جريمة الضرب والجرح المفضي إلى الموت
تنص المادة 403 على أنه :” إذا كان الجرح أو الضرب أو غيرهما من وسائل الإيذاء أو العنف قد ارتكب عمدا ولكن دون نية القتل ومع ذلك ترتب عنه الموت فإن العقوبة من عشر إلى عشرين سنة … ”
إن الفرق بين هذه الجريمة وجريمة القتل العمد وبصورة أدق بين الاغتيال هو أنه إذا كان الضرب والجرح عمديا فإن الفاعل لم يكن قصده قتل المعتدي عليه أو تسبب وفاته بل إن الوفاة […]
جرائم القتل في القانون الجنائي المغربي – بحث جامعي وإحصائيات
الفصل الثالث : الضرب والجرح المفضي إلى الموت
[…] حصلت كنتيجة غير مقصودة من قبل المعتدي عكس ما هو عليه الأمر في جريمة القتل العمد الذي يكون المعتدي قاصدا موت أو إيداء المعتدى عليه . إلا أنه يلاحظ أنه تشترك معها في الأركان التي تتكون منها وهي الركن المادي ( نشاط الجاني النتيجة الإجرامية – علاقة السببية ) والركن المعنوي أو القصد الجنائي الذي هو تعمد الجاني إيذاء إنسان في جسمه أو صحته مع العلم بحقيقة ما يقدم عليه.
المبحث الأول : أركان جريمة الضرب والجرح المفضي إلى الموت
المطلب الأول : فعل الإيذاء
ويكون بالضرب أو الجرح أو العنف أو إعطاء المواد الضارة غير السامة يضاف إليها بالنسبة للطفل الذي لم يبلغ 12 من عمره الحرمان من وسائل التغذية والصحة.
والخصوصية موضوعنا سوف نقتصر على إعطاء تعريف للضرب والجرح فقط الضرب:
كل اعتداء لا ينشأ عنه جرح وفيه مساس بسلامة الجسم وقد يترك أثرا كاحمرار الجلد أو الكمدات أو لا يترك أثرا مطلقا ذلك يسمى في اصطلاح القانون ضربا وعلى ذلك فالضرب يدخل فيه كل أثر يحدث بجسم الإنسان ناشئ عن استعمال أداة غير قاطعة كعصا ويوجد الضرب ولو لم يترك وراءه أثرا ظاهرا من كدم أو اختناق أو غيرهما وهو بمعناه الواسع يدخل فيه كل صور الصدم والجدب العنيف والضغط على الأعضاء والخنق وضربة واحدة كافية وقد يكون الضرب بغير استعمال أداة خاصة كاللطم بالكفوف أو بجمع اليد أو الضرب بالقدم
الجرح : هو تمزيق مادة الجسم وشق أنسجته فالجسم مجموعة من الخلايا متجاورة ومتلاحقة بدقة بالغة والجرح يفصم هذا التلاحم ويبعد ما بين الخلايا والجروح أنواع منها السطحي والعميق ومنها الضيق والعريض وقد يكتفي بشق نسيج الجسم كوخزه بإبرة أو طعنه بسكين وقد يتجاوز ذلك إلى نزع جزء منه كما في التسلخات أو إلى إتلاف كما في الحروق وقد يستأصل عضوا بأكمله كما في البثر وقد يكون الجرح خارجيا وذلك هو المألوف وقد يكون داخليا كالكمدات وتهتك بعض الأعضاء الداخلية كالحجاب الحاجز والكبد والمعدة والأمعاء وليس من شروط الجرح أن ينزف فكسور العظام جراح لأنها تنطوي على خصم وحدتها وفض تلاحمها والأسنان عظام ولذلك يدخل كسرها في باب الجروح .
وغني عن البيان أن تستوي وسيلة التمزيق فقد تستعمل آلة أو مادة وقد يقتصر الجاني على استعمال أعضاء جسمه كالجرح عن طريق العض أو نشب الأظافر أو مجرد الجذب وقد تكون الآلة قاطعة أو واخزة بل إنها قد تكون تيارا كهربائيا بوصله إلى جسم المجني عليه فيصعقه أو يصيبه بأذى أو حيوانا يسخره الجاني لذلك ، المهم أن يتحقق موت المعتدي عليه ولو تحقق هذا الموت بعض الوقت يكفي أن يكون الضرب والجرح سببا في هذا الموت وحتى ولو كانت الوفاة ناشئة عن مضاعفة شريطة أن تكون المضاعفة ناشئة بدورها مباشرة عن الجروح أما إذا لم يمت فلا تنطبق عليه أحكام هذه الفضول مهما تكن إصابته شديدة .
المطلب الثاني : العمد الجنائي
أي انصراف إرادة الفاعل إلى ارتكاب الجريمة على ما عرفها القانون، والاتفاق عام على أن العمد يكفي ولذلك لا يشترط توفر القصد الخاص المطلوب توفره في القتل العمد. لذلك يعاقب إذا كان يعلم أن ضربه أو فعله يهدف المساس بسلامة المجني عليه فأقدم مختارا وهذه المعرفة هي النية أي العمد الجنائي كذلك إذا قام الفاعل بالنشاط المؤدي عن قصد إلا أنه لم يستهدف المساس بسلامة جسم إنسان أو صحته ونحو ذلك أن يقذف شخص طائرا أو حيوانا بحجر ظنا منه أنه لا أحد في المكان الذي يتواجد به الطائر أو الحيوان لكن يتصادف بوجود إنسان فيه فيجرحه او يقتله فلا يمكن القول في هذه الحالة ولا في سابقتها أن الفاعل قد ارتكب جريمة إيذاء عمدية وذلك لان الركن المعنوي لهذه الأخيرة غير قائم لغياب القصد الجنائي عند الفاعل أصلا لأنه في المثال الأول قام بالنشاط المؤدي بدون قصد بأن لم يوجه إرادته لإتيانه وفي المثال الثاني قام بالنشاط المؤدي عن قصد لكنه لم يوجه هذا القصاص إلى المساس بسلامة شخص ما في جسمه أو صحته ومع ذلك يمكن القول في الحالتين أنه ولو امتنعت مساءلة المتابع عن جريمة إيذاء عمدية فإنه من المحتمل مسائلته عن جريمة إيذاء غير عمدية في صورة القتل أو الإصابة خطأ إذا ثبت عليه عدم التبصر أو عدم الاحتياط أو عدم الانتباه .
المطلب الثالث : العلاقة السببية
الركن الأخير في الجريمة المعاقب عليها في المادة 403 ق ج هو ثبوت العلاقة السببية بين أعمال العنف والإيذاء الصادر من المتهم وبين الموت. وتطبق هنا القواعد العامة المتعلقة بالعلاقة السببية بين نشاط الجاني والنتيجة الإجرامية في الجرائم المادية بصفة عامة بما في ذلك النظريات الفقهية المختلفة حول تأثير او عدم تأثير الأسباب الأجنبية التي تؤدي مع نشاط الجاني إلى حدوث نتائج اكثر خطورة لم تكن لتحدث بذلك النشاط لمفرده . كما جاء في قرار المجلس الأعلى. عند ما ذكرت المحكمة أن ” الحاج محمد صرح بأنه كان يلتقط حبوب اللوز مع ابنه محمد ففاجأ الضحية فضول وأخوه مصطفى وكان الضحية حاملا خنجرا فتضارب الحاج محمد مع الضحية وألحق الأول الحاج محمد بالثاني فضول ضربتين الأول من قفاه والثانية من ظهره سقط على الأرض إثرهما أغمي عليه ومن ثمة حمل على مستشفى تارودانت حيث بقي فيه ستة أيام توفي بعدها فيه …. ” تكون قد عللت حكمها بما فيه الكفاية من الناحيتين الواقعية والقانونية وأبرزت بكيفية واضحة العلاقة السببية بين الجروح التي أصيب بها المجني عليه والموت الناتج عن ذلك .
ومتى وجدت الإرادة ووجد العمد عوقب الفاعل دون النظر إلى الاعتبارات الأخرى فلو ضربه للانتقام منه أو ضربه ممازحا او مفاخرا أو مصارعا او هو يؤدي تأديبه وإصلاحه فإنه يعاقب على فعله . وقد استقر الاجتهاد على أن المحكمة غير ملزمة بأن تتحدث عن العمد الجنائي بصورة مستقلة لدى المتهم بل يكفي أن يكون هذا العمد مستفادا من وقائع الدعوى كما جاء واردا في القرار الصادر عن المجلس الأعلى الذي جاء فيه ما يلي :” إن التعبير بأن المتهم ضرب وجرح ابنه بمطرقة من حديد قصدا تأديبه يفيد حتما قيام القرائن الكافية على أن هذا الفعل الإيجابي من قبل المتهم صدر على وجه العمد مما يكون معه تكييف الجريمة المتابع عنها بأنها جريمة الضرب والجرح المفضيين إلى الموت بدون نية القتل تكييفا صحيحا . وبما أنه لا مقاصة في القضاء الجنائي فإن تضارب شخصين لا يزيل عنهما المسؤولية وإنما يعاقبان غير أن النصوص القانونية تطبق إذا وجدت كما لو أن هناك أو ممارسة لحق الدفاع الشرعي والقاضي هو الذي يقدر عندئذ الوقائع كما جاء في القرار الصادر عن المجلس الأعلى :” حيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن سجل مستنتجات العارض ودفاعه ( بكونه ضرب الضحية بالخنجر الذي كان يحمله في بطنه بعدما أشبعه هذا الأخير شتما وضربا بالمجرفة التي كانت بيده إلى رأسه الأمر الذي شعر معه بالخطر فضرب عندئذ الضحية … دفاعا عن نفسه ) اقتصر على مجرد القول ( وحيث أن المحكمة ثبت لديها عناصر الضرب والجرح المفضيين إلى الموت دون نية القتل) وذلك دون أية إشارة أو جواب عن مستنتجات العارض الذي يجعل حكمها فاقدا لكل تعليل .
وهناك حالات أجاز فيها المشرع الإيذاء كمزاولة مهنة الجراحة والألعاب الرياضية وتأديب الأب أولاده غير أنه إذا تجاوز الفاعل الحدود التي يبيحها له القانون فإنه يسأل جنائيا.
وطبيعي أن ينتفي القصد الجنائي كلما حصل النشاط المؤدي بدون تعدد والأمثلة على ذلك كثيرة ونحوها أن يحمل شخص حجارة للبناء على متن شاحنة وأثناء سيرها على الطريق تسقط إحداهن على شخص فتجرحه كما ينتفي القصد ويتبادر إلى الذهن سؤال هام نرى أن نطرحه وهو أن الفاعل إذا ضرب ضحيته فجرحه وصفه الطبيب الشرعي الوصف الذي يراه مناسبا ولو حق الفاعل أمام المحكمة وحوكم وبعد أن أصبح الحكم مبرما توفي المضروب متأثرا بجروحه فهل تجوز محاكمة الفاعل مرة ثانية ؟ أم أن الحكم أصبح مبرما وحقا مكتسبا له ؟
القانون المغربي ساكت وكذلك القانون المصري والقانون الفرنسي واجتهاد هاذين البلدين الأخيرين ثابت على أنه لا يجوز إعادة المحاكمة مرة ثانية احتراما للقضية المبرمة ونظن ان هذا ما يجب السير عليه في المغرب لتشابه النصوص لذلك يستحسن بالمحكمة ألا تعجل في الفصل في الدعوى تحسبا مما يحدث للجروح. ولكن المشرع السوري واللبناني وبعض التشريعات الأجنبية أوجدت حلا معقولا للمسألة فنصت على أنه إذا أصبح الفعل قابلا لوصف أشد جازت ملاحقة الفاعل من جديد .
ونحن نتفق مع الأستاذ الخمليشي الذي يرى بأنه لا يحق للنيابة العامة أن تتابع المتهم بعد تفاقم النتائج بالوصف الجديد الذي تحقق بعد صدور الحكم ويؤخذ ذلك من المادة 351 من المسطرة الجنائية التي تنص على أن :” كل شخص أبرأت ساحته أو حكم بإعفائه لا يمكن أن يتابع بعد ذلك من أجل نفس الوقائع ولو اتصفت بصفة قانونية أخرى” وإذا امتنعت إعادة المتابعة في حالة الحكم بالبراءة أو الإعفاء فإن نفس الحكم سري بالأولوية في حالة الحكم بالإدانة لأن إعادة المحاكمة في هذه الحالة الأخيرة يؤدي إلى عقاب المتهم مرتين على فعل واحد وهي نتيجة غير مقبولة قطعا يتبين من هذا أن الحكم يعتبر قرينة قانونية قاطعة بالنسبة لتكييف جرائم الضرب والجرح وما يترتب عنها من نتائج للضحية ولذلك ينبغي للمحكمة أن لا تصدر الحكم إلا بعد أن تتأكد من النتائج النهائية للإصابة التي تعرض لها الضحية تفاديا لما يترتب عن حدوث تغير في تلك النتائج فيما بعد
اترك تعليقاً