جريمة غسْل الأموال
باسم الله. تفتك جريمة غسل الأموال بالدول سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا, ذلك أن من آثارها: استقطاعات من الدخل القومي وزيادة السيولة المحلية بشكل لا يتناسب مع الزيادة في إنتاج السلع والخدمات وتوطين الجريمة الأصلية وإقامة العصابات العالمية المنظمة في البلد وتشويه المنافسة وارتفاع معدل التضخم وتدهور قيمة العملة الوطنية, لذا مهما اختلفت الأديان والأعراق فإنها تجتمع على تحريم وتجريم غسل الأموال, ففي البحرين اجتمعت الدول في مؤتمر لمناقشة ظاهرة غسل الأموال, واتفاقية الأمم المتحدة عام 1988م حرّمت غسل الأموال, ولجنة العمل الاقتصادي المتعلقة بغسل الأموال التي قامت عام 1990م بإصدار أربعين توصية ومن بينها تطبيق قانون منع غسل الأموال, وجهود أخرى لمكافحة هذه الجريمة كلجنة بازل المتعلقة بالإشراف البنكي وإعلان كنغستون وإدارة منع ومصادرة الأموال المتأتية من أعمال إجرامية (فوباك).
وتبذل المملكة العربية السعودية جهوداً متسارعة ومتصاعدة عظيمة في مكافحة هذه الجريمة, والواقع يشهد بزيادة عمليات القبض والمحاكمة لمجرمي عمليات غسل الأموال, وهذه الجريمة يُقصد بها: (ارتكاب أي فعل أو الشروع فيه, يقصد من ورائه إخفاء أو تمويه أصل حقيقة أموال مكتسبة خلافاً للشرع أو النظام وجعلها تبدو كأنها مشروعة المصدر) (المادة الأولى من نظام مكافحة غسل الأموال).
ولا بد لقيام جريمة غسل الأموال من توافر: الركن المادي عبر النشاط الجرمي بإحدى الأفعال المنصوص عليها في نظام مكافحة غسل الأموال, والركن المعنوي عبر توفر العلم والإرادة لدى مرتكب الجريمة, ووجود الشرط المفترض الذي يعني وجود الجريمة الأصلية التي تولدت منها جريمة غسل الأموال, والشرط المفترض هذا وإن كان متفقاً عليه بين النظام وفقهاء القانون والقضاء السعودي إلا أن هناك نزاعاً ثار بالبُعد الذي يمكن أن يصل إليه هذا الشرط, ولتوضيح هذه الفكرة أُبسِّطُ لكم الخلافَ في هذه المسألة على قولين هما:
القول الأول: يرى أنه يجوز الحكم بالعقوبة على من ثَبتت عليه جريمة غسل الأموال دون النظر في مدى ثبوت الجريمة الأصلية على المجرم. وهذا ما يميل إليه النظام السعودي وجمع من أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام وبعض القضاة وبعض فقهاء القانون. وهذا القول الأرجح في نظري.
القول الثاني: يرى أنه لا يجوز الحكم بالعقوبة على المتهم بارتكاب جريمة غسل الأموال إلا بعد ثبوت الجريمة الأصلية عليه. وهذا قول جمع من القضاة وفقهاء القانون ومنهم د. عمر الخولي. وهو ما يكثر عليه العمل القضائي.
ويترتب على القول الأول أن يكون عبء الإثبات بمشروعية مصدر المال على المتهم بارتكاب جريمة غسل الأموال, ويترتب على القول الثاني أن يكون عبء الإثبات بعدم مشروعية مصدر المال على المدعي العام.
وتتلخص إجراءات التعامل مع قضايا غسل الأموال بالبلاغ الذي يرد إلى وحدة التحريات المالية بوزارة الداخلية التي تمثل الجهاز المركزي الوطني, وتقوم هذه الوحدة بالفحص والتفتيش والتحري وسؤال المؤسسات المالية والجهات غير المالية التي تعامل معها المتهم بارتكاب هذه الجريمة, لتنتقل القضية بعدها إلى هيئة التحقيق والادعاء العام لتقوم بالتحقيق مع هذا المتهم فإن ارتأت الهيئة كفاية الأدلة والقرائن لرفع الدعوى على هذا المتهم فإنها ترفعها إلى المحكمة مطالبة بأقصى عقوبة وإن لم تجد أن هذه الأدلة والقرائن كافية فحينها تحفظ الهيئة المعاملة, وبعد أن تصل القضية إلى المحكمة الجزائية في دوائر التعزير تحكم المحكمة بالعقوبة المناسبة حسب الأدلة والقرائن الواردة إليها وإلا تحكم بصرف النظر عن الدعوى.
والمنظم وضع العقوبات على ثلاث فئات هم:
1- مرتكب جريمة غسل الأموال
2- المؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية والمنظمات غير الهادفة للربح المخالفة للالتزامات المفروضة عليها بنظام مكافحة غسل الأموال
3- كل شخص لم يكن من هاتين الفئتين وخالف أحكام النظام
والمنظم وضع ظروفاً مشددة للعقوبة, وفرض الجمع بين عقوبة السجن والغرامة.
وأختم حديثي بالقول: كل بضاعة أو منتج أو حيوان يرتفع سعره بشكل لافت ومبالغ فيه فاعلم أن الشبهة تثور حوله بدخوله في عمليات غسل الأموال.
وصلوا على النبي المختار
د. تركي بن عبدالله الطيار
محامٍ وقاض سابق
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً