جريمة المتاجرة بالأعضاء البشرية
يتميزهذا النوع من الإتجار بأنه يمس الفئة الأكثر فقرا في المجتمع ،ويقع الضحايا فرائس للإتجار بأعضائهم تماما مثل قطع غيار السيارات وذلك بدافع العوز والحاجة، وتقع هذه الجريمة على الأحياء وعلى الأموات على حد سواء، على الأصحاء وعلى المرضى كذلك .
ولقد حرمت الشريعة السماوية المساس بأي عضو من أعضاء الجسم بالبيع أو غيره لما في ذلك من المذلة و الابتذال لكرامة الإنسان التي خصها الله على جميع مخلوقاته ولما فيه من الخطورة البالغة على صحة الإنسان التي لا تعوض بثمن .
إذن فإن قيمة الإنسان تسموا على المال وقد جاء في محكم قوله عز وعلا :” ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير مما خلقنا تفضيلا “
والحكمة من هذا التجريم إضافة إلى ما ترتبه من مخاطر جسيمة على الصحة العامة، فهو يفتح مفاسد عظيمة نتيجة إقدام الفقراء على بيع أعضائهم بثمن بخس لسد حاجة أو دين، وهذا ما يشجع غيرهم على دخول هذه التجارة البشعة بكل مقاييسها ودون التفكير في عواقبها الوخيمة .
وقد سرت القوانين العربية درب الشريعة الإسلامية من تحريم تداول الأعضاء البشرية بالبيع كالقانون الأردني و العراقي و السوداني و الجزائري و السعودي وكذلك القوانين الغربية كالقانون الايطالي 458 الصادر في 26 يونيو 1968 و القانون البرازيلي …رقم 5/497 وقانون كندا وكذلك قانون نتاريو رقم 28 وقوانين دول أوربا وجنوب إفريقيا أيضا .
وتعمد العصابات التي تكون بدون أدنى شك جماعات منظمة على اصطياد ضحاياها الذين استضعفوا بسبب الفقرالمدقع والحالة المزرية التي يعيشونها عن طريق وسطاء، يعملون خصيصا على جلب الزبائن بطرق مختلفة، وذلك بعرض أموال على الضحية والذي يجده هذا الأخير منفذا لسد فقره أو دينه أو تأمين أسرته، أو يتم الأمر بخداع الضحايا وإيهامهم بالسفر لبلد أجنبي للعمل الذي يدر عليهم بالثراء، واستعمال الوعود الكاذبة و المضللة لإنجاح خططهم ويتم استعبادهم لدى وصولهم لبلد المقصد وإجبارهم على نزع أعضائهم لتسديد ديونهم كثمن التذكرة و مصاريف السفر،وتجرى بعدئذ أهم عمليات جراحية في مستشفيات لا يتوفر فيها الحد الأدنى من الشروط الصحية اللازمة أو في الأغلب هي مستشفيات وهمية ،ويعطى لهم القليل فقط من المال المتفق عليه،أما الباقي الكثير فيقسم بين الطبيب الجراح الذي أشرف على العملية و الوسيط الذي أحضر الزبون ومدير المستشفى الذي وافق على إجراء مثل هذه العمليات غير القانونية في المستشفى الذي يعمل به، وكل هؤلاء ينتمون إلى شبكات إجرامية محترفة وتعمل على الأغلب في الخفاء .
و بالرغم من صعوبة الحصول على الدليل في مثل هذه الجرائم ،لأنها تتم في سرية تامة، ولعدم القدرة على تقفي آثار المجرمين لفرارهم مباشرة بعد إجرائهم لعملية استئصال الأعضاء على الضحايا، إلا أنه هناك العديد من التقارير التي تشير أن هذه الجريمة ترتكب في حق العديد من الأطفال الأبرياء الذين يتم خطفهم من الشوارع أو من دور الأيتام، أو يتم اختفائهم في ظروف غامضة ليتم العثور عليهم بعد ذلك مقتولين وأعضائهم منزوعة .
كما تشير التقارير إلى أن إمكانية نقل عضو من طفل إلى شخص راشد ممكنة طبيا و الحقيقة أن هذه الظاهرة تعتبر من أبشع الجرائم التي تنتهك فيها الكرامة الإنسانية والسلامة الجسدية وترتب آثار وخيمة على الصحة العامة وتولد تعقيدات واضطرابات أخرى على مستوى جسم الضحية الذي نزعت من احد أعضائه .
وقد نصت اتفاقية حقوق الإنسان و الطب الحيوي بالمجلس الأوروبي في 04 أفريل 1997 في مادته 21 :” أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون جسم الإنسان أو أي عضو من أعضائه مصدر منفعة “The human body and its parts shall not, as such ,give rise to financial gain “
ونص البروتوكول المتعلق بنقل الأعضاء البشرية والأنسجة و الملحق باتفاقية حقوق الإنسان و الطب الحيوي الذي ينص في المادة الثامنة منه: أنه يشترط في عملية زرع الأعضاء البشرية أو الأنسجة موافقة المتبرع « ويتم الإعلان عن هذه الموافقة كتابيا أو أمام هيئة رسمية طبقا للمادة 13 من ذات البروتوكول .
وهناك عصابات إجرامية تعمد قبل نزع عضو من الضحية تجبره على كتابة تعهد كتابي على أنه قام بالتبرع بالعضو حتى يزول أي شك في أن الطبيب الجراح قام بعملية استئصال العضو بغرض المتاجرة وحتى يكون هذا التعهد الكتابي وسيلة تحمي الطبيب من شبهة ارتكابه لجرم ،وفي حالة ما إذا كان أخذ العضو أو نسيج من جسم إنسان توفى يشترط أخذ موافقة السلطات قبل عملية النزع .
وأنه طبقا للمادة 17 من نص البروتوكول أنه لا تتم عملية النزع للعضو أو الأنسجة إذا كان الشخص المتوفى معارض للأمر قبل وفاته كما نص البروتوكول أن النزع يكون للأعضاء أو الأنسجة ويطبق أيضا على الخلايا بما فيها الخلايا الجذعية المكونة للدم المادة 2/2 ، ولكن لا يطبق الأمر على الأعضاء التناسلية و الأنسجة الجينية أو الجنين أو الدم ومشتقاته .
وقد نص القانون المصري أبعد مما نص عليه البروتوكول المتعلق بالاتجار بالأشخاص ونص على أنه لا يعتبر نزع الأنسجة مثل البشرة و العظام و القرنية والغضروف أعضاء .
ومن نافلة القول أنه لا يمكن القضاء على هذا المشكل الجاد، إلا بالتعاون الوثيق بين جميع الجهات المعنية بمكافحة هذا الجرم و التنسيق بين القطاع الصحي والأطباء ممن جهة وبين مصالح القمع كمصالح الشرطة التي يكون لها الدور الكبير في التعرف على الضحايا و الدرك و شرطة الحدود لمنع فرار العصابات و القضاء الجزائي لمعاقبة وإدانة المجرمين من جهة ثانية والأولوية الأكبر تكون بالتعاون مع الضحايا، والعمل على حمايتهم من إنتقام المجرمين بعد تقديم شكاوى وبلاغات ضدهم ، وتمكينهم من المساعدة الطبية المجانية لتجنب أي مضاعفات تترتب على نزع عضو من أعضائهم الجسدية الذي تم بطريقة غير قانونية.
ويكون لزاما على كل المسؤولين في القطاع الصحي الحرص على أن لا تكون الأعضاء البشرية موضوع متاجرة بها والعمل على نشر الثقافة الصحية من مخاطر هذه الجريمة وإدماجها كمحاور في المؤسسات التعليمية ورفع الوعي لحماية كل أطياف المجتمع خصوصا الفئة المستضعفة ماديا من المخاطر التي تترتب على المجازفة بحياتهم نتيجة نزع أعضائهم ولأجل ذلك لابد من مواجهة الأسباب التي تمنع أعضاء الجسم من العمل بطريقة سليمة، والتشجيع في المقابل على هبة الأعضاء البشرية بدل بيعها أو نزعها لكن مع الحرص التام على أن لا يتم استبدالها أو بيعها فيما بعد، و الحرص على مراقبة من يعملون على معالجة المرضى بطريقة الطب البديل حتى نتجنب التعامل مع جسم الإنسان على أنه سلعة، وحتى لا تكون هذه الطريقة مبررا للاعتداء على السلامة الجسدية للإنسان .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً