اعداد الباحث : سيد طنطاوى محمد سيد
المركز الديمقراطي العربي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
المقدمة :
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين ، أما بعد :
فإن سياسة التجريم هي خط لدفاع الأول لموجهة الجريمة والحد من خطورة الفعل الإجرامي وأثاره السلبية على الفرد والمجتمع ، لذلك حاربت الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي الجريمة وسعت إلى الحد منها ومن أخطارها عن طريق تجريم الأفعال بحسب جسامتها وخطورتها
وضررها على الفرد والمجتمع .
وجريمة خيانة الأمانة من الجرائم المستقلة بذاتها التي زادت معدلات أرتكبها في العصر الحالي نتيجة تشابك وتعقد المصالح والمعاملات بين الناس في ظل تدنى الوازع الديني والأخلاقي ، من خلال اعتداء شخص على ملكيه شخص آخر وانتهاك حقوقه عن طريق خيانة الثقة التي أودعت فيه (1) .
إن عدم إلمام كثير من الناس بمعنى خيانة الأمانة ، والعقوبة المترتبة على هذه الجريمة ، يجعل الكثير منهم يقعون فيها ، فيبددون أموال الناس وينتهكون حقوقهم بغير رادع في ظل إيثار المصلحة الخاصة على المصلحة العامة وغياب الوازع الديني والأخلاقي ، فخيانة الأمانة تتعدد صورها وأشكالها ، فهي لا تقتصر على تبديد المال وإتلافه فقط بل تمتد لتشمل استخدام الشيء المؤتمن عليه في غير الهدف منه لخدمة أغراض معينة ، وبما يوقع ضررا على المالك كتسليم الوديعة أو العين المستأجرة لشخص بصفته وكيلا باجرة أو مجانا بقصد عرضها للبيع أو استخدامها في غرض معين لمنفعة المالك ، ويقوم الوكيل باستخدامها في غير ما خصصت له أو يبددها أو يتلفها (2) .
(1) دكتور / عبد الحميد المنشاوي ، جرائم خيانة الأمانة ، الإسكندرية ، دار الفكر الجامعي ، 2001 ، ص 10.
(2) دكتور / حسني مصطفى ، جريمة خيانة الأمانة في ضوء القضاء والفقه ، الإسكندرية ، منشأة المعارف ، ص 3.
تمهيد :
لم تكن هذه الجريمة معاقبا عليها في كل من القانون الروماني والقانون الفرنسي القديم باعتبارها جريمة مستقلة ، وإنما كانت تعتبر في أغلب صورها نوعا من أنواع السرقة (1) .
ولم تتخذ مكانها الصحيح كجريمة مستقلة عن الشرف الإ منذ صدر في فرنسا – أثناء الثورة الفرنسية – قانون سنة 1791م جعل منها جريمة مستقلة ، فقرر العقاب على من يبدد مالا اؤتمن عليه وأطلق عليها أسم خيانة الأمانة . ثم صدر قانون العقوبات الفرنسي سنة 1810م مقررا ذلك الوضع وخص بالعقاب عن جريمة خيانة الأمانة المادة 408 المعدلة في سنة 1832م ، 1863م .
وقد سار قانون العقوبات المصري على نفس الدرب فقرر العقاب عن جريمة خيانة الأمانة في المادة 341 منه .
ويبرر هذا الوضع التشريعي أنه وان كانت جريمة خيانة الأمانة تشبه كلا من جريمتي السرقة والنصب من حيث وقوعها اعتداء على منقول مملوك للغير ، ومن حيث انه يتطلب لتوافر ركنها المعنوي ، فضلا عن القصد العام ، قصد خاص يتمثل في نية تملك المال محل الجريمة ؛ فإن الفارق كبير بين هذه الجرائم من حيث ركنها المادي ، فبينما رأينا أن الركن المادي في جريمة السرقة هو الاستيلاء على حيازة الشيء محل الجريمة دون رضاء المجني عليه ، وان الركن المادي في جريمة النصب هو استعمال إحدى وسائل التدليس وتسلم المال من المجني عليه كنتيجة لهذه الوسيلة ؛ فإننا نجد الركن المادي في جريمة خيانة الأمانة يتمثل في اختلاس أو تبديد أو استعمال الشيء الذي يوجد في حيازة الجاني الناقصة بناءا على عقد من عقود الأمانة وذلك إخلالا بالثقة التي أودعها فيه مالك الشيء .
(1) أ.د / علاء زكى ، جرائم الاعتداء على الأموال ،القاهرة ، دار الكتاب الحديث ، 1435هـ /2014م ، ص 433 .
تقسيم :
نص المشرع على جريمة خيانة الأمانة والجرائم التي ألحقها بها في المواد من 340 إلى 343 . من الباب العاشر من الكتاب الثالث من قانون العقوبات الذي يحمل عنوان ” النصب وخيانة الأمانة ” .
الفصل الأول ماهية خيانة الأمانة –
وفيه مبحثان :
المبحث الأول : تعريف جريمة خيانة الأمانة
المبحث الثاني : الفرق بين جريمة خيانة الأمانة والجرائم المشابهة
المبحث الأول : تعريف جريمة خيانة الأمانة
وفيه ثلاثة مطالب هي :-
المطلب الأول : مفهوم خيانة الأمانة في اللغة
المطلب الثاني : مفهوم خيانة الأمانة في الشريعة الإسلامية
المطلب الثالث : مفهوم خيانة الأمانة في القانون المصري
المطلب الأول : مفهوم خيانة الأمانة في اللغة
الخيانة في اللغة : خان خونا وخيانة ومخانة فعل متعدى بنفسه ، والخائن هو الذي خان ما جعل عليه أمينا .
والخيانة خون النصح وخون الود ، وتعنى التفريط بالعهود والمواثيق ، وضد الشفقة ، والنقص أو الانتقاص من الشئ ، وعدم النصح والاتهام ، والتدليس ، والبحث عن أخطاء الآخرين (1) .
يتضح مما سبق إن الخيانة تتضمن عدة معاني من بينها : التفريط بالعهود والمواثيق ، وعدم الشفقة ، والغش والتدليس ،وتبديد الأموال والأغراض ، وعدم إبداء النصح ، والانتقاص من الشيء ، وتصيد أخطاء الآخرين .
الأمانة في اللغة : لفظ الأمانة مصدر أمنه ، يأمنه أي وثق به وأطمأن إليه ولم يحفظه وللفظ الأمانة أصلان متقاربان أولهما : الأمانة التي هي ضد الخيانة ومعناها سكون القلب ، وثانيهما : التصديق الذي هو دلاله على الثقة التي هي الاطمئنان ، والأمن هو عدم الخوف ، والإيمان هو تصديق وإذعان ، وفي كليهما استقرار واطمئنان (2) .
ومظاهر الأمانة في ظل الشريعة الإسلامية هي علاقة المسلم بربه إذ
(1) مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزكابادى ، القاموس المحيط ، الطبعة 7 ، ص 220 .
(2) د / عبد الحكم سالمان ، الشيك وخيانة الأمانة ، دار شادي للموسوعات القانونية ،الطبعة الثالثة،2014،ص 101.
قال الله سبحانه وتعالى :
(إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين إن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان انه كان ظلوما جهولا ) (1) وقوله تعالى : (إن الله يأمركم إن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعطيكم به إن الله كان سميعا بصيرا (2) .
وقد كان الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام يستعيذ من الخيانة بقوله : ” أعوذ بك من الخيانة فإنها بأس البطانة “.
(1) الآية 72 من سورة الأحزاب .
(2) الآية 58 من سورة النساء .
المطلب الثاني : مفهوم خيانة الأمانة في الشريعة الإسلامية
خيانة الأمانة بصفة عامة هي : مخالفة الحق بنقض العهد (1) .
وهى حبس مال ليس عليه بينه ومنعه وعدم رده لأصحابه وجحده ومخاصمتهم للاستيلاء على هذا المال (2) .
وهى عدم الوفاء بما يجب عليه من حق النفس (3) .
وخيانة الأمانة هي انتقاص الحق على جهة المساترة ، اي يعمل عمل المساتر له ، فهو يعمل لنفسه عمل الخائن ، والتخون عنده التنقص ، وتغير الحال إلى ما لا ينبغي (4) .
والأمانة إما خاصة وهى الأمانة المالكية ، وإما عامة وهى الأمانة الشرعية .
فالأمانة الخاصة هي كل عين حصلت في يد غير مالكها بأذن أو بغير أذن المالك ، بشرط أن يكون قد أخبر عنها ولكن لم يطلبها كالوديعة ومال الشركة والعارية ، والوديعة التي تم تأخر ردها بعذر ، والأمانة العامة هي من استولى على المال بغير أذن المالك ولا علمه على غير جهة التعدي ، كما يقال يد عدوان ويد أمانة ، فيد العدوان هي التي توضع على كل شيء للغير بدون وجه حق ، كيد الغاصب ، ويد الوديع إذا تعدى ، وجحود الوديع الوديعة أو السفر بها بدون عذر ، أما
(1) محمد جمال الدين القاسمي ، محاسن التأويل ، مصر ، دار أحياء الكتب العربية ، 1377هـ / 1957م ، ص 452.
(2) أبو الفداء إسماعيل ابن كثير ، تفسير القرآن العظيم ، مصر ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي ، 1937م ، ج3 ،ص 522 .
(3) أبو عبد الله محمد بن يوسف بن على أبن حيان، البحر المحيط ، ج2 ، ص 49 .
(4) أبى على الفضل ابن الحسن الطبرسي ، مجمع البيان في تفسير القرآن ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ،ج2 ، ص 133 .
يد الأمانة فهي ما كان الاستيلاء بأذن من المالك أو الشارع ، وكل يد وضعت على شيء بأذن مالكة أو من ينوب عنه تسمى أمانة مالكية ، واليد التي تستولي على الشيء بأذن الشرع تسمى أمانة شرعية (1) .
يتضح مما سبق أن فقهاء الشريعة الإسلامية قد عرفوا خيانة الأمانة بعدة معاني متقاربة لا تخرج عن كونها مخالفة ، وحبس ، وجحد ، واستيلاء ، وعدم وفاء ، وانتقاص ، فهي معاني مقاربة لخيانة الأمانة في اللغة ، وهى تدخل ضمن معنى ظلم الإنسان لنفسه بجهله مالها وما عليها .
ويمكن أن نعرف خيانة الأمانة بصورة أعم وأشمل في ضوء الشريعة الإسلامية بأنها ” تعمد فرد يتمتع بكامل الأهلية المعتبرة شرعا إساءة استغلال الثقة التي أودعت فيه من خلال ارتكاب محظورات شرعية نهى الله عنها بتعزيز لكونها تتنافى مع القيم والمبادئ ومكارم الأخلاق التي حثت عليها الشريعة الإسلامية بتبديد أو سوء استغلال أو اختلاس أو استعمال ما أؤتمن عليه في غير موضعه لصالحه أو لصالح غيره ” .
(1) أبى بكر محمد بن عبد الله ابن العربي ، أحكام القرآن ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الثالثة ، 1400هـ / 1980م ، ص 188 .
المطلب الثالث : مفهوم خيانة الأمانة في القانون المصري
عرفت المادة 341 من قانون العقوبات مرتكب جريمة خيانة الأمانة بأنه ” كل من اختلس أو استعمل أو بدد مبالغ أو أمتعة أو بضائع أو نقود أو تذاكر أو كتابات أخرى مشتملة على تمسك أو مخالصة أو غير ذلك أضرارا بمالكيها أو أصحابها أو واضعي اليد عليها وكانت الأشياء المذكورة لم تسلم له الإ على وجه الوديعة أو الاجارة أو على سبيل عارية الاستعمال أو الرهن أو كانت سلمت له بصفه كونه وكيلا بأجره أو مجانا بقصد عرضها للبيع أو استعمالها في أمر معين لمنفعة المالك لها أو غيره يحكم عليه بالحبس ويجوز أن يزداد عليه غرامه لا تتجاوز مائه جنية مصري “ .
فجريمة خيانة الأمانة من جرائم الاعتداء على الأموال المنقولة ويمكن تعريفها بأنها ” استيلاء الجاني على مال منقول مملوك للغير في حوزته بمقتضى عقد من العقود الواردة بالنص وذلك بخيانة ثقة المجني عليه في الجاني الذي سلمه هذا المال على سبيل الوديعة فخان ثقته فيه واستولى عليه بنيه تملكه (1) .
وفى ضوء نص المادة 341 عقوبات يمكن تعريف جريمة خيانة الأمانة بأنها اختلاس أو استعمال أو تبديد مال منقول مملوكا للغير سلم
(1) د / هدى حامد قشقوش ، شرح قانون العقوبات ، القسم الخاص ، جرائم الاعتداء على الأموال ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 2006 ، ص 215 .
إلى الجاني بناءا على عقد من عقود الأمانة المحددة حصرا ، وذلك إضرارا بمالكيها أو أصحابه أو واضعي اليد عليها مع توافر القصد الجنائي (1) .
وعرفها الفقه بأنها فعل من يختلس شيئا منقولا سلم إليه على سبيل الأمانة أضرارا بمالكه أو واضع اليد عليه (2) .
خيانة الأمانة جريمة وقتية :ـ
الجريمة الوقتية تتسم بأنها تقع في زمن معين وتنتهي فورا وقد تتكون من فعل ايجابي كالقتل والسرقة أو امتناع ، أما الجريمة المستمرة فهي تلك التي يستغرق تحقيق عناصرها زمنا طويلا نسبيا كجريمة حبس إنسان بدون وجه حق (3) .
وقد قالت محكمة النقض أن خيانة الأمانة جريمة وقتية تقع وتنتهي بمجرد اختلاس المال المسلم للأمين .
خيانة الأمانة جريمة عمديه :ـ
بمعنى أن أرادة الجاني فيها تنصرف إلى تحقيق جميع أركان الواقعة الإجرامية مع العلم بتوافرها وبأن القانون يعاقب عليها كما أن ركنها المادي يتكون من فعل واحد لا يشترط تكراره لتوقيع العقوبة (4) .
خيانة الأمانة جريمة مخلة بالشرف :ـ
لا يوجد في الفقه والقضاء الإداري معيار جامع مانع للجريمة المخلة
(1) الدكتورة / فوزية عبد الستار ، شرح قانون العقوبات ، القسم الخاص ، دار النهضة العربية ، الطبعة الثانية ، 2000 ، ص 505 .
(2) د / جندي عبد المالك، الموسوعة الجنائية ، ج3 ، طبعة بيروت ، دار أحياء التراث العربي ، ص303 .
(3) د / على عوض حسن ، جريمة التبديد ، دار الفكر العربي ، الطبعة الثالثة ، 1990م ، ص 12 .
(4) المرجع السابق ، ص 13 .
بالشرف أو الأمانة ، وقد تضاربت الأحكام بشأن جريمة التبديد فقضت محكمة القضاء الإداري في حكمها الصادر في جريمة خيانة تبديد الأشياء المحجوز عليها يمس نزاهة المحكوم عليه وشرفه ، ونجد أن المحكمة الإدارية العليا قضت بأن جريمة تبديد منقولات الزوجية لا تعتبر جريمة مخلة بالشرف ، وفى نفس الوقت الذي قضت فيه أحدى الدوائر الإستئنافيه بمحكمة القضاء الإداري بأن جريمة تبديد الحارس لأمواله المحجوز عليها تعتبر جريمة مخلة بالشرف (1) .
ويرى الفقه تعليقا على هذا التضارب في الأحكام أن التبديد لا شك كالسرقة والنصب من الأمور التي تخرج عن السلوك القويم وينبئ عن نفس وضيعه ومن ثم فلا يصح أن تختلف فيه الآراء ويتعين اعتباره دائما مخلا بالشرف والأمانة (2) .
والعقود التي نص عليها المشرع في المادة 341 عقوبات هي ( الوديعة والاجارة وعارية الاستعمال والرهن والوكالة واستعمال الشيء لمنفعة المالك ) .
عقود الأمانة :ـ
1ـ الوديعة :
هي عقد من العقود الرضائية التي يمكن تعريفها وفقا لما جاء بنص المادة 718 مدني بقولها ” الوديعة عقد يلتزم به شخص أن يتسلم به شيئا من آخر على أن يتولى حفظ هذا الشيء وعلى أن يرده عينا ” .
(1) د / على عوض حسن ، جريمة التبديد ، مرجع سابق ، ص 14 .
(2) د / محمد جودت الملط ، المسئولية التأديبية للموظف العام ، رسالة دكتوراه جامعة القاهرة ، 1967م ، ص 131.
وتتحقق الجريمة في حالة أن يستغل المودع لديه وجود الشيء في حوزته على سبيل الوديعة ويعتدي على ملكية المودع ولا يراعى التزاماته تجاه المودع بالحفاظ على الشيء على سبيل الأمانة بل يتصرف كما لو كان هو مالك الشيء .
والوديعة كعقد تمثل علامة تعاقدية بين المودع والمودع لديه ولكنها قد تكون قضائية أو قانونية.وصورة الوديعة القضائية هي الحراسة القضائية التي يكون مصدرها حكم قضائي على أموال محل التنازل ، في الحالة القانونية فهي التي يكون مصدرها القانون كالحراسة على الأموال المحجوز عليها التي تعين لها حارس (1) .
2ـ الاجارة :
هي عقد من عقود الأمانة وقد نصت عليه المادة 558 مدني بقولها ” الايجار عقد يلتزم المؤجر بمقتضاه بأن يمكن المستأجر من الانتفاع بشيء معين مدة معينة بمقابل معلوم ” .
والإيجار قد يشمل إيجار العقارات أو المنقول عموما ولكن في جريمة خيانة الأمانة يقتصر الأمر على إيجار المنقولات المادية ـ كأن يبدد المستأجر أثاث المنزل أو الآلات الزراعية ،أو الماشية وفى هذه الحالة يرتكب جريمة خيانة الأمانة المستأجر الذي استأجر هذه الأشياء (2) .
فعقد الإيجار يرتب التزامات على عاتق المستأجر يجب الالتزام بها والإخلال ببعضها يؤدى إلى قيام الجريمة مثل رفض رد الشيء المؤجر عينا ، وتبديده أو الظهور عليه بمظهر المالك على خلاف
(1) د / هدى حامد قشقوش ، شرح قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص222 .
(2) المرجع السابق ، ص 223 .
الحقيقة . أما الالتزامات الأخرى التي يرتبها عقد الإيجار مثل الالتزام بدفع الإيجار مثلا فلا يرتب الإخلال به تحقق جريمة خيانة الأمانة وحتى لو أهمل في المحافظة على الشيء المؤجر فلا قيام للجريمة (1) .
وقد ذهبت محكمة النقض إلى تأكيد ذلك بقولها إن القانون في خيانة الأمانة لا يعاقب على الإخلال بتنفيذ عقد الائتمان في ذاته ، وإنما يعاقب على العبث بملكية الشيء المسلم بمقتضاه فبطلان عقد التسليم يؤثر في العقاب على اختلاس الشيء المسلم . إذن فإذا كانت نية الجاني وقت التسليم غير متفقه مع ما قصد المجني عليه من التسليم فلا تأثير لذلك في قيام جريمة خيانة الأمانة متى ثبت أن الجاني اختلس الشيء الذي سلم له ولم يستعمله في الأمر المعين الذي أراده المجني عليه بالتسليم (2) .
(1) د / هدى حامد قشقوش ، شرح قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 224 .
(2) نقض 21/3/1938 ـ الطعن رقم 987 لسنة 8 ق مجموعة أحكام النقض .
3ـ عارية الاستعمال :
عارية الاستعمال هي ” عقد يسلم به أحد الطرفين شيئا للآخر لينتفع به مدة معينة أو في غرض معين على أن يرجع المستعير عين المعار ويبقى للمعير ملكية الشيء وحوزة الشرعي بحيث لا يكون للمستعير إلا المنفعة “. فإذا استولى المستعير على شيء منقول تسلمه بمقتضى عقد إعارة عد مرتكبا لجريمة خيانة الأمانة (1) .
وفى عارية الاستعمال يجب على المستعير رد الشيء بعينه بعكس عارية الاستهلاك الذي لا يلتزم فيه المستعير برد الشيء نفسه بل يرد شيء آخر مثله لأن الأول يهلك بالاستهلاك . وما يخصنا في جريمة خيانة الأمانة هي عارية الاستعمال وفقا لما جاء بالنص (2) .
4ـ الرهن :
الرهن هو أحد عقود الأمانة وقد نص المشرع المدني في المادة 1096 على الرهن الحيازى فقال ” الرهن الحيازى عقد يلتزم به شخص ضمانا لدين عليه أو على غيره أن يسلم إلى الدائن أو إلى أجنبى يعينه المتعاقدان شيئا يرتب عليه للدائن حقا عينيا يخول حبس الشيء لحين استيفاء الدين وأن يتقدم الدائنين العاديين والدائنين التاليين له في المرتبة في اقتضاء حقه من ثمن هذا الشيء في أى يد يكون (3) .
وكما هو واضح فالرهن يعطى حق الأفضلية والأولوية للدائن المرتهن ، والدائن المرتهن هذا هو الذي يمكن أن يرتكب جريمة خيانة الأمانة بناءا على تسلمه الشيء بمقتضى عقد الرهن حيث يعتبر هذا الشيء المرهون في حيازته الناقصة ولكن إذا أخل بالتزامه وتصرف كما لو ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د / عبد الحكم سالمان ، الشيك وخيانة الأمانة ، مرجع سابق ، ص 112 .
(2) د / هدى حامد قشقوش ، شرح قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 225 .
(3) نفس المرجع السابق ، ص 226 .
كان هو المالك الحقيقي للشيء فهو بذلك يعتدي على حـــق ملكية المالك الشرعي للشيء ويهدر حقه إذا استولى على الشيء وأعتبره مملوكا له (1) .
كما يلتزم الدائن المرتهن بحفظ المرهون وصيانته وإرجاعه إلى الراهن بمجرد تنفيذ المدين لالتزاماته فإذا استولى على الشيء المرهون عد مرتكبا لجريمة خيانة الأمانة (2) .
كما يرتكب الدائن المرتهن جريمة خيانة الأمانة إذا قام برهن الشيء المرهون لديه ضمانا لدين عليه لدى شخص آخر (3) .
فعقد الرهن الحيازى يتضمن التزاما صريحا بالرد ولا يجوز الأنفاق على أن يصبح الدائن مالكا المال عند عدم سداد الدين ولكن المادة 1121 مدني نصت استثناء على أنه :ـ
1ـ يجوز للدائن المرتهن إذا لم يستوف حقه أن يطلب من القاضي الترخيص له في بيع الشيء المرهون بالمزاد العلني أو بسعره في البورصة أو السوق .
2ـ ويجوز أيضا أن يطلب من القاضي أن يأمر بتمليكه الشيء وفاء للدين على أن يحسب عليه بقيمته بحسب تقدير الخبراء (4) .
(1) د / هدى حامد قشقوش ، شرح قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 226 .
(2) د / عبد الحكم سالمان ، الشيك وخيانة الأمانة ، مرجع سابق ، ص 112 .
(3) نفس المرجع
(4) د/ رؤوف عبيد ، جرائم الاعتداء على الأشخاص والأموال ، مكتبة الوفاء القانونية ، طبعة 2015 م، ص 865 .
5 ـ الوكالة :
الوكالة عقد من ضمن العقود التي نصت عليها المادة 341 عقوبات كعقد من عقود الأمانة ، وعرفها القانون المدني في المادة 699 بأنها عقد يلتزم الوكيل بمقتضاه بأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل والغالب أن تكون الوكالة بمقابل ولكنها قد تكون بدون مقابل وقد نصت المادة 341 عقوبات ــ التي جعلت من الوكالة عقد من عقود الأمانة ــ على أن الوكالة قد تكون بأجرة أو مجانا (1) .
والوكيل قد يتصور ارتكابه لجريمة خيانة الأمانة في حالة أن يمتنع عن رد ما لديه من مال للموكل حيث يحتفظ بالشيء الذي يحوزه حيازة ناقصة بنية تملكه ويحوله من حيازته الناقصة إلى حيازته الكاملة فهو بذلك يعتدي على حق ملكية المالك الحقيقي للشيء (2) .
وقد قضت محكمة النقض في هذا المعنى ذاتها بقولها ” تتحقق جريمة خيانة الأمانة بكل فعل يدل على أن الأمين اعتبر المال الذي اؤتمن عليه مملوكا له يتصرف فيه تصرف المالك ” (3) .
كذلك يعتبر الشريك الذي يتسلم مال الشركة جميعه بما فيه مال الشركاء يكون أمينا بمقتضى وكلاته عن بقية الشركاء فإذا استولى على المال بنية تملكه فهو خائن للأمانة (4) .
(1) د / هدى حامد قشقوش ، شرح قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 227 ـ 228 .
(2) نفس المرجع ، ص 228 .
(3) نقض 28/4/1969 ـ الطعن رقم 522 لسنة 39 ق مجموعة أحكام النقض .
(4) د / هدى حامد قشقوش ، شرح قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 229 .
6 ـ استعمال الشئ لمنفعة المالك أو غيره :
نصت المادة 341 عقوبات في آخر تعداد العقود التي تعتبر عقود أمانة على هذا العقد الأخير حيث قالت ” أو كانت سلمت بصفته وكيلا بأجرة أو مجانا بقصد عرضها للبيع أو استعمالها في أمر معين لمنفعة المالك لها أو غيره ” .
وهذا يعنى أن المال المنقول المملوك للمجني عليه قد سلم إلى الجاني لكى يستعمله لمنفعة المالك أو غيره . وهو في حقيقة الأمر عمل مادى لا يصلح لأن يكون محلا للوكالة ــ العقد السابق في نص المادة 341 عقوبات لأن محل الوكالة عمل قانوني وليس مادى ــ لذلك ما يميز هذا العقد الاستعمال لمنفعة المالك هو أن محله عمل مادى ويدخل في نطاقه ما يطلق عليه ” عقد الاستصناع ” (1) .
والمثال على ذلك أن يتم تسليم أخشاب إلى نجار لصناعة قطع أثاث معينة لمصلحة المالك أو غيره أو تسلم خيط تريكو إلى مصنع التريكو لكى يقوم بصناعته كنزات صوفية ، فإذا امتنع الصانع عن رد الأشياء المصنعة لمالك المواد الخام يكون قد ارتكب جريمة خيانة أمانة لاستيلائه بنيه التملك على أشياء ملك لمالكها الشرعي الذي سلمها إليه لمجرد استثمارها أو استصناعها لصالحه أو لصالح الآخرين .
وقد يكون الاستصناع بأجر أو بدون أجر ، فإذا سلم شخص إلى آخر قطعة قماش لتصنيعها له ثوبا فما به إلا واحتفظ بالقماش لنفسه ورفض ردها فهو مرتكبا لجريمة خيانة الأمانة (2) .
(1) د / هدى حــامد قشقوش ، شرح قانـون العقـوبات ، مرجـع سـابـق ، ص229 .
(2) نقض 9/6/1974 ـ الطعن رقم 582 لسنـــــــة 44 ق مجموعة أحكام النقض .
نقض 31/10/1966 ـ الطعن رقم 1216 لسنة 36 ق مجموعة أحكام النقض .
المبحث الثاني : الفرق بين جريمة خيانة الأمانة والجرائم المشابهة
المطلب الأول : الفرق بين خيانة الأمانة والسرقة .
المطلب الثاني : الفرق بين خيانة الأمانة والنصب .
المطلب الثالث : الفرق بين خيانة الأمانة والتزوير .
المطلب الأول : الفرق بين خيانة الأمانة والسرقة
خيانة الأمانة تشبه السرقة من حيث كونها تقع على مال الغير ، ولكنها تختلف عن السرقة في أن هذه الأخيرة إنما ترتكب بسلب المال ففيها يؤخذ الشيء خلسة أو بالقوة ويستولى عليه السارق رغم أرادة صاحبه أو بغير علمه (1) .
أما في خيانة الأمانة فيوجد الشيء في حيازة الجاني بصفة قانونية إذ يكون قد سلم إليه برضاء صاحبه وبعد ذلك يختلس الجاني ذلك الشيء أو يتصرف فيه المالك مما يتعارض مع السند الذي تسلمه بمقتضاه ، فخيانة الأمانة ترتكب أذن بتغير صفة الحيازة وتحويلها من حيازة ناقصة إلى حيازة كاملة ، خلافا للسرقة فإنها تقتضى اختلاس الحيازة نفسها (2) .
تعتبر جريمة السرقة اعتداء على الحيازة والملكية معا إذ يكون الشيء في حيازة المجني عليه وقت السرقة ، أما جريمة خيانة الأمانة فتقع اعتداء على حق الملكية دون الحيازة ، إذ أن الشيء يكون في حيازة مرتكب جريمة خيانة الأمانة وقت ارتكاب جريمته (3) .
(1) د / عدلي خليل ، جريمة السرقة والجرائم الملحقة بها ، عالم الكتاب ، الطبعة الأولى ، سنة 1984م ، ص 12 .
(2) د / جندى عبد المالك ، الموسوعة الجنائية ، طبعة بيروت ، دار أحياء التراث العربي ، ص 303 .
(3) د / مجدى محمود محب حافظ ، جرائم النصب والاحتيال ، النسر الذهبى ، 2006م ، ص 9،10 .
المطلب الثاني : الفرق بين خيانة الأمانة والنصب
تختلف خيانة الأمانة عن النصب في أن التسليم في جريمة النصب يكون نتيجة لاستعمال الطرق الاحتيالية من جانب مرتكب الجريمة (1) .
بقصد التوصل إلى الاستيلاء على الشيء والذي تتحقق به الجريمة بينما في خيانة الأمانة يتم تسليم الشيء نفاذا لعقد مدني من عقود الائتمان التي أوردها القانون على سبيل الحصر وبدون أن تستعمل الطرق الاحتيالية ولا تتوافر الجريمة فيها ، إلا إذا ثبت أن من تسلم الشيء قد خان عقد الأمانة واختلس الشيء لنفسه أو تصرف فيه تصرف المالك .
فوجه الشبه بين خيانة الأمانة والنصب أن تسليم الشيء فيما يكون برضاء المجني عليه واختياره ( بعكس السرقة ) ووجه الاختلاف أن التسليم في خيانة الأمانة يكون بمقتضى عقد من العقود الواردة حصرا بالمادة 341 ع بينما يكون التسليم في النصب وليد طرق احتيالية باشرها المتهم وأثرت في أرادة واختيار المجني عليه (2) .
وقد يتوافر في الفعل جريمتا النصب وخيانة الأمانة ، فأمين شونة بنك التسليف الزراعي وغفيره إذا باعا شيئا من الأرز المودع بالشونة
(1) د / أحمد فتحى سرور ، الوسيط فى قانون العقوبات ، القسم الخاص ، الشركة المتحدة للنشر والتوزيع ، طبعة 1979م ، ص 716 ، د / عدلى خليل ، جريمة السرقة والجرائم الملحقة بها ، مرجع سابق ، ص 19 .
(2) د / على عوض حسن ، جريمة التبديد ، مرجع سابق ، ص 20 .
لحساب وزارة الزراعة إلى شخص وتسلما منه بعض الثمن وأحضرا عربة لنقله وضبط الأرز قبل أتمام نقله من الشونة فأن جريمة خيانة الأمانة تكون متحققة بالنسبة إليهما وهذه الفعلة تتوافر فيها أيضا أركان جريمة النصب بتصرف المتهمين بالبيع في مال غير مملوك لهما ولا لهما حق التصرف فيه وحصولهما بذلك من المشترى الحسن النية على الثمن فإن التصرف على هذا النحو تتحقق به هذه الجريمة ولو لم يقترن بطرق احتيالية (1) .
جريمة خيانة الأمانة تشترك مع جريمة النصب في وقوعها اعتداء على حق الملكية دون الحيازة (2) .
(1) الطعن رقم 49 لسنة 15 ق جلسة 19/2/1945 ، الموسوعة الذهبية ج3 رقم 570 .
(2) د / مجدى محمود محب حافظ ، جرائم النصب والاحتيال ، مرجع سابق ، ص 10 .
المطلب الثالث : الفرق بين خيانة الأمانة والتزوير
التزوير له صور متعددة ولعل الصورة الوحيدة التي تقترب إلى حد ما مع خيانة الأمانة هي صورة التزوير بالحصول على ورقة ممضاة على بياض ، وصورته أن يحصل الجاني على ورقة ممضاة على بياض من صاحبها لاستعمالها في غرض معين فإذا به يستعملها في غرض آخر غير ما تم الاتفاق عليه ، وقد عالجت المادة 340 عقوبات حالة خاصة من حالات التزوير بالحصول على ورقة ممضاة على بياض من صاحبها وذلك إذا كان تسليم الورقة إلى الجاني على سبيل الأمانة فنصت على أن ” كل من اؤتمن على ورقة ممضاة أو مختومة على بياض فخان الأمانة وكتب في البياض الذي فوق الختم أو الإمضاء سند دين أو مخالصة أو غير ذلك من السندات والتمسكات التي يترتب عليها حصول ضرر لنفس صاحب الإمضاء أو الختم عوقب بالحبس ويمكن أن يزداد عليه غرامة لا تتجاوز خمسين جنيها مصريا ” . فهذه المادة تتطلب تسليم الورقة الممضاة أو المختومة على بياض إلى الجاني وأن يكون هذا التسليم بعقد من عقود الأمانة (1) .
(1) د / رءوف عبيد ، جرائم التزييف والتزوير ، دار الفكر العربي ، الطبعة الرابعة ، 1984 ، ص 95 .
الفصل الثاني : أركان جريمة خيانة الأمانة
وفيه مبحثان :
المبحث الأول : الركن المادي للجريمة .
المبحث الثاني : الركن المعنوي للجريمة .
المبحث الأول : الركن المادي للجريمة
تمهيد :
عبر المشرع في المادة 341 من قانون العقوبات عن الركن المادي لجريمة خيانة الأمانة بقوله ” كل من أختلس أو استعمل أو بدد مبالغ أو أمتعة أو أضرارا بمالكيها أو أصحابها أو واضعي اليد عليها …. الخ ”
وقد عبر المشرع بألفاظ ” اختلس أو استعمل أو بدد ” إلى الفعل الذي تقوم به
الجريمة ، وأشار بلفظ ” أضرارا ” إلى الضرر الذي يترتب على الفعل وتقوم به النتيجة الإجرامية .
فيلزم لاكتمال الركن المادي أن ترتكب أحد هذه الأفعال ــ الاختلاس أو الاستعمال أو التبديد ــ أضرارا بمالك الشيء أو صاحبه أو واضع اليد عليه .
ولذا سنتناول الركن المادي لجريمة خيانة الأمانة في مطلبين :ـ
المطلب الأول : صور الفعل المادي .
المطلب الثاني : الضرر .
المطلب الأول : صور الفعل المادي
يتحقق النشاط المادي لخيانة الأمانة بأحد الصور الثلاثة الآتية :ـ
(1) الاختلاس
(2) الاستعمال
(3) التبديد
وفيما يأتي نوضح كل صورة من صور الاعتداء في خيانة الأمانة التي نص عليها المشرع .
أولا الاختلاس :
الاختلاس هو فعل يقترفه الجاني بالسيطرة على الشيء وحيازته حيازة كـاملة وممارسة سلطات المالك عليه والظهور بمظهر المالك ويمتنع عن رد الشيء إلى مالكـه بما يحقق الاختلاس كأحد صور خيانة الأمانة (1) .
يعنى الاختلاس هنا كل فعل يدل به الأمين ( الحائز للشيء ) عن تغير حيازته الناقصة إلى حيازة كاملة بنية التملك (2) .
ويظهر الاختلاس في رفض الجاني رد الشيء الذي في حوزته وقد ينكر صلته بالمجني عليه أو بعقد الأمانة الذي بمقتضاه تم تسليم الشيء
(1) د / هدى حامد قشقوش ، شرح قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 232 .
(2) طعن رقم 1396 لسنة 25ق ، نقض 24 ابريل 1956 ، مشار إليه بمؤلف د/ طارق سرور ، شرح قانون العقوبات ، القسم الخاص ، جرائم الأشخاص والأموال ، دار النهضة العربية ، الطبعة الثانية ، 2010 ، ص 1010 .
إليه على سبيل الأمانة . أما إذا امتنع عن الرد ولم يظهر نيته في التملك فلا قيام للركن المادي للجريمة لأن فعل الاختلاس لا يقوم إلا بفعل ايجابي أما إذا عبر عن نيته في تملك الشيء بجانب امتناعه عن رده فهنا تقوم صورة الاختلاس (1) .
فالمقصود بالاختلاس في باب خيانة الأمانة هو غير المقصود بالاختلاس في باب السرقة فبينما يعنى الاختلاس في جريمة السرقة سلب حيازة الشيء من صاحبه أو حائزه بدون رضائه بأزالة العلاقة المادية التي كانت تربط بين الشيء وحائزه ، نجد في خيانة الأمانة يعنى مجرد تغيير شكل الحيازة من حيازة ناقصة ومؤقتة إلى حيازة كاملة ودائمة بإضافة المختلس إلى ملكه الشيء الذي سلم إليه على سبيل الأمانة (2) .
ويلاحظ أن مفهوم الاختلاس هنا يقتضى إلا يكون من شأن نشاط الجاني أخراج الشيء من حيازته وإلا جاوز ذلك نطاق الاختلاس ودخل في حدود التبديد (3) .
(1) د / هدى حامد قشقوش ، شرح قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 232 ، 233 .
(2) طعن رقم 913 لسنة 16 ق ، نقض 29 ابريل 1946 ، مشار إليه بمؤلف د / طارق سرور ، شرح قانون العقوبات ، مرجع سابق ص 1010 .
(3) د / عمر السعيد رمضان ، شرح قانون العقوبات ، القسم الخاص ، دار النهضة العربية ، 1986 ، ص 605 .
ثانيا الاستعمال :
الاستعمال هو الصورة الثانية من صور الركن المادي في جريمة خيانة الأمانة .
الاستعمال يعنى استعمال الشيء بما يضيعه على صاحبه أو الاستعمال الذي لا يصدر إلا من مالكه . والمثال الواضح على ذلك أن يتم تسليم الناشر أصول كتاب للمؤلف لكى يطبعه ويسلمه للمؤلف ليبيعه ، فما بالناشر إلا ويطبع عدد كبير من الكتاب لمصلحته ويوزعه دون علم المؤلف بما يعتبر خيانة للأمانة التي سلمت إليه ، فالاستعمال هنا يفيد المعنى السئ للاستعمال الذي يفوت الحق على صاحبه أما الاستعمال الذي يفيد معنى الانتفاع بدون أن يفوت حق المالك في الشيء ولا يؤدى إلى هلاكه فلا تأثير له ولا قيام لجريمة خيانة الأمانة به (1) .
وهو على هذا الوضع يكون صورة من صور تغير الشيء عن وجهته لتملكه ، فلا يكفى مجرد استعمال المال استعمالا مخالفا لشروط العقد ، لان القاعدة في خيانة الأمانة هي أن يلزم وقوع الفعل على ملكيه الرقبة ، ولا يغنى عن ذلك وقوعه على مجرد المنفعة ، وهذه قاعدة مضطردة في جميع جرائم سلب مال الغير (2) .
وفى حالة الاستعمال لا يشترط أن يتوافر لدى الجاني نية عدم رد المال. وهذا ما يفرق هذه الصورة من الاختلاس والتبديد الذي تظهر فيها نية عدم رد الشيء أو تبديده (3) .
(1) د / هدى حامد قشقوش ، شرح قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 233 .
(2) د / رؤوف عبيد ، جرائم الاعتداء على الأشخاص والأموال ، مرجع سابق ، ص 888 .
(3) د / هدى حامد قشقوش ، المرجع السابق ، ص 234 .
ثالثا التبديد :
التبديد هو الصورة الثالثة للركن المادي لجريمة خيانة الأمانة التي نص عليها المشرع في المادة 341 عقوبات وهى اشد صور خيانة الأمانة وطأة على مال المجني عليه لان الجاني يأتي بالتبديد سلوكا يفقد المجني عليه ماله ويكون ذلك بإهدار المال نهائيا ، وقد يكون التبديد عن طريق تصرف قانوني ــ وإن كان ليس من حق خائن الأمانة ــ أي تصرف مادي (1) .
ويزيد مفهوم التبديد على الاختلاس بأنه يتضمن إخراج الشيء المسلم إليه على سبيل الأمانة من حيازة الأمين بالتصرف فيه على اعتبار انه مملوكا له .
ويدخل في مفهوم التبديد حالتان :ـ
الأولى :ـ إخراج الأمين الشيء المؤتمن عليه من حيازته بأن يتصرف فيه بأحدي التصرفات القانونية . مثال ذلك أن يبيعه أو يهبه أو يقايضه أو يرهنه للغير ، وأي تصرف آخر يترتب عليه تخلى الجاني عن حيازته للشيء المسلم له (2) .
الثانية :ـ تصرف الجاني تصرفا ماديا كإتلاف أو إحراق أو تدمير أو استهلاك الشيء المسلم له ــ على سبيل الأمانة .مثال ذلك أن يصرف النقود التي اؤتمن عليها أو أن يأكل الطعام موضوع عقد الأمانة (3) . ولمحكمة الموضوع مطلق الحرية في تكوين عقيدتها في حصول التبديد وأن تستدل على ذلك بأي عنصر من عناصر الدعوى (4) .
ويلاحظ أنه في الحالتين يتعين ابتداء ظهور الجاني بمظهر المالك مع توافر نية لديه منصرفة إلى عدم رد الشيء لصاحبه مما يقوم به أيضا فعل الاختلاس ثم التصرف في الشيء .
1) د / هدى حامد قشقوش ، شرح قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 234 .
(2) د / طارق( سرور ، شرح قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 1012 .
(3) نفس المرجع السابق .
(4) الطعن رقم 522 لسنة 39 ق ، نقض 28 ابريل 1969 ، مجموعة أحكام محكمة النقض ، مشار إليه بكتاب د/ طارق سرور ، المرجع السابق ، ص 1012
المطلب الثاني : الضرر
تمهيد :
كل جريمة يترتب عليها ضرر مباشر هو الذي يحظره القانون ويعاقب عليه ، وأن هذا الضرر قد يكون نتيجة مفترضه ومتصله بالفعل المادي أوثق صله بحيث لا يمكن فصلها عنه بحكم طبيعة الأشياء ، وهذا النوع من الضرر في غالبية الجرائم كالقتل والضرب والسرقة والنصب .
” مدلول الضرر في جريمة خيانة الأمانة ”
تقوم خطة المشرع على التوسع في تحديد مدلول الضرر الذي تفترضه جريمة خيانة الأمانة ، فلا يفرق المشرع بين الضرر المادي والضرر الأدبي ولا يفرق بين ضرر حال وضرر محتمل ، ويستوى أن يكون الضرر جسيما أو يسيرا ، وسواء أن يصيب المالك أو غيره ممن لهم على الشيء حقوق ، وسواء أن يكون المضرور شخصا طبيعيا أو شخصا معنويا ، وسواء أن يكون المضرور معينا أو غير معين ولا يشترط أن ينال المتهم كسبا من فعله أو لم ينال شيء من ذلك (1) .
نصت المادة 341 عقوبات على وجوب أن تقع الجريمة ” أضرارا بمالكيها أو أصحاب أو واضعي اليد عليها ” ، وساد الفقه بناءا على ذلك القول بأن الضرر ركن لازم لقيام هذه الجريمة (2) .
(1) د / عدلي خليل ، جريمة خيانة الأمانة والجرائم الملحقة بها ، دار الكتب القانونية ، 2005 ، ص 121 ، 122 .
(2) د / عبد الحميد المنشاوى ، جرائم خيانة الأمانة ، دار الجامعة الجديدة للنشر ، 2005 ، ص77.
وعلى ذلك إذا استلم وكيل مبلغا من المال كرسوم أو مصاريف لعمل معين وتمكن بهذا العمل بدون مقابل أو بتكاليف بسيطة وإنما بطريق غير مشروع واستحوذ على الباقي يعد مرتكبا لخيانة الأمانة ، كذلك لا يشترط أن يكون الضرر ماديا بل تقع الجريمة ولو كان الضرر أدبيا كما في تبديد أوراق شخصية أو أشياء ليس لها إلا قيمة تذكارية (1) .
فإذا لم يكن هناك ضرر مطلقا لا محقق ولا محتمل فلا جريمة . فإذا افترضنا أن وكيلا حصل بضع جنيهات وصرفها على أن يدفع بدلها من نقوده الخاصة عند تقديم الحساب للموكل وكان مليئا لدرجة لا يحتمل معها للشك في قدرته على الوفاء بالمبلغ في أي وقت يطلب منه فلا يعد فعله خيانة أمانة .
كما لا يشترط أن يلحق الضرر المالك نفسه ، بل يكفى أن يلحق الضرر حائزه حيازة مؤقتة أو من كانت يده عليه يدا عارضة ، وهذا المقصود بعبارة المادة 341 عقوبات ” أضرارا بمالكيها أو أصحابها أو واضعي اليد عليها …. ” مثل التابع إذا بدد أشياء استلمها من متبوعه على سبيل الأمانة وكانت الأشياء ملكا لشخص آخر .
(1) د / عبد الحميد المنشاوى ، جرائم خيانة الأمانة ، مرجع سابق ، ص 90 .
المبحث الثاني: الركن المعنوي للجريمة
جريمة خيانة الأمانة جريمة عمديه إذ ينص على عقاب الجاني الذي يقدم على اختلاس أو تبديد الأشياء التي اؤتمن عليها قاصدا بذلك الإضرار بأربابها أو المتصرفين فيها أو من هي بأيديهم
فجريمة خيانة الأمانة القائمة على إيصال الأمانة جريمة عمديه لابد من تحقق القصد الجنائي فيها ولا يقتصر على القصد الجنائي العام وإنما لابد من توافر القصد الجنائي الخاص ، وهو يتمثل في نية التملك أي أن تتجه إرادة الجاني إلى تغير حيازته من حيازة ناقصة إلى حيازة كاملة مع إنكار حق صاحبه عليه أي انصراف نية الجاني إلى إضافته إلى ملكه واختلاسه إلى نفسه فإذا انتفيت هذه النية لا تقوم الجريمة (1) .
(1) د / عبد الحكم سالمان ، الشيك وخيانة الأمانة ، مرجع سابق ، ص 125 .
تبعا لذلك تتطلب جريمة خيانة الأمانة بوصفها جريمة عمديه توافر القصد الجنائي العام فضلا عن القصد الجنائي الخاص قوامه نية تملك الشيء موضوع الجريمة .
القصد الجنائي العام .
القصد الجنائي الخاص .
أثبات القصد الجنائي .
القصد الجنائي العام:
القصد الجنائي العام يمكن تعريفه على أنه ” إرادة الجاني ارتكاب فعل يعلم أو هو محمول على العلم بأن القانون الجزائي يجرمه ” (1) .
يتضح من هذا التعريف أن القصد الجنائي العام يستوجب توافر عنصرين هما :
. الإرادة
. العلم
فالإرادة هي ” نشاط نفسي ينصب على الرغبة في تحقيق نتيجة إجرامية ” (2) .
يجب أن تتجه إرادة الجاني إلى ارتكاب ماديات الواقعة بأن يستولى على المال المسلم إليه بإرادته ويرفض رده إلى صاحبه إضرارا بملكية المالك ، ويجب أن تتخذ إرادته إحدى صور الركن المادي وهى الاستعمال أو الاختلاس أو التبديد (3) .
أما العلم فيتمثل في كون الجاني على يقين بأنه يرتكب عملا إجراميا يمنعه القانون . ففي جريمة خيانة الأمانة ينبغي أن يكون الجاني على علم بالعناصر المكونة للجريمة أي أنه يجب أن يكون عالما بأن الشيء
(1) د / عبد الحكم سالمان ، الشيك وخيانة الأمانة ، مرجع سابق ، ص 125 .
(2) المرجع السابق ، ص 126 .
(3) د / هدى حامد قشقوش ، شرح قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 238 .
الذي استولى عليه ملك للغير ، فالوارث الذي يقدم على التصرف في شيء مودع عند مورثه معتقدا أن ذلك الشيء تابع لأموال التركة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون مرتكبا لجريمة خيانة الأمانة لعدم علمه بأن الشيء المتلف مملوك لغيره (1) .
فيجب أن يعلم الجاني بمكونات الواقعة الإجرامية بأن يعلم أن المال مملوك لغيره وأنه سلم إليه ليحوزه حيازة ناقصة على سبيل الأمانة وأنه يلتزم برده عينا إلى المالك وفقا لأحد العقود المنصوص عليها حصرا نص المادة 341 عقوبات ، وأن يعلم بماهية فعله من تغيير حيازة المال من حيازة ناقصة إلى حيازة كاملة (2) .
وينبغي كذلك أن يكون الجاني عالما بأنه يرتكب الاختلاس أو الإتلاف على الشيء المؤمن لديه ، أما إذا هلك منه ذلك الشيء نتيجة قوة قاهرة أو تقصير منه أو سوء استعمال عن غير قصد فإنه لا يعد مرتكبا لخيانة الأمانة (3) .
(1) د / عبد الحكم سالمان ، الشيك وخيانة الأمانة ، مرجع سابق ، ص 126 .
(2) د / هدى حامد قشقوش ، شرح قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 237 .
(3) د / عبد الحكم سالمان ، نفس المرجع السابق .
القصد الجنائي الخاص:
القصد الجنائي الخاص هو قصد محدد بنتيجة معينة بذاتها ولا يشترط في كل الجرائم . ويتمثل القصد الجنائي الخـاص في جريمة خيانة الأمانة في نية الإضرار بصاحب الشيء أو المتصرف فيه وكل من القانون الفرنسي والقانون المصري يشترطان الضرر كركن مادي لقيام جريمة خيانة الأمانة ، فالمادة 341 من قانون العقوبات المصري فـتعتـمد عـبـارة ” إضرارا بمالكـيها أو أصحـابها أو واضعي اليد عليها … الخ ” ، فقد جعل المشرع المصري وكذلك الفرنسي القصد الجنائي الخاص في جريمة خيانة الأمانة متمثلا في نية التملك وهو ما لم يختلف عن القصد الجنائي الخاص في جريمة السرقة التي تنصرف فيها إرادة الجاني نحو تملك شيء مملوك للغير (1) .
وقد أكدت محكمة النفض أهمية هذه النية ، فقالت ” من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة خيانة الأمانة لا يتحقق بمجرد تصرف المتهم في الشيء المسلم إليه أو خلطه بماله . وإنما يتطلب فوق ذلك ثبوت نية تملكه اياه وحرمان صاحبه منه .
ولا تختلف هذه النية في عناصرها عن نية التملك في السرقة والنصب فهي تعنى إرادة السلوك إزاء الشيء كما يسلك مالكه ، أي إرادة الحلول محل المالك في سلطانه على الشيء ؛ فالمتهم يريد أن يباشر السلطات التي ينطوي عليها حق الملكية باسمه ولحسابه غير معترف للمالك بالحقوق والسلطات التي كان سند حيازته يفرض عليه الاعتراف بها (2) .
(1) د / عبد الحكم سالمان ، الشيك وخيانة الأمانة ، مرجع سابق ، ص 127 .
(2) د / محمود نجيب حسنى ، شرح قانون العقوبات ، القسم الخاص ، دار النهضة العربية ، 1988 ، ص 1220 .
فإذا انتفت هذه النية فلا يتوافر القصد ؛ فإذا كان المستعير لا يستهدف بتأخره في رد الشيء غير أن يطيل أمد انتفاعه به ، أو كان المستأجر لا يعنى باستعماله الشيء في غير ما أتفق عليه سوى أن يحصل منه على أكبر قدر من الانتفاع ، فكانت إرادة كل منهما متجهه إلى مجرد الإخلال بالالتزام التقاعدي دون أن تجاوز إلى حرمان المالك من حقه والحلول محله على الشيء ، فإن القصد لا يتوافر بذلك .
وإذا كان موضوع خيانة الأمانة مالا مثليا ، فأن نية التملك تفترض على المتهم بالضرر ( ولو كان محتملا ) الذي قد ينزل بالمجني عليه ، وتفرض اتجاه إرادته إلى ذلك أو قبوله . ومثال ذلك إن ينفق الوكيل النقود التي سلمت إليه لحساب موكله في شئونه الخاصة علما باعساره ، وانه لن يتوافر لديه مال لإبقاء الموكل حقه ، ويتوقع تبعا لذلك عجزه عن أبراء ذمته تجاهه فتتجه إرادته إلى ذلك نكاية فيه ، أو يقبل ذلك لأنه لا تعنيه مصالح موكله ولا يعبأ بفقد ثقته فيه (1) .
وتطبيقا لذلك فإنه إذا قرر الوكيل أن يستغل الأموال التي تسلمها لحساب موكله في مضاربات البورصة ، أملا أن يسترد هذه الأموال مضافا إليه أرباحها ، فيرد إلى الموكل ماله ويحتفظ لنفسه بالأرباح أو يسلم إلى الموكل جزءا من الأرباح أو كلها بالإضافة إلى ماله . ولكن نتيجة المضاربة جاءت خاسره فضاع رأس المال ولم يستطع أن يرد إلى الموكل ماله فإن الوكيل يسأل عن خيانة الأمانة ، لأنه توقع بالنظر إلى طبيعة عمليات المضاربة في البورصة احتمال الخسارة ” أي الضرر المحتمل ” ولو كان هذا الاحتمال قليلا ، فقبله وأقدم على هذا التصرف في أموال موكله (2) .
(1) د / محمود نجيب حسنى ، شرح قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 1220 .
(2) المرجع السابق ، ص 1221 .
ولكن إذا خلط الوكيل أموال موكله بأمواله الخاصة التي تفوقها ثم أودعها جميعا باسمه في مصرف متين المركز ، وكان منتويا أن يسحب أموال الموكل بمجرد طلبه لها ويردها إليه ، ولم يتوقع احتمال أفلاس المصرف ، ولكن هذا المصرف أفلس ، فلم يستطع أبراء زمته لدى مطالبته بذلك ، فإن القصد لا يتوفر لديه (1) .
(1) د / محمود نجيب حسنى ، شرح قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 1221 .
أثبات القصد الجنائي:
على القاضي أن يستخلص القصد الجنائي من فعل الجاني ، فمن السهل على قاضي الموضوع استخلاص قيام القصد في جريمة خيانة الأمانة إذا اتخذ الركن المادي فيها صور التبديد ، إذ يعتبر التصرف في الشيء بالهبة أو المقايضة أو البيع كافيا للقول بتوافر القصد (1) .
ولكن الأمر يدق إذا ما أتخذ الفعل صورة الاختلاس حيث تتم الجريمة بمجرد تغير نية الحيازة المؤقتة إلى نية الحيازة الكاملة ، فيجب في هذه الحالة أن يقوم الدليل على تغير النية ويستنتج القصد من أي فعل يدل على هذا التغير كإنكار الشيء أو ادعاء سرقته (2) .
وأكثر الأفعال دلالة على تغيير نية الحيازة لدى الجاني هو امتناعه عن رد الشيء عند مطالبته بذلك .
ولا يشترط لبيان القصد الجنائي في جريمة خيانة الأمانة أن ينص عليه في الحكم بحيازة صريحة مستقلة ، بل يكفى أن يكون مستفادا من ظروف الواقعة المبينة به أن الجاني ارتكب الفعل المكون للجريمة بنية حرمان المجني عليه من الشيء المسلم إضرارا به (3) .
(1) د / عدلي خليل ، جريمة خيانة الأمانة والجرائم الملحقة بها ، مرجع سابق ، ص 138 .
(2) نقض 19/2/ 1940 بمجموعة القواعد ج5 قاعدة 65 ، مشار إليه بمؤلف د / عدلي خليل ، المرجع السابق .
(3) نقض 15/2/1972 س23 قاعدة 43 ، مشار إليه بمؤلف د / عدلي خليل ، المرجع السابق ، ص 139 .
الفصل الثالث : أحكام العقاب
المبحث الأول : عقوبة الجريمة .
المبحث الثاني : الإعفاء من العقوبة .
المبحث الأول:
عقوبة الجريمة:
إذا تمت الجريمة بأركانها التي ذكرنها في الفصول السابقة حق العقاب و لا يمنع من توقيعه تصالح المجني عليه مع الجاني أو رد الشئ المختلس أو المبدد و يتعين علي الحكم الصادر بالإدانة إن يشير إلي الواقعة المستوجبة للعقوبة بيانا تتحقق به أركان الجريمة و الظروف التي وقعت فيها و الآلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها .
خيانة الأمانة في القانون المصري جنـحة عقابها الحبس الذي لا يتجاوز ثلاث سنوات و يجوز أن تزداد عليه غرامـة لا تتجاوز مائـة جنيه ( مادة 341 عقوبات ) و قد رأينا إنه لا عقاب على الشروع فيها لأنه غير متصور (1) .
فإذا قضت المحكمة بالغرامة فقط كان حكمها مخالفا للقانون . وتطبيقا لذلك حكمت محكمة النقض بأن العقوبة المقررة بالمادة 341 قانون العقوبات هي الحبس وجوبا ويجوز أن يزاد عليها غرامة لا تتجاوز مائة جنية ، ولما كان الحكم المطعون فيه قد عدل عقوبة الحبس المقضي بها في الحكم الابتدائي إلى عقوبة الغرامة فإنه يكون قد اخطأ في تطبيق القانون (2) .
(1) د / على عوض حسين ، التبديد ، مرجع سابق ، ص 212 .
(2) الطعن رقم 1074 لسنة 41 ق جلسة 27/ 12/ 1971 س 22 مجموعة المكتب الفني ، مشار إليه د / على عوض حسين ، المرجع السابق ، ص 213 .
ويلاحظ القيمة الزهيدة للغرامة نظرا لقدم النص .
ولا يتصور الشروع أو العقاب عليه لان الجريمة تتحقق بمجرد تغير حيازة الجاني من ناقصة إلى كاملة ، وبالتالي فلم ينص المشرع على عقاب الشروع في خيانة الأمانة ، والقاعدة أن الجنحة يجب النص على العقاب في الشروع فيها إذا قرر المشرع ذلك (1) .
كذلك يجوز تشديد العقوبة في حالة العود .
ولم ينص المشرع على جواز توقيع عقوبة مراقبة البوليس في حالة العود كما فعل بالنسبة لكل من جريمتي السرقة والنصب ، فلا يجوز القياس عليها فمراقبة البوليس عقوبة تكميلية لا يجوز الحكم بها إلا حيث ينص عليها القانون (2) .
د / هدى حامد قشقوش ، مرجع سابق ، ص 239 ، 240 .
د / علاء ذكى ، مرجع سابق ، ص 485 .
المبحث الثاني:
الإعفاء من العقوبة :
نصت المادة 312 عقوبات على أنه لا تجوز محاكمة من يرتكب سرقة إضرارا بزوجه أو زوجته أو أصوله أو فروعه ، إلا بناء على طلب المجني عليه ، وللمجني عليه أن يتنازل عن دعواه بذلك في أية حاله كانت عليها كما أن له أن يقف تنفيذ الحكم النهائي على الجاني في أي وقت شاء ، وحكمة ذلك أن المشرع رأى أن روابط القرابة فوق روابط القانون مما يدعو إلى التجاوز عما يقع بين أفراد الأسرة الواحدة من عدوان بعضهم على مال البعض الآخر وذلك حرصا على سمعة الأسرة واستبقاء لصلات المودة بين أفرادها (1) .
ولما كانت جريمتا النصب وخيانة الأمانة متماثلتين للسرقة فما يجوز على هذه الأخيرة يجوز على الجريمتين الأخريين لان حكمة الإعفاء واحدة في كل الأحوال ولهذا فقد استقر الفقه والقضاء على أن حكم الإعفاء المنصوص عليه ف المادة 312 عقوبات سالفة الإشارة يمتد ليشمل جريمتي النصب وخيانة الأمانة وهذا أيضا ما درجت عليه أحكام محكمة النقض قديما وحديثا (2) .
د / على عوض حسن ، جريمة التبديد ، مرجع سابق ، ص 215 ، 216 .
راجع الأحكام العديدة المشار إليها في موسوعة د/ جندي عبد المالك ، ج4 ، المرجع السابق ، ص 407 .
الخاتمة :
احمد الله حمدا يليق بجلال ذاته وعظمته على توفقه لي لإتمام هذا البحث .
حيث توصلنا بان جريمة خيانة الأمانة جريمة مستقلة بأركانها في الشريعة الإسلامية والقانون المصري .
وان الركن المعنوي لخيانة الأمانة معناه الإدراك الجازم من خائن الأمانة وعلمه اليقيني بان ما يبدده أو يستهلكه أو ينفقه أو يسئ استعماله أو يستعمله في غير رغبة مالكه وتوجيهاته أمر غير مشروع ويعاقب عليه القانون .
ولقد تعرفنا من خلال البحث الجرائم المشابهة لخيانة الأمانة .
المراجع:
1 – د / أبو الفداء إسماعيل أبن كثير ، تفسير القرآن العظيم ، مصر ، مطبعة مصطفى بابي الحلبي ، 1937م .
2 _ د/ أبى بكر بن عبد الله أبن العربي ، أحكام القرآن ، بيروت ، دار الكتب العلمية ،الطبعة الثالثة ، 1400هـ ، 1980م .
3 _ أ / أبى على الفضل أبن الحسن الطبرسى ، مجمع البيان في تفسير القرآن ، بيروت دار أحياء التراث العربي .
4 _أ / أبو عبد الله محمد بن يوسف بن على أبن حيان ، البحر المحيط ، ج 2 .
5 _ د / أحمد فتحي سرور ، الوسيط في قانون العقوبات ، القسم الخاص ، الشركة المتحدة للنشر والتوزيع ، طبعة 1979م .
6 _ د / جندي عبد المالك ، الموسوعة الجنائية ، ج3 ،ج4 ، طبعة بيروت ، دار أحياء التراث العربي .
7 _ د / حسنى مصطفى ، جريمة خيانة الأمانة في ضوء القضاء والفقه ، الإسكندرية ، منشأة المعارف .
8 _ د / رؤوف عبيد ، جرائم التزييف والتزوير ، دار الفكر العربي ، الطبعة الرابعة ، 1984م .
9 _ د / رؤوف عبيد ، جرائم الاعتداء على الأشخاص والأموال ، مكتبة الوفاء القانونية ، طبعة 2015م .
10 _ د / طارق سرور ، شرح قانون العقوبات ، القسم الخاص ، جرائم الأشخاص والأموال ، دار النهضة العربية ، الطبعة الثانية 2010م .
11_ د / عبد الحميد المنشاوي ، جرائم خيانة الأمانة ، الإسكندرية ، دار الفكر الجامعي ، 2001م .
12 _ د / عدلي خليل ، جريمة السرقة والجرائم الملحقة بها ، عالم الكتاب ، الطبعة الأولى ، سنة 1984م .
13 _ د / عدلي خليل ، جريمة خيانة الأمانة والجرائم الملحقة بها ، دار الكتب القانونية ، 2005م .
14 _ أ . د / علاء ذكى ، جرائم الاعتداء على الأموال ، القاهرة ، دار الكتاب الحديث ، 1435هـ ، 2014م .
15 _ د / عبد الحكم سالمان ، الشيك وخيانة الأمانة ، دار شادي للموسوعات القانونية ، الطبعة الثالثة ، 2014م .
16 _ د / على عوض حسن ، جريمة التبديد ، دار الفكر العربي ، الطبعة الثالثة ، 1990م .
17 _ د / فوزية عبد الستار ، شرح قانون العقوبات ، القسم الخاص ،دار النهضة العربية ، الطبعة الثانية ، 2000م .
18 _ د / محمد جمال الدين القاسمى ، محاسن التأويل ، مصر ، دار أحياء الكتب القانونية ، 1377هـ ، 1957م .
19 _ د / محمد جودت الملط ، المسئولية التأديبية للموظف العام ، رسالة دكتوراه جامعة القاهرة ، 1967م .
20 _ د / مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزكابادى ، القاموس المحيط ، ط 7 ،
21 _ د / محمد نجيب حسنى ، شرح قانون العقوبات ، القسم الخاص ، دار النهضة العربية ، 1988م .
22 _ د / مجدي محمود محب حافظ ، جرائم النصب والاحتيال ، النسر الذهبي ، 2006م .
23 _ د / هدى حامد قشقوش ، شرح قانون العقوبات ، القسم الخاص ، جرائم الاعتداء على الأموال ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 2006م .
اترك تعليقاً