جريمة خيانة الأمانة في القانون الجزائري
I:العناصر المكونة لجريمة خيانة الأمانة:
يمكن حصرها في مجموعتين بعضها تكون شروطا تسبق الجريمة ويتعلق الأمر بالشئ الذي تنصب عليه الجريمة وتسليم الشئ بمقتضى أحد العقود المنصوص عليها في376م وتتمثل العناصر الأخرى في العناصر الحقيقية للجريمة وهي الاختلاس أو التبديد العنصر المادي) ونية الغش( العنصر المعنوي) وأخيرا الضرر.
أ)-طبيعة الشئ المختلس أو المبدد: حددت المادة 376 تحديدا دقيقا الأشياء التي يعاقب على الاستحواذ عليها وهي:”الأوراق التجارية، النقوذ والبضائع و الأوراق المالية المخالصات أوأي محررات أخرى تتضمن أوتتبث التزاما أو إبراء”.
استنتاج : لا يمكن أن تنصب خيانة الأمانة على العقارات.
ويستثنى العقارات بالتخصيص ، كمن ينزع لوحة زيتية من منزل كان يستأجره.
أ 1 المنقولات المادية المادة 376: “أوراق تجارية نقود ، بضائع): يقصد بالأوراق التجارية والنقود المبالغ المالية ورقية كانت أم معدنية أو في صورة شيكات أو أي سندات مماثلة :
-أما بضائع: فيقصد بها كل شئ من إنتاج الطبيعة أو من عمل وصنع الإنسان ويمكن أن يكون محلا لتجارة وعليه يعتبر بضاعة :
– مخطط مهندس معماري.
– الماشية.
– السبائك الذهبية….
ملاحظة:
لا يهم أن يكون للأوراق أو النقوذ أو البضائع المسلمة مصدر شرعي لان التزامات الحائز المؤقت في مواجهة ماالك الشئ تبقى نفسها.
مثال : تسليم أموال قصد شراء الذهب في الخارج عشا للقانون أو تسليم أشياء متحصلة من التهريب قصد إيداعها.
أ) 2 القيم غير المادية : 376.
“الأوراق المالية والمخالصات وكذا المحررات” بشرط أن تكون هذه الأخيرة عكس جريمة النصب متضمنة أو مثبة لالتزام أو لإبراء”
استنتاج :لا تنص المادة 376 إلا على التصرفات التي ينتج عنها ضررا ماديا.
أمثلة عن المحررات
القيم المنقولة ، السندات العمومية ، السندات الصادرة عن الشركات المدنية أو التجارية أو العقود الرسمية أو العرفية، عندما تكون تحتوي على التزامات أو إبراء مثل عقود البيع أو الإيجار، الوصايا أو الهبات.
ملاحظة: لا وجود لخيانة الأمانة إذا انصب الاختلاس على محررات لا تحتوي على التزامات أو إبراءات بالرغم من كونه قد ينتج عن ذلك ضرر معنوي أو مادي للغير.
ب)الفعل المادي للاختلاس أو التبديد :
– يتمثل العنصر المادي في أن يقوم الجانح باختلاس أو تبديد الشئ المسلم له بمقتضى عقد من العقود المذكورة في م 376 .
– يقصد بعبارة اختلاس تخصيص الشئ المسلم لغير الاختصاص المتفق عليه أثناء التسليم.
-يقصد بعبارة تبديد: إخفاء الشئ عن الأنظار سواء بواسطة عملية مادية كالإتلاف أو عملية قانونية كالتصرف فيه بمقابل كالبيع أو الهبة أو الاستهلاك).
ومعنى الاختلاس أو التبديد هو التصرف في الشئ كما يتصرف فيه مالكه أي إحلال الحيازة التامة محل الحيازة المؤقتة والخروج من خضوع الحائز في مواجهة المالك الأصلي.
*هناك اعتبار مزدوج لما هيه الأفعال المادية التي يرتكب بواسطتها الاختلاس.
– يكون الاختلاس أو التبديد أساسيا مقابلا لعدم تنفيذ الالتزامات المفروضة على الحائز من قبل العقد الذي سلم له بمقتضاه الشئ محل الخيانة ، فبعض الأفعال لا تكون إلا عدم تنفيذ للعقد وتخضع فقط للقانون المدني في حين نجد أفعالا أخرى تشكل خيانة عن غش وتقع تحت طائلة القانون الجزائي.
– يجب في المحل الثاني التوضيح الدقيق للسلطات التي يحوزوها الفاعل على الشئ وتختلف تبعا للعقد الذي أعطاه إياه وهذا حسب كيفية طريقة تنفيذ العقد والتي قد تحدد أو توسع من السلطات الممنوحة وأخيرا حسب الطبيعة المثلية أو القيمية للشئ المسلم فالاختلاس يوجد حسب امتداد السلطات الممنوحة.
1- الاختلاس وعدم تنفيذ العقد:
– يقصد الفاعل بالاختلاس حرمان المالك من حقوقه على الشئ وإسقاط حقه في الملكية فلا توجد خيانة أمانة دون انقلاب أو قلب للحيازة ، و لا يشكل كل عدم تنفيذ الالتزامات المفروضة على الشخص الذي تسلم الشئ اختلاسا ، فالتعسف في استعمال الشئ وتمديد التمتع تجاوزا للأجل المتفق عليه و الإتلاف أو الفقد حتى ولو سبب ضررا للمالك فانه لا يترتب عليه إلا المسؤولية المدنية ، إلا أنه يمكن أن تتحقق خيانة الأمانة تحت الأشكال التالية:
1.1:الاستعمال المتعسف للشئ :
– يمكن أن ينشأ الاختلاس إذا كان استعمال الشئ مخالفا بوضوح تام لتخصيص ذلك الشئ كما اتفق عليه الطرفان وقصداه.
مثال1: نكون بصدد خيانة أمانة عندما يتلقى بنك من زبون له قيم مع وكاله ببيع تلك القيم فيقوم بفتح حساب لذلك الزبون دون موافقته أين يضع تلك الأموال المتحصلة عن عملية البيع.
مثال2: يقوم تاجر بالتصرف عمدا لحاجات تجارته في مبلغ مالي تلقاه تحت وصف الوديعة.
2.1 :التمتع الممد للشئ :
لا يشكل تمديد التمتع أو تمديد الاستعمال أو التأخر في إرجاع الشئ اختلاسا لان هذه الأفعال لا تتبث بأن الحائز قد تصرف في الشئ كأنه مالك له ويفسر ذلك مجرد إهمال بسيط.
3.1 : إتلاف أو فقدان الشئ :
لا يترتب على ذلك عموما إلا المسؤولية المدنية إذ قد تكون بسبب الإهمال أو القوة القاهرة والتي ستستبعد الغش في قلب الحيازة ولكن إذا رفض الفاعل تقدير الشئ فانه توجد قرينة بسيطة ضده ويكون الاختلاس موجودا إذا كان عدم تقديم الأشياء أو إتلافها يقصد منه غش المالك في حقوقه.
2-الاختلاس و السلطات الممنوحة للحائز على الشئ المسلم:
يمكن أن تتنوع السلطات الممنوحة للحائز بمقتضى عقد الأمانة وهذا ما تجده مثلا في عقد الوديعة وهو من العقود المنصوص عليها في م 376 ق.ع إذ يلتزم طبقا لعقد الوديعة العادية المودع لديه طبقا للمادة 90 ق مدني بإرجاع الشئ نفسه وعلى العكس من ذلك إذا كنا بصدد وديعة غير عادية فان المودع لديه لا يلتزم بإرجاع إلا أشياء من النوع نفسه أو من الجودة نفسها ففي الحالة الأولى لا يمكن لمودع لديه أن يتصرف في الأشياء المسلمة بينما له في الحالة الثانية الحق في أن يستخدمها وكذا استهلاكها أو صرفها أو بيعها.
النتيجة: تختلف سلطات الحائز حسب الطبيعة المثلية أو عدم المثلية للشئ وحسب طبيعة العقد الذي خوله حيازة ذلك الشئ فالاختلاس يمكن أن يقع كما يمكن عدم وقوعه حسب الحالات ولا يتسنى لنا معرفة ذلك إلا إذا ميزنا تبعا للطبيعة القانونية للشئ المسلم وداخل هذا التمييز حسب العقد الذي سلم بمقتضاه الشئ على سبيل الأمانة.
1.2:اختلاس شئ معين بذاته :
تتحقق خيانة الأمانة عندما يتصرف الحائز في الشئ ( البيع، الهبة، الرهن الحيازي المنقول).
– تتحقق خيانة الأمانة عند إنكار الحائز لادعاءات المالك.
مثال: مؤجر لفندق يختلس أضرارا بالمؤجر أشياء منقولة( طاولات، كراسي،مرايا…) والتي سلمت له لاستعمالها تحت التزامه بردها أثناء انتهاء الإيجار ويصرح بأنه لم يتلق أبدا الأشياء المذكورة والتي أثناء التفتيش القضائي وجدت بمنزله.
2.2: اختلاس أشياء مثلية :
لا يمكن تصورها إلا في العقود التالية: الوديعة، الوكالة والرهن الحيازي.
– وديعة غير عادية التي لا يلتزم فيها المودع لديه إلا بإرجاع أشياء مماثلة.
لم يشر إليهما المشرع الجزائري
– يمكن أن تنصب الوكالة على أشياء مثلية مثل أمين الصندوقCAISSIER المكلف بالقيام بالوفاءات وتلقى الأموال.
– الرهن الحيازي : مبلغ نقدي يدفع من قبل مسير أو مستخدم لمحل تجاري ضمانا للتسيير الحسن.
ملاحظة : إذا لم يتمكن الفاعل من إرجاع مثيل الشئ المسلم نكون أمام خيانة أمانة.
3-تسليم الشئ بمقتضى عقد من العقود المنصوص عليها في م 376.
1.3 – الإيجار:
إيجار الأشياء المنقولة.
2.3 – الوديعة : يتضمن
– تسليم شئ منقول.
– الالتزام بحفظه.
– الالتزام برده بطبيعته.
ملاحظة : إذا كان الشئ قابلا للاستهلاك وقبل المودع بذلك اعتبره المشرع عقد عادي للاستهلاك ولا نكون بصدد خيانة أمانة.
3.3:الوكالة :
نكون أمام خيانة أمانة إذا قام الموكل بتبديد أو اختلاس الأشياء المنقولة قصد إجراء تصرف لصالح الوكيل.
1.3 :الرهن الحيازي :
هو عقد يلتزم بمقتضاه شخص ضمانا لدين عليه أو غيره بأن يسلم للدائن أو لشخص من الغير يختاره الطرفان شيئا يرتب لصالح الدائن حقا يخوله وضع يده على الشئ إلى أن يستوفى الدين.
– ويشترط الرهن الحيازي على منقول(GAGE) انتقال الحيازة من المدين الراهن إلى الدائن المرتهن.
ولا تقوم خيانة الأمانة إلا على أشياء منقولة والعقارات بالتخصيص.
مثال: أن يسلم شخص لصاحب العمل مبالغ مالية ضمانا لحسن تسييره للمصنع فيقوم صاحب العمل بالاستيلاء على تلك المبالغ ويكون عاجزا عن ردها.
4-عقد عارية الاستعمال :
عقد يلتزم بمقتضاه المعير في أن يسلم للمستعير شيئا غير قابل للاستهلاك يستعمله مجانا لمدة معينة على أن يرده بعد الاستعمال.
* مثال خيانة الأمانة في هذا العقد.
– إعارة غطاءات الطاولة.
– إعارة بعض الأدوات.
ملاحظة : عقد عارية الاستهلاك لا ينصب عنه خيانة الأمانة حتى لو استعمله المستعير أو أنكر تسلمه أو عجز عن رده وهنا تقوم المسؤولية المدنية.
5-عقد العمل بأجر أو بدون أجر:
أمثلة : أن يقوم صاحب طاحونة بالاستحواذ على جزء من القمح المستعم له طحنه.
– أن يقوم مصلح أجهزة التلفزيون بنزع بعض القطع من الجهاز المسلم له قصد إصلاحه.
ملاحظة : إن العقود المذكورة نصت عليها المادة 376 على سبيل الحصر وليس المثال فإذا كنا بصدد عقد غير المذكورين كالبيع أو المقايضة … فلا نكون بصدد خيانة أمانة وعليه لاتقوم الدعوى المدنية فقط اللهم إلا إذا توفرت عناصر جريمة أخرى كالنصب إذا وجدت وسائل احتيالية وهذا تطبيقا لمبدأ الشرعية.
د)- نية الغش( سوء النية):
من الناحية العملية يصعب فصله عن الاختلاس أو التبديد وعليه ففي خيانة الأمانة نكون بصدد نية الغش عندما يقوم الحائز مؤقتا بتصرف على الشئ كأنه مالك له مع علمه بأن حيازته مؤقتة ومع علمه أو توقعه أو إمكانية توقعه بأن تصرفه هذا سوف يسبب ضررا أو يمكن أن يسبب ضررا وعلى ذلك يتكون القصد من عنصرين :
– العلم بتأقيت الحيازة.
– توقع أو إمكانية توقع حدوث نتيجة ضارة من الفعل المادي المرتكب.
هـ)-وجود ضرر:المادة 376 :
“يجب أن يرتكب الاختلاس أو التبديد بسوء نية” أضرارا بالمالكين أو الحائزين أو واضعي اليد.
وتبدو ضرورة اشتراط الضرر المسبب للضحية مفسرة للطبيعة المادية لجنحة خيانة الأمانة فلا يعاقب على الاختلاس أو التبديد إلا إذا أحدث ضررا للغير فعليا ويقينيا وعلى هذا يفسر عدم المعاقبة على الشروع في جنحة خيانة الأمانة وهذا خلافا للنصب المعاقب عليه دون اشتراط الضرر.
IIالظروف المشددة :
1- 378 / 1 :الشخص المتوجه إلى الجمهورمع توافر ثلاث شروط:
– يجب في البدء اللجوء الى الجمهور باستخدام جميع وسائل الإعلام.
– يجب أن يقع تسليم الأموال أو القيم على سبيل الوديعة أو الوكالة أو الرهن الحيازي.
– يجب أن يتصرف مرتكب الجريمة لصالحه الخاص.
2-الوسطاء في المواد العقارية :
378 / 2 :”من سمسار أووسيط أو مستشار مهني أومحرر عقود وتنصب على ثمن بيع عقار أو محل تجاري أو بقيمة الإكتتاب أو شراء أو بيع الأسهم أو حصص لشركات عقارية أو على ثمن التنازل على الإيجار عندما يكون مسموحا بذلك التنازل قانونا”.
3- القائمون بوظيفة عمومية أو قضائية : 379 :
“إذا ارتكبت خيانة الأمانة من قبل قائم بوظيفة عمومية أو قضائية أثناء ممارسته لوظائفه أو بمناسبة ذلك”.
III:الأعذار المعفية من العقوبة وقيود تحريك الدعوى العمومية :
1- الأعذار المعفية :
– الأصول إضرارا بالفروع.
– الفروع إضرارا بالأصول.
– أحد الزوجين إضرارا بالزوج الأخر.
ملاحظة : لا تطبق هذه الأعذار المعفية في حالة وجود ظروف مشددة.
2- قيود تحريك الدعوى العمومية :
– لا يجوز طبقا للمادة 369 اتخاذ الإجراءات الجزائية بالنسبة لخيانة الأمانة الواقعة بين الأقارب والحواشي و الأصهار الى الدرجة الرابعة إلا بناءا على شكوى من الشخص المضرور.
ملاحظة : لا ينطبق قيد تحريك الدعوى العمومية في حال توافر الظروف المشددة.
خاتمة :
أوجه التشابه و الاختلاف بين خيانة الأمانة السرقة والنصب.
تتمثل خيانة الأمانة في الاختلاس أو التبديد غشا لأشياء مسلمة للفاعل مع التزامه بالرد أو التقديم أو استعمالها أو استخدامها في عمل معين.
ويوجد ثمة توازن بين الجرائم الثلاث فالسرقة تتمثل بالقبض عن غش لشئ مملوك للغير أي تملك الشئ ضد إرادة الحائز الشرعي بينما تفترض خيانة الأمانة خلافا لذلك أن يضع الجانح يده بطريقة شرعية على الشئ فهم لم يستعمل لا القوة و لا الحيلة ليستولي عليه وعلى ذلك فان خيانة الأمانة تمثل إجراما أقل خطورة من السرقة لكون الجانح يثبت ضعفه أكثر من إثباته للإصرار أو التحدي في التنفيذ فالمالك ينسب إليه عدم الحذر في اختياره لمتعامل معه خائن وقد استنتج المشرع من هذه أنه يجب أن تكون العقوبة أقل جسامة من عقوبة السرقة.
من جهة أخرى تختلف خيانة الأمانة عن النصب لكون التسليم للشئ تم عن إرادة صحيحة من المالك وليس تبعا لإحدى الوسائل الاحتيالية المعاقب عليها في المادة372 فالتسليم في خيانة الأمانة سابق للغش و لا صلة بينهما وهذا أيضا فان تصرف الخائن أقل خطورة من تصرف النصاب.
وبغض النظر عن هذه الاختلافات الواقعية من جهة القانون و الإجرام فالسرقة والنصب وخيانة الأمانة يجمع بينهم كونهم جرائم تتمثل في الاستحواذ عن غش لملكية الغير وعلى ذلك نص المشرع على تطبيق بعض القواعد القانونية عليهم معا ومثال ذلك المادتان 368 و369 المتعلقتان بالأعذار المعفية والقيود الواردة على تحريك الدعوى العمومية في بعض الحالات وكذا القواعد المتعلقة بالعود في الجرائم.
اترك تعليقاً