جريمة الرشوة في المعملات الرياضية في تونس
الأستاذ شفيق الأخضر
موضوع هام آخرأصبح حديث الخاص والعام باعتباره شغل كافة الرياضيين في تونس انه موضوع الارشاء والارتشاء أي «الرشوة» أو ما يعرف عند الجماهير الرياضية ب«البيع والشراء» للمقابلات الرياضية أو التلاعب بالنتائج الرياضية.
لقد اندلعت الشرارة الأولى إثر ما يعرف «بقضية وليد خليفة حارس النجم الخلادي» بعد مقابلة فريقه مع الشبيبة الرياضية القيروانية وقبوله لهدفين مشكوك في أمرهما ثم تمادت في التشكيك والاتهام الى مدرب جمعية أريانة شكري الخطوي وتعالت الاصوات كذلك اثر انتهاء مقابلة النجم الخلادي ومستقبلالقصرين حين اتهم اللاعب محمد القيزاني عدة فرق أخرى منافسة لفريق مستقبل القصرين على الصعود الى الرابطة المحترفة الاولى بشراء ذمم اللاعبين ورؤساء الجمعيات قصد التفريط في المقابلات الرياضية والتلاعب بالنتائج مما جعله عرضة لمجلس التأديب.
وفي الحقيقة والواقع فان ظاهرة البيع والشراء في المقابلات الرياضية او ما يعرف بالتلاعب بنتائج تلك المقابلات هو ظاهرة عامة وغير خاصة بالرياضة التونسية وقد سبق في هذا المجال لرئيس النادي الرياضي البنزرتي ان اتهم الحكم عادل زهمول بالرشوة وقد تمت معالجة الامر بالتراضي والمصالحة بين الطرفين دون ان يأخذ الامر مجرى قضائيا صرفا، وقد اتينا على ذلك الموضوع في ابانه (انظر مقالنا المنشور بجريدة الصباح بتاريخ 20/12/2005 تحت عنوان «ماذا يقول القانون في «تفاعلات الرشوة التي اتهم بها رئيس النادي البنرزتي احمد القروي الحكم عادل زهمول) ثم اعطينا رأينا القانوني آنذاك في الوضوع من خلال مقالنا المنشور كذلك بجريدة الصباح الغراء بتاريخ 23/04/2006 تحت عنوان «حيثيات قانونية حول بعض المفاهيم والمصطلحات المتصلة بقضية الرشوة المرفوعة ضد عضو من نسر طبلبة».
وعودتنا اليوم لنفس الموضوع سببها اتصال العديد من القراء ومشاهدي الحصص التلفزية متسائلين عن رأي القانون في هذه المعضلة التي اصبحت تهدد الرياضة التونسية وبالخصوص كرة القدم خاصة وقد ابلغنا البعض انهم استمعوا الى الصحفي المنصف بن سعيد خلال حصة «بالمكشوف» الاخيرة وهو يتحدث عن هذه الظاهرة المخيفة التي تهدد الرياضة معتبرا ان تمكين بعض الفرق او رؤساءها بعض الفرق الاخرى او لاعبيها من اموال او عطايا وهدايا قصد الاستبسال وتحقيق نتيجة ايجابية في المباراة لا يدخل في اطار البيع ولاشراء وان ذلك لا يمثل «رشوة» وقد تدخل احد الحكام اثناء بث البرنامج المذكور مناصرا هذا الرأي ومعتبرا ان الاتحاد الدولي لكرة القدم يشجع رؤساء الاندية على تمكين بعض الاندية الاخرى من الاموال قصد اللعب وتحقيق نتائج ايجابية خاصة اذا كانت هذه النتائج تعود على تلك الفرق بالفائدة وتمنحها سواء الفوز بالكأس او بالبطولة او تمنعها من السقوط الى درجة اسفل، والرأي عندي وعند شراح القانون ان هذا الاتجاه مخالف للواقع والقانون بل ان من يتجرأ على مثل هذه الافعال يكون عرضة للتتبعات الجزائية طبق القانون الجاري به العمل وبالتالي فمن هذا المنبر نحذر كل من تسول له نفسه اتباع مثل هذه الافعال والاعمال لان ذلك يعتبر «رشوة» طبق القانون الجنائي التونسي.
ولقد نص المشرّع التونسي على جريمة «الرشوة» بالقسم الثاني من المجلة الجنائية المضمن تحت عنوان «في الارشاء والارتشاء» وتطرق في الفصول 83 و84 و85 و87 مكرر و89 و90 و91 و92 و93 و94.
وفي المجال الرياضي نص الفصل 55 من القانون عدد 104 لسنة 1994 مؤرخ في 03 أوت 1994 المتعلق بتنظيم وتطوير التربية البدنية والانشطة الرياضية على ما يلي بيانه:
«كل مسير او مدرب او لاعب او حكم يقبل لنفسه او لغيره مباشرة او بواسطة الغير وعودا او عطايا او هدايا قصد التلاعب بنتيجة مباراة يعاقب بالسجن من عام الى ثلاثة اعوام وبخطية قدرها ضعف قيمة ما وعد به او الاشياء التي قبلها وينسحب العقاب على الراشي والوسيط».
ويقضي الفصل 56 من نفس القانون بما يلي: «يقصى مدى الحياة عن كل نشاط رياضي كل شخص تثبت ادانته وفقا لمقتضيات الفصل 55 من هذا القانون».
وبمراجعة النصوص القانونية المضمنة بالمجلة الجنائية وبالقانون الخاص المذكور يمكن تعريف الرشوة وانها عبارة: «عن اتفاق يقع بين شخصين كما حققه اغلب فقهاء القانون يعرض فيه احدهما على الآخر جعلا او فائدة ما فيقبلها لاداء عمل او الامتناع عنه يدخل في (وظيفته او مأمور به وبعبارة اوضح فهي في الاصل اتجار (بالوظيفة العمومية) او ما شالكلها».
وبناء على هذا التعريف فانه من المتجه قانونا ان يكون (الموظف العمومي) أو (المسير) أو (المدرب) أو (اللاعب) أو الحكم) قد انجز عملا (من اعمال وظيفته) وذلك بتقاضيه او قبوله او طلبه مقابلا نظير قيامه بعمل (من اعمال وظيفته) او امتناعه عنه.
وحيث يفترض الركن المادي للرشوة نشاطا يصدر عن المرتشي وينصرف الى موضوع معين.
وان جريمة الرشوة» هي جريمة عمدية يجب ان يتخذ ركنها المعنوي صورة القصد الجنائي ويجب ان يقوم هذا القصد على عنصر العلم والارادة وبالتالي يجب ان يعلم (الموظف العام) أو (المسير) أو (المدرب) أو اللاعب) أو (الحكم) بان المقابل الذي يقدم اليه انه نظير (العمل الوظيفي) وان تكون واضحة في نفسيته الصلة التامة بين المقابل والعمل فاذا انتفى العلم بذلك انتفى القصد.
ويجب كذلك أن يكون القبول والايجاب جديا وحقيقا، وفي هذا الشأن يقول القاضي الفاضل خالد المحجوبي في محاضرته «الرشوة في الشريعة والقانون» المنشورة بمجلة القضاء والتشريع عدد 2 سنة 27/02/1987 ص40 ما يلي:
«يجب أن تنصرف ارادة الموظف المرتشي إلى الاتجار بوظيفته كما تتجه ارادة الراشي إلى عرض خدمات على الموظف للحصول منه على منفعة ما أي حمله على القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من خصائص وظيفته».
وبناء على ما تقدم بسطه فإن السؤال المطروح: هل يعتبر اللاعب أو المسير أو المدرب أو الحكم موظفين كما يقتضيه القانون الجنائي العام أو ينطبق عليه قانون خاص؟.
ومن البديهي أن هؤلاء ليسوا مبدئيا بموظفين عموميين طبق القانون الجنائي ولا يعتبرون كذلك (الا في صورة ثبوت العكس) وبالتالي لا يمكن مؤاخذتهم في صورة ثبوت ادانتهم بموجب احكام المجلة الجنائية المذكورة فصولها اعلاه.
وباعتبار أنه لا جريمة ولا عقاب بدون نص سابق الوضع انطلاقا من مبدا شرعية الجرائم والعقوبات وهو مبدأ دستوري نصت عليه احكام الفصل 13 من الدستور وكذلك الفصل الاول من المجلة الجنائية.
وانه لا بد من الرجوع إلى نص خاص يجرم الرشوة في المجال الرياضي وهو القانون المنصوص عليه بأحكام الفصل 55 من القانون 104 لسنة 1994 المؤرخ في 03 أوت 1994 المشار إليه أعلاه إذ أنه حسب بعض المتتبعين للنشاط الرياضي فإنه يصعب اثبات جريمة الرشوة بالكيفية المستوجبة قانونا لأن عملية الرشوة أو قبول بالوعود أو الهدايا أو العطايا قصد التلاعب بنتيجة المباراة يصعب اثباتا.
في الحقيقة والواقع أن هذا الرأي مبالغ فيه إذ أن الجريمة يمكن اثباتها بكل الطرق القانونية وهو من مشمولات النيابة العمومية، كما يمكن للحكم المناط بعهدته ادارة المقابلة بين الفريقين أن يعاين التخاذل من هذه الجهة أو من تلك وان يوقف المباراة ويحرر تقريرا في الغرض يشخص فيه تلاعب عناصر احد الفريقين أو جلها بنتيجة المباراة كما يمكن لمراقب المقابلة أن يثبت أن الحكم المعين لادارة المباراة قد ارتكب أخطاء تحكيمية في حق هذا الفريق أو ذاك وهي أخطاء غير تقديرية بل اخطاء متعمدة مما يستنتج منه وأن ذلك الحكم على سوء نية ويتلاعب بنتيجة المباراة، وقد يكون قد قبل جعلا أو فائدة ما قصد بيع ذمته وتمييز فريق على آخر ومنحه بدون حق شرعي نتيجة المقابلة كما يمكن إن يضبط أي مسير أو أي لاعب وهو يتسلم مبلغ الرشوة المتفق عليه قبل يوم أو ايام من تاريخ المباراة ويجب أن تثبت النيابة العمومية ان تلكم المبالغ متعلقة بالتفريط في نتيجة المباراة أو بالتلاعب بنتيجة تلك المقابلة، وعلى أية حال فإن الفصل 55 من القانون عدد 104 لسنة 1994 المؤرخ في 03 أوت 1994 يرمي إلى تجريم كل تصرف من الاشخاص المذكورين على سبيل الحصر (المسير، المدرب، اللاعب والحكم) الذين يستغلون صفتهم للاخلال بالميثاق الرياضي والتلاعب بنتائج المقابلات الرياضية ويكونون عرضة لعقاب سالب للحرية يتراوح بين العام وثلاث سنوات والخطية وينسحب العقاب على الراشي والوسيط، كما يقصى مدى الحياة عن كل نشاط رياضي كل شخص تثبت ادانته وفقا لمقتضيات الفصل 55 من هذا القانون حسب صريح النص 56 من نفس القانون.
ان الشجاعة والجرأة تستدعيان اليوم من الرابطة ومن بعدها الجامعة وقبلهما النيابة العمومية التدخل بكل حزم في هذا الموضوع والاذن بتتبع كل شخص تسول له نفسه الاساءة إلى الميثاق الرياضي والروح الاولمبية والرياضية خاصة وأن الامر استفحل واصبح القطاع الرياضي في مجال كرة القدم خاصة تنخره ظاهرة التلاعب بالنتائج الرياضية والبيع والشراء وهو ما يشكل خطورة كبرى تتفاقم يوما بعد يوم اذ ان الرياضة لم تعد اخلاقا أو لا تكون وبالتالي فإن «الرشوة رشوة يا سي المنصف» بقطع النظر عن الدوافع والاغراض والاسباب وهو ما دأب على اعتباره فقه القضاء التونسي في العديد من القرارات التعقيبية.
وهكذا نكون قد أجبنا ولو بصورة مقتضية عن استفسارات بعض الرياضيين الذين طلبوا منا مدهم بالرأي القانوني بخصوص ما صدع به الحاج المنصف بن سعيد الصحفي المرموق والمتخلق ببرنامج «بالمكشوف» أين أكد وأنه يجوز لبعض الفرق تشجيع بعض الفرق الأخرى سواءا بالمال أو بالعطايا أو بالهدايا حتى تفوز بنتيجة المباراة ولا يدخل ذلك تحت طائلة ما يسمى «بالرشوة» ونتمنى أن نكون موفقين في ذلك.
والله ولي التوفيق والسلام
اترك تعليقاً