جريمة زواج القاصرات
تحقيق: نادية يوسف
في الأيام الأخيرة بدأت أجهزة الدولة تكثف جهودها لمواجهة ظاهرة زواج القاصرات التي اشتهرت بها بعض القري بعد أن تحولت إلي تجارة رابحة لبعض الفئات.
حالة قلق وذعر بدأ يشعر بها محترفو هذه التجارة بعد القبض علي عدد من المأذونين والمحامين المشتركين في هذه الجريمة.. ومع ذلك لا يجب ألا نكتفي بالمواجهة القانونية فقط وبل لابد من البحث عن الجذور الاجتماعية للمشكلة والعمل علي حلها.
مشيرة خطاب وزيرة الاسرة والسكان تقول قمنا برصد حالات زواج الفتيات الأطفال عن طريق الخط الساخن الذي حددته الوزارة وقد وبلغ عدد الحالات التي تم رصدها136 حالة تم ابلاغ النيابة عنها بمجرد التأكد من حدوثها, فهي بلاغات عن مأذونين متورطين في تزويج الفتيات تحت السن التي حددها القانون للزواج في القري وبعض المحافظات.
وقد بذلت وزارة الاسرة والسكان بالتعاون مع النيابة العامة بالتنسيق مع وزارة العدل جهدا كبيرا في ملاحقة وضبط الحالات المتورطة لمعاقبة المخالفين وانقاذ العديد من الفتيات من الوقوع فريسة لهذا الزواج دون السن القانونية والحرمان من حقوقهن التي تكفلها لهن تعديلات قانون الطفل مثل الحق في التعليم وحمايتهن تعريض صحتهن للخطر فضلا عن دور التوعية الذي تقوم به الوزارة في كل الدورات التدريبية التي تمنح للرائدات الريفيات والزائرات الصحيات.
فقد كان شهر أكتوبر الماضي هو اعلي معدل حالات أعقبة بعد ذلك شهر أغسطس ويرجع ذلك للاعلان عن الخط الساخن في العديد من وسائل الاعلام ثم مع دخول شهر رمضان هدأت الحالات ثم زادت بعد ذلك بشدة في الشهور التي تلتها.
ومن البلاغات التي وردت عبر الخط الساخن بلاغ من طفلة عمرها15 عاما في محافظة القليوبية تشكو من ان أهلها يريدون تزويجها بالاجبار من عامل دوكو يكبرها بـ12 عاما وهي ترفض لرغبتها في إكمال دراستها وقد تم البلاغ من قبل خط المشوره الاسرية والإبلاغ عن حالات زواج الاطفال علي رقم(16021) وتم تحويل البلاغ الي المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة التي قامت بعمل بحث حالة للأسرة وتبين أن الأسرة مكونه من8 أفراد يعيشون تحت خط الفقر والحالة النفسية لافراد الاسرة غير مستقرة وهناك طبيعة غير صحية للمعيشة حيث إن المنزل متهالك ولذلك قررت الخالة تزويج الطفلة وسافرت الاسرة ومعهم الطفلة بالاجبار لاتمام الزواج في أسيوط ليفاجأ الجميع بأن العريس أكثر منهم فقرا وعندما حاولا الرجوع هددهم العريس واجبروا الفتاه علي التوقيع فانهارت الطفلة وامتنعت عن الطعام وكادت أن تموت حتي إضطرت الاسرة إلي ابلاغ العريس عدم الرغبة في اتمام الزواج فطلب5 آلاف جنيه مما دفع الاسرة الي الذهاب لمحامي ليفاجأ بأن الزواج عرفي وانه سيتحول لشرعي بعد بلوغها سن الـ16 سنة وهنا تدخلت الوزارة للاستعانة بالقوي والقيادات الطبيعية وتم التدخل الاجتماعي لفض الاشتباك وعادت الفتاة لمدرستها.
حالة زواج اخري لطفلة عمرها16 سنة من الاسكندرية تعمل خادمة كانت تنوي والدتها تزويجها دون إرادتها فأبلغت عن الحالة مخدومتها وتم استقبال الحالة من قبل الخط وتحويلها الي جمعية المرأة والتنمية بالاسكندرية لعمل التحريات اللازمة وتم تقديم طلب للنيابة للتحقيق في الواقعة وقام مدير المباحث باستدعاء والدي الطفلة واحالتهم الي نيابة الطفل المسائية وتم اخذ إقرار منهما بعدم تزويجها قبل بلوغها18 عاما وتم اخطار اللجنة العامة لحماية الطفل بالمحافظة واللجنة الفرعية بحي وسط لمتابعة زواج الحالة من عدمة.
ايضا قام مدرس بالبلاغ عن وجود طفلة متزوجة في مدرسته عمرها14 سنة بمحافظة السويس وتم استقبال البلاغ من قبل الخط وتحويل البلاغ الي جمعية تنمية المجتمع بالشلوفة لعمل الاجراءات اللازمة وتم الحصول علي عنوان الطفلة والتوجه إلي منزلها لمقابلة اسرتها التي افادت ان لها علاقات كثيرة وكان الزواج هو الحل الوحيد لها خاصة أن الاسرة تحت خط الفقر.
ايضا طفلة اخري من محافظة سوهاج إتصلت بالخط لان والدتها تريد أن تزوجها من شخص يبلغ من العمر28 عاما دون رغبتها فقامت جمعية تنمية المجتمع وتحسين احوال المرأة والطفل بإرسال باحث اجتماعي لدراسة حالة الفتاة ليكتشف أن والدها متوفي وانها اسرة ميسورة وان الام لا تعرف أي شيء عن القانون وان جميع الفتيات في القرية يتزوجن من سن16 إلي19 وان اي فتاة تكمل دراستها وتصل الي25 عاما تكون في نظرهم عانس وقامت الاخصائية بشرح مخاطر الزواج المبكر وطالبت اهالي القرية بضرورة استخراج بطاقة الرقم القومي وشهادات الميلاد وتم انقاذ الطفلة.
اما في بني سويف فقد تقدم خال لينقذ ابنة اخته من الزواج وهي قاصر وللاسف تم الاتصال بالفتاة والزواج بعد إتمام الزواج وتم تحويل البلاغ الي الجمعية المصرية لتنظيم الاسرة التي توجهت بدورها بعد اتخاذ الاجراءات القانونية للزوج والزوجة ونصحهما بتأجيل الانجاب حتي تصبح الفتاة مؤهلة جسديا للحمل والولادة وتحمل مسئولية طفل.
ظاهرة خطيرة : المستشارة سامية عبدالغني المتيم نائب رئيس هيئة النيابة الادارية وعضو المجلس القومي لحقوق الانسان : تري أن هذه الظاهرة خطيرة علي مجتمعنا وتمثل تهديدا كبيرا لاستقراره بسبب زواج القاصرات وهذا لا يعتبر بكل المقاييس زواجا بل بيعا أو إيجارا حيث تعود الفتاة مرة أخري لاسرتها أو للشارع وهذه الظاهرة لم تكن موجودة في مصر منذ25 سنة الا في إطار زواج الاقارب في القري والنجوع اما بيع البنات للأثرياء العرب في مقابل المتعة لمدة محدودة وهي فترة إقامته في مصر بمقابل مادي تستفيد منه الاسرة ثم تعود الفتاة مرة أخري بعد أن فقدت كل شيء فيجب علي المجتمع ان يتصدي لهذه الظاهرة.
وخاصة في المناطق المشهورة بهذه الممارسات مثل ابوالنمرس والحوامدية و6 أكتوبر والبدرشين حيث إن هناك متخصصين في جمع الفتيات وعقد الصفقات مع العرب في مواسم الصيف والاعياد بمقابل مادي يصل الي5 آلاف أو10 آلاف جنيه يتم توزيعها بين السمسار والمحامي وأهل الطفلة والمأذون الذي يعتبر مسئولا مسئولية جنائية عما حدث وهذا يعتبر زواج متعة..
ونحن كمنظمة لحقوق الانسان لا نرضي لبنات مصر هذا المصير ونطالب بتشديد الضبط والعقوبة والحقيقة أنه في الفترة الأخيرة تم ضبط الكثير من الحالات واصبحت أمام النائب العام ولكن مازال هناك الكثير وهناك مناطق بالكامل معروفة أن تجارة أهلها هي زواج الاطفال أو يمكن ان يقال انها اتجار بالبشر وليس زواجا ومن خلال متابعتنا لهذه القضايا وجدنا ان انشط حلقة في هذه الجريمة هم السماسرة والوسيط ليس بالضرورة محاميا بل رجل بجلباب بسيط أو امرأة بسيطة تعرف ظروف أهل القرية وتعرض الفكرة عليهم وبعد الموافقة تضم إبنتهم إلي مجموعة العرض ولذلك يجب أن يكون هناك موقف حاسم من جميع الجهات لان هذه القضية من أخطر قضايا حقوق الانسان..
وتوضح الدكتورة جورجيت قليني عضو مجلس الشعب وعضو المجلس القومي لحقوق الانسان.
أن اسباب ظاهرة زواج القاصرات هي في الأمية والظروف الاقتصادية الصعبة.
والحقيقة ان الاسرة المصرية لا ترغب في إذلال أطفالها وإنما الحاجة وللاسف الطفلة توافق لشدة الظروف السيئة التي تعاني منها الاسرة.
وعندما كنت اعمل في إدارة التشريع بوزارة العدل قمت بإعداد تشريع منذ15 عاما لتأمين الضحية في حالة الطلاق وهو علي شكل وثيقة تأمين يقوم الزوج بدفعها للمرأة في حالة الطلاق وذلك في إطار الضوابط الكثيرة لحماية حقوق المرأة او الطفلة.
فعقد الزواج إذا كان بين مصرية واجنبي فلابد ان يكون فارق السن معتدلا وتحرر وثيقة التأمين حماية لها ولكن للاسف حتي الآن لم يخرج التشريع للنور وفي ذلك ظلم كبير للمرأة المغلوبه علي امرها.
خطأ شائع : ويوضح الدكتور احمد شوقي العقباوي استاذ الطب النفسي بجامعة الازهر :
ان هناك خطأ شائعا بين المصريين والاخوة العرب بأن الزواج من فتاة صغيرة اقل من16 سنة يعيد الشباب للرجال الكبار في السن ولكن كل الابحاث والمشاهدات اثبتت خطأ هذه الفكرة ولكن هي علي العكس تماما فإنها كما يقولون تقصف عمره لان كبير السن لا يجد الطاقة الكافية لتلك الحياة الزوجية مع الصغيرة فيبدأ في تناول جرعات كبيرة من المنشطات الجنسية مما قد يعرضه لمتاعب في القلب.
وعلي الجانب الآخر من يتزوج فتاة صغيرة دائما تساوره الشكوك بانه غير مناسب فتكون الغيرة الشديدة والمؤذية للفتاه التي تحول حياتهم لجحيم والطلاق في نهاية المطاف. أما زواج فتياتنا الصغار من اثرياء عرب فله بعد أخر اجتماعي اكثر مأساوية وهو بيع لحوم بناتنا ويقومون بتسنين الفتيات للحصول علي شهادات مزورة بانها اكبر من عمرها وبعد فترة قصيرة يهرب الزوج بعد ان تكون الفتاة قد حملت ويتركها هي وطفلها للضياع لعدم معرفتها اي معلومات عنه او كيفية الوصول إليه.
واذا جاز وسافرت مع الزوج لاسرته تكون خادمة دون آجر لزوجاته وابنائه في بلده فزواج القاصرات جريمة قانونية وجريمة انسانية السبب الاساسي فيها الفقر والجهل وللاسف هناك قري كاملة بمحافظة الجيزة تقوم بهذه التجارة وعن التأثير النفسي علي الفتاة فيكون موجعا لان اهلها باعوها مقابل حفنة من النقود فتذوب كل الاخلاقيات وفي اغلب الاحوال تندفع الفتاة لطريق الخطيئة وبداية شرور اجتماعية.
والحقيقة ان أولي خطوات الحل هي التوعية عن طريق التليفزيون لان75% من الشعب أميون ولذلك فأبسط طريقة للتعليم هي التليفزيون وليست الصحف او الندوات لانهم بعيدون عنها كل البعد.
كما يجب ان تقوم شرطة الآداب بدورها في إصطياد السماسرة والزواج العرفي.. وان نسد منابع الجهل بالتعليم وزيادة الوعي.. خاصة ان كثيرا من اهالي القري والصعيد مؤمنون بان زواج الفتاة سترة حتي لو كانت في الثانية عشرة من عمرها وفي هذه الحالة تكون الفتاه غير مؤهلة لتحمل تبعات هذا الزواج ومسئولياته.
كما أطالب بإلغاء التسنين نهائيا الا في الضرورة القصوي لان التكنولوجيا الحديثة وميكنة ادوات استخراج شهادات الميلاد اصبح هناك صعوبة شديدة في نكران شهادة الميلاد واما في الحالات القصوي فيجب ان يسنن الفتاة قاض وليس طبيبا مرتشيا!!
ويقول الدكتور فارق لطيف استاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس : ان تعريف القاصر هي الفتاة التي لم تبلغ بيلوجيا ونفسيا المؤهلات التي تجعلها قادرة علي تحمل مسئوليات الزواج فهذا اهم شيء لان الاسرة التي تتأكد ان ابنتهم سوف تتعرض لانتهاكات جسدية في الوقت الذي لم تتأهل فيه اجهزتها لتقبل هذا الزواج يؤدي الي عواقب وخيمة وعقد نفسية لا حدود لها فلا نضج فكري او نفسي او اجتماعي.
وقد حددت كل الجمعيات العلمية المتخصصة في هذا المجال ان سن18 ـ21 هي السن المناسبة للزواج لان المرأة ليست وعاء للخلفة فقط, وانما معلم ومنبع حب وحنان وعطف لزوجها واطفالها ففاقد الشيء لا يعطيه فكيف تربي طفلة طفلا رضيعا..
والكارثة الحقيقية ان هناك بعض الموروثات لدي القري واهالي الريف والصعيد ان الفتاة إذا وصلت لسن19 سنة ولم يتقدم احد لزواجها تكون عانسا.
والفتاة عندما تشعر بالخضوع والاستمرارية في شيء ليس لها رأي فيه يكون لديها نوع من انواع الاحباط الشديد الذي يمكن ان تصل فيه إلي الانتحار مثل الفتاة التي كتبت عنها أخيرا في الصحف.
ويوضح الدكتور علي ليله استاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس :
أن ظاهرة زواج القاصرات من الظواهر المرتبطة ارتباطا دقيقا بالظروف الاجتماعية السيئة التي تعيشها الاسرة المصرية الفقيرة خاصة في الارياف والمناطق الشعبية ولذلك فعندما تقدم اسرة علي تزويج ابنتها لثري عربي فإذا كان الشكل هو زواجا لكن في حقيقته بيع مدفوع الثمن ولذلك فالظروف الاقتصادية تلعب دورا مباشر في اضعاف العواطف الاسرية بشكل عام ومن اهم مؤشرات هذا الضعف هو ارتفاع معدلات الطلاق لان مؤسسة الاسرة اصبحت تعاني من شروخ اساسية ادت الي انهيارها من الداخل وهذا الضعف الاسري اتجه للابناء ممكن ان ابيع احدي بناتي في مقابل مادي.. والحقيقة ان المجتمع الآن اصبح يعاني من الفوضي في كل اواصره الاجتماعية ولابد من صحوة شاملة حتي تعاد الامور الي نصابها.
والحقيقة ان زواج القاصرات له خطورة اجتماعية حيث ان الطفلة في اغلب الاحيان لا تدرك معني الزواج ولا تعرف دورها او حقوقها القانونية وتكون ضعيفة البنية وتنجب اطفالا مشوهين ومعاقين ذهنيا لا تقوي علي تربيتهم.
اترك تعليقاً