جريمــــة الفساد فــي ضـــوء التشريعات العراقيـــة
المحامية / منال داود العكيدي
لم يعد الفساد مجرد ظاهرة او مجموعة ظواهر فردية نستطيع بقليل او كثير من المكافحة القضاء عليها بل اصبحت افة تهدد جسد الدولة العراقية بمجملها و ليس فقط المجتمع العراقي ويبدو ان العراق لم يعد ينفرد بهذه الافة التي تكاد تقضي على وجوده وتهدد كيانه وان كان يتربع وبامتياز على عرش الدول الاكثر فسادا لذلك فقد عقدت اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد كون ان هذه الجريمة اصبحت افة عالمية لا يقتصر وجودها على دولة ما او مجتمع ما دون الاخر الا انها بطبيعة الحال تتفاوت نسبتها بحسب درجة نزاهة موظفي تلك الدولة وبحسب درجة احترام القوانين فيها بل وبحسب نسبة المواطنة والحرص على المال العام بين مواطني تلك الدولة التي عدت نافذة بتاريخ 14 كانون الاول عام 2005 .
وحتى كانون الثاني من عام 2013 صادقت عليها ( 165 ) دولة ومنها العراق وهي اتفاقية تميزت باحتوائها على مواد اكثر شمولا في محاربة جريمة الفساد باعتبارها جريمة دولية والتي تلزم بتنفيذ مجموعة واسعة من الاجراءات والتدابير الكفيلة بالتصدي لهذه الجريمة والتي اثرت بشكل واضح على اجراءات وقوانين الدول الموقعة عليها ،
وقد عرفت الفساد الاداري على انه ( انحراف الموظف قصدا عن تنفيذ الاعمال المناطة به وهو استغلال الوظيفة او الخدمة العامة او النفوذ الوظيفي لتحقيق مصلحة خاصة بشكل غير مشروع ) كما ان المشرع العراقي قد تناول جريمة الفساد الاداري في قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل في الباب السادس تحت عنوان (الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة) و تشمل جرائم الرشوة المواد (307- 314) والتي عرفت الرشوة على انها ( طلب الموظف او قبوله لنفسه او لغيره عطية او منفعة او ميزة او وعدا بشيء من ذلك لاداء عمل من اعمال وظيفته او الامتناع عنه او الاخلال بواجبات الوظيفة . )
ويعاقب كل موظف اقدم على هذا الفعل بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات او الحبس اذا حصل الطلب او القبول او الاخذ بعد اداء العمل او الامتناع عنه بقصد المكافأة على ما وقع من ذلك ) وجريمة الاختلاس التي تناولها المشرع في المواد (315 – 321 ) والتي عرفتها على انها (استيلاء الموظف او المكلف بخدمة عامة على الاموال التي تحت عهدته ) حيث يعاقب بالسجن كل موظف او مكلف بخدمة عامة اختلس او اخفى مالا او متاعا او ورقة مثبتة لحق او غير ذلك مما وجد في حيازته و تكون العقوبة السجن المؤبد او المؤقت اذا كان الموظف او المكلف بخدمة عامة من مأموري التحصيل او المندوبين له او الامناء على الودائع او الصيارفة ) .
وقد اعد قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 جريمة تجاوز الموظفين حدود الوظيفة هي احدى جرائم الفساد الاداري والتي عالجها في المواد (322 – 341 ) و من صورها القبض على شخص او حبسه في غير الاحوال المنصوص عليها قانونا او وقف وتعطيل اوامر صادرة من الحكومة او احكام القوانين النافذة او امر صادر من المحاكم او الامتناع عمدا وبغير وجه حق عن اداء عمل من اعمال وظيفته او اخل عمدا بواجب من واجباتها نتيجة لرجاء او توصية او وساطة او لأي سبب اخر غير مشروع ومخالفة الموظف لواجبات وظيفته او امتناعه عن اداء عمل من اعمالها بقصد الاضرار بمصلحة احد الافراد او بقصد منفعة شخص على حساب اخر او على حساب الدولة ومن صور استغلال الموظف للوظيفة العامة والتي تعد ايضا من جرائم الفساد الاداري ( قيام الموظف بشراء عقار او منقول قهرا على مالكه او استولى عليه او منفعة او اي حق اخر للغير بغير حق او اكره مالكه على اجراء اي تصرف مما ذكر لشخصه او لشخص اخر او على تمكينه من الانتفاع به بأي وجه من الوجوه واستغلال الوظيفة في الحصول على حق او ورقة مثبتة لحق و من صور الفساد تدخل الموظف بسلامة المزايدات او المناقصات الخاصة بالحكومة او استغلال النفوذ الوظيفي في الحصول على حقوق للاخرين بثمن بخس و الاضرار بأموال الدولة عمدا وهي من جرائم الاهمال الجسيم ) .
و بعد عام 2003 صدر امر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم ( 55 و 57 و 77 ) لسنة 2004 والذي بموجبه تم تشكيل هيئة النزاهة و دوائر المفتشين العموميين في الوزارات و التي كانت لها الولاية على قضايا الفساد الاداري والمالي ثم صدر قانون هيئة النزاهة رقم ( 30 ) لسنة 2011 حيث نصت المادة ( 1 ) منه على ان ( قضية الفساد هي الدعوى الجزائية التي يجري التحقيق فيها بشأن جريمة من الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة العامة وهي الرشوة والاختلاس وتجاوز الموظفين حدود وظائفهم واية جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المواد (233 و 234 و 271 و 272 و 275 و 276 و 290 و 293 و 296) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل و إي جريمة أخرى يتوفر فيها احد الظروف المشددة المنصوص عليها في الفقرات 5 و6 و7 من المادة 135 من قانون العقوبات النافذ المعدلة بالقسم (6) من القانون التنظيمي الصادر عن مجلس الحكم المنحل الملحق بأمر سلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة في العراق المرقم (55) لسنة 2004) وقد تم استحداث المحكمة الادارية وهي المحكمة المتخصصة بالعقود الادارية والتي لها الولاية بالنظر في العقود الادارية والتاكد من سلامة الاجراءات المتخذة في قضايا المناقصات الحكومية ..
وعلى الرغم من كل تلك الهيئات والمواد القانونية التي تتصدى لمكافحة ظاهرة الفساد الا اننا نجد ان هذه الجريمة مازالت تتمدد وبشكل كبير لتشمل كافة مفاصل الدولة ومؤسساتها وذلك لان مرتكبي هذه الجرائم غالبا ما يتبعون طرقاً و اساليب ملتوية في القيام بها الى جانب انهم غالبا ما يكونون متخفين تحت عباءة بعض الاحزاب الدينية او السياسية التي تغذي هذه الظاهرة بل وتدعمها في سبيل تحقيق مصالح شخصية و منافع مادية على حساب المصلحة العامة و مصلحة المواطن العراقي الذي بات يلمس اثار الفساد على جميع تفاصيل حياته،
لذلك فان مكافحة جريمة الفساد والقضاء عليها يتطلب الكثير من المعالجات الجذرية وليست الترقيعية او الانية و التي تصب كلها في التصدي لهذه الجريمة و تحد من استشرائها ومنها: استقلال هيئة النزاهة و دعمها ماديا ومعنويا الى جانب تفعيل دور الادعاء العام للاضطلاع بدوره في المطالبة بالحق العام و اعادة الاموال المسروقة الى خزينة الدولة من خلال اقامة الشكاوى على مرتكبي هذه الجرائم فضلا عن ان التخلص من الروتين الوظيفي وتقليل الحلقات الزائدة والسرية التامة في العمل من شأنه ان يؤتي اكله في سبيل الاسراع بالقضاء على هذه الجرائم واحالة مرتكبيها الى المحاكم المتخصصة لينالوا جزاءهم وكذلك تداول الوظيفة العامة وعدم بقاء الموظفين – خصوصا الذين يشغلون وظيفة مدير عام فما فوق – لفترة طويلة في مناصبهم و الابتعاد عن المحاصصة في توزيع المناصب الحكومية بل اعتماد نظام الاختيار بناء على معيار الكفاءة و الخبرة و قبلهما النزاهة ..
ان للمواطن دوراً كبيراً في الكشف عن الفاسدين على اعتبار انه في تماس مباشر مع الموظفين الذين يستغلون مناصبهم من اجل الحصول على المنافع الشخصية من خلال استغلال المواطن واجباره على تقديم الرشا لهم مقابل انجاز معاملاتهم او تسهيلها سواء كانت قانونية ام غير قانونية وله أي المواطن في سبيل ذلك الاخبار عن هؤلاء الموظفين باقامة الشكاوى لدى قضاة التحقيق مباشرة او ابلاغ هيئة النزاهة او المفتشين العموميين المنتشرين في كافة الدوائر والوزارات بمثل هذه الحالات او من خلال قنوات الاعلام المسموع و المرئي معززا بالادلة التي تثبت قيام الموظف بجريمة من جرائم الفساد كي لا يتحول الامر الى دعاوى كيدية او من اجل تصفية حسابات شخصية ومن الضروري ايضا تنمية الوعي لدى المواطن ضد الفساد من خلال تطوير المناهج المدرسية او الجامعية لتنبيه الطلبة الى اهمية المال العام ودورهم في المحافظة عليه وسبل التصدي لظاهرة الفساد الاداري او المالي.
اترك تعليقاً