جريمة الاغتصاب
المحامية / منال داود العكيدي
تكاد لا توجد دولة على الاطلاق خالية من حالات الاغتصاب سواء كان بين مختلفي الجنس ام متماثليه صغارا ام كباراً ومراهقين بل ان جريمة الاغتصاب في تزايد جنوني بخلاف بقية الجرائم حتى باتت من اكثر الجرائم تهديدا لاستقرار المجتمعات على اختلافها رغم ان ما يتم ابلاغ الجهات الرسمية به لا يتعدى حالة واحدة من بين عشرة حالات ولعل ان هذا هو السبب الرئيس في عدم القدرة على تحليل هذه الجريمة الخطيرة او فهم دوافعها او تحديد عدد ضحاياها حول العالم على وجه الدقة ..
وتشير الاحصاءات الضبابية التي تقوم بها منظمات حقوق الانسان او المنظمات التابعة للامم المتحدة ان جريمة الاغتصاب لا علاقة لها بالمحيط البيئي الذي يعيش فيه مرتكبها وهذا يفسر انتشارها في كل الدول حول العالم بل ان دوافعها داخلية كامنة في نفس المجرم لرغبة في اثبات قوته وسيطرته و اذلاله للنساء بل ان تقارير اخرى تشير الى ان مرتكبي هذه الجريمة غالبا لا يمارسونها للحصول على متعة جسدية و انما لعدائيتهم و ساديتهم فضلا عن ان هناك عوامل اخرى ساعدت على انتشار هذه الجريمة الى حد لا يمكن السيطرة عليه ومنها ان القوانين التي تتناول هذه الظاهرة هي في الغالب هزيلة ولا توازي الاثار الخطيرة التي تترتب على هذه الجريمة والتي لا يمكن حصرها لان اثارها تتعدى الضحية و اهلها والمجتمع الذي تعيش فيه ومن ناحية اخرى ان ضعف الدور الرقابي الذي تمارسه المؤسسات التربوية ساعد في انتشار الجريمة وعدم القدرة على تحجيمها الى جانب عامل مهم اخر هو انتشار التقنيات الحديثة في الاعلام والاتصال قد ساعد بصورة كبيرة على زيادة معدلات الجريمة بشكل لا يمكن السيطرة عليه فضلا عن العوامل الاخرى المتعلقة بالحروب والتهجير و الازمات الاقتصادية والبطالة .
وقد ظهرت اشكال كثيرة للاغتصاب في عدة بلدان منها الاغتصاب الجماعي حيث اعلنت الشرطة الماليزية انها اوقفت 13 شخصاً بتهمة الاغتصاب الجماعي لفتاة تبلغ من العمر 13 سنة فقط وتركوها في كوخ مهجور او ما حدث في محافظة الدقهلية في مصر عندما حاول ثلاثة شبان اغتصاب فتاة لا تتجاوز من العمر ثماني سنوات كاد ان يودي بحياتها … وهناك نوع اخر من الاغتصاب الذي يكون بين الاطفال تحت تهديد السلاح وهذا ما حدث في مدرسة داخلية في الهند حيث ذكرت الشرطة ان صاحب مدرسة داخلية ومديرتها اعتقلوا بسبب اجبار خمسة اطفال على مشاهدة افلام اباحية وتقليدها مع بعضهم البعض !!
وفي حالات اخرى يكون المغتصب هو زميل العمل او الدراسة وهذا ما وقع في ولاية اريزونا الامريكية حيث قام طالب في المرحلة الثانوية بالاعتداء جنسيا على 18 طالبة تقريبا وتهديدهن بالقتل وان اغلب تلك الفتيات لا تتعدى اعمارهن 13 سنة ، وهناك حالات اخرى تنتهي بجريمة قتل سواء للجاني ام المجني عليه فما زالت قضية كاثرين جونز ( 29 ) سنة حاضرة في الاذهان فقد قامت بقتل الجاني الذي اعتدى عليها وعلى شقيقها عندما كان عمرها 13 سنة فقط فضلا عن قتل والدها وصديقته اللذين كانا يعلمان بتلك الاعتداءات الا انهما لم يتخذا أي خطوة حيال ذلك ولم يسعيا للابلاغ عن الجاني او حتى محاولة ايقافه عن الاعتداء عليهما فانتهت تلك الاعتداءات بثلاث جرائم قتل اودع الشقيقان على اثرها السجن لمدة 18 عاما بتهمة القتل العمد من الدرجة الثانية دون أي محاكمة او سماع اقوال الشهود !!
وقد تبلغ هذه الجريمة اقصى درجات البشاعة في بعض الاحيان خصوصا اذا كان الجاني والمجنى عليه من عائلة واحدة وهذا ما حدث في بريطانيا حيث اعتقل طفل بالغ من العمر 13 عاما بتهمة اغتصاب شقيقته البالغة من العمر 9 سنوات لعدة مرات بين عامي 2008 و 2011 وبحسب مصادر رسمية ان الطفل اغتصب شقيقته اكثر من 50 مرة وهددها بالقتل ان اقدمت على اطلاع ذويها على الامر مما سبب لها اذى جسدياً ونفسياً في مكان كان ينبغي ان تكون امنة فيه وهو منزل عائلتها !! ان نظرة ملية على احصاءات منظمة الصحة العالمية في عام 2002 والتي تشير الى ان 150 مليون فتاة و 73 مليون صبي دون سن 18 سنة قد تعرضوا لحالات اغتصاب او اشكال اخرى من العنف الجنسي ، وان ثلث النساء في العالم وقعن ضحية للعنف الجنسي في كل دول العالم دون استثناء ولكن بدرجات متفاوتة بل ان دراسة اوربية اكدت على ان 9 ملايين سيدة اوربية تعرضت لا نتهاكات جنسية أي ما نسبته 33% من النساء الاوروبيات .
اقول ان نظرة متفحصة لتلك الارقام والنسب التي تتعلق بحجم جريمة الاغتصاب تجعلنا نعيد النظر بالتشريعات الجنائية التي تعاقب على هذه الجريمة ومدى جدواها في الحد من هذه الجريمة ومحاربتها لها حيث ان القوانين وفي بعض المجتمعات وخصوصا العربية تجعل المجرم يفلت من العقاب اذا ما اقدم على الزواج من ضحيته !!
و كأنه بذلك يكافئه على جريمته الشنعاء وفي بلدان اخرى تكون الضحية هي المذنبة لأنها تواجدت في المكان الخطأ بمفردها او انها خرجت في وقت غير مناسب او انها كانت تلبس ملابس غير محتشمة وحتى في البلدان التي ترصد عقوبة جسيمة للجاني نلاحظ ان نسب الجريمة ما زالت مرتفعة دون وضوح الاسباب التي تؤدي الى ذلك كون ان الحالات المبلغ عنها قليلة جدا قياسا الى حجم الجريمة الفعلي بسبب الخوف من التهديد او من النظرة الدونية من قبل المجتمع او خوفا على مركز مهني او اجتماعي!!
لقد كان القانون الدولي حازما في اعتبار هذه الجريمة واحدة من الجرائم ضد البشرية بل ان قوانين اخرى اقرت عقوبة الاعدام للجاني و انهاء حياته ولكن عقوبة الاعدام لن تعيد العرض المهتوك الى الفتاة ولن تلمع السمعة الملوثة لذوي الفتاة ولن تعالجها من انعدام ثقتها بالمجتمع و تقبلها من الاخرين ومعاملتها كفتاة طبيعية بل ان شبح الجريمة والمعتدين سيظل يطاردها طوال حياتها ؟؟
لقد كان الاسلاف يعاقبون المغتصب بعقوبات صارمة ليس من بينها انهاء حياته لان ذلك لن يمسح عن الضحية اوجاعها التي تعانيها في كل لحظة من لحظات حياتها لقد كانت عقوبة الاسلاف هي الاخصاء وهي عقوبة تجعل الجاني يشعر بمعاناة الفتاة التي انتهك شرفها وتجعله يشعر بالاذلال طوال حياته على ما ارتكبه بحق تلك الفتاة .. كما ان هناك احزابا سياسية تدرس امكانية تطبيق عقوبة الاخصاء الكيميائي على مرتكب جريمة الاغتصاب لما لها من طابع وحشي واثار تشمل جميع افراد المجتمع وليس الضحية فحسب فكان الجزاء الاوفى له ان يعاقب بتلك العقوبة.
اترك تعليقاً