدي وأقومه، إذ يأمر بتخيير الغلام بينهما، ولا يمنع الآخر من الزيارة متى كانت بضوابطها الشرعية، ولا يمنع الصغير من زيارة من ليس معه حتى لا يغريه بقطع الرحم أو العقوق[42].
ولقد أنتجت هذه التعاليم جيلاً لهم أثرهم في صنع تاريخ أمتهم، نشأ كثير منهم بين أم لها زوج، أو عائل غير أبيه، أو أب له أكثر من زوجة، ربما لم تكن أمه فيهن، وربما نشأ بين مجتمع بِدِينٍ ليس فيه والداه.
الفرق بين الزواج العلني وغيره:
ليس يخفى أن الإسلام قد حث على الزواج، وليس يخفى أنه نهى عن التبتل والخصاء، ورفض الرهبانية وأمر بالزواج، وحض على أن تكون الذرية، وعلل بأنه – صلى الله عليه وسلم – مباهٍ بنا الأمم يوم القيامة.
وإثبات الذرية في نكاح العلن أمر ليس أمامه سد أو مانع، فشهادة تسامع تعرف أن فلانًا ولد لفلان تكفي لتثبت الحقوق لكليهما تجاه الآخر، وهذا الابن ينتظر، وإذا تأخر طلب ولو اقتضى ذلك مالاً ربما يقترض إن لم يكن موجودًا.
أما إثبات البنوة – وهي حق الوليد – في النكاح المخالف فإن جنينًا في بطن امرأة لا يعرف من أبوه دليل على العار الذي يلحق أمَّه، وتفسير لتهرب هؤلاء من العلنية، وإن حال هذه المرأة لشاهد قوي على نوع الخير الذي تحصل عليه من هذا الزواج.
وإن امرأة تنصل صاحب الماء من الاعتراف ببنوة الوليد لها وله لكفيل أن يخبر الموقف بلسان الحال بالخزي، وليس خزي، وليس خزي مع إقامة الهدي الصحيح، وإنما الخزي في المخالفة وارتكاب المحظور.
وإن امرأة ترى زوجها مع هذا النكاح يعبر بغيرها أمامها، ولا يستطيع أن يلقي عليها التحية أو يعينها إذا تعثرت، وهي تحمل له ولده مع العلن، لتشهد كيف الهوان الذي ألم بها لما ضيعت العزة والتكريم الذي يكون مع العلن.
وإذا سألنا: من جربن هذا الطريق والماساة التي ألمت بهن لما تخلى عنهن من قضى وطره منهن، فصرن يرين من كانوا يسمون أزواجهن، ولا يستطعن أن يطلبن منهن حقًّا أو غيره! وإن إجابتهن – وإن كانت لا تلزم الشرع أن يحكمها أو بغير حكمه لأجلها – غير أنها تمثل السبب في عدم الرضا بهذه العقود لضياع حكم الأحكام، وضياع الآثار التي تَشوَّف الشرع أن يحققها، أو ندب المتعاملين أن يحصلوها، فمقصود كل عقد والدافع إليه أثره الذي رتبه الشرع عليه فرُضِي العقد بسببه.
وفرق آخر لا يقل عن فرق الأثر السابق وهو الخلل غير المحسوب الذي سيذاع في المجتمع متمثلاً في مخالفة ولي الأمر الذي له أن يقيد المباح، وأن ينظر إلى ما يصلح شأن رعيته، وأن يضياع الحقوق مع عدم التوثيق تقتضي أن يقبل اجتهاد الحاكم بضرورته والإلزام به.
وإن كان الخلاف الفقهي موجودًا في المسألة بين دلالة الأمر في الكتابة (التوثيق) من حيث الإيجاب أو الندب والإباحة أو كونه إرشادًا ينصلح به شأن المتعاملين به.
وفرق ثالث بينهما أن الدعوة لجعل هذه الأمور تسير في العلن توافق الفطرة السليمة التي تعمد إلى قول الحق إن سئلت عنه، وتستطيع أن تثبته بطرقه المرتضاة، على غير الحال في الطرق الأخرى التي تحتاج عند حكايتها أو التحدث عنها إلى صياغات خاصة يجتهد لربط بعضها ببعض، وإذا خان القاص حفظه أو ترتيبه فسد أمره.
فليحذر الكل أن تخالف فيهم الفطر، والحلال مع الفطر السليمة متى أقام الناس أمر الله ولم يقصدوا المخالفة.
والله يهدي إلى سواء السبيل.
الخاتـمة:
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على من ختمت به النبوات، ونشهد ألا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله.
وبعد؛ فالزواج فطرة إنسانية شاء الله أن تكون شعيرة دينية فهذب بشرعه فيها ما ينأى بها أن تكون مجرد شهوة حيوانية؛ لذا حث الشرع عليه بشرطه، وأمر من ملك أو استطاع الباءة أن يتزوج، وإذا كان وليًّا أن يزوج من كان تحت ولايته، ونهاه أن يعضل، وأذن له أن ينظر في المصلحة للولي، ونهاه أن يؤثر مصلحته عن مصلحته.
وأذن في التعدد بشرطه، ونهى عن الميل فيه أو كله إن لم يستطع استئصال شأفته، ودعا لإعفاف نفسه وغيره، ولم يجعل هذا التعدد مطلقًا في عدد من يتزوج بهن، بل قيده بأربع.
وفرَّق الشرع بين النكاح والسفاح بما طلبه من الإعلان والإشهاد واختلف الفقهاء: هل يكفي الإشهاد لتحقيق الإعلان أم لا؟ ونهى عن نكاح السر حتى نسب إلى عمر أنه هم أن يرجم في نكاح السر وراعي الشرع في كل ذلك العرفَ المرتضي، ونبذ فاسد عرف الناس وأذن في إجراء العرف ما لم يصادم ما أمر به.
وأبى الله أن يكون الكمال إلا له، وقد شاء وعصم رسله، وأجرى في خلقه أن كلاًّ – أي: كل بشر ليس معصومًا – يؤخذ من قوله ويرد، ولعل الناس يتنبهون في ذلك إلى قوله تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82]، وهذا ما أردت أن أشير إليه على صفحات هذا البحث، وذلك أن القانون اختلف مع نفسه في نصوصه، ففشت فيهم عادات هو يدعو لتقليلها، ومنها الزواج العرفي، وقد استبان بجلاء هذا من خلال نقاط البحث فالناس لما غاب عنهم الوازع والضمير الديني لجؤوا لهذا الزواج ليضيعوا حقوقًا عليهم لو أعلنوا، فرأينا الرجل إذا اختلف مع امرأته تركها كالمعلقة وتزوج غيرها عرفيًّا؛ لأنه لو أعلن بالأخرى خاصمته الأولى وأمره القانون بطلاقها، وهكذا.
وفي هذا دعوة لأن يتدبر الناس هدي الشريعة، ويسألوا عن تطبيقها فيهم، وتغيبها لا يفيدهم، وأن الأيادي التي تعمل لتغيبها فيهم هي صاحبة الفائدة الوحيدة، فالهجر للشريعة لا يسوغه إلا أن يكون صاحبه قاصدًا نفعًا في غيرها مستبدلاً أدنى بالذي هو خير أو جاهلاً مستغلاً مساقًا أو مقادًا.
والله يهدي للحق وإلى طريق مستقيم، وماذا بعد الحق إلا الضلال، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المصادر والمراجع
أولاً: القرآن الكريم والتفسير:
(1) أحكام القرآن: للجصاص (أبو بكر أحمد بن علي الرازي) – ت 370 هـ تحقيق محمد الصادق قمحاوي دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان دون طبعة 1405 هـ – 1985م.
(2) أحكام القرآن: لأبي بكر محمد بن العربي ت: 543 هـ تحقيق: علي محمد البجاوي دار الجيل، بيروت د. ت أو ط، دار الفكر العربي، د. ت أو ط.
(3) تفسير البغوي: لأبي محمد الحسين بن مسعود الفراء ت: 516 بهامش تفسير الخازن.
(4) تفسير الطبري (جامع البيان عن تأويل القرآن): لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، مكتبة البابي الحلبي ط 3، 1392 هـ – 1972م.
(5) تفسير القرآن العظيم: لإسماعيل ابن كثير القرشي الدمشقي ت 774 هـ تحقيق وتخريج: طه عبد الرءوف سعد، مكتبة الإيمان للنشر والتوزيع بالمنصورة ط1، 1417 هـ – 1996م.
(6) الجامع لأحكام القرآن الكريم (تفسير القرطبي): أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي ت: 671 هـ طبعة دار الشعب، د. ت.
ثانيًا: كتب الحديث وعلومه:
(1) تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: محمد بن عبد الرحمن المباركفوري ت 1353 هـ صححه. عبد الرحمن محمد عثمان ط2. د. ت.
(2) سبل السلام شرح بلوغ المرام للصنعاني (محمد بن إسماعيل الأمير اليمني الصنعاني، 1182 هـ تحقيق: إبراهيم عصر دار الحديث د.، وطبعة دار الحديث القاهرة بتحقيق: عصام الدين الصبابطي، عماد السيد ط1، 1421 هـ – 2000م.
(3) سنن أبي داود: لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد دار إحياء التراث العربي، بيروت، طبعة دار الفكر بتحقيق: صديق محمد جميل، دار الفكر، بيروت لبان 1414 هـ – 1994م.
(4) سنن ابن ماجه: تأليف: محمد بن يزيد القزويني تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، مكتبة عيسى البابي الحلبي د. ت.
(5) سنن الترمذي لمحمد بن عيسى بن سورة الترمذي تحقيق: الشيخ: أحمد شاكر، دار إحياء التراث العربي. د. ت وطبعة دار الفكر، بيروت، لبنان د. ت.
(6) سنن الدارقطني: لعلي بن عمر الدارقطني ت: 385 هـ، دار المحاسن، القاهرة 1386 هـ – 1966، وط 4، بيروت 1986م.
(7) سنن الدارمي عبد الله بن فضل الدارمي دار الفكر 1398 هـ – 1978م.
(8) السنن الكبرى للبيهقي: (أحمد بن الحسين) ط1، مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية، الهند، 1344 هـ.
(9) سنن النسائي: لأحمد بن شعيب النسائي، دار الحديث القاهرة، 1407 هـ – 1987م.
(10) شرح النووي على صحيح مسلم دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1411 هـ – 1990 م، وطبعة مؤسسة قرطبة، ط2، 1414 هـ – 1994 م.
(11) صحيح البخاري، تأليف: محمد بن إسماعيل البخاري الدار العربية د. ت.
(12) صحيح مسلم: لمسلم بن الحجاج النيسابوري دار الجيل، بيروت د. ت.
(13) فتح الباري بشرح صحيح البخاري: لابن حجر العسقلاني رقمه: محمد فؤاد عبد الباقي، محب الدين الخطيب راجعه: قصي محب الدين الخطيب دار الريان للتراث، ط1، 1407 هـ – 1986م.
(14) المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري دار الكتاب العربي، بيروت د. ت.
(15) المسند للإمام أحمد بن حنبل الشيباني طبع المكتب الإسلامي، ودار صادر، بيروت د. ت.
(16) المنتقى في شرح موطأ مالك بن أنس: للباجي (أبي الوليد سليمان بن خلف الأندلسي) دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، ط2، د. ت.
(17) الموطأ: للإمام مالك بن أنس تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي المكتبة الثقافية، بيروت 1408 هـ – 1988م.
(18) نصب الراية لأحاديث الهداية: تأليف: عبد الله بن يوسف الزيلعي الحنفي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1393هـ.
(19) نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار: لمحمد بن علي الشوكاني ت 1255 هـ، خرج أحاديثه وعلق عليه: عصام الدين الصبابطي دار الحديث د. ت.
ثالثًا: كتب أصول الفقه والقواعد الفقهية والدراسات التي تتصل بهما:
(1) أصول التشريع الإسلامي، الأستاذ الشيخ: علي حسب الله، أستاذ العلوم الشرعية بكلية دار العلوم ط1، 1371 هـ – 1952م، مطبعة العلوم.
(2) أصول الفقه الإسلامي زكي الدين شعبان أستاذ الشريعة بكلية الحقوق، بنغازي منشورات الجامعة، دار القلم، بيروت، لبنان ط3، 1394 هـ – 1974م.
(3) إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن قيم الجوزية تحقيق وتعليق: عصام الدين الصبابطي دار الحديث، ط1، 1414 هـ – 1993م.
(4) الرسالة: للشافعي (محمد بن إدريس ت: 204 هـ) مكتبة دار التراث، القاهرة تحقيق الشيخ: أحمد محمد شاكر، ط2، 1399 هـ – 1979 م.
(5) علم أصول الفقه، ومعه تاريخ التشريع الإسلامي أحمد إبراهيم بك أستاذ الشريعة بكلية الحقوق دار الأنصار، المطبعة الفنية 1358 هـ 1939م.
(6) علم أصول الفقه للشيخ: محمد أبو زهرة مطبعة العلوم، القاهرة بدون طبعة 1371 هـ – 1952م
(7) الفروق، أنوار البروق في أنواء الفروق، لأبي العباس (أحمد بن إدريس الصنهاجي) القرافي ت: 684 هـ ومعه: إدرار الشروق على أنواء الفروق لأبي القاسم (قاسم بن عبد الله بن الشاط ت: 723 هـ) وبالحاشية: تهذيب الفروق والقواعد السنية في الأسرار الفقهية للشيخ: محمد علي بن حسين المكي المالكي ضبطه وصححه: خليل المنصور ط1، 1418 هـ – 1998 م دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
رابعًا: كتب الفقه الإسلامي والفقه العام:
1- أحكام الزواج في ضوء الكتاب والسنة، د. عمر سليمان الأشقر، دار النفائس، الأردن ط2، 1418 هـ – 1997م.
2 – الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية على مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان نشره: أمين هندية، مطبعة التأليف بالفجالة بمصر، ط3، 1895م، مواد قانونية تنظم التقاضي في الأحوال الشخصية.
3- الأحكام الشرعية للأحوال الشخصية للشيخ: أحمد إبراهيم بك دون ذكر مكان الطبع، ولا رقم للطبعة 1348 هـ – 1930م.
4- الإسلام والتأمين د. محمد شوقي الفنجري، دار ثقيف للنشر والتأليف الرياض ط2، 1409 هـ – 1988م.
5- إيضًاح المسالك إلى قواعد الإمام أبي عبد الله مالك تأليف: أحمد بن يحيى الونشريسي ت: 914 هـ دراسة وتحقيق: الصادق بن عبد الرحمن الفرياني، السلسلة التراثية رقم (1) منشورات كلية الدعوة الإسلامية ولجنة الحفاظ على التراث الإسلامي، طرابلس ط1، 1401 هـ – 1991م.
6- بحث في حكم الشريعة على شهادات الاستثمار بأنواعها الثلاث للشيخ: علي الخفيف، هدية مجلة الأزهر عدد ربيع الآخر 1417 هـ.
7- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للإمام علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي الملقب بسلطان العلماء ت: 587 هـ دار الكتاب العربي، بيروت لبنان ط1، 1402 هـ – 1982م.
8- بداية المجتهد ونهاية المقتصد لأبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد الحفيد القرطبي دار ابن حزم، بيروت ط 1، 1416 هـ – 1995 هـ، دار الفكر د, ت.
9- التأمين وموقف الشريعة الإسلامية منه، تأليف: د. محمد السيد الدسوقي إصدار المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة الكتاب الثامن 1387 هـ – 1967 م.
10- التاج المذهب لإحكام المذهب شرح متن الإزهار في فقه الأئمة الأطهار تأليف: القاضي العلامة أحمد بن قاسم العنسي اليماني الصنعاني مكتبة اليمن الكبرى، صنعاء د. ت.
11- تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي (فخر الدين عثمان بن علي) وبهامشه حاشية الإمام العلامة الشيخ الشلبي ط1، بالمطبعة الكبرى الأميرة ببولاق 1313هـ الناشر: دار الكتاب الإسلامي.
12- الحاوي الكبير لعلي بن محمد الماوردي ط1، 1414 هـ – 1994م، دار الكتب العلمية، بيروت تحقيق علي محمد معوض، عادل أحمد عبد الجواد.
13- حكم ودائع البنوك وشهادات الاستثمار في الفقه الإسلامي، د. علي أحمد السالوسي هدية من مجلة الأزهر، شعبان 1402 هـ.
14- الخرشي على مختصر سيدي خليل، وبهامشه حاشية الشيخ علي العدوي، دار الكتاب الإسلامي لإحياء ونشر التراث الإسلامي، القاهرة، د. ت. ط.
15- درر الحكام شرح مجلة الأحكام، علي حيدر، دار الجيل، بيروت، د , ط. ت.
16- الذخيرة: لشهاب الدين أحمد إدريس الفراقي، ت : 684 خـ = 1285م، تحقيق مجموعة من الباحثين، الطبعة الأولى 1994م، دار الغرب الإسلامي.
17- روضة الطالبين وعمدة المفتين للنووي، طبعة المكتب الإسلامي، ط2، 1305 هـ = 1985م.
18- الزواج في الشريعة الإسلامية للشيخ: علي حسب الله، ط2، 1416 هـ = 1996م.
19- الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك، تأليف: أبو البركات أحمد بن محمد بن أحمد الدردير وبالهامش حاشية العلامة الشيخ أحمد بن محمد الصاوي، إخراج وتنسيق د. مصطفى كمال وصفي المستشار بمجلس الدولة وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، دار المعارف، د. ط أو ت.
20- كفاية الاختيار في حل غاية الاختصار للأصفهاني للإمام: تقي الدين أبي بكر بن محمد الحسيني الحصني الدمشقي الشافعي؛ عني بطبعه ومراجعته: عبد الله بن إبراهيم الأنصاري، طبع على نفقة الشؤون الدينية، دولة قطر، الطبعة الثالثة. د. ت.
21- كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسي أول طبعة ظهرت، مطبعة السعادة بجوار محافظة مصر.
22- مجلة الأحكام العدلية نشر قديمي كتب خانه، كراتشي بدون تاريخ.
23- مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، تأليف: عبد الله بن الشيخ محمد بن إسماعيل المعروف بداماد أفندي، دار إحياء التراث العربي د. ت.
24- مجموعة بحوث فقهية معاصرة، د. عبد الكريم زيدان، طبع مكتبة القدس، الرسالة، 1407 هـ – 1986م.
خامسًا: كتب قانونية:
1- أحكام الأسرة بين الشرع والقانون، تأليف: علي عبد الله طنطاوي رئيس محكمة أسيوط، سلسلة المركز الإسلامي للدراسات والبحوث، رقم (8)، دار الأنصار. د. ت
2- بين الشريعة الإسلامية والقانون الروماني، تأليف: د. صوفي حسن أبو طالب، بدون ذكر طبعة أو تاريخ.
3- جريمة الزواج بغير المسلمات فقها وسياسة، عبد المتعال الجابري، دار الأنصار للطبع والنشر والتوزيع د. ت.
4- الشريعة الإسلامية والقانون الدولي العام، تأليف المستشار: علي علي منصور، إصدار المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، الجمهورية العربية المتحدة، الكتاب الأول 1384 هـ = 1965م.
5- القانون المدني وفقا لآخر التعديلات 1963م، دار الفكر الحديث للطبع والنشر، د. ت أو ط.
6- الوجيز في التأمينات والمعاشات، د. أحمد حسن البرعي، مكتبة كلية الحقوق، د. ت. ط.
سادسًا: كتب متنوعة:
1- الإسلام عقيدة وشريعة للشيخ: محمود شلتوت، دار الشروق، الطبعة 18 1421 هـ = 2001.
2- رسالة تحريم نكاح المتعة لأبي الفتح (نصر بن إبراهيم المقدسي الشافعي) ت: 490 هـ حققها وخرج أحاديثها الشيخ: حماد بن محمد الأنصاري بالجامعة الإسلامية، دار طيبة للنشر والتوزيع، د. ت أو ط.
سابعًا: كتب التعريفات واللغة والطبقات:
1- أساس البلاغة للزمخشري (جار الله أبو القاسم محمود بن عمر)، تحقيق: عبد الرحيم محمود، ط 1 مطبعة أولاد أورناند 1372 هـ = 1953م.
2- التعريفات للجرجاني (علي بن محمد بن علي ت: 816 هـ)، تحقيق: إبراهيم الإبياري، دار الريان للتراث، د.ط أو تاريخ.
ــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر: لسان العرب، تهذيب اللغة، مختار الصحاح، الكل في مادة ع. ر. ف.
[2] انظر: حاشية ابن عابدين 3/ 5، ومغني المحتاج 3/ 123، وكفاية الأخيار 2/ 65، المغني 9/ 333.
[3] مجموع الفتاوى 23/ 113، وانظر: شرح الزرقاني 3/ 184.
[4] شرح الزرقاني 3/ 184.
[5] التعريفات 315.
[6] أنيس الفقهاء 145 لقاسم القونوي، تحقيق: أحمد الكييس، دار الوفاء للنشر، جدة، ط1، 1406 هـ = 1986م.
[7] الزواج في الشريعة الإسلامية 33.
[8] انظر: المغني 9/ 341.
[9] انظر: الفروق 4/ 55، وانظر: أحكام القرآن 3/ 102 للجصاص، المجموع 9/ 202.
[10] إعلام الموقعين 2/ 269.
[11] انظر: نظرية العرف 24 د. عبد العزيز خياط، مكتبة الأقصى، عمان، د. ط 1397 هـ = 1977 م، وانظر: علم أصول الفقه: 99، 1390هـ = 1970م.
[12] انظر: أحكام الزواج في ضوء الكتاب والسنة 176، د. الأشقر، وانظر: في قضايا الزواج والطلاق 128.
[13] انظر: مكانة المرأة، لأستاذنا المرحوم : د. محمد بلتاجي.
[14] انظر: مجموع الفتاوى 33/ 18، جامع الفصولين 2/ 34.
[15] أحكام الأسرة بين الشرع والقانون 53، علي عبدالله طنطاوي.
[16] فالآية وإن نسب إلى ابن عباس، رضي الله عنهما، أنها نزلت في السلم خاصة “القرطبي 2/ 1185” إلا أن مالكًا لم ير فرقًا بين الفرض وسائر العقود في المداينات، والمهر المؤجل مداينة.
[17] انظر: تفسير القرطبي 2/ 1190.
[18] السابق 2/ 1191.
[19] مجموع الفتاوى 32/ 131.
[20] السابق: 32/ 34.
[21] الحديث صحيح: أخرجه مسلم في باب وجوب امتثال ما قاله دون ما ذكره، صلى الله عليه وسلم، من معايش الدنيا على سبيل الرأي، من كتاب الفضائل، وكذا أخرجه من حديث عائشة، رضي الله عنها، برقم 2363 الصحيح بشرح النووي 15/ 171.
[22] الزواج في الشريعة الإسلامية 78.
[23] الفتاوى الشرعية 2/ 55، طبع دار الاعتصام، القاهرة.
[24] تطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد العربية 217، دار النهضة العربية، الطبعة الثالثة، 1410 هـ = 1990 م.
[25] مجموع الفتاوى 32/ 131، وانظر: 33/ 158.
[26] الحديث أخرجه الشافعي في مسنده، كتاب النكاح 2/ 16، وأخرجه الترمذي في أبواب النكاح، باب ما جاء في الرجل يسلم وتحته عشرة عارضة الأحوذي 5/ 60، 61، وابن ماجه في كتاب النكاح، باب: الرجل يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة، السنن 1/ 628، والإمام مالك في الموطأ، كتاب الطلاق، باب جامع الطلاق 2/ 586، والإمام أحمد في المسند 7/ 184.
[27] نفس المرجع السابق.
[28] الحديث أخرجه أحمد في المسند 5/ 326، والدارقطني في سننه، كتاب البيوع برقم 228، وابن ماجه، كتاب الأحكام، باب من بنى في حقه ما يضر بجاره برقم 2340.
[29] يراجع ما علق به ابن القيم في فقه المسألة في زاد المعاد، وانظر: المغني 9/292، والحديث في الموضوع الذي مثل به صحيح، متفق عليه؛ فقد أخرجه البخاري في باب غزوة خيبر، كتاب المغازي.
[30] الثغر والغثرة: كل فرجة في جيل أو بطن واد، فهو أو، ص 29، هي كل جوبة أو عورة، والثغرة: الثلمة. يقال: ثغرناهم: أي مددنا عليهم ثلم الجبل، فالثغرة: موطن المخافة من أطراف البلاد، وعلى السابق تكون الثغرة الثانوية هي التلمة التي لم تسد، والعورة التي تستغل.
[31] الحديث صحيح، متفق عليه، أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب: أين ركز النبي، صلى الله عليه وسلم، الراية يوم الفتح، وفي كتاب الفرائض، باب: لا يرث المسلم الكافر، وأخرجه مسلم في كتاب الفرائض في صحيحه.
[32] الحديث أخرجه أبو داود في باب: هل يرث المسلم الكافر من كتاب الفرائض 2/ 113، كما أخرجه ابن ماجه في باب ميراث أهل + الإسلام من أهل + الشرك، من كتاب الفرائض 2/ 912، كما أخرجه أحمد في سنده 2/ 178.
[33] انظر: المحلى لابن حزم 9/ 322؛ مسألة برقم 1756.
[34] الحديث صحيح؛ فقد أخرجه البخاري في باب: ما قيل في درع النبي، صلى الله عليه وسلم، من كتاب الجهاد، والترمذي في باب ما جاء في الرخصة في الشراء إلى أجل، من أبواب البيوع العارضة 5/ 219، والنسائي في مبايعة أهل الكتاب، من كتاب البيوع، المجتبي 7/ 267.
[35] انظر: الوجيز في التأمينات الاجتماعية 232.
[36] انظر: الوجيز في التأمينات الاجتماعية 232.
[37] انظر: الوجيز في التأمينات الاجتماعية 246، د. أحمد حسن البرعي.
[38] الحديث أخرجه البخاري بلفظ (المؤمنون)، بدل (المسلمون) في باب: أجر السمسرة من كتاب الإجارة، وأخرجه أبو داود في كتاب الأقضية، باب في الصلح، السنن 20/ 273.
[39] المرجع السابق.
[40] الزواج في الشريعة الإسلامية 78.
[41] الفتاوى الشرعية 2/ 55، للشيخ حسنين مخلوف، دار الاعتصام.
[42] انظر: بدائع الصنائع 4/ 54، ومغني المحتاج 3/ 458، وكشاف القناع 5/ 502، وشرح منتهى الإرادات 3/ 251.
اترك تعليقاً