جرائم التزوير في القانون الجزائري .
التـــزويــر
تعريفها: إن المشرع الجزائري لم يعط تعريفا محددا لجريمة التزوير و إنما أشار إليها من خلال الأفعال المادية في النصوص القانونية حيث عبّر عنها كما يلي:
“….كل من قلد أو زور أو زيف”1 ، “…أو من أستعمل …” ، “…كـــل من زاد من قيمة…” ، “…كل من قلّد أو أصدر….أو باع أو روّج أو وزّع …” ، “…كل من وضع توقيعــا أو أحدث تغيــيرا أو انتحـــل شخصيـة أو اصطنع اتفاقيـة أو أدرج شروطا أو أسقطها. أو أدلى بتصريح كاذب”. هذه كلها مصطلحات أدرجها المشرع الجزائري في تعريف جريمة التزويــر، بحيث يتضح لنا جليا أن التزوير هو تغيير الحقائق بقصد الغش أو الكـــذب سـواء أكان هذا التغيير في النقود أو الأختام و الطوابع و الدمغات و العلامات أو المحـررات و الوثـائق والشهـادات. و سواء أكان هـذا التغـــيير بالكتـــابة أو بالرسوم أو بالإشارات و الرموز أو الشكل العام.وغالبا ما يلجأ الجاني إلى مثل هذه الأفعال لتحقيق المصلحة الخاصة له.
كمـا أنـه كل مـن استعمل شيئا مـزورا فهـو مزور في نظـر القانــون ويدرج فيما يسمى بإستعمال المزور.
1- عناصر جريمة التزوير
باعتبار التزوير هو تغيير الحقيقة في المحرر ، ويمثل تغيير الحقيقة السلوك الإجرامي المكون للركن المادي الذي من شأنــــه أن يسبب ضررا. فلم يختلف الفقهــاء في شأن التزوير مثلما اختلفـــوا حول المقصود بالمزور وطبيعته، وهل يعتبر عنصرا من عناصر القصد الجنائي لدى الجاني ؟
ومن هذا المنطلق سنتطرق لدراسة العناصر الثلاثة المكونة لجريمة التزوير والمتمثلة في المحرر باعتباره محلا للجريمة، تغيير الحقيقة باعتبارها النشاط الإجرامي وأخيرا الضرر باعتباره النتيجة المترتبة عن هذه الجريمة.
المحـــرر:
لم يتطرق المشرع الجزائري إلى تعريف صريح عن المحرر الذي ينصب عليه الفعل الإجرامي لذا عرفه الفقه على أنه:“كل مسطور يتضمن أفكارا أو معاني معينة أو محددة مترابطة فيما بينها تتكشف عن شخصية محررها وتفيد ارتباطه بما تدل عليه هذه الأفكار التي تنتقل من شخص إلى آخر عند مطالعة المحرر أو النظر إليه”.
كما عرف أيضا على أنه كل محرر مكتوب يفصح عن الشخص الذي صدر عنه ويتضمن ذكر واقعة أو تعبير عن إرادة من شأنها أن تنشأ مركز قانوني أو تعدله أو تنهيه سواء أ عد هذا المحرر لذلك أو ترتب عليه هذا الأثر بقوة القانون.
وأهم ما يمكن أن نستخلصه هو أن المحرر المكتوب يكون محلا لتغيير الحقيقة كما أنه هو الذي يكشف عن حقيقة شخص
تغيير الحقيقة: يمثل عنصر تغيير الحقيقة السلوك الإجرامي المكتوب والمدعم للركن المادي لجريمة التزوير والذي يتم بإحداث أحدث الطرق التي وضحها القانــون
الجزائري فبعضها يعتبر هذا التزوير ماديا و البعض الآخر يعتبـــــر تزويرا معنويا.
و نقصد بتغيير الحقيقة إبدالها بما يغيرها و بالتالي فلا يعتبر تغييرا لها أي إضافة لمضمون المحرر أو الحذف منه طالما كانت الحقيقة المستنبطة منه بنفس حالتها قبل الإضافة أو الحذف.
و هذا يعني أننا نكون أمام تغيير الحقيقة إذا ترتب عليه ظهور حقيقة جديدة أو تضخيم الحقيقة التي كانت موجودة أو تحريفها.
استخلاصا لما سبق نستنتج أن تغيير الحقيقة هو قوام الركن المادي لجريمة التزوير الذي من شأنه أن يسبب ضررا جراء هذا الفعل المجرم قانونا.
الـضـــــرر:
يمكن تعريف الضرر على أنه:” ذلك الإخلال بحق أو بمصلحة يحميها القانون و له صور متعددة”.
وقد انقسمت آراء الفقهاء حول تكييف عنصر الضرر في هذه الجريمة. فمنهم من قال: بان الضرر ركن مستقل بذاته في جريمة التزوير.
كما قال البعض الآخر بعكس ذلك وبأنه: ليس إلا عنصرا من عناصر الركن المادي باعتباره وصفا لنتيجة تغيير الحقيقة الذي لا يجرمه القانون بوصفه تزويرا إلا إذا كان ضارا.
و الواقع أن اعتبار العنصر ركنا على حدا عن أركان التزوير أو إدراجه ضمن الركن المادي ليس من شانه ترتيب أية آثار مختلفة، فموقع الضرر في جريمة التزوير ضروري لقيام الجريمة باعتباره عنصرا جوهريا من عناصر هذه الجريمة، فإذا تخلف الضرر انتفى التزوير بمعنى أن الضرر ينتفي إذا لم يكن ممكننا أن يمس بالحق المشروع للأفراد.
وتطبيقا لذلك لا يرتكب تزويرا من يصطنع محررا يدعي فيه لنفسه حقا في ذمة شخص وهمي ولا يتصور أيضا حدوث الضرر لعدم وجود الحق أو المصلحة التي يحميها القانون إذا كان المتهم بالتزوير قد انشأ لنفسه سندا للإثبات متركزا على حق قانوني ثابت و حقيقي وقت العمل .
وخلاصة القول يمكن أن نقول بأن الضرر المتطلب لقيام جريمة التزوير له صور متعددة وتحقق أي صورة يكفي لقيام هذه الجريمة.
– أركان جريمة التزوير
الركن الشرعي :
إن الركن الشرعي لجريمة التزوير حدده المشرع الجزائري في فصل كامل يحتوي على 56 نص قانوني” مادة ” من مواد قانون العقوبات الجزائري والتي إشتملت صفة الجاني ونوع الجرم الذي اقترفه، كما حددت نوع العقوبة المسلطة على ذلك الفعل. وعبر على ذلك بنص المادة 197:”يعاقب بالسجن المؤبد كل من قلد أو زور أو زيف….” في مثال نأخذه لاستنباط الركن الشرعي من هذه الجملة فنقول: بان النص الشرعي قد حدد لنا الفعل المجرم وصفة الجاني التي نعتها المشرع في هذه المادة بقوله:”كل من قلد أو زور أو زيف…”.
وفي مواد أخرى على سبيل المثال أيضا كالمادة 214:”كل قاض أو موظف أو قائم بوظيفة عمومية أرتكب تزويرا….”، المادة 223:”كل من تحصل بغير وجه حق على إحدى الوثائق المزورة المبينة في المادة222….”.
وعلى غرار هذه المواد التي أوردناها على سبيل المثال فان الركن الشرعي لجريمة التزوير يتمثل في 56 نص شرعي من مواد العقوبات الجزائري.
الركن المادي:
إن الركن المادي لجريمة التزوير لا يتحقق إلا بوجود الفعل الضار أي التزوير أو التقليد أو التزييف المؤدي إلى إنتاج ضرر بالغير وعلى حسب ما نص به القانون وهو تغيير الحقيقة بطريقة أو بأخرى.
واتفق الفقهاء على أن الركن المادي لكل جريمة يحتوي على ثلاثة عناصر يقوم عليها وهي: السلوك الإجرامي، النتيجة و العلاقة السببية الرابطة بينهمــا والسلوك عندنا هو تغيير الحقيقة، أما النتيجة فهي الضرر المترتب عن التزوير، و أما العلاقة السببية تكون مستخلصة في حقيقة هل وقع الضرر نتيجة لقيــام فعل التزوير أم لا.
السلـوك:
هو ذلك الفعل المجرم قانونا و الذي يترتب عنه الإضرار بالغير و لزوم معاقبة مرتكب هذا الفعل ، و قد يكون هذا الفعل ماديا كما قد يكون معنويا حيث أن الفعل في جريمة التزوير قد يكون ماديا مثلما هو على الورق، ومعنويا كشهــادة الزور أو انتحال شخصية مثلا، أو كلاهما يفيد تغيير الحقيقة التي نقصد بها إنشـاء حقيقة أخرى مخالفة أو تحريف حقيقة قائمة، بحيث لا تقوم الجريمة إلا إذا حدث هذا التغيير الذي يستوجب العقاب بعدما تبين بأنه أنتج ضررا للغير.
النتيجة: و تتمثل فيما يسببه الجاني من ضرر أو خطر يصيب أو يهدد مصلحة محمية قانونا. و على هذا الأساس تكــون النتيجة في جريمة التزوير هي التعـدي على حق الغير في ملكية أو حلول أو مصلحة شخص آ خر….إلخ . و يؤدي الأخذ بهذا المفهوم إلى القول بأن النتيجة هي حتمية تجريم الفعل من عدمه ، ومثال ذلـك فـي جريمـة التزوير الكثير غير أننا سنأخذ على سبيل الاستشهاد المادة 255 :”…و ذلك بقصد أن يعفي نفسه ،أو يعفي الغير من أية خدمة عمومية كانت…”.
والنتيجة كانت هي الإعفاء من أية خدمة عمومية مهما كانت بسبب تزوير وثائق طبية في سياق الاستدلال بهذا النص القانوني.
العلاقة السببية:
وهي الصلة التي تربط بين الفعل المجرم قانونا (السلوك) والنتيجة المترتبة عنه(الضرر) بمعنى أن تكون النتيجة مرتبطة بالفعل الإجرامي وناتجة عنه،فإن لم تنتج عنه انتفى الرابط بينهما حتى وإن كان الفعل المجرم قد وقع فعلا.
ونستنتج بأن الركن المادي يتحقق بوقوع الفعل الإجرامي، مترتبا عنه وجود نتيجة بصلة تربط بينهما وهي العلاقة السببية.
الركن المعنوي:
يقصد بالركن المعنوي الجانب الشخصي والنفسي للجريمة فلا تقوم الجريمة بمجرد الواقعة المادية التي تخضع لنفس التجريم، بل لابد من أن تصــدر هذه الواقعة من إرادة فاعلها أو ترتبط بها ارتباطـا معنويا. فالركن المعنــوي هو الرابطة المعنوية أو الصلة النفسية أو العلاقة الأدبية التي تربط بين ماديات الجريمة ونفسية الفاعل بحيث يمكن أن يقال بأن الجريمة نتيجة إرادة الفاعل .
أساليب جريمة التزوير
إن لارتكاب عملية أساليب و طرق يتم من خلالها التزوير سواء تعلق الأمر بالعملة أو بالمسندات أو بالتوقيعات، وهذه العمليات عديدة تختلف بحسب نوع كل جريمة أو بحسب الوسائل المستعملة لهذه العملية ولقد نص المشــــرع الجزائري على بعض هذه التي الأساليب التي تستعمل في تغيير حقيقة الشيء محل التزوير ونلاحظ ذلك من خلال المواد المقررة لفصل التزوير. حيث نجد أنه كل من استعمل أسلوب التقليد أو التزوير أو التزييف أو انتحال شخصية أو شهد زورا في مواد التزوير و سنتطرق لبعضها:
التقليـد:
هو صنع شبيه للحقيقة في الشيء المزور كالنقود, المستندات, الشهادات و المحررات, حيث لا يشترط أن يكون التقليد متقنا بحيث تنخدع العيون به وإذا كان التقليد مكشوفا فإن الجاني يعاقب على الشروع في الجريمة.
التزوير:
ويقصد به تغيير في نقود أو أوراق مالية أو سندات كانت في الأصل موجودة وصحيحة ومن صور التزوير تغيير العلامات والرسومات أو الأرقام من قبل الشخص المزور في العملة.
التزييف:
يقصد به الانتقاص من وزن العملة المعدنية ببردها بآلة حادة أو بطلانها لتغيير السعر القانوني لها. أو يكون الانتقاص أو الزيـــادة في محتوى محرر مكتوب وكذا الإدخال والإخراج والترويج، والأمر الذي يتميز به هذا الأسلوب عن غيره هو أن التغيير الذي يدخله الجاني بعد الفراغ من كتابته، فإذا كان هذا التغيير قد حدث أثناء كتابة المحرر فإن التغيير هنا يسمى تزويرا لا تزييفا.
الإنتحال :
ونقصد بانتحال شخصية الغير التعامل باسم أو شخصية مغايرة لشخصيتنا الحقيقية وإسمنا الحقيقي، سواء أكان هذا الاسم معلوما أو مجهولا، ويقع مثل هذا التزوير كثيرا في المحررات الرسمية.
ويكون المنتحل للشخصية مساهما مع الموظف العام أو القاضي أو الضابط العمومي سواء كان بحسن نية أو بسوء نيـة، كما قد يقع في المحررات العرفيــة والتجارية ومنه نستنتج بأن للتزوير أساليب عدة تمكن المزور من ارتكــاب هذه الجريمة بسهولة مما دفع بالمشرع إلى تشديد العقوبـة عليها لسهولتها و خطورتها.
و بغض النظر عن أن الفقه قد اختلف في تعيين أساليب التزوير إلا انه لم يترك المجال فارغا حتى يتمكن من إرساء أركان جريمة التزوير و تحليلها و تبيين خصائصها.
أما بالنسبة للعقوبة فيمكننا القول بأن المشرع جعلها تتراوح مابين الجنايات والجنح على حسب خطورتها وعلى حسب صفة الجاني.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً