جريمة العرض الخائب للرشوة
لقد تناول قانون العقوبات الفلسطيني المطبق حالياً هذه الجريمة بالنص في المادة (109) مكرر – المعدلة بالقانون رقم 120 لسنة 1962 – في قولها ” من عرض رشوة ولم تقبل منه يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد عن ألف جنيه وذلك إذا كان العرض حاصلاً لموظف عام ، فإذا كان العرض حاصلاً لغير موظف عام تكون العقوبة الحبس لمدة لا تزيد على سنتين أو غرامة لا تتجاوز مائتي جنيه”.والحكمة من النص على هذه الجريمة ، هو أن الفعل الذي تقوم به ، وهو عرض الرشوة وعدم قبولها” ، لا يقع تحت طائلة العقاب تطبيقاً للقواعد العامة في المسئولية ، فلذلك تدخل المشرع بالنص لكي لا يفلت الراشي الذي يعرض على الموظف رشوة لا تستجاب منه من العقاب ، وذلك ما تأباه المصلحة العامة ، فعرض الرشوة يشكل تهديد بالخطر لنزاهة الوظيفة العامة ، وإن لم يكن إهداراً فعلياً لها ، ذلك أن عارض الرشوة قد عبر عن عدم احترامه لنزاهة الوظيفة ، وقد كان محتملاً أن يهددها لو استجاب الموظف إلى عرضه.
وفيما يلي نتناول أركان الجريمة والعقوبة المقررة لها :-
أركــــان الجــريمة
تقوم جريمة عرض الرشوة على أربعة أركان : فعل العرض الذي يقوم به ركنها المادي ، وعدم قبول العرض ، والشخص الذي يتجه إليه العرض والركن المعنوي.
أولاً : فعل عرض الرشوة : يشكل فعل العرض النشاط الإجرامي الذي يقوم به الجاني ، ويعتبر العرض جوهر الركن المادي . ويراد بالعرض كل فعل يتضمن تعبيراً عن إرادة الراشي تقديم الإكرامية على الفور أو في المستقبل ، وهو ذاته النشاط الذي يقوم به الراشي في جريمة الرشوة إن تمت .
ولا عبرة للكيفية الذي يتم بها العرض ، فقد يكون العرض صريحاً ، ويستوي في هذه الحالة أن يكون كتابياً أو شفوياً ، وقد يتم العرض بطريقة مستترة ، والمثال على ذلك ما يقوم به الجاني من تسليم القاضي مظروفاً يوحي ظاهره بأن به مستندات متعلقة بالدعوى المعروضة عليه فإذا به أوراق نقدية.
ثانياً : عدم قبول العرض : يقصد بعدم القبول أن يقوم الموظف الموجه إليه برفضه ، وقد يكون الرفض صريحاً أو ضمنياً . ويرى البعض أن عدم القبول يمثل جوهر الجريمة ، لأنه العنصر الذي يميزها عن جريمة الرشوة التامة ، وطبقاً لهذا الرأي فإن الجريمة لا تقع إلا برفض العرض ، فطالما لم يصدر هذا الرفض صراحة أو ضمناً يكون لصاحب الحاجة أن يسحب عرضه فلا تتحقق الجريمة في جانبه ولا تطاله أية مسئولية.
ثالثاً : الشخص الذي يتجه إليه العرض : لم يشترط قانون العقوبات الحالي في الشخص الموجه إليه عرض الرشوة بأن يكون موظفاً عاماً فقد يكون مستخدماً لدى فرد أو هيئة خاصة لكنه فرق في العقاب بين الحالتين : عرض الرشوة على موظف عام وحالة عرض الرشوة على مستخدم في القطاع الخاص .
ولقد تطلب المشرع في الموظف العام أن يكون مختصاً ، لكنه لا يلزم أن يكون الموظف مختصاً بكل العمل الوظيفي بل يكفي أن يكون له من الاختصاص نصيب يسمح له بتنفيذ الغرض من الرشوة. أي أنه لا قيام لجريمة العرض الخائب للرشوة إذا كان العرض لغير موظف ، ولو كان انتحل صفة الموظف ، أو كان العرض لموظف غير مختص .
وبالنسبة للمستخدم بالقطاع الخاص فيشترط دائماً اختصاصه بالعمل المطلوب أداؤه أو الامتناع عنه.
رابعاً : الركن المعنوي : تعتبر جريمة عرض الرشوة من الجرائم العمدية المقصودة ، ويتخذ ركنها المعنوي صورة القصد العام بعنصريه العلم والإرادة . وبناءً على ذلك فإنه يجب أن يعلم من يعرض الرشوة بصفة المتجه إليه العرض ، وأنه موظف مختص أو مستخدم في مشروع خاص ، ورغم ذلك العلم تتجه إرادته الحرة السليمة الخالية من العيوب إلى حمل الشخص المتجه إليه العرض على القيام بعمل أو امتناع عن عمل يدخل في اختصاصه نظير ما يعرض عليه من عطية أو وعد.
ولا عبرة بالباعث ولا تأثير له على توافر القصد الإجرامي ، ولا يؤثر على قيام القصد الإجرامي أيضاً اعتقاد الجاني بمشروعية مصلحته التي بناءً عليها قام بعرض الرشوة على الموظف العام أو المستخدم في القطاع الخاص ، ولم تجد قبولاً لدى أياً من الأشخاص المذكورين أعلاه.
العقــوبة المقـررة للجـريمة:
لقد قام المشرع في قانون العقوبات الحالي بالتفريق بين حالتين في شأن أحكام العقاب على هذه الجريمة . فالحالة الأولى تتمثل في كون الشخص المعروض عليه الرشوة موظفاً عاماً أو من في حكمه ، فالجريمة تكون جناية ويعاقب عليها بالسجن وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد على ألف جنيه .
والحالة الثانية تتمثل في كون الشخص الموجه إليه العرض غير موظف ، أي مستخدم في مشروع خاص ، فالجريمة تكون جنحة ويعاقب عليها بالحبس لمدة لا تزيد عن سنتين أو الغرامة التي لا تتجاوز مائتي جنيه.
ولا يستفيد الجناة في هذه الجريمة من حكم المادة (107) مكرر من قانون العقوبات والخاصة بإعفاء الراشي والوسيط في الرشوة من العقاب في حالتي الإخبار بالجريمة والاعتراف بها ، إذ أن حكمة هذا الإعفاء تتمثل في مكافأة من عرف السلطات العامة على الموظف المرتشي وأعانها على إثبات ارتشائه ، ولا محل لهذه العلة ، إذ لا وجود لمرتشي ، باعتبار أن الموظف قد رفض العرض الذي تقدم به إليه صاحب الحاجة.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً