جريمة الاحتيال من خلال تعديل قانون العقوبات السوري

جرم الاحتيال في ضوء تعديل قانون العقوبات-سوريا

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

جرم الاحتيال في ضوء التعديل الوارد بأحكام المرسوم رقم 1 لعام 2011 القاضي بتعديل قانون العقوبات السوري
بحث من اعداد المحامي محمد باسم عازي

نصت المادة 17 من المرسوم التشريعي رقم 1 لعام 2011 على مايلي:_
تلغى المادة (641)، ويستعاض عنها بالنص التالي:
1-كل من حمل الغير على تسليمه مالاً منقولاًُ أو غير منقول أو أسناداً تتضمن تعهداً أو إبراء فاستولى عليها احتيالاً،
إما باستعمال الدسائس
أو بتلفيق أكذوبة أيدها شخص ثالث ولو عن حسن نية
أو بظرف مهد له المجرم أو ظرف استفاد منه.
أو بتصرفه بأموال منقولة أو غير منقولة وهو يعلم أن ليس له صفة للتصرف بها.
أو باستعماله اسماً مستعاراً أو صفة كاذبة.

عوقب بالحبس من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات وبالغرامة من عشرة آلاف ليرة إلى خمسين ألف ليرة، ولا يستفيد المحكوم من الأسباب المخففة التقديرية أو وقف التنفيذ أو وقف الحكم النافذ إلا في حالة إزالة الضرر.

2-يطبق العقاب نفسه في محاولة ارتكاب هذا الجرم.
في الحقيقة يتميز الاحتيال من الوجهة الاجتماعية بأنه يفترض تعقداً نسبياً في المعاملات وتقدماً في الأساليب الجرمية، فهو يقوم على استغلال ثغرات في نظام المعاملات مرجعها إلى ما دخل عليه من عوامل التعقيد، ويفترض في مرتكبيه قدراً من الذكاء والبراعة في التلفيق واستغلال نقص الخبرة أو قصور الذكاء لدى المجنى عليهم و بل وحتى احيانا يكون الضحية من أصحاب الذكاء والخبرة ..لان ما يتميز به المحتالون عادة من خيال خصيب بارع يتيح تجدداً وابتكاراً مستمرين للظروف الملائمة لتأييد نوع معين من الأكاذيب.. فالمحتال يوظف كل قدراته وبراعته الذهنية وذكائه المتميز للاعتداء على مال الغير والاستيلاء عليه .. عن طريق حمل المجني عليه على تسليمه ماله بنفسه .. أي أن نشاط المحتال الاجرامي المبذول بهدف تحقيق غايته بالاستيلاء على مال المجني عليه , يحمل الاخير على تصديقه و ايلائه ثقة كبيرة لتسليمه ماله بنفسه محققا النتيجة الجرمية الضارة به مع اعتقاده بأنه يحقق لنفسه مصلحة وفائدة ..
وهذا يجعل جرم الاحتيال من أشد الجرائم الواقعة على الاموال خطورة على المجتمع من حيث شخص الجاني وطبيعة الجرم و ظروفه المحيطة والاثار السلبية المترتبة على انتشاره والتي أدت لانعدام الثقة بين الناس بشكل عام ..مايؤدي لجمود التعاملات النافعة بين الناس بسبب انعدم الثقة بينهم ..
لذلك كان لابد من تعديل النص القديم المتعلق بهذا الجرم ورفع حد العقوبة بما يتناسب مع خطورة وفداحة الجرم من جهة .. وما يحققه الجاني من مكاسب واثراء على حساب المجني عليه من جهة اخرى وما ينتج عنه من اضرار مادية ومعنوية لاحقة بالمجني عليه بشكل خاص وبالمجتمع بشكل عام.
نعرض فيمايلي مايراه الفقه الجزائي حول تعريف جرم الاحتيال وبيان اركان وعناصر الجريمه، وبعد ذلك نجري مقارنة بسيطة مختصرة بين النص القديم والنص الجديد المعدل..

_ الاحتيال هو الاستيلاء على مال مملوك للغير بخداعه وجعله يقدم على تسليم ذلك المال.
ويعني هذا التعريف أن الاحتيال ينال بالاعتداء حق الملكية، سواء في ذلك الملكية المنقولة أو العقارية،(وبرأيي هذا يجعله أكثر خطورة من جرم السرقة الذي يقع فقط عل المنقولات).. ويتميز بالأسلوب الذي يتحقق عن طريقة هذا الاعتداء، ذلك أن المحتال يصدر عنه فعل خداع من نوع ما حدده القانون فيترتب عليه وقوع المجنى عليه في الغلط واقدامه على تصرف مالي أوحى به إليه المحتال وجعله يعتقد أنه في مصلحته أو في مصلحة غيره، ومن شأن هذا التصرف تسليم مال إلى المحتال الذي يستولي عليه بنية تملكه.

ويمر الاحتيال بالخطوات التالية: فعل الخداع.. وقوع المجنى عليه في الغلط ثم اتيانه تصرفاً مالياً من شأنه تسليم مال إلى المحتال. ويفترض الاحتيال ارتباط كل خطوة بالخطوة السابقة عليها بصلة السببية. ففعل الخداع هو الذي أدى إلى الوقوع في الغلط، والتصرف المالي كان تحت تأثير الغلط، والتسليم هو نتيجة لذلك التصرف.

ومن استقراء نص المادة 641 من قانون العقوبات نجد بأن هذا النص تضمن بياناً لأركان الاحتيال. وحرص بصفة خاصة على تحديد وسائل الخداع، وهو تحديد ورد على سبيل الحصر، وعلى بيان الأموال التي يقع الاحتيال عليها ثم أشار إلى عقوبته، وهي عقوبة توقع على الشروع فيه كذلك.
الركن المادي للاحتيال، ويضم ثلاثة عناصر هي: فعل الخداع وتسليم المال، وصلة السببية بينهما.

العنصر الأول ـ فعل الخداع: وهو تشويه للحقيقة في شأن واقعة يترتب عليه الوقوع في الغلط.. ويعني ذلك أن جوهر الخداع أنه كذب، وموضوع هذا الكذب واقعة، ويترتب عليه خلق الاضطراب في عقيدة شخص وتفكيره يجعله يعتقد غير الحقيقة. والخداع باعتباره جوهر الفعل الجرمي في الاحتيال يجب أن تتوافر له هذه العناصر جميعاً.

فيتعين أن ينطوي سلوك المدعى عليه ـ سواء أكان قولاً شفوياً أم كتابة ـ على كل هذه العناصر. ومؤدى ذلك أنه إذا كان ما يصدر عنه مطابقاً للحقيقة فلا يقوم بسلوكه خداع: فمن ذكر لشخص يسكن في مكان ناء عن العمران أن بيته مهدد بهجمات اللصوص ـ وكان ذلك صحيحاً ـ وحصل منه على مال نظير قيامه بحراسته فلا يعتبر فعله خداعاً، ومن ثم لا يقوم به احتيال. وكل صور تشويه الحقيقة سواء، فلا فرق بين ادعاء وجود واقعة في حين أنه لا وجود لها وإنكار وجود واقعة موجودة وادخال التزييف على عناصر أو صفات أو ظروف واقعة موجودة. ويعني ذلك أنه لا فرق بين كذب كلي وكذب جزئي، فكل كتابة أو قول غير صحيح في جميع تفاصيله يعتبر كاذباً، وإن كان الكذب مقتصراً على الموضع الذي تعلق به تشويه الحقيقة.

ويتعين أن ينصب الكذب على واقعة. ويراد بالواقعة حادثة أو حالة تنتمي الى الماضي أو الحاضر. ويتضح بذلك أن الكذب وصف يخلع على السلوك المتعلق بالواقعة ولا يخلع على الواقعة في ذاتها، إذ الواقعة باعتبارها وجوداً موضوعياً لا يتصور إلا أن تكون في ذاتها حقيقة. ويتعين أن تكون الواقعة ماضية أو حالة، أما الواقعة المستقبلة فلا يتصور في المنطق أن تكون موضوعاً لكذب. وسواء أن تكون الواقعة مادية، أي خارجية بالنسبة لشخص الخادع أو أن تكون نفسية داخلية.
ويترتب على الكذب نشوء عقيدة وهمية لدى من أدلى به إليه وتعني العقيدة الوهمية الاقتناع بصحة الكذب، أو في تعبير آخر الوقوع في الغلط، فالمجنى عليه قد بات يعتقد أن الكذب الذي أدلى به إليه هو مطابق للحقيقة. ومن ثم كان من السائغ تعريف الخداع بأثره بأنه «نشاط متجه إلى ايقاع شخص في الغلط فيترتب عليه ذلك». والغرض أن تدفع العقيدة الوهمية من اقتنع بها إلى تصرف يعتقد تحت تأثير هذه العقيدة أنه في مصلحته في حين أنه ضار به، أو على الأقل هو تصرف لم تكن ارادته الصحيحة تتجه إليه في ضوء تقديره الصحيح لمصلحته.

وقد حدد الشارع وسائل الخداع التي يقوم بها الاحتيال على سبيل الحصر، ويبدو من ظاهر نص المادة 641 من قانون العقوبات أن هذه الوسائل خمس:
1ـ استعمال الدسائس.

2 ـ تلفيق أكذوبة أيدها شخص ثالث ولو عن حسن نية.

3 ـ تلفيق أكذوبة أيدها المحتال بظرف مهد له أو ظرف استفاد منه.

4 ـ تصرف المحتال بأموال منقولة أو غير منقولة وهو يعلم أن ليس له صفة للتصرف بها.

5 ـ استعماله اسماً مستعارً أو صفة غير صحيحة.
وعلة حصر وسائل الخداع هي الحرص على أن يكون مجال جريمة الاحتيال محدوداً فلا تدخل فيه سوا أفعال الخداع التي قدر الشارع أنها تمثل من الخطورة على الملكية والثقة العامة في المعاملات ما يقتضي اسباغ الصفة الجرمية عليها. ويترتب على حصر الشارع وسائل الخداع التزام قاضي الأساس إذا أدان المدعى عليه بالاحتيال أن يثبت في حكمه دخول النشاط موضوع الادعاء في نطاق الوسائل المنصوص عليها.
وقد تطلب الشارع أن يتخذ نشاط المدعى عليه صورة احدى وسائل الخداع التي نص عليها، ومن ثم لا يشترط أن تجتمع هذه الوسائل، بل لا يشترط أن تجتمع وسيلتان.فيكفي أن تتحقق صورة واحدة من الوسائل الخمسة المحددة بالنص.
ـ واستعمال الدسائس هي أكاذيب مدعمة بعناصر خارجية.. ويعني ذلك أن الدسائس تقوم على عنصرين: الكذب والعناصر الخارجية التي تدعمه. فالكذب هو جوهر الدسائس، ذلك أنها أسلوب للخداع، واتجاهها هو إلى ايقاع شخص في الغلط، وهو ما لا يتصور إلا إذا قامت على كذب. أما العناصر الخارجية التي تدعم الكذب فهي المواطن التي يستمد منها المحتال الأدلة على صحة ما يدلى به من أكاذيب، فهي وسائله في اقناع المجنى عليه وايقاعه في الغلط وحمله تبعاً لذلك على التصرف الذي يريده.
ـ تدخل شخص ثالث وهذا التدخل للشخص الثالث كافياً لتكوين الدسائس.. وذلك لأن الشخص الثالث يبدو في نظر المجنى عليه أنه غير ذي مصلحة، فهو شخص محايد، بل أنه قد يبدو كأن الذي حركه إلى التدخل هو الرغبة في الخير أو في تحقيق مصلحة المجنى عليه خاصة، ولذلك فإنه إذا تدخل مؤيداً أكاذيب المحتال فهو يضفي عليها حجية تجعلها مقنعة للمجنى عليه ـ بل ولكل شخص عادي في مثل ظروفه ـ فإذا خدع بها فهو حصرا يقطع بخطورة لا شك فيها تجعله جديراً بالعقاب.

ويشترط لاعتبار تدخل الشخص الثالث كافياً لتكوين الدسائس ما يلي: يتعين أن يضفي المتدخل على الأكاذيب ثقة لم تكن تحملها، ومن ناحية ثانية يتعين أن يكون مرجع التدخل إلى سعي المحتال.

كما أنه إذا تدخل الشخص الثالث يتعين عليه أن يضيف جديداً إلى الأكاذيب، سواء أكان ذلك حجة تدعمها أم واقعة تماثل تلك التي تتعلق بها الأكاذيب وتحقق في شأنها ما يدعيه المحتال. وينتفي هذا الشرط إذا لم يزد الشخص الثالث عن أن ردد ادعاء المحتال دون أن يضيف إليه شيئاً أو دون أن يضيف شيئاً يزيد من حجيته ولو كان ذلك في أسلوب آخر أو لغة أخرى.

وتطبيقاً لذلك فإنه إذا كان الشخص الثالث رسولاً للمدعى عليه اقتصر دوره على تبليغ أقواله كما ذكرها له أو كان نائباً عن المجنى عليه استمع إلى الأكاذيب ثم نقلها كما سمعها فإن الدسائس لا تتحقق بذلك. ولكن إذا أضاف الرسول أو النائب شيئاً من عنده تدعيماً للأكاذيب، سواء أكان متورطاً مع المحتال أو كان هو نفسه مخدوعاً بأقواله فإن الدسائس تكون متحققة..

ورى الشراح أنه يجب أن يكون المحتال هو الذي حمل الشخص الآخر على التدخل لتدعيم أكاذيبه أياً كانت الوسيلة أو الصورة لذلك الحال، ويستوي أن يكون المحتال قد تواطأ معه على التدخل بعد أن كشف له مشروعه الجرمي أو أن يكون قد خدعه واستعمله أداة لخداع المجنى عليه. وينتفي هذا الشرط إذا تدخل الشخص الثالث من تلقاء نفسه فأيد أكاذيب المحتال، ولو كان هذا التأييد هو الذي خدع المجنى عليه وحمله على تسليم ماله، ذلك أن المحتال لا يتحمل وزر نشاط لم يكن له به شأن، وحينما يصرف النظر ـ بالنسبة للمحتال ـ عن ذلك التدخل، فإنه لا يتبقى سوى الكذب المجرد، وهو في ذاته غير كاف لقيام الاحتيال.

وإذا توافر الشرطان السابقان تحققت الدسائس بتدخل الشخص الثالث أياً كانت صورته.. فقد يتخذ التدخل صورة القول الشفوي كأن يحضر ذلك الشخص أثناء حديث المحتال إلى المجنى عليه أو عقباً له فيؤيد ما قاله. وقد يتخذ صورة الكتابة كأن يبعث إلى المجنى عليه برسالة مخطوطة، أو مطبوعة يؤيد فيها ما ذكره المحتال. بل يجوز أن يتخذ التدخل صورة مجرد الحضور. كأن يشير المحتال أثناء ادلائه بأقواله إلى شخص يقف قريباً ويزعم أنه قد وثق به أو قبل بالتعاون معه فيما يدعو إليه. ويجوز أن يكون الشخص الثالث وهمياً، كأن يقدم المحتال شهادة من شخص لا وجود له يؤكد القدرة التي يدعيها على شفاء الأمراض أو الرجم بالغيب.
وسواء أن تكون نية المتدخل حسنة فيؤيد أكاذيب المحتال لأنه مخدوع بها أو أن يكون سيء النية يعاون المحتال في سعيه إلى خداع المجنى عليه. ولابد من الاشارة هنا الى حقيقة قانونية هامة: هي أن تعدد المدعى عليهم بالاحتيال قرينة قاطعة على تحقق الدسائس ولو لم يصدر عن كل منهم غير أكاذيب أيد بها بعضهم البعض، إذ التأييد المتبادل يجعل من نشاط كل مدعى عليه في ذاته دسيسة.

ـ الظرف: ويراد به.. شيء أو واقعة يستخلص منه الدليل على صحة الأكاذيب التي يدلي بها المحتال، وفي تعبير آخر يراد بالظرف كل ما له وجود سواء أكان له كيان مادي ملموس أم كانت له طبيعة معنوية، وسواء أكان بسيط التكوين أم كان مركباً.. والشرط الأساسي لصلاحية الاستعانة بالظرف لتكوين الدسائس وهو أن يكون سلوك المحتال حين يشير إليه ويستمد منه الدليل على صحة أكاذيبه مستقلاً عن سلوكه حين أدلى بهذه الأكاذيب.

ويتعين أن يتوافر شرط آخر لتكوين الدسائس عن طريق الاستعانة بالظرف: هو أن تكون ثمة صلة ـ مادية أو ذهنية ـ بين الظرف وبين الواقعة موضوع الكذب بحيث يمكن أن يستخلص من الظرف الدليل الذي يدعم الكذب ويضفي عليه ثقة لم تكن تتوافر له في ذاته. وتقدير هذا الشرط من شأن قاضي الأساس: فهو يقدر توافر هذه الصلة ومدى كفايتها للاقناع بصحة الكذب.

ويكفي لتحقق الدسائس أن يدعم المحتال أكاذيبه عن طريق ظرف في المدلول السابق، أي أن يكون الظرف موجوداً وقت ادلائه بأكاذيبه، وغير ذي أهمية بعد ذلك أن يكون الظرف من صنع المحتال نفسه الذي خلقه لكي يستعين به في تدعيم أكاذيبه أو أن يكون موجوداً من قبل ومن صنع غير المحتال فيلتجىء إليه ويربط ما بينه وبين أكاذيبه لكي يدعمها به، ففي الحالين لم يقتصر نشاط المحتال على كذب مجرد، وإنما كان الكذب مدعماً بالمظهر الخارجي المؤيد له. وقد حرص الشارع على تأكيد هذه المساواة، فلم يفرق بين استعانة المحتال «بظرف مهد له» واستعانته «بظرف استفاد منه». ومثال الحالة الأولى أن ينشىء المحتال الصك المزور ليدعم به أكاذيبه، ومثال الحالة الثانية أن يقف على مقربة من سوق خيرية أو من مكان نزلت به كارثة طبيعية كفيضان ويطلب تبرعات موهماً المجنى عليهم أنه يجمعها لحساب هذه السوق أو لحساب المنكوبين بهذه الكارثة.

والجدير بالذكر بأن الظروف التي تقوم الدسائس بالاستعانة بها عديدة ومتنوعة، وتكاد لا تقبل حصراً،.
ـ التصرف بأموال منقولة أو غير منقولة: تفترض هذه الوسيلة اجراء المحتال تصرفاً بمال ليس له صفة للتصرف به وحمله بذلك المتصرف إليه (وهو المجنى عليه بهذا الاحتيال) على تسليمه مالاً نظير الحق الذي يوهمه المحتال أنه قد انتقل إليه بهذا التصرف. ويتحقق الخداع بهذه الوسيلة باعتبار أن تصرف المحتال في ذلك المال ينطوي ضمناً على ادعاء أن له صفة للتصرف به، وهذا الادعاء غير صحيح، ويقع المجنى عليه بذلك في الغلط، إذ يعتقد أن المحتال له صفة التصرف بذلك المال، وله صفة في أن ينقل إليه حقاً عليه، وهذا الغلط هو الذي يحمله على تسليم ماله إليه. وعند المقارنة بين هذه الوسيلة والوسيلة السابقة (وهي استعمال الدسائس) نلاحظ أنها تقوم مثلها على الكذب ويترتب عليها الغلط الدافع إلى التسليم، ولكنها تختلف عنها في أن الكذب ضمني مستفاد من سلوك معين، ثم أن الشارع يكتفي به فلا يتطلب أن يصدر إلى جانبه سلوك آخر يدعمه.
وقد عبر الشارع عن هذه الوسيلة بقوله إن المحتال قد تصرف بالأموال، وهو يعلم أن ليس له صفة للتصرف بها»، والحقيقة أن تطلب العلم بانتفاء الصفة بالتصرف لا يدخل في تكوين هذه الوسيلة التي تعتبر أحد عناصر الركن المادي للاحتيال الذي يقوم وفقاً للقواعد العامة على عناصر موضوعية لا يتصور أن يكون العلم من بينها، وإنما الأصح اعتبار هذه الوسيلة متحققة حين يتصرف المحتال في مال ليس له صفة للتصرف به، أما علمه بانتفاء هذه الصفة فيدخل في تكوي القصد باعتباره الركن المعنوي للاحتيال.

عناصر الوسيلة: تقوم هذه الوسيلة على عنصرين: التصرف بأموال منقولة أو غير منقولة، وانتفاء الصفة في التصرف بها.
وأخيراً لابد من الاشارة بأنه ليس بشرط أن يكون من شأن المتصرف نقل حق الملكية، وإنما يجوز أن يتعلق بحق عيني آخر كالانتفاع أو الارتفاق أو الرهن، وعلى سبيل المثال فإنه يعتبر من قبيل التصرف بالمال الاتفاق الذي ينزل به المحتال عن حق ارتفاق مقرر لعقار الغير نظير مبلغ من النقود يتقاضاه ممن تنازل له عن ذلك الحق، والاتفاق الذي ينشىء به المحتال حق ارتفاق على عقار الغير لمصلحة العقار الذي يسلكه المجنى عليه نظير مال يتقاضاه منه.
ونتيجة لذلك فإنه لا يعتبر تصرفاً ذلك العمل القانوني الذي لا يتعلق بحق عيني على مال الغير، وإنما يقتصر على انشاء موجبات موضوعها مال الغير. فإذا أجر شخص آخر مالاً مملوكاً للغير نظير نقود دفعها إليه فلا تقوم جريمة الاحتيال بهذه الوسيلة، إذ ليس ثمة تصرف بمال الغير.

وقد صرح الشارع بنص المادة 641 من قانون العقوبات..

بأنه سواء أن يكون المال موضوع التصرف منقولاً أو غير منقول، ولكن أهمية هذه الوسيلة تتضح بالنسبة لغير المنقول أكثر من اتضاحها بالنسبة للمنقول، ذلك أن العقار قد يحوزه غير مالكه ويمارس عليه من مظاهر السيطرة ما يظن به الناس أنه مالكه، فيكون من اليسير عليه أن يخدع المجنى عليه بادعاء أنه مالك هذا المال وتصرفه به، وبالاضافة إلى ذلك فإن مساءلة هذا الشخص باعتباره محتالاً قد تكون السبيل الوحيد إلى عقابه بالنظر إلى أن أغلب جرائم الاعتداء على الأمول لا تقع على العقارات. أما إذا كان موضوع التصرف منقولاً فالغالب فيمن يحوزه أن يكون مالكه، خاصة وأن في استطاعة الحائز حسن النية أن يحتج بقاعدة «الحيازة في المنقول سند الملكية»، وإذا كان الحائز سيء النية فهو في الغالب سارق للمنقول أو مسيء للأمانة في شأنه، ومن ثم فعقابه ممكن ولو لم يعتبر محالاً. ولكن ليس معنى ذلك أن تطبيق هذه الوسيلة على المنقولات متجرد من الأهمية، فثمة حالات يكون عقاب الاحتيال هو الوحيد الذي يمكن توقيعه على المتصرف بالمنقول المملوك لغيره، وأبرز هذه الحالات أن يكون المحتال غير حائز لذلك المنقول، كما لو زعم أن سيارة الغير المودعة في كراج عام هي ملك له وعرض على المجنى عليه أن يبيعها له فضل الاخير وسلمه جزءاً معجلاً من الثمن.
وتنتفي الصفة في التصرف إذا كان المدعى عليه غير مالك للمال، ولم يكن كذلك نائباً عن المالك. وسواء في ذلك ألا تكون هذه الصفة قد توافرت له على الاطلاق في يوم ما أو أن تكون قد توافرت له ثم زالت عنه في الوقت الذي أجرى فيه التصرف، فيرتكب الاحتيال بهذه الوسيلة من كان مالكاً للمال ثم زالت عنه ملكيته بناء على سبب من أسباب انتقالها، وتصرف به بعد ذلك، ويرتكب هذه الجريمة كذلك من كان نائباً عن المالك ثم انقضت نيابته ـ كما لو كان وكيلاً ثم عزل ـ وتصرف بعد ذلك بالمال المملوك لموكله السابق. فإذا تصرف هذا الوكيل بالمال فهو يتصرف بمال ليست له صفة للتصرف به، ومن ثم يرتكب الاحتيال بهذه الوسيلة، ويبرز ذلك أن تصرفه انطوى على خداع، فهو يتضمن ادعاء صفة التصرف واستطاعة نقل الحق إلى المجنى عليه الذي وقع في الغلط باعتقاده صحة ذلك فسلم ماله نظير حق لن ينتقل إليه بهذا التصرف.

ـ استعمال اسم مستعار أو صفة كاذبة: يتحقق الخداع بهذه الوسيلة عن طريق صدور كذب عن المدعى عليه تعلق بموضوع معين هو اسمه أو صفته، فقد اتخذ لنفسه اسماً غير اسمه أو صفة غير صفته، فانخدع المجنى عليه بذلك، ووقع في الغلط وصار يعتقد أن للمدعى عليه ذلك الاسم أو الصفة التي انتحلها، وأقدم على تصرف مالي تحت تأثير هذا الغلط. والفرض في هذه الوسيلة أن الصفة أو الاسم المنتحل يرتبط به قدر من الثقة لا يتوافر للصفة أو الاسم الحقيقي، أو على الأقل يخفي سوء ظن مرتبط به.

ومن الواضح بأن الشارع اكتفى في شأن هذه الوسيلة بصدور الكذب المتعلق بالاسم أو الصفة، فلم يتطلب تدعيمه بسلوك مستقل عنه كما فعل بالنسبة للدسائس، ولم يتطلب استنتاجه ضمناً من سلوك آخر كما فعل بالنسبة للوسيلة الثانية للاحتيال. وعلة الاكتفاء بالكذب المجرد أن الانخداع به في العادة قريب الاحتمال، فالمستمع لشخص يقرر أن له اسماً أو صفة يصدقه في الغالب ولا يرد إلى فكره أنه يكذب في ذلك، وليس مما جرى به عرف المعاملات أن يطالبه بتقديم الدليل على صحة الاسم أو الصفة الذي يتخذه.
لذلك لا يكون ثمة تقصير ينسب إلى المجنى عليه حين يصدق ادعاء المدعى عليه، بالاضافة إلى ما ينطوي عليه هذا الادعاء المتعلق بأهم العناصر المميزة للشخصية من خطورة واضحة على الثقة العامة في المعاملات.

ولهذه الوسيلة عنصر وحيد: هو الكذب المحدد الموضوع.. وسواء أن يكون كذباً شفوياً أو مكتوباً. ويكفي أن يتخذ المدعى عليه لنفسه اسماً غير صحيح أو صفة غير صحيحة، فلا يشترط أن يتخذها معاً. ويتعين أن ينسب الاسم أو الصفة لنفسه، فلا يكفي أن ينسبه إلى غيره.

الصفة الكاذبة: الصفة خصيصة تحدد معالم الشخصية. وإذا كانت معالم الشخصية عديدة ومتنوعة، بل وغير قابلة للحصر، فإن الصفات التي يتصور أن يتعلق الكذب بها، ويقوم الاحتيال بادعائها هي بدورها غير قابلة للحصر. ولكن ثمة قاعدتين مستمدتين من طبيعة جريمة الاحتيال تحددان الصفات التي يقوم الاحتيال بالكذب المتعلق بها، وتستبعدان في الوقت ذاته صفات لا يصلح الكذب في شأنها ليقوم الاحتيال به، فمن ناحية يتعين أن تكون صفات تحدد القدر من الثقة المالية التي ترتبط بالشخصية، ومن ناحية ثانية يتعين أن تكون صفات جرى عرف المعاملات على التسليم بالادعاء بها دون المطالبة بتقديم دليل يثبت صحة هذا الادعاء. فالقاعدة الأولى يبررها وجوب أن يكون من شأن الغلط الذي وقع فيه المجنى عليه حمله على تصرف مالي، والقاعدة الثانية يبررها وجوب ألا يكون المجنى عليه مقصراً حين سلم بادعاء المحتال. وينبني على هاتين القاعدتين أن الصفة التي لا شأن لها بمقدار ما تتمتع به الشخصية من ثقة مالية، والصفات التي لا يسلم الناس بالادعاء بها ما لم يقدم الدليل المثبت لصحتها لا يصلح الكذب في شأنها لتقوم به جريمة الاحتيال.

وأهم هذه الصفات هو ما كان متعلقاً بالمركز العائلي: فادعاء المحتال علاقة قرابة أو مصاهرة بشخص هو محل لثقة المجنى عليه تقوم به جريمة الاحتيال.
ومن هذه الصفات كذلك ما يتعلق بالمهنة: فإذا ادعى شخص مهنة ليست له، كما لو ادعى أنه طبيب أو مهندس أو محام أو صحفي أو صيرفي أو تاجر أو رجل دين أو موظف عام أو ممثل شركة أو عامل وتوصل بذلك إلى الاستيلاء على مال فهو يرتكب جريمة احتيال.
– العنصر الثاني والثالث: النتيجة الجرمية: وهي تسليم المال. والعلاقة السببية بين فعل الخداع والنتيجة المتحققة..

كما ذكرنا ان فعل الخداع الذي يقوم به المدعى عليه بالوسائل المتقدمة الشرح تجعل المجني عليه يقتنع بقوله ويعتقد بصحته كما فصلنا أعلاه مما يقدم معه على تحقيق النتيجة الجرمية للمحتال وذلك بتسليمه ماله له وهذه النتيجة التي أرادها الشارع .. وتتمثل العلاقة السببية بالاقتناع بقول المحتال والاعتقاد بصحته الذي حمل المجني عليه على تسليمه المال ..

الركن المعنوي لجرم الاحتيال:
لايتصور أن يقع جرم الاحتيال الا قصدا فليس هناك جريمة احتيال غير مقصودة حيث ان المحتال الذي يستعمل براعته الذهنية وذكاءه في الكذب والخداع بطرق مبتكرة لايقاع المجني عليه بحبائله وتكوين عقيدته بصحة قوله وبالنتيجة جعل المجني عليه يقدم على التصرف الضار بمصلحته (تسليم المال الى المحتال) مع اعتقاده بأنه يحقق مصلحة ومنفعة لنفسه ،. فانه يهدف من ذلك كله الى الاستيلاء على هذا المال بقصد تملكه وممارسة كافة السلطات التي تكون للمالك على ملكه.. وهذا القصد ينطوي على ارادة ارتكاب الجرم وأيضا ارادة تحقيق النتيجة وهي تسليم المجني عليه ماله له وارادة الاستيلاء على هذا المال ومباشرة كافة السلطات عليه وهو يعلم بأن المال الذي يسعى للاستيلاء عليه هو ملك للمجني عليه وانه يستولي عليه احتيالا وبدون حق..
اضافة الى علم المحتال بأنه لولا فعل الخداع الذي قام به و الذي أدى لوقوع المجني عليه بالغلط لما قام الأخير بتسليمه ماله .
_ وأخيرا فأني ابين الفوارق التي ميزت النص الجديد للمادة 641 المعدل بالمرسوم رقم 1 لعام 2011 عن النص القديم:
في الحقيقة أن التعديل قد تناول العقوبة المقررة للجريمة فتم رفع حديها وتشديدها ويتجلى ذلك بلامرين التاليين:
أولا: أصبحت عقوبة الحبس من ثلاث الى خمسة سنوات .. والغرامة من عشرة الاف الى خمسين ألف ليرة ..بينما كانت في النص القديم الحبس من ثلاثة أشهر الى سنتين والغرامة من مائة الى خمسمائة ليرة ..

_ بالاضافة الى أن المشرع قد حرص على اجبار المحتال على رد المال المستولى عليه الى المجني عليه فقرر عدم أحقية الفاعل من الاستفادة من الاعذار المخففة التقديرية أو وقف التنفيذ أو وقف الحكم النافذ الا اذا أزال الضرر ..يترتب على ذلك أن القاضي لايستطيع ممارسة سلطته بمنح الاسباب المخففة التقديرية طالما أن الضرر اللاحق بالمجني عليه لازال قائما ، اذ يتوجب على الفاعل ازالة هذا الضرر وذلك باعادة مال المجني عليه لهذا الاخير حتى يمكن أن يستفيد من الاسباب المخففة التقديرية .. وكذلك لايمكن أن يجاب طلبه بالحكم مع وقف التنفيذ .. أو طلب وقف الحكم النافذ الا اذا أعاد المال المستولى عليه لمالكه..
وكان هذا ضروريا ليتوافق مع الغاية التي ارادها المشرع من رفع عقوبة هذا الجرم وهي ان تحقق العقوبة الردع اللازم لمنع وقوعه حيث أن هذه الجريمة قد انتشرت بشكل كبير في المجتمع في السنوات الاخيرة الماضية ..ولم تكن العقوبة المقررة في النص القديم رادعة كما ينبغي بالمقارنه مع حجم المكاسب التي يحصل عليها المحتالون التي تكون في كثير من الاحيان مبالغ طائلة أو عقار ذو قيمة مالية كبيرة فأصبح الكثير من الناس لايتوانون عن ارتكاب هذه الجريمة حتى باتت ( مهنة للكثير منهم) .

وهذا جعل أموال الناس مهددة من هؤلاء الذين ليس لديهم أي رادع ديني أو أخلاقي , وهذا سبب أضرار اجتماعيه كبيرة تمثلت بانعدام الثقة بين أفراد المجتمع ادت لجمود العلاقات الاقتصادية النافعة بينهم. اضافة للاضرار الكبيرة التي تلحق المجني عليه والمتمثله بخسارته ماله والذي يمكن أن يكون قد عمل بجهد وجد ودأب لسنوات كثيرة وطويلة حتى تمكن من جمعه , وهو لم يقم بتسليم هذه الثروه التي جمعها الى الجاني لثقته بأنه يحقق منفعة ومصلحة لنفسه .. ولم يعلم بأنه كان عليه حماية ماله من المحتال الجاني , فليس بأمكانه أن يتوقع ذلك ..في حين أنه كان يأخذ كامل الحيطة والحذر لحماية هذا المال من اللصوص السارقين .. من هنا تتضح مدى خطورة جريمة الاحتيال على أموال الافراد بشكل خاص وعلى المجتمع بشكل عام ..وما يفرض على المشرع أن يجعل العقوبة المقررة لها رادعة , وكفيلة برفع الضرر عن المجني عليه وهذا ما توخاه المشرع من النص الجديد والله الموفق.
بحث أعده المحامي محمد باسم غازي

Share

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.