«جرائم الرشوة»
منصور الزغيبي
تعتبر الرشوة من ضمن أخطر الجرائم الماسة بنزاهة الوظيفة العامة، وتعد من الجرائم المخلّة بالشرف والأمانة. وأضرار هذه الجريمة تنعكس على أداء الجهاز الرسمي وكذلك المجتمع. وهو إخلال بمبدأ العدل والمساواة، وهي أخت كبرى لجرائم كثيرة مرتبطة بالفساد الإداري، وهذه الجرائم من المعلوم أنها ظاهرة دولية أكثر من كونها مرتبطة بنطاق جغرافي محدد.
وتعاريف الرشوة في الاصطلاح عند المختصين كثيرة، لكنْ من ضمنها تعريف دقيق وموجز «قيام الموظف بأخذ أو قبول أو طلب مقابل معيّن، له قيمة مادية أو معنوية، للقيام بعمل من اختصاصه بحكم وظيفته أو للامتناع عن عمل من اختصاصه كذلك، أو للإخلال على أي نحو بمقتضيات واجبات وظيفته».
من زاوية تاريخية نجد أن جرائم الرشوة على المستوى المحلي تمت مكافحتها من خلال نصوص الشريعة والأنظمة التي مرّت بمراحل، وكان أول نظام هو «نظام المأمورين»، الذي يجرّم الرشوة واستغلال الرشوة الصادر عام 1350هـ، ولم يفرد إلا مادتين فقط هنا (100) و(102)، ثم بعد ذلك تمت معالجته بشكل أعمق من خلال صدور نظام الموظفين الصادر عام 1364هـ، ثم صدر نظام الموظفين الجديد عام 1377هـ ليلغي السابق، حتى أصبح هناك قانون مستقل وخاص «نظام مكافحة الرشوة» 1382هـ. ثم صدر تحديث للنظام عام 1412هـ الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/36 وتاريخ 29-12-1412هـ، ثم طرأت عليه بعض التعديلات. ومن المرجح في ظل الثورة القانونية التي تشهدها المملكة أن يتم تحديث النظام أكثر بما يتوافق مع ظروف المرحلة القادمة.
والهدف من القانون هو توعية للمواطنين، ومنظم لحسن سير العمل الحكومي، وحمايته وحماية مصالح الأفراد من أي إخلال وإساءة. إذا نظرنا إلى النظام، خصوصاً في بداية مواده، نجد أنه حدد الحالات التي يعتبر من يمارسها مرتشياً، فمثلاً المادة الأولى نصّت على «كل موظف عام طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته أو يزعم أنه من أعمال وظيفته، ولو كان هذا العمل مشروعاً، يعد مرتشياً، ويعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز عشر سنوات وبغرامة لا تزيد على مليون ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، ولا يؤثر في قيام الجريمة اتجاه قصد الموظف إلى عدم القيام بالعمل الذي وعد به».
ومن يبلغ السلطات عن الجريمة قبل اكتشافها سواء الراشي أم الوسيط يُعفى من العقوبة الأصلية والتبعية. وفقاً للمادة السادسة عشرة. وكل من يرشد إلى الجرائم المنصوص عليها في النظام وأدت معلوماته إلى ثبوت الجريمة ولم يكُن راشياً أو شريكاً أو وسيطاً، يمنح مكافأة لا تقل عن خمسة آلاف ريال ولا تزيد على نصف قيمة المال المصادر، وتُقدِّر المكافأة الجهة التي تحكم في الجريمة. وفقاً للمادة السابعة عشرة من النظام.
خلاصة القول، أصبح من الضروري تعميق الوعي القانوني، وخصوصاً في الشق الجنائي، ومنه «جرائم الرشوة»، بحكم أن الصورة الذهنية للرشوة هي أنها تسليم مال للقيام بعمل غير نظامي، ولكن في الحقيقة أن صور الرشوة التي أشار إليها النظام كثيرة، ومن ضمن هذه الصور الواقعة التي تكون من القبيل المعنوي، الواسطة، وغيرها. وكذلك لمكافحتها وتوضيح خطورتها وفداحة آثارها على الجهاز الرسمي والمجتمع.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً