«الجنح المفوضة»: إساءة المحامين لبعضهم بالمذكرات تتجاوز حق الدفاع وتمثل جرائم سب وقذف
كتب حسين العبدالله
• غرَّمت أحد المحامين ١٠٠ دينار وألزمته تعويض زميله بألفين • أكدت أن السب ليس حقاً مطلقاً… وإلا أصبح القضاء مكاناً لتصفية الأحقاد
دانت محكمة الجنح المفوضة أحد المحامين وحكمت بتغريمه بمبلغ ١٠٠ دينار وإلزامه تعويض زميله المحامي ألفي دينار عقب كتابته عبارات مسيئة له في مذكرات دفاع في قضية جمعتهما. واعتبرت أن تلك الإساءة تدخل في باب جرائم السب والقذف.
أكدت محكمة الجنح المفوضة عدم تمتع المحامين بأي حصانة قانونية إزاء ما يكتبونه في مذكرات دفاعهم القانونية تجاه خصومهم في الدعاوى القضائية التي تنظرها المحاكم، وأن حقهم في مهاجمة خصومهم ليس مطلقا بذريعة استعمالهم حق الدفاع، وإنما هذا الحق مقيد بعدم المساس بخصومهم بنشر عبارات السب والقذف في مذكرات دفاعهم القانونية.
وأكدت المحكمة، في حيثيات حكمها التي أصدرتها برئاسة المستشار محمد الدعيج بتغريم محام بإدانتها لمحام بالغرامة بمبلغ ١٠٠ دينار وإلزامه بتعويض زميله المحامي ألفي دينار عقب كتابته عبارات مسيئة له في مذكرات دفاع في قضية جمعتهما، أنه عن تمسك المحامي المتهم بتوافر أسباب الإباحة وفق نص المادة ٢١٣ من قانون الجزاء وبكتابته للعبارات محل الشكوى في مذكرة دفاعه، وهو استعمال مشروع لحق الدفاع، قالت المحكمة إن المراد – بحسب الظاهر – من حكم تلك المادة أن جريمتي السب أو القذف المؤثمتين بالمادتين 209 و210 من قانون الجزاء لا تتوافر في حق من يدلي بواقعة اقتضى إذاعتها الدفاع الشفوي أو الكتابي في دعوى منظورة أمام المحاكم، وذلك لأن الدفاع حق يبيح لمن يزاوله كل ما يذاع في سبيله من أمور.
ليس مطلقاً
وتابعت: بيد أن هذا الحق لم يكن مطلقا من أي قيد، إذ إنه يستخلص من مادة الإباحة مادة البيان وجوب توافر شرطين هما أن يكون من أذاع – أي كتب أو قال أو نقل – عبارات السب أو القذف هو أحد من ورد ذكرهم حصراً بتلك المادة، وأن يكون من وجهت إليه العبارات الشائنة أو الوقائع المؤذية لسمعته – أي المجني عليه – خصما بالدعوى أو وكيلا عنه أو أحد الشهود، وأن تصدر تلك العبارات في الدفاع الشفوي أو المسطور أمام المحاكم، ويضاف إليهما شرط ثالث هو وإن كان لم يورد نصا بمادة الإباحة سالفة البيان، بيد أنه يفرضه المنطق القانوني والربط بين ذلك الحق والنظرية العامة لاستعمال الحق كسبب للإباحة، هو أن تكون العبارات من مستلزمات الدفاع، باعتبار أن هذا الحق لا يبيح إلا الأفعال الضرورية لاستعماله، وهذا ما استقر عليه القضاء وأجمع به الفقه.
وأضافت المحكمة في حكمها:
ذهب الشراح في القانون إلى أنه «لا يتمتع المدافع أمام الجهات القضائية بحصانة تتيح له مطلق القذف في حق الأخيرين، بل إن هذه الإباحة تتقيد بما هو ضروري لممارسة الحق في الدفاع، وأن القضاء يراقب مدى استعمالالتهم ومحاميه للحق في الدفاع، فإذا تبين أن المتهم أو محاميه يتجاوز في استعماله حدود الإباحة، فإنه يسأل عن جريمة القذف».
لزوم الدفاع
وفي هذا الاتجاه ذهب آخر «أنه يجب أن تكون عبارات القذف أو السب التي وجهت من الخصم لخصمه في المرافعة مما يستلزمه الدفاع عن الحق مثار النزاع، مثال ذلك أن ينكر المدعي عليه في دعوى إثبات النسب بنوة الطفل، فينسب إلى أمه أنها حملت سفاحا، أو أن ينسب محامي الحكومة إلى أحد الموظفين في الدعوى التي رفعها هذا الأخير أمام محكمة القضاء الإداري لإلغاء قرار فصله أنه مختلس أو مرتش، أو ارتكب أفعالا شائنة تبرر فصله.
وقالت المحكمة:
ولما كان ما تقدم، وكان المشرع قد أباح القذف أو السب تمكيناً للخصم من استعمال حقه في الدفاع بغية جلاء الحق، فإنه متى ما وقعت تلك العبارات المشينة في إطار موضوع النزاع فلا يسأل قائل أو كاتب أو ناقل تلك العبارات، سواء اعتقد صحتها أو لم يعتقد ذلك، ويستوى أن يكون حسنا أو سيئ النية.
وعليه فإن هذه الإباحة تقتصر على النطاق الذي يكون لازماً وضرورياً لاستعمال هذا الحق، وعلى ذلك تنحسر الإباحة عن القذف أو السب الذي لا يقتضيه الدفاع، والقول بغير ذلك مؤداه أن تصبح دور القضاء ساحة لتصفية الأحقاد بين الناس ومتذرعين بحق الدفاع، وهو ما يرفضه القانون وتأباه العدالة، ويكون ما يثيره المتهم في هذا الخصوص في غير محله، وتلتفت عنه المحكمة.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً