الإكراه المعنوي على الموظفين
القاضي عامر حسن شنته
يعرف الإكراه المعنوي بأنه “ضغط أو تهديد يوجه إلى شخص، يخلق فيه حالة نفسية من الخوف والفزع. فيقدم على ارتكاب جريمة ليدفع عن نفسه خطر هذا الضغط أو التهديد”. وقد تكلم المشرع العراقي عن الإكراه في قانون العقوبات. إذ نصت المادة (62) منه، على الإكراه بوصفه مانعاً من موانع المسؤولية الجزائية، تنتفي معه المسؤولية الجزائية للمكرَه، بقولها “لا يسأل جزائياً من أكرهته على ارتكاب الجريمة قوة مادية أو معنوية لم يستطع دفعها”، وقد حدد الفقه الجنائي شرطين لتحقق الإكراه المعنوي، وهما عدم استطاعة دفع القوة المعنوية، وأن تكون تلك القوة غير متوقعة.
وفي نطاق الوظيفة العامة يحدث كثيراً، أن يقوم الرؤساء بتوجيه أوامر مخالفة للقانون إلى مرؤوسيهم، تمثل إذا ماتم تنفيذها جرائم يعاقب عليها القانون. وإذا كان قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام (رقم 19 لسنة 1991 المعدل) قد حدد في المادة (4/ثالثاً) منه، كيفية تعامل الموظف مع الأمر المخالف للقانون، بأن يبين كتابة وجه المخالفة ولا يلتزم بتنفيذها إلا إذا أكدها الرئيس وعندئذ يكون الرئيس هو المسؤول عنها، فأن واقع الأمر يكشف لنا خلاف ذلك. إذ أن سطوة الرئيس في دائرته،وخوف الموظفين من تعسف الإدارة تجاههم يمنعهم من التصريح كتابة بمخالفة أوامر الرئيس لأحكام القانون.
وكثير من الرؤساء لا يقبل أن يبين الموظف كتابةً وجه المخالفة في أوامره. وقد تطال ذلك الموظف عقوبات مقنعة،تظهر في صورة نقل أو تجريد من موقع إداري تحت غطاء (مقتضيات المصلحة العامة). إن إرادة الموظف المكرَه على تنفيذ الأوامر المخالفة للقانون هي إرادة غير حرة (إرادة معتلة) تتشكل في أجواء مشحونة بالخوف، وعدم الثقة بالضمانات التي وضعتها القوانين لحمايته من تعسف الإدارة أو تهديد الغير. وتتنوع صور الإكراه المعنوي على الموظفين بتعدد الجهات التي تفرضها، فتارة تكون من الرؤساء وتتمثل بالتهديد بالنقل إلى أماكن نائية، أو التجريد من المنصب الإداري، أو تأخير العلاوة والترفيع، أو فرض العقوبات الانضباطية وغير ذلك كثير. وتكون تارة أخرى من قبل جهات خارج الوسط الوظيفي، كأن يلجأ المقاول إلى تهديد المهندس المقيم، بالقتل أو خطف أحد أبنائه إذا لم يؤيد بأن المشروع قد نفذ على وفق المواصفات، خلافا للحقيقة. أو كأن يُهدد فاحص المختبر بالقتل إذا لم يؤيد بأن البضاعة المجهزة للدولة كانت على وفق المواصفات. خلافا للحقيقة وغير ذلك كثير.
ولأجل تحرير إرادة الموظف من تلك القيود التي تكبلها، لابد من تفعيل الضمانات التي منحها القانون له وان تراعي كافة الجهات الإدارية والقضائية تلك الضمانات عند نظرها فيما ينسب إلى الموظف، بعد التحقق من توفر شروط الإكراه. وأهم تلك الضمانات هي انتفاء (المسؤولية الجزائية) عنه، أو اعتبار ذلك سبباً من (أسباب الإباحة) على وفق الشروط المنصوص عليها في المادة (40) من قانون العقوبات. وفرض العقوبات الصارمة بحق كل من يهدد موظفاً أو مكلفاً بخدمة عامة، على وفق الأحكام المنصوص عليها في المواد (229-232) من قانون العقوبات، والقرارات التشريعية المتعلقة بهذا الموضوع.وأن تأخذ محاكم (قضاء الموظفين) دورها في إلغاء العقوبات (المقنعة) بحق الموظفين، إذا ماتأيد لها عدم وجود مسوغ قانوني لفرضها. وقبل ذلك كله ينبغي إصلاح (بيئة العمل الإداري)، وإشاعة أجواء الثقة بين أوساط الموظفين بكفاية الضمانات التي وضعها القانون لحمايتهم عند أداء أعمالهم على الوجه القانوني السليم.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً