جريمة إفشاء الأسرار وعقوبتها حسب القانون الجزائري

جريمة إفشاء الأسرار و العقوبة المقررة لها

تعريف إفشاء السر
أركان جريمة إفشاء السر
العقوبات المقررة لجريمة إفشاء الأسرار
الإستثناءات و إباحة إفشاء السر

مقدمة
إفشاء الأسرار هو الإفضاء بوقائع لها الصفة السرية من شخص مؤتمن عليها بحكم وضعه أو وظيفته أو مهنته أو فنه، بصورة مخالفة للقانون. وقد عُرف واجب كتمان السر منذ القدم، حيث كان يُحرّم على رجال الدين البوح بالأسرار التي يطلعون عليها من الناس بحكم مركزهم. ثم امتدّ تدريجياً هذا الواجب إلى أصحاب المهن الحرة المهمة، كالمحامين والأطباء وغيرهم، فلا يجوز لهم كشف الأسرار التي تصل إلى علمهم أثناء ممارستهم لمهنتهم.

تعريف إفشاء السر:
هو البوح والإفضاء بالسر وإطلاع الغير عليه سواء بالقول أو الكتابة أو الإشارة : مثال : الطبيب الذي يبوح بسر مرض ما لشخص آخر ، الموظف في مؤسسة عسكرية أو مؤسسة استراتيجية يبوح بسر المؤسسة (صناعة الأسلحة-الكمية.. تقنيات الصناعة إلى شخص أجنبي)

طبيعة جريمة إفشاء
– يعد إفشاء السر من جرائم الاعتداء على الاعتبار والشرف.
– عبارة عن جرائم كتابية وقولية التي تناولها المشرع الجزائري في المواد من 301 إلى 303 قانون عقوبات جزائري والمادة 137 ق.ع .ج.

أركان جريمة إفشاء الأسرار
1- وقوع فعل إفشاء السر (الركن المادي)
– إفشاء السر هو الكشف عن واقعة لها صفة السر صادر ممن علم بها بمقتضى وظيفته أو مهنته عن قصد وبالتالي فلا جريمة إذا لم يتوافر لدى المتهم بها القصد ولو توفر لديه إهمال أو خطأ في أيهم صورة، فالطبيب الذي يدون أسرار مريضه في ورقة ثم يتركها إهمالا منه في مكان تتعرض فيه أنظار الغير فيطلع عليها شخص هذا الطبيب لا يرتكب جريمة إفشاء الأسرار حيث لم يرد في القانون تعريف لسر المهنة. ذلك أن تحديد السر مسألة تختلف باختلاف الظروف وما يعتبر سرا بالنسبة لشخص قد لا يعتبر كذلك بالنسبة لآخر وما يعتبر سرا في ظروف معينة قد لا يعتبر سرا في أخرى. و يمكن القول بأن الوصف لواقعة ما يتضمن انحصار نطاق العلم بها في عدد محدود من الأشخاص إذا كانت ثمة مصلحة لشخص أو آخر في أن يظل العلم بها محصورا في ذلك النطاق. ويعتبر العلم بالواقعة محصورا في أشخاص محدودين إذا كان هؤلاء الأشخاص معنيين أما إذا كانت معلومة لعدد من الناس بغير تمييز فقد انتقلت عنها بالضرورة صفة السر، و يعني ذلك أنه إذا كان عدد من يعلمون بالواقعة كبيرا ولكنهم معنيون فإن ذلك لا ينفي عنها صفة السر، وفي اللحظة التي تصير فيها الواقعة معلومة على سبيل التأكيد لعدد غير محدود من الناس بحيث لا يضيف الإفضاء بها مزيدا إلى نطاق العلم تنتفي عنها صفة السر، فكل ما يعرفه الأمين أثناء أو بمناسبة ممارسة مهنته وكان في إفشاءه ضرر لشخص أو لعائلة إما لطبيعته أو بحكم الظروف التي تحيط به يعتبر سرا. و لا يشترط أن يكون السر قد أفضى به إلى الأمين أو ألقى إليه على أنه سر وطلب منه كتمانه بل يعد في حكم السر الواجب كتمانه، كل أمر يكون سرا ولو لم يشترط كتمانه صراحة.

– كما أن الإفشاء يقصد به اطلاع الغير على السر والشخص الذي يتعلق به هذا السر بأية طريقة كانت: المكاتبة، أو المشافهة ، أو الإشارة وما إلى ذلك ويتوافر هذا الشرط ولو كان الإفشاء بجزء من السر ولا يشترط أن يكون الإفشاء علنيا بل يكفي أن يكون إلى شخص واحد، فالمؤتمن على السر يفشيه لزوجته يقع تحت طائلة العقاب ولو طلب من الزوجة كتمان السر ولا يباح الإفشاء ولو من أمين، ولا يكفي مجرد إفشاء سر مجردا عن صاحبه ولا يتطلب القانون ذكر اسم المجني عليه، وإنما يكتفي بذكر بعض معالم شخصيته على النحو الذي يكفي التعرف عليه، أي يكفي أن يكون تعيينه نسبيا، ويعتبر من هذا القبيل نشر صورته ويتعين أن يكون الإفشاء بالسر إلى الغير أي إلى شخص لا ينتمي إلى هذه الفئة من الناس الذين ينحصر فيهم نطاق العلم بالواقعة التي توصف بالسر ويعني ذلك أنه إذا كان الإفصاح بالسر إلى شخص ينتمي إلى هذه الفئة بحيث لم يتعد العلم النطاق الذي ينبغي أن يظل محصورا فيه فلا يعد إفشاء.

الشروع في الإفشاء :
– الشروع في الإفشاء متصور ولكنه غير معاقب عليه وفي حالة إفشاء المتهم بسر المجني عليه إلى شخص كان يعتقد أنه لا يعلم به والحقيقة أنه يعلم به على سبيل اليقين، فالجريمة غير قائمة ولا عقاب عليها.

2- صفة الجاني( المؤتمن على السر ).
– لا تقوم جريمة إفشاء الأسرار إلا في حق شخص ذي صفة معينة، وهذه الصفة مستمدة من نوع المهنة التي يمارسها أي أنها صفة مهنية والعلة في تطلب هذا الركن أن جوهر الجريمة هو إخلال بالتزام ناشئ عن المهنة. وما يتفرع عنها من واجبات فضلا عن أن علة التجريم هي الحرص على المباشرة السليمة المنتظمة لمهن معينة ذات أهمية اجتماعية.

– وهذه الصفة متطلبة في فاعل الجريمة، ومن ثمة يجوز أن يكون الشريك فيها غير حائز لهذه الصفة وهي متطلبة وقت إيداع السر والعلم به دون وقت إفشائه، فالطبيب أو المحامي الذي يفشي بعد اعتزاله المهنة سرا أودع لديه حينما كان يمارس مهنته يرتكب هذه الجريمة. وتنص المادة 301 من القانون رقم 82/04 المؤرخ في 13-02-1982، أنه تسري هذه الجريمة على أمناء الأسرار وهم الأمناء بحكم الضرورة أو من تقتضي نشاطاتهم تلقي أسرار الغير و لم يتم حصرهم حيث تنص المادة أعلاه أنه ” يعاقب الأطباء والجراحون والصيادلة والقابلات وجميع المؤتمنين بحكم الواقع أو المهنة أو الوظيفة الدائمة أو المؤقتة على أسرار أدلى بها إليهم وافشوها في غير الحالات التي يوجب عليهم القانون إفشاؤها ويصرح لهم بذلك “. كما يسري نص هذه المادة أيضا على رجال الأمن وموظفو البريد والقضاة وأعضاء النيابة وموظفو الضرائب والبنوك ويعتبر الطب أهم المهن التي يلتزم ممارسوها بكتمان السر الخاص بعملائهم لأنها أكثرها اعتمادا على هذه الأسرار، وهي أسرار قد تتصل بأدق تفاصيل الحياة الشخصية للمريض وتنعكس على عائلته وقد تتصل بسمعته. ولقد أردف المشرع إشارته إلى الأطباء بذكر الجراحين مع أنهم نوع من الأطباء، وأشار المشرع كذلك إلى القابلات والصيادلة وجرم بذلك إفشاءهم للسر الذي يعلمون به بسبب ممارستهم مهنتهم. فالتذكرة الطبية بطبيعتها سرية وقد يستخلص من الاطلاع عليها نوع المرض الذي اقتضته، كما قد يستشير بعض الناس الصيدلي في علاج أمراضهم فيفضون إليه بأسرارهم فيلتزم بكتمانها، وغنى عن البيان أنه إذا أطلع الصيدلي مفتش الصيدلية على ما لديه من وصفات طبية فهو لا يرتكب جريمة إذ ينفذ أمر القانون، ولكن يلتزم هذا المفتش بكتمان السر. كذلك فان المحامي يلتزم بكتمان أسرار عمله التي أفضيت إليه أو علم بها أثناء ممارسته لمهنته أو بسببها، وذلك بعلم المحامي بجميع وقائع الدعوة التي يطلب منه الدفاع فيها وأتيح له الاطلاع على جميع المستندات التي يحوزها موكله وخاصة في الحالات التي يتطلب علمه بماضي موكله وظروف حياته وقد يكون منها ما له طابع شخصي بحت، وقد يكون بعض ما يعلم به المحامي متصل بالشرف على نحو وثيق كالوضع في دعوى الطلاق للزنا أو إثبات بنوة. و يقيد الالتزام بالكتمان إلى جميع مساعدي المحامي إذا علموا بسبب عملهم أو بمناسبته بسر الموكل ولكن لا يرتكب المحامي هذه الجريمة إذا أفضى بأسرار موكله أمام مجالس القضاء في شأن الدعوى التي يدافع فيها وفي الحدود التي يقتضيها الدفاع عن مصلحة موكله ويتضح بذلك أن ثمة فارقا جوهريا بين السر الطبي وسر الدفاع الذي يلتزم المحامي بكتمانه فبينما يخطر على الطبيب أن يفضي إلى شخص ما بسر مريضه، فإن المحامي يجب عليه أن يبلغ القضاء عن أسرار موكله ما يقتضيه الدفاع عن مصلحته في خصوص الدعوى التي وكله عنه فيها، كما أن القضاة تودع لديهم بمقتضى وظائفهم أسرار فيلتزمون بكتمانها، و يمتد الالتزام بالكتمان إلى كل واقعة تتوافر لها صفة السر وعلم بها القاضي بسبب وظيفته أو بمناسبتها، ويتسع نطاق الالتزام بالكتمان لجميع القضاة أيا كان اختصاصهم ودرجاتهم وألقابهم القضائية، فيتسع لرجال القضاء العادي والإداري والعسكري، ويمتد هذا الالتزام إلى رجال النيابة العامة، وإلى أعوان القضاة كالمحضرين وأمناء السر والكتاب والمترجمين، كذلك فإن الموظف العام يرتكب جريمة إفشاء الأسرار إذا أفضى إلى الغير السر الوظيفي أي السر الذي يكون قد علم به بسبب وظيفته أو بمناسبتها.

– و يتعين لنشوء المسؤولية الجنائية أن تتوافر لاختصاص الموظف الخصائص السابقة التي تجعل منه أهل ثقة وظيفية اضطرارية من جانب الدولة ويتعين أن يكون الإفشاء عمديا. أما المهن التي لا تتوافر لأفرادها الخصائص التي تجعل منهم أهل ثقة مهنية اضطرارية وأهم هذه المهن الصحافة: فالصحفي مهنته نشر الأخبار والآراء في أوسع النطاق، ولذلك لا يتصور أن يتفرع عن مهنته الالتزام بالكتمان إذ يناقض طبيعة مهنته ورسالتها الاجتماعية. كذلك يخرج من حكم النص السكرتيرين الخصوصيين والسماسرة، فهؤلاء لا يؤدون صناعة عامة لخدمة الجمهور ومن ثمة لا يتحقق بعملهم الضرر الذي قصد المشرع أن يتلقاه من إحجام الجمهور عن الالتجاء إلى الأمناء بحكم الضرورة.

3- القصد الجنائي
– لا تقوم الجريمة إلا إذا تعمد الفاعل الإفشاء ، فلا يجوز إذا حصل إفشاء عن إهمال أو عدم احتياط وبمجرد الإفشاء مع العلم بموضوعه كاف لتوافر القصد الجنائي، فلا يشترط القانون هنا نية خاصة أو نية الإضرار بالغير ذلك أن الفعل في حد ذاته من الأفعال الشائنة التي لا تحتاج إلى قصد خاص يؤديها.

– ويقوم القصد في هذه الجريمة على عنصريه العلم والإرادة، فيتعين أن يعلم المتهم بان للواقعة صفة السر و أن لهذا السر الطابع المهني وأن يعلم أن له المهنة التي تجعل منه مستودعا للأسرار. وأن يعلم إن المجني عليه غير راض بإفشاء السر وإذا اعتقد المتهم أنه ليست للسر صلة بمهنته، أو جعل مهنته كما لو كان الموظف لم يخطر بعد بقرار تعيين في المنصب الذي يلتزم شاغله بكتمان السر الوظيفي الذي يعلم به، أو اعتقد أن المجني عليه راض بإفشاء السر إلى شخص معين. ويتعين أن تتجه إرادة المتهم إلى فعل الإفشاء و إلى النتيجة التي تترتب عليه وهي علم الغير بالواقعة التي لها صفة السر، وبتعبير آخر فإنه يتعين أن تتجه إرادة المتهم إلى الفعل الذي يمكن به الغير من أن يعلم بالواقعة وأن تتجه كذلك إلى توفير هذا العلم لديه.

العقوبة المقررة لعقوبة إفشاء الأسرار
– طبقا للمادة 301 / قانون 82/04 المؤرخ في 13/02/1982 التي تنص على ما يلي:
” يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبغرامة من 500 إلى 5000 دج الأطباء والجراحون و الصيادلة والقابلات وجميع المؤتمنين بحكم الواقع أو المهنة أو الوظيفة الدائمة أو المؤقتة على أسرار أدلى بها إليهم وأفشوها في غير الحالات التي يوجب عليهم فيها القانون إفشاءها ويصرح لهم بذلك.
ومع ذلك فلا يعاقب الأشخاص المبينون أعلاه رغم التزامهم بالإبلاغ عن حالات الإجهاض التي تصل إلى علمهم بمناسبة ممارسة مهنتهم، بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرة السابقة إذا أبلغوا بها فإذا رفع دعوى للمثول أمام القضاء في قضية إجهاض يجب عليهم الإدلاء بشهادتهم دون التقيد بالسر المهني “

– المادة 302 من نفس القانون:
” كل من يعمل بأية صفة كانت في مؤسسة وأدلى أو شرع في الإدلاء إلى أجانب أو إلى جزائريين يقيمون في بلاد أجنبية بأسرار المؤسسة التي يعمل فيها دون أن يكون مخولا له يعاقب من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة من 500 إلى 10.000 دج، وإذا أدلى بهذه الأسرار إلى جزائريين يقيمون في الجزائر فتكون العقوبة الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين وبغرامة من 500 إلى 1500 دج ”
– ويجب الحكم بالحد الأقصى المنصوص عليه في الفقرتين السابقتين إذا تعلقت الأسرار بصناعة أسلحة أو ذخائر حربية مملوكة للدولة.
– وفي جميع الحالات يجوز الحكم علاوة على ذلك الجاني بالحرمان من حق أو أكثر من الحقوق الواردة في المادة 14 من هذا القانون لمدة سنة

الإستثناء :
لا تقوم الجريمة : إذا حصل الإفشاء عن إهمال وعدم الاحتياط .
مثال: الطبيب الذي يترك ملفا عن سهو وتم الإطلاع عليه .
مثال : المحامي الذي يترك ملفا عن سهو واطلع عليه الغير.

وهذا عبرت عنه المادة :303 بعبارة : سوء نية

إباحة إفشاء الأسرار:
أجاز القانون على إفشاء الأسرار في الحالات التالية :
حيث اعتبرها واجبا وحقا على الشخص، ولا تعد جريمة على الإطلاق.
1) – إذا تعلق الأمر بأعمال الخبرة أمام المحاكم والجهات القضائية.
2) – المحامي الذي يفشي السر عن موكله في حالة ما إذا علم بأنه يخطط لارتكاب. جريمة، وعليه أن يبلغ السلطات وإلا كان عدم التبليغ والتستر وراء المجرمين.
3) – الأطباء والقابلات بالتبليغ عن حالات الولادة والوفيات والأمراض المعدية.
4)- رضا صاحب السر بإفشائه أو إذاعته كأن يشترط أن يكون هذا الإفشاء أو التصريح صحيحا صادرا عن وعي و إدراك سليم من أي عيب يبطل الرضــا سواء بالكتابة أو القول أو الإشارة.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.