جامعة الدول العربية بين الوجود و العدم
سفير العرب
منصب أمين الجامعة العربية شغله 5 مصريين وتونسي واحد.. وتتنافس عليه حاليا مصر وقطر
شعبيا يطلق عليها «بيت العرب»، ورسميا «الجامعة العربية»، وتاريخيا سبقت ولادتها كمنظمة إقليمية إنشاء الأمم المتحدة، الكيان الأممي الأكبر والأشهر.. ففي 23 مارس (آذار) 1945 وقع على ميثاق تأسيس الجامعة العربية 6 دول عربية، بينما وقعت 51 دولة – بينها 5 دول عربية – على ميثاق الأمم المتحدة ليلة 24 أكتوبر (تشرين الأول) في العام نفسه 1945.
ومع التحرر الوطني من نير الاستعمار، أصبحت الجامعة العربية تضم 22 دولة عربية تتوزع على رقعة العالم العربي الذي يمتد اتساعا من الخليج العربي شرقا إلى المحيط الأطلنطي غربا في قارتي أفريقيا وآسيا، ووقع الاختيار على القاهرة لتكون المقر الرئيسي لجامعة الدول العربية، ويقف مبناها العتيق شامخا في قلب العاصمة القاهرة بجوار ميدان التحرير ذائع الصيت وفي مواجهة المبنى القديم لوزارة الخارجية المصرية.
تعد جامعة الدول العربية المنظمة الإقليمية الأقدم بين كل المنظمات الإقليمية الأخرى، حيث سبقت إنشاء الاتحاد الأوروبي بشكله الأولي بعشر سنين على الأقل، كذا المنظمات الإقليمية الأخرى في آسيا وأفريقيا وينضوي تحت لواء جامعة الدول العربية العديد من المنظمات العربية المتخصصة التي تتنوع اختصاصاتها ومهامها لخدمة العمل العربي المشترك.
يتولى إدارة الجامعة العربية الأمين العام، وهو المنصب الدبلوماسي العربي الأبرز، وهو منصب دولي بدرجة سفير يعينه مجلس الجامعة بأغلبية ثلثي الأعضاء لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد. ولا يمثل الأمين العام دولة بعينها، ولا يتلقى تعليماته من أي دولة، ولا يوجد نص في ميثاق الجامعة يحدد كيفية اختياره أو جنسيته. ولكن جرى العرف على اختياره من دولة المقر مصر، وهو العرف الذي لم تختلف عليه الدول العربية حين جمدت عضوية مصر في عام 1979 في مؤتمر بغداد الشهير إبان توقيع مصر على معاهدة السلام مع إسرائيل. فحين انتقل المقر إلى تونس، بقي الأمين العام يمثل دولة المقر تونس حيث وقع الاختيار على التونسي الشاذلي القليبي.
ولم يرد نص في الميثاق يحدد اختصاصات الأمين العام، ولكن باعتباره أعلى موظف بالجامعة والمسير لشؤونها، يمكن رصد اختصاصاته إداريا وسياسيا، ويمكن حصر الاختصاصات السياسية في التحدث باسم الجامعة أمام الدول الأعضاء أو في المنظمات والمؤتمرات الدولية وأمام الدول الأجنبية، وحضور اجتماعات مجلس الجامعة والمشاركة في مناقشة المواضيع المدرجة على جدول الأعمال، وله حق توجيه نظر المجلس أو الدول الأعضاء إلى أي مسألة يرى أنها تسيء للعلاقات القائمة بين الدول الأعضاء، ويقوم بجهود لتوطيد العلاقات العربية وفض المنازعات بالطرق السلمية.
بينما يمكن حصر اختصاصاته الإدارية في متابعة تنفيذ قرارات مجلس الجامعة ولجانه وتحديد تاريخ دورات انعقاد مجلس الجامعة، وتوجيه الدعوة لعقد اجتماعات مجلس الجامعة واللجان الدائمة، وتنظيم أعمال السكرتارية ذات الصلة، والنقطة الأهم إعداد ميزانية الجامعة، والتنسيق لعقد القمم العربية التي يحضرها الملوك والرؤساء العرب.
تثير عملية اختيار الأمين العام للجامعة العربية الكثير من الجدل، وذلك في ظل مدرستين بارزتين تعالجان هذا الموضوع في الوطن العربي: الأولى تؤيد انتماء الأمين العام لدولة المقر وهو ما يسهل تنسيقه معها ومن ثم ييسر الكثير من العقبات والمصاعب التي يمكن أن تعترض عمله، لكن ما يعيب رأي هذه المدرسة هو خشية أن يتأثر الأمين العام بسياسة دولته، وهو ما تحاول المدرسة الثانية تفاديه بأن يتم اختيار الأمين العام من غير دولة المقر خاصة في ضوء التضارب الوارد بين سياسات المنظمات الإقليمية وسياسات الدول الأعضاء.
وبالتطبيق العملي على المنظمات الإقليمية الأخرى، نجد أن حالة اختيار الأمين العام للجامعة هي حالة استثنائية غير موجودة في كل المنظمات الإقليمية الأخرى. لذلك تثار بين الحين والآخر فكرة تدوير منصب الأمين العام للجامعة العربية بين الدول الأعضاء، وعدم حصر المنصب في دولة المقر. هذه الفكرة تقوم على أن اختيار الأمين العام من دولة المقر لا يستند إلى نص في ميثاق جامعة الدول العربية، وإنما بات عرفا جرت عليه العادة بفعل وجود مقر الجامعة في القاهرة بنص الميثاق، وقد تعاقب على المنصب الدبلوماسي الرفيع ستة أمناء عامين، خمسة منهم مصريون والوحيد الذي خرج عن القاعدة هو التونسي الشاذلي القليبي.
وكان المصري عبد الرحمن عزام هو أول من تولى منصب الأمانة العامة، حيث تم اختياره في قمة إنشاص، بمحافظة الشرقية بمصر في الثاني والعشرين من مارس 1945 ليكون الأمين العام الأول لجامعة الدول العربية وبقي أمينا عاما إلى عام 1952.
ويطلق على عزام «جيفارا» العرب لمشاركته في حروب ومعارك كثيرة حيث حارب في صفوف العثمانيين في الحرب العالمية الأولى ضد الصرب والإنجليز والفرنسيين ثم سافر إلى ليبيا – التي تعود أصوله إليها – ليشارك في القتال ضد الإيطاليين برفقة أحمد الشريف السنوسي، حيث ساهم في تأسيس أول جمهورية في العالم العربي وهي الجمهورية الطرابلسية التي أصبح مستشارا لها فيما بعد.
في عام 1923 عاد إلى مصر ثم انتخب في مجلس النواب المصري الذي تشكل على أساس دستور 1923، وفي 1936 عينه الملك فاروق الأول وزيرا مفوضا وممثلا فوق العادة للمملكة المصرية، وشارك عزام في الوفد المصري لمؤتمر فلسطين بلندن سنة 1939 وكان أحد أعضاء وفد مصر لوضع ميثاق جامعة الدول العربية، ثم أصبح الأمين العام لجامعة الدول العربية لسبعة أعوام من 22 مارس 1945 إلى 1952 ثم استقال من منصبه طواعية بعدما دب الخلاف بينه وبين الفريق محمد نجيب الذي حاول إعادة تشكيل الجامعة وفقا لآراء ثورة 23 يوليو (تموز) في مصر، وهو ما اعتبره عزام تدخلا مباشرا في مهام عمله، ثم سافر إلى السعودية حيث عمل مستشارا قانونيا في النزاع المتعلق بواحات البوريمي حتى عام 1974.
وتأتي شهادة صديق عمره توفيق الشاوي لتكشف للأجيال عن أصالة معدن عزام، حيث أوضح أن مهام ونشاط عزام بالجامعة العربية لم يرتبط قط ببيروقراطية العمل السياسي الدبلوماسي حيث بقي وفيا للمبادئ التي دفعته للتطوع في ميادين الجهاد في البلقان وفى برقة وطرابلس، وأهمها مبدآن: الأول أنه لم يفرق بين العمل للعروبة والعمل للإسلام. والثاني: أنه لم يفرق بين العمل السياسي والجهاد في ميادين القتال.
ففي بداية عمله بالجامعة بدأت إندونيسيا كفاحها ضد الهولنديين فسارع إلى مساعدة الحركة الوطنية في إندونيسيا. وبدأ سياسة للتقارب مع الهند التي أدت إلى تكوين كتلة دولية جديدة في الأمم المتحدة تحمل اسم المجموعة العربية الآسيوية، كان هدفها الأول هو الدفاع عن إندونيسيا حتى نالت استقلالها. ولم يسمع لاحتجاجات بعض الزعماء العرب الذين قالوا إن إندونيسيا ليست دولة عربية فلا شأن للجامعة العربية بقضيتها، كما أنه رد عليهم بأنه في حاجة إلى مساعدة جميع الحركات الوطنية وإلى التعاون مع المجموعة الآسيوية من أجل قضية فلسطين، وأنهم فعلا تعاونوا معنا في قضية سورية ولبنان ضد الحكم الفرنسي التي انتهت باعتراف فرنسا باستقلال الجمهوريتين العربيتين ولا يمكن أن نتخلى عن التعاون معهم ومع جميع المدافعين عن الحريات والاستقلال لجميع الشعوب. وقد سار في دفاعه عن إندونيسيا حتى استقلت كما استقلت سورية ولبنان.
ومن موقعه كأمين عام للجامعة العربية، لم ينشغل عزام عن جذوره الأولى الليبية، فمع بروز قضية فلسطين وقضية استقلال سورية ولبنان، ظل هم عزام الأول تمويل الحركة الوطنية في ليبيا ومساعدتها ماليا وسياسيا والدفاع عن مطالبتها باستقلال ليبيا ووحدتها حتى استقلت ليبيا كما استقلت سورية ولبنان وإندونيسيا، ودافع عن الحركات الوطنية في أفريقيا الشمالية حتى استقل المغرب وتونس والجزائر فيما بعد، وظهر لكل الذين كانوا ينتقدونه ويهاجمونه أنه كان يسير في اتجاه التاريخ الصحيح وإن كان فعلا قد خرج عن حدود العمل السياسي والبيروقراطي الذي رسموه للجامعة والأمانة العامة.
المد الوطني الذي تبناه عبد الرحمن عزام لم يرق للساسة البريطانيين والفرنسيين، فقد بدا أن عزام يحاول أن يدق المسمار الأخير في نعش الإمبراطوريتين اللتين كانتا تعانيان تبعات الحرب العالمية الثانية بالفعل حينها، فلم يقصر كلامه على قضية فلسطين وقضية ليبيا، بل لطالما أثار قضايا تونس والمغرب والجزائر مما أثار الفرنسيين وأثار الجدل من حوله في زيارته لباريس، حيث اعترضت الصحف الفرنسية على زيارة عزام وتصريحاته وهاجمته بشدة، خاصة أن قدومه لباريس ليتكلم عن شعوب خاضعة للسيادة الفرنسية والاتحاد الفرنسي، وإن على الحكومة الفرنسية أن تلزم هذا الرجل حده أو تطرده من بلادها.
وفي خريف 1951، برهن عبد الرحمن عزام على مدى جدية الجامعة العربية في الدفاع عن حقوق الشعوب العربية حيث ذهب للدفاع عن قضية المغرب أمام الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة وقال إحدى جمله المأثورة «أنصح فرنسا بأن تنصف شعوب شمال أفريقيا وتكسب ودهم وصداقتهم لأنهم لا يمكن أن يرضوا بالتبعية الفرنسية، وإذا لم تنصفوهم فسوف يلجأون للسلاح وإذا حملوا السلاح فلن يضعوه حتى ينالوا حقوقهم، إنني أعرفهم أكثر منكم وتجربتي معهم تؤكد لي ذلك»، وقد أثبتت الأيام أنه كان صادقا.
تلا عبد الرحمن عزام، الدبلوماسي المصري عبد الخالق حسونة الذي شغل منصب الأمين العام الثاني لجامعة الدول العربية لعشرين عاما متواصلة. ولحسونة تاريخ وباع طويل في الدبلوماسية المصرية منذ نشأتها الأولى، وكان عضوا في أول بعثة للسلك الدبلوماسي لوزارة الخارجية المصرية، ثم تقلد مناصب دبلوماسية رفيعة في سفارات مصر في برلين وبراغ وبروكسل وروما، كما شغل عدة مناصب حكومية بمصر حيث تم تعيينه وزيرا للشؤون الاجتماعية في وزارة حسين سري الانتقالية من عام 1949-1950، ووزيرا للمعارف ثم الخارجية في وزارات علي ماهر والهلالي، حتى انتخب أمينا عاما لجامعة الدول العربية عام 1952 واستمر في منصبه الدبلوماسي الرفيع حتى عام 1972. وعقدت أثناء فترة توليه أمانة الجامعة قمة بيروت عام 1956 ومؤتمرات القمة العربية الخمسة الأولى، وكانت كلها مؤتمرات عادية، كان آخر المؤتمرات وأبرزها أثناء توليه الأمانة العامة مؤتمر القمة غير العادية بالقاهرة في سبتمبر (أيلول) 1970، الذي عقد بسبب العمليات العسكرية التي نشبت بين القوات المسلحة الأردنية والمقاومة الفلسطينية وتداعياتها، وهو بالمناسبة آخر قمة عربية يحضرها الرئيس جمال عبد الناصر حيث وافته المنية بعد توديعه أمير الكويت. ويعد حسونة الأمين العام الأطول مدة، حيث احتفظ بمنصبه لعشرين عاما متواصلة.
توالى تقليد المصريين منصب الأمانة العامة للجامعة فتم اختيار وزير الخارجية المصري محمود رياض ليكون الأمين العام الثالث لجامعة الدول العربية، ورياض رجل عسكري تخرج في الكلية الحربية بمصر عام 1936، ثم عين مديرا للمخابرات الحربية في غزة عام 1948، وهو أيضا دبلوماسي مخضرم حيث شغل منصب سفير مصر لدى سورية، وساهم في الوحدة المصرية – السورية عام 1958 ثم اختير مندوبا دائما لمصر في الأمم المتحدة عام 1962، فوزيرا للخارجية من عام 1964 وحتى اختياره أمينا عاما للجامعة العربية في يونيو (حزيران) 1972، واستقال في مارس 1979 قبل انعقاد المؤتمر العاشر للقمة العربية في تونس.
عقدت أثناء فترة توليه مؤتمرات القمة العادية السادس والسابع والثامن والتاسع، كما عقد أثناء فترته مؤتمر القمة السداسي غير العادي بالرياض في أكتوبر 1976 لرأب الصدع المصري – السوري، بوساطة سعودية مميزة كللت حينها بالنجاح.
ومع تجميد عضوية مصر في جامعة الدول العربية بتوقيعها معاهدة السلام وانتقال المقر إلى تونس تولى السياسي والمفكر التونسي الشاذلي القليبي منصب أمين جامعة الدول العربية العام بين عامي 1979 و1990. القليبي الذي أسس وزارة الثقافة في تونس وتولى شؤونها وشؤون وزارة الإعلام من عام 1961 وحتى 1979 له باع طويل في مجال اللغة العربية والأدب وساهمت ثقافته الواسعة في إثراء عمله الدبلوماسي العربي المشترك.
ومن أبرز هذه الأحداث أثناء توليه مهمته الثقيلة تكوينه لجانا لتنقية الأجواء العربية، وبحث الوضع في القرن الأفريقي وجنوب أفريقيا، ودعم التعاون العربي الأفريقي، وإدانة الإرهاب الدولي وفي مقدمته الإرهاب اليهودي داخل الأراضي العربية المحتلة وخارجها، والسعي لتحقيق الأمن القومي العربي، وتنقية العلاقات العربية، والمؤتمر الدولي للسلام في الشرق الأوسط، والمقاطعة العربية لإسرائيل، ودعم الانتفاضة الفلسطينية، والترحيب بقيام الجمهورية اليمنية، والهجرة اليهودية إلى فلسطين وخطرها على الأمن القومي العربي وهي الملفات التي شكلت تحديثا كبيرا على أطر عمل الجامعة وجعلتها أكثر انفتاحا في محيطها الإقليمي.
وللشاذلي القليبي – الذي كان عضوا بمجمع اللغة العربية في القاهرة منذ فبراير (شباط) 1970 – آراء صريحة ومتحررة في كل المشكلات التي تجابه المجتمع العربي، كالعلاقة بين العروبة والإسلام، وحول قضية المرأة العربية، والنفط، والنظام الاقتصادي العالمي الجديد، والحوار العربي الأوروبي الأفريقي، ونادى دوما من منبره بتفعيل العرب للعمل العربي المشترك ولكن أحلامه ودعواته لم تجد آذانا مصغية، واستقال الأمين العام – غير المصري الوحيد – خلال الحشد الأميركي على العراق 1990 – 1991 قبيل حرب الخليج الثانية لاعتراضه على الحرب الأجنبية على العراق.
ثم عاد المنصب من جديد للدبلوماسية المصرية حين تم اختيار وزير الخارجية المصري عصمت عبد المجيد في منصب الأمين العام كثالث وزير خارجية مصري يتولى المنصب مباشرة من منصبه كوزير للخارجية بعد الأمين العام الثاني عبد الخالق حسونة، والثالث محمود رياض. ولعبد المجيد تاريخ دبلوماسي مشرق حيث شارك عام 1954 في المفاوضات المصرية – البريطانية حول إجلاء القوات البريطانية من مصر، كما شارك في الوفد المصري الذي تفاوض مع الفرنسيين لإعادة العلاقات المقطوعة بين البلدين بعد العدوان الثلاثي الذي توصل إلى اتفاقية زيوريخ حول استئناف العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وباريس، وعلى المستوى الدولي كان عضوا باللجنة التأسيسية لجامعة الأمم المتحدة في طوكيو عام 1974.
وتم انتخاب عبد المجيد بالإجماع في 15 مايو (أيار) 1991 لمنصب الأمين العام الخامس للجامعة، وتسلم عبد المجيد – الذي سبق أن تولى رئاسة اللجنة التي كلفت بإدخال اللغة العربية كلغة عاملة في الأمم المتحدة عام 1974 – مهمته في أجواء سياسية صعبة جراء احتلال العراق للكويت وقيام قوات التحالف الدولي بحصار العراق طيلة التسعينات، فتقطع عقد القمة العربية الدورية، وخلال مدة رئاسته فقد شهدت الجامعة مؤتمري قمة غير عاديين في القاهرة، الأول في يونيو 1996، بعد وصول حزب الليكود المتطرف إلى سدة الحكم في إسرائيل، والثاني في أكتوبر 2000 الذي عقد بسبب اندلاع الانتفاضة الثانية وأطلق على هذه القمة «قمة الأقصى».
وغلب على فترة توليه المنصب مناقشة القضايا الإقليمية بصورة هادئة ودون تصعيد، كان أبرزها دعوة إيران إلى احترام سيادتها، في إطار علاقات حسن الجوار، والتأكيد على سيادة دولة الإمارات على جزرها الثلاث، واللجوء إلى الوسائل السلمية لحل النزاع القائم عليها.
ثم انضم عمرو موسى إلى القائمة الطويلة من وزراء الخارجية المصريين الذين أنهوا حياتهم الدبلوماسية في مقر الجامعة العربية في منصب الأمين العام، وذلك في مايو 2001. ويعد موسى الذي تولى منصب مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة بنيويورك لمرتين، الأمين العام السادس للجامعة، وهو الدبلوماسي الذي اكتسب شعبية كبيرة في الوطن العربي جراء انتقاداته اللاذعة المتتالية لإسرائيل.
وشهدت فترة توليه منصبه أحداثا جساما، لعل أبرزها الاجتياح الإسرائيلي لرام الله ومحاصرة الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات ومجزرة جنين، كذا سقوط العراق تحت وطأة الغزو الأميركي له في مارس – أبريل (نيسان) 2003، وهو ما لم تفعل الجامعة شيئا مؤثرا حياله، وعقدت في عهده 9 قمم عربية عادية لعل أبرزها قمة بيروت في مارس 2002 التي تخللها إعلان المبادرة العربية للسلام التي ردت عليها إسرائيل باجتياح جنين. ولكن يحسب لموسى إصراره على إدخال إصلاحات في بنيان الجامعة كوضع البرلمان العربي حيز التنفيذ واستحداث مجلس الأمن والسلم العربي وإدخال تعديلات على الميثاق، لعل أبرزها ما يخص عملية التصويت في قمة الجزائر 2005، كذلك سعيه الدؤوب لرأب صدع الخلافات العربية المتتالية واستحداثه القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية مطلع عام 2009.
ومع منتصف شهر مايو المقبل سيخلو كرسي الأمين العام لجامعة الدول العربية – بعد انتهاء مدة عمرو موسى الثانية وإعلانه عدم الترشح مجددا لمنصب الأمين العام لعزمه الترشح في الانتخابات الرئاسية بمصر المزمع إقامتها أواخر العام الحالي. ويقف على مقربة من المنصب مرشحا مصر وقطر وجها لوجه للفوز بالمنصب الدبلوماسي العربي الرفيع.. فقطر سبقت الجميع وأعلنت عبد الرحمن العطية الأمين العام السابق لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في الفترة بين أبريل 2002 – أبريل 2011، وهو دبلوماسي قطري استهل حياته الدبلوماسية كعضو وفد دولة قطر إلى اجتماعات مجلس الجامعة العربية عام 1972، وشغل منصب رئيس وفد دولة قطر إلى اجتماعات المؤتمر الدولي للأسلحة الكيماوية في باريس عام 1988، هذا بخلاف ترأسه وفود قطر إلى عدة مؤتمرات إقليمية ودولية أخرى. العطية الذي تخوض به قطر سباق الترشح للمنصب العربي الأبرز والذي حاز على وسام «فارس» الفرنسي من الدرجة الأولى من الجمهورية الفرنسية عام 1993 يواجه منافسة شرسة ومستعرة مع الدكتور مصطفى الفقي مرشح مصر الذي يعول عليه المجلس الأعلى للقوات المسلحة للاحتفاظ بالأمانة العامة للجامعة.
شغل الفقي الدبلوماسي المصري المشهور والمنظر السياسي البارز – الذي حصل على كأس الخطابة في أسبوع شباب الجامعات المصرية عام 1965 – العديد من المناصب الدبلوماسية البارزة، فبدأ حياته المهنية الدبلوماسية في سفارة مصر لدى بريطانيا ثم الهند ثم عين سفيرا لمصر لدى جمهورية النمسا، ومندوبا لها في المنظمات الدولية في فيينا.
وكان للفقي حضور بارز على الساحة الدولية، فكان أحد المتحدثين في الجلسة الافتتاحية للمنتدى الاقتصادي الدولي في دافوس بسويسرا في يناير (كانون الثاني) عام 1995، وحصل على أعلى وسام نمساوي يعطى للسفراء الأجانب لنشاطه اللافت أثناء توليه زمام منصبه كسفير لبلاده في فيينا، وأثناء ثورة 25 يناير أعلن مصطفى الفقي – رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشورى السابق حينها – استقالته على الهواء مباشرة من الحزب الوطني عبر تصريحات حصرية أدلى بها لقناة «العربية».
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن على الساحة السياسية العربية: هل يستمر احتفاظ مصر بمنصبها الأثير في الجامعة العربية، خاصة وسط انتقادات واعتراضات من شباب ثورة 25 يناير ضد ترشيح الفقي للمنصب، أو سيضاف اسم «العطية» إلى قائمة الشرف التي لا تضم من غير المصريين إلا التونسي الشاذلي القليبي؟
اترك تعليقاً