جريمة إطلاق الأعيرة النارية خلال الاحتفالات والمناسبات ونظرية القدر المتيقن
هل تعلم بأن تطبيقات نظرية القدر المتيقن في العمل القضائي الجنائي أو الجزائي قليل جداً الى حد الندرة في جميع دول العالم عدا المجتمع العراقي !! ,,
تفترض هذه النظرية وجود ضحية واحدة مع عدة مرتكبين للجريمة في نفس اللحظة والآن ,, مثلاً , يُقتل احدهم على يد خمسة متهمين وعلى أن يثبت بأن خمستهم جميعهم كانوا يطلقون النار على المجنى عليه نفسه ولا يهم – حسب هذه النظرية القانونية – إقرار المتهمين خمستهم بالجريمة في تغيير النتائج المترتبة على الإقرار بالجريمة سوى أن الإقرار الجماعي لمطلقي النار سوف يؤدي بالمحكمة الى تغيير حكمها فيما يخص العقوبة على الجاني أو الجناة وذلك بجعل وصف الجريمة قتلاً عمداً دون سبق إصرار وترصد إذا كانت الجريمة في حالة إرتكابها من شخص واحد هي تستحق الوصف وفق المادة (405) من قانون العقوبات , مثلما تؤدي الى جعل الوصف والعقوبة قتلا خطئاً إن كان وصفها وعقوبتها في الأصل وفي حال إرتكابها من جان واحد هي القتل العمد وفق المادة (405) من قانون العقوبات ,,وهكذا نزولاً في الوصف والعقوبة الى بقية الجرائم والى حد جعل الوصف والعقوبة وفق المادة (405)\31) أي الشروع في القتل مجرد إيذاء ,,
وهكذا وكما ترى فإن هذه النظرية خاصة جداً وتمثل شذوذاً عن الكثير من القواعد القانونية الرصينة وللمشرع الذي سنّه وشرعه وهم فقهاء القانون الجنائي الفرنسي والألماني حكمتهم وربما كان من مزاياها هو أنها صعبة التطبيق وصعبة الشروط الى حد الإستحالة ولهذا لم تنل النقد كثيراً على ألسن المعارضين لهذه النظرية القانونية التي تفترض وجود قاتل أو جان حقيقي وسط عدد من الجناة أو الفاعلين المفترضين ولا يمكن في كل الأحوال الوقوف مكتوف اليدين إزاء حالة غريبة يعترف فيها عدد من المتهمين بإرتكاب نفس الجريمة في نفس اللحظة والآن وفي ذات الوقت لا تدل أثر الجريمة في المجنى عليه سوى على وجود فاعل واحد أصيل !!,,فهنا نرى المشرع قد أجهد نفسه كثيراً في إيجاد الوصف الصحيح والدقيق للجريمة مثلما أخذ جانب الجناة بعين الإعتبار ورفض ايقاع العقوبة عليهم وفق نظرية الآواني المستطرقة وعشوائياً كما يحدث في بعض المجتمعات المتخلفة التي تعمد المحاكم فيها الإتجاه الى ايقاع ذات العقوبة وفق الوصف الأصيل لذات الجريمة دون الأخذ بنظر الإعتبار كامل ظروف الجريمة وملابساتها ,,
إذا , نحن إزاء نظرية تفترض وجود حالة غريبة ربما تحدث بنسبة الواحد من مائة ألف حالة أو ربما لا تحدث أبداً لصعوبة توافق وتوارد كل تلك الشروط مجتمعة مرة واحدة ,,
لكن , لدينا هنا في العراق وأقليم كُردستان حالة غريبة تحدث بإستمرار وهي حالة قيام البعض – وهم ليسوا بقلة – بإطلاق الأعيرة النارية في السماء في المناسبات بحجة الغلو في الإحتفاء والإحتفال وإظهار مظاهر الإبتهاج وهي حالة تخلف في كل مرة إصابات بالغة بمجنى عليهم أبرياء لا علاقة لهم لا بسبب الجريمة ولا بظروف وقوعها وفي الوقت الذي تجهد وتجتهد الكثير من الآراء في ضرورة إعتبار تلك الحالات (مخالفة) !!, فإن هناك آراء أخرى تذهب الى ضرورة عد كل حالة منها جريمة جنائية مرتكبة نتيجة الخطأ ,لكني وبرأي المتواضع أرى بأن هذه الجرائم لا يمكن عدها جرائم خطأ في ذاتها لأسباب عدة منها :
1- إن مطلق النار أو مستخدم السلاح الناري لا يمكن عده جاهلاً بنتيجة وأثر عملية إطلاق النار ومآل الرصاصات المنطلقة من فوهة سلاحه ,,لا يمكن الأخذ بدفعه بأنه لم يكن يعلم بأنها سوف تصيب أحدهم في المقتل وإلا نكون إزاء حالة أخرى تتمثل في جزء منه دفعاً بالجهل بالقانون وهو دفع مردود دائماً .
2- إن مطلق الرصاص في هكذا حالات لا يهتم بالنتيجة بقدر إنتشائه بمظاهر الإبتهاج الهيستيرية التي تحوزه وتسيطر عليه .
3- مجرد إطلاق النار في مناطق مأهولة بالسكان جريمة جنائية وليست بمخالفة ولا بخطأ ناجم عن رعونة آنية .
لكننا هنا نواجه صعوبة في إيجاد الأدلة لإثبات تحقق كامل أركان وشروط نظرية القدر المتيقن في هذه الجريمة وهي صعوبة مرهونة بسبل ووسائل التحقيق أكثر من تعلقها بأصل المسألة أو الموضوع ومسألة تقدم وتطور وسائل التحقيق هي في حد ذاتها مرهونة بمدى توجه الإرادة العامة في الدولة والمجتمع نحو التضافر الجمعي والتوافق العام على ضرورة التحرك الجماعي والنوعي الى إعتبار مثل هكذا جرائم قتلاً عمداً وليست قتلاً خطأً
وبالعودة الى المثال السابق المتعلق بوجود خمس جناة فإن دفع كل واحد منهم بأنه لم يطلق النار بقصد إرداء آخر وإنما لدافع الإبتهاج الشخصي أو لتخويف شخص ما (المجنى عليه) في حال جريمة أخرى أو وقفه ثم تعجز سلطات التحقيق عن التوصل الى مطلق الرصاصة التي أردته قتيلاً وكانت السبب المباشر لإزهاق روحه والتي استقرت أو نفذت من خلال جثته فإننا هنا إزاء حالة تعدد جناة ووحدة مجنى عليه مع تشابه الحجج والمبررات والأسباب من جانب الجناة !, هذا يعني إقتراب الوصف في الجريمة من القتل العمد ومع نظرية القدر المتيقن كثيرا !!,,
لكن ماذا لو كان إجتماع الجناة وتواجدهم في أماكنهم محض صدفة ؟ كما في جريمة إطلاق النار إبتهاجاً ؟!,,.
في هذه الحالة لا تستطيع محكمة الموضوع الحكم على الجميع بعقوبة الإعدام حتماً وإنما تخفف العقوبة الى ما دون ذلك أو تنزل العقوبة الى مادون عقوبة جريمة العمد الى عقوبة جريمة أخرى مثل القتل الخطأ مثلاً .
كما ترى ,, لن يحدث مثل هكذا أمر إلا نادراً وربما لن يحدث أبداً , نقصد إقران جريمة قتل عمد بنظرية القدر المتيقن الحاضرة بالقسط الكبير من شروطها وأركانها , ,,
لكن هنا في العراق ,, يزف غبي عروسه فإذا برهط كبير من الأغبياء يطلقون النار في الهواء إبتهاجاً ,, يقوم رونالدو بتسجيل هدف لريال مدريد فيفوز على ناد آخر إسباني أو أوروبي فيقوم العراقي بإطلاق النار في الهواء والعكس أيضاً صحيح بالنسبة لميسي ,, أو يفوز منتخب العراق ذو التصنيف 80 على العالم في فيفا على قطر فيطلقون النار في الهواء ابتهاجاً ، أو يموت أحدهم فيقوم بعض المعزين بإطلاق الرصاص نحو السماء التي هرب إليها روح المرحوم !! ,,
في الغالب تكون هناك ضحايا نتيجة هذه الإطلاقات ,, كل من أطلق ولو رصاصة واحدة في السماء فهو متهم قانوناً بجريمة القتل ,,لكن المصيبة والطامة الكبرى هنا هو أنه ليس بمقدورنا وبمقدور المجتمع والسلطات إلقاء القبض على كل الجناة ,أي كل مطلقي النار في تلك المناسبات ,,وفي كل الأحوال وحتى في حال إلقاء القبض على عدد منهم فإنهم لا يُتهمون لا بالقتل العمد ولا بالقتل الخطأ رغم وجود النتيجة المتمثلة بالقتيل أو عدد من الجنى عليهم والجرحى , بل لا يُنظر الى الحادث كحادث واحد وكريمة واحدة بل تُغلق الدعوى الخاصة بالمجنى عليه الذي قضى نتيجة رصاصة طائشة على أساس القضاء والقدر وبالإستناد لأحكام المادة (130 \ج ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية بينما تُنظر دعوى من القي القبض عليهم على أنها دعوى متعلقة بمخالفة أطلاق أعيرة نارية في السماء !!,,بينما تقتضي العدل وحتى العدل المجرد ضرورة الأخذ بعين الإعتبار وجود رابط قوي بين السبب والنتيجة في تلك الحوادث أو الجرائم التي بدأ عددها بالإزدياد المضطرد في السنوات الأخيرة فهذه الجرائم هي جرائم عمدية بالتأكيد إن تم إعمال نظرية القدر المتيقن فيها أو أقرنت بها أو هي في كل الأحوال جرائم قتل الخطأ ,, ويستطيع ذوي الضحية الشكوى على أي واحد يثبت قيامه بإطلاق الرصاص وليس هناك من يستطيع الدفع بأن الرصاصة التي أردت الضحية ليست هي التي قتلته لإننا إزاء نظرية القدر المتيقن التي لا يلجأ لتطبيقها لا لعدم توفر شروط تطبيقها وإنما للإعتقاد الخاطئ بعدم توفر شروط وأركان جريمة القتل العمد أو الخطأ فيها , .
لكن في كل الأحوال لا يمكن الإستمرار في عد وأعتبار حوادث إنقضاء مجنى عليهم أبرياء برصاصات طائشة مجرد حوادث قضاء وقدر لأننا سوف نكون إزاء مجتمع قاتل أو مساهم في القتل أو عازف عن الإخبار عن قاتل أو قتلة ,,
بالعودة ثانية الى مثال القتلة الخمسة وفق نظرية القدر المتيقن , مالذي يفرق بين هؤلاء الخمسة وبين الف شخص يطلقون النار في السماء إبتهاجاً بمناسبة ما لكن رصاصة أحدهم تقتل مجنى عليه ما في النتيجة ؟!,
وأخيراً , وفيما يتعلق بنظرية القدر المتيقن , ففي الوقت الذي نرى بأنها نظرية نادرة التطبيق في بقية مجتمعات العالم إلا قليلاً فإننا نجدها عصية على التطبيق هنا أيضاً لسبب آخر وهو كثرة الحالات التي تستحق تطبيقها وفي هذه غرابة شديدة خاصة وإن العراق يُعد بلد القوانين وبلد الحضارة القانونية وذا التراث القضائي العالمي الثر. !! …
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً