جرائم الصهاينة في غزة تحت طائلة القانون الدولي الإنساني
هناك اتجاه في العالم العربي بين الحقوقيين والسياسيين والإعلاميين يطالب برفع دعاوى على قادة إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة وكذلك جرائم إبادة جماعية.
إسرائيل من جانبها، ولتأكدها من الجرائم التي ارتكبتها والتي يشاهدها العالم كله عبر الفضائيات لحظة بلحظة، ومنها إبادة أسر بأكملها، وتدمير مدرسة تابعة للأمم المتحدة، وأن الأطفال والنساء هم نصف عدد القتلى، لإدراكها كل ذلك تقول إن خطة الانفصال والانسحاب السابق من غزة يلغي مفعول الادعاءات ضد إسرائيل.
هذا الإدعاء ليس له أي أساس من الصحة في القانون الإنساني الدولي وكذلك في القانون الدولي لحقوق الإنسان، فواجبات إسرائيل تجاه سكان القطاع هو قوانين الاحتلال الموثقة في اتفاقية هاغ (1970) وميثاق جنيف الرابع (1949). حيث تفرض هذه الأحكام على الدولة المحتلة مسؤولية شاملة عن أمن ورفاهية المواطنين الذين يعيشون داخل المنطقة المحتلة.
المعيار الحاسم لسريان أحكام الاحتلال على دولة معينة بخصوص منطقة ما هو وجود سيطرة فعالة من جانب تلك الدولة على المنطقة نفسها. على النقيض من ادعاء إسرائيل، والحجم الواسع للسيطرة الإسرائيلية في قطاع غزة، والموجودة على الأرض، على الرغم من الغياب المحسوس لجنود الجيش الإسرائيلي في المنطقة، يوجد أساسا معقولا للافتراض بأن هذه السيطرة تصل إلى حد “السيطرة الفعالة”، وبناء على ذلك، فإن أحكام الاحتلال تسري على إسرائيل.
لا يمكن لإسرائيل أن تتنصل من مسؤوليتها عن القطاع وخير دليل على ذلك أن المجال الجوي والبحري والمعابر مع القطاع تحت السيطرة الإسرائيلية ومن ثم فإن الالتزامات الإسرائيلية تجاه القطاع موجودة.
إن الجهد العالمي الأممي والتنظيم الدولي لم يقف مكتوف الأيدي أمام انتهاك حقوق المدنيين العزل أثناء الحروب والنزاعات المسلحة بين الدول، ولذلك أصدرت الأمم المتحدة “القانون الدولي الإنساني”, ويسمى أيضاً “قانون النزاعات المسلّحة” أو “قانون الحرب”, هو جملة القواعد التي تحمي في زمن الحرب الأشخاص الذين لا يشاركون في الأعمال العدائية, أو الذين كفوا عن المشاركة فيها, وتقيد استخدام أساليب ووسائل القتال.
وإذا كانت القوانين والمواثيق الدولية تتفهم الهدف من “الحرب العادلة”، فإن هذه الحرب تعني وضع حد لاغتصاب حقوق الشعب وليس ارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية وضد شعب آخر والخروج على تقاليد الأديان والقيم الإنسانية وقواعد القانون الدولي الإنساني.
وتعد اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والبروتوكولان الإضافيان إليها عام 1977 الصكوك الأساسية للقانون الإنساني. وهناك عدد آخر من نصوص القانون الإنساني منها بروتوكول جنيف لحظر استخدام الغازات واتفاقية الأمم المتحدة لعام 1980 بشأن أسلحة تقليدية معينة واتفاقية أوتاوا حول الألغام الأرضية.
لقد جاءت اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 لتنص على ضرورة تفادي مهاجمة المدنيين والأشخاص الذين أصبحوا عاجزين عن المشاركة في القتال كالجرحى والمحتجزين، الذين يجب تفادي إصابتهم أو إرعابهم أو حتى تهديدهم ويجب أن يعاملوا معاملة إنسانية تكفل لهم حقوقهم المعنية في قانون حقوق الإنسان.
وأكدت اتفاقية جنيف لعام 1864م على ضرورة تحييد الطاقم الصحي القائم على العمليات الإنقاذية وكذلك المتطوعين المدنيين معهم الذين ساهمون في أعمال الإغاثة وتقديم العون الصحي للجرحى من عسكريين ومدنيين، وكذلك لمن يقدم العون للمحاصرين من مدنيين خصوصاً الأطفال وكبار السن، الذين يجب أن يحملوا شارات تعرفهم كجهات إنقاذية وعونية متعارف عليها عند المتحاربين كالصليب الأحمر الدولي أو الهلال الأحمر الدولي.
ونشير في هذا السياق إلى أن الإجرام الصهيوني يقع تحت طائلة الاتفاقيات والمواثيق الدولية الآتية، والتي يمكن ملاحقة جرائم الصهاينة بموجبها:
– اتفاقية ” جنيف الأولى” لسنة 1864.
– إعلان سان بطرسبرغ لعام 1868 لحظر القذائف المتفجرة.
– إعلان لاهاي لسنة 1899 حول قذائف “دم دم” والغازات الخانقة.
-اتفاقية ” لاهاي” لعام 1907 وهي تتضمن نصوصا أساسية تضع ضوابط وقواعد وأصول مهمة للنزاعات المسلحة، إذ تهدف إلى تنظيم وسائل حل النزاعات بين الدول بالطرق السلمية والى وضع قيود على استخدام الأسلحة في النزاعات المسلحة البرية والبحرية.
– اتفاقية هيغ لعام 1907 التي تتضمن قواعد مهمة تتعلق بمفهوم الحياد وبمفهوم الاحتلال وبكيفية إدارة العمليات الحربية. يشار إلى أنه أضيفت على هذه الاتفاقية قواعد الحرب الجوية التي وضعت مسودتها في العام 1923 من دون أن تعتمد بشكل رسمي حتى الآن.
– بروتوكول جنيف بشأن تحظير استعمال الغازات السامة والأسلحة الجرثومية لعام 1925.
– ميثاق الأمم المتحدة.
– اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949.
– اتفاقية لاهاي لعام 1954 لحماية المواقع الثقافية في زمن النزاعات المسلحة.
– اتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية لعام 1972.
– اتفاقية أوسلو لمنع استخدام بعض الأسلحة.
– اتفاقية باريس لحظر استعمال الأسلحة الكيماوية.
– اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1980 بشأن حظر أو تقييد بعض الأسلحة التقليدية.
– البروتوكولان الإضافيان لاتفاقيات جنيف الأربع الموقعان في العام 1977 لاستكمال الحماية التي تضمنها اتفاقيات جنيف لعام 1949 في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية.
وبناءً على نصوص الاتفاقيات والصكوك الدولية السالفة يتضح أن الحرب المدمرة والمبرمجة التي يشنّها الجيش الإسرائيلي على غزة والتي نتج عنها قصف المدنيين الآمنين وتشريد مئات الآلاف منهم وضرب البنى التحتية والاقتصادية دون التركيز على الأهداف العسكرية، تشكّل خرقا فاضحا لقوانين النزاعات المسلحة وللمبادئ العامة والأعراف التي يقوم عليها القانون الدولي الإنساني.
وإذا كانت إسرائيل ترتكز في عدوانها على مبدأ “حق الدفاع عن النفس” وفقا لنص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة. فإن ضخامة العمليات العسكرية التي تنفذها تثبت تخطيها لحق الدفاع عن النفس المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة لأنها تستهدف بشكل منظم ودائم المنشآت والبنى المدنية ودور العبادة والمدنيين، ولأنها أيضًا تستخدم كمًا هائلاً ومخيفًا من الأسلحة المدمرة والمتطورة وحتى بعض الأسلحة التي تحظرها الاتفاقيات الدولية.
فهذا الحق لا يقوم إلا في حال كانت وسيلة رد العدوان متناسبة مع حجم خطورة وقوة العدوان الواقع. يضاف إلى ذلك أن نص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة يضع لزاما على الدولة التي تستعمل حق الدفاع بأن تبلّغ مجلس الأمن فورا “بعملية رد العدوان” أو بإجراءات استعمال حق الدفاع، على أن لا يحول هذا الدفاع عن النفس دون تمكّن مجلس الأمن من القيام بالإجراءات التي يراها مناسبة من أجل الحفاظ على السلم والأمن الدوليين تطبيقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
العدوان الصهيوني البربري على غزة خالف كذلك مبدأ الضرورة في اللجوء إلى استعمال القوة والحل العسكري، ومبدأ التقيّد بحدود دولية معينة لاستعمال وسائل القتال، وتحييد المدنيين ومبدأ تناسب الوسيلة العسكرية المستعملة مع حجم الاعتداء أو الخطر المحدق بالجهة التي تلجأ إلى القوة من أجل حل نزاعها مع الطرف المستهدف، فإطلاق الصواريخ لا يؤلّف مبررا كافيا ومقنعا كي يستخدم كأساس شرعي لهذا العدوان، كما أنه لا يهدد فعلا الكيان الإسرائيلي ولم يحمل اعتداء خطيرا على أمن إسرائيل وسلامة مواطنيها وبالتالي لا يبرر حربا مدمرة ومنظمة واسعة النطاق.
العدوان الصهيوني يعد أيضًا مخالفة لمبدأ التقيّد بحدود معيّنة في استعمال القوة العسكرية، فقد أكّدت المادة 35 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف الموقع في العام 1977 على « إن حق أطراف أي نزاع مسلح في اختيار أساليب ووسائل القتال ليس حقا لا تقيده قيود”. وفي الاتجاه ذاته، كانت قد أشارت صراحة المادة 22 من اتفاقية لاهاي المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية الموقعة في 18 أكتوبر/ تشرين الأول سنة 1907 إلى أنه ” ليس للمتحاربين حق مطلق في اختيار وسائل إلحاق الضرر بالعدو”.
وعليه ليس للمتحاربين الحق غير المقيّد بأي قيد في اختيار وسائل الإضرار، باعتبار أن الهدف الرئيس للحرب يكون ضرب القوة العسكرية للعدو وإيقاع الهزيمة به. وفي السياق ذاته، يحظّر البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1949 استخدام الأسلحة التي من شأنها زيادة معاناة الجرحى وآلامهم وجعل تدهور حالتهم الصحية أو موتهم أمرا محتوما ومؤكدا. وهذا ما كانت قد أكّدت عليه من قبل المادة 12 من اتفاقية جنيف الأولى لتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان المؤرخة في 12 أغسطس/آب 1949 والتي جاء فيها أنه “يجب في جميع الأحوال احترام وحماية الجرحى والمرضى من أفراد القوات المسلحة وغيرهم من الأشخاص المشار إليهم في المادة التالية”. وكذلك تنص المادة 16 من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين في وقت الحرب على أنه “يكون الجرحى والمرضى وكذلك العجزة والحوامل موضع حماية واحترام خاصين”.
العدوان الصهيوني أيضًا يعد مخالفة لمبدأ واجب تحييد المدنيين، حيث يفرض قانون النزاعات المسلحة على الدولة التي تلجأ إلى استعمال القوة العسكرية حماية المدنيين وتحييدهم عبر اتخاذ الإجراءات الضرورية التي يمكن بموجبها التمييز بين الأهداف العسكرية والأهداف المدنية والتمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين. وتلتزم الدولة التي تختار القوة العسكرية لحل نزاعها مع دولة أخرى أو لصد عدوان ما أو لوضع حد لخطر إرهابي أو لأعمال إرهابية معينة بحماية الأشخاص العاجزين عن القتال أي المقاتلين الذين عجزوا عن القتال بسبب مرضهم أو إصابتهم بجروح أو أسرهم أو لأي سبب آخر يمنعهم من الدفاع عن أنفسهم وعناصر الخدمات الطبية وأفراد الهيئات الدينية.
العدوان الصهيوني على غزة تخطى بمداه وبنوع الأسلحة والوسائل العسكرية المستعملة وكثافة القصف الجوي الذي لجأ إليه الجيش الإسرائيلي في عملياته الحربية ضد المواطنين المدنيين والبنى التحتية ومحطات البث الإذاعي والتلفزيوني وغيرها، حجم وخطورة إطلاق الصواريخ التي نفذتها المقاومة ضد القوات العسكرية الإسرائيلية. وهذا ما يخالف مبدأ تناسب الوسائل العسكرية المستعملة مع حجم وخطورة العمل الذي تعرضت له الدولة التي تلجأ إلى استعمال القوة العسكرية. ويقضي هذا المبدأ بعدم الإفراط في استعمال القوة العسكرية ووسائل القتال بحجم لا يتناسب مع خطورة الوضع العسكري أو الصفة العسكرية للهدف المقصود. ومن هذا المنطلق يضع قانون النزاعات المسلحة لزاما على أطراف النزاع ببذل رعاية متواصلة في إدارة العمليات العسكرية من أجل تفادي إلحاق الأذى بالمدنيين وبالامتناع عن اتخاذ قرار بشن هجوم عسكري قد يتوقع منه أن يحدث، بشكل عرضي، خسائر في الأرواح بين المدنيين أو إلحاق الأذى بهم أو بممتلكاتهم.
اترك تعليقاً