بقلم ذ بسكر عبد اللطيف
طالب باحث بماستر العلوم الجنائية والامنية بكلية الحقوق مراكش
تعتبر جريمة غسل الأموال من أخطر الجرائم العابرة للحدود فهي من الجرائم المنظمة ذات الانعكاسات السلبية ليس على الفرد فقط بل على المجتمع بأسره، وتهدف إلى إخفاء المصدر الحقيقي للأموال والممتلكات المتحصل عليها من مصدر غير مشروع، وإضفاء صفة المشروعية عليها، ومن تم إعادة دمجها في الاقتصاد.
و نظرا لخطورة هذه الجريمة على مختلف المجالات خاصة الأمن الإقتصادي على المستوى الدولي، وذلك لارتفاع العائدات المتحصل عليها عن طريق عملية الغسل أدى إلى تعزيز التعاون بين الدول لمكافحة هذه الجريمة المستحدثة، كما أن العناصر التكوينية لهذه الجريمة تتوزع غالبا بين أكثر من دولة، مما حذا بتلك الدول إلى تصدير عدد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والقوانين الداخلية تجرم عمليات غسل الأموال.
فما هو الإطار القانوني المنظم لهذه الجريمة ؟ و ماهي العناصر التكوينية لها ؟
المبحث الأول : الإطـــــار القـــانونــي لجــــريمة غســـل الأمــــــوال
نظم المشرع المغربي جريمة غسل الأموال من خلال قانون 05-43 من مجموعة القانون الجنائي الذي تمت المصادقة عليه من طرف مجلس الحكومة بتاريخ 10 أبريل 2006 و مجلس النواب بتاريخ 22 يناير 2007 ثم مجلس المستشارين بتاريخ 06 مارس 2007.
المطلب الأول : العنــاصــــر التكـــوينية لجـــريمــة غســـل الأمـــوال
الجريمة هي كل فعل أو إمتناع جرم المشرع إتيانه في نص من النصوص الجنائية، و قرر له عقوبة أو تدبيرا وقائيا بسبب ما يحدثه من إضطراب إجتماعي ويكون هذا الفعل أو الإمتناع صادر عن شخص أهل للمساءلة الجنائية ، وهذا التعريف يحيط بالأركان العامة المكونة للجريمة وهي الركن القانوني(الفقرة الثانية)، والركن المادي(الفقرة الثالثة)، والركن المعنوي(الفقرة الربعة)، وكما أسلفنا الذكر فإن من خصائص جريمة غسل الأموال خاصية التبعية ما يجعلنا نتكلم عن الركن المفترض أي وجود جريمة أصلية سابقة و هي مصدر الأموال القدرة(الفقرة الأولى).
الفـقرة الأولى : العنصـــر المـفـتـــرض لجــــريمـة غســـــل الأمـــــوال
تعتبر جرائم غسل الأموال من الجرائم التبعية التي تتطلب وجود جريمة سابقة لها هي مصدر الاموال غير المشروعة، وهذه الأخيرة هي محل عملية الغسل قصد تبيضها و ادماجها في الدورة الإقتصادية كأموال متحصلة من عمل مشروع، والركن أو العنصر المفترض في جريمة غسل الأموال هي الجريمة الأولية و يكون لتخلفها أو توافرها انعكاس على وجود الجريمة أو عدمها وهو الركن المفترض.
إن المشرع المغربي و إقرارا منه بمبدأ الشرعية ، ذكرعلى سبيل الحصر الجرائم التي تكون محلا لجريمة غسل الأموال في الفصل 2ـ574 من ق. 05/43 المتعلق بمكافحة غسل الأموال، والذي جاء فيه:
“
يسري التعريف الوارد في الفصل 1-574 أعلاه على الجرائم التالية ولو ارتكبت خارج المغرب:
· الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية؛
· الاتجار في البشر؛
· تهريب المهاجرين؛
· الاتجار غير المشروع في الأسلحة والذخيرة؛
· الرشوة والغدر واستغلال النفوذ واختلاس الأموال العامة والخاصة؛
· الجرائم الإرهابية؛
· تزوير أو تزييف النقود وسندات القروض العمومية ووسائل الأداء الأخرى؛
· الانتماء إلى عصابة منظمة أنشئت أو وجدت للقيام بإعداد أو ارتكاب فعل إرهابي أو أفعال إرهابية؛
· الاستغلال الجنسي؛
· إخفاء أشياء متحصلة من جناية أو جنحة؛
· خيانة الأمانة؛
· النصب؛
· الجرائم التي تمس بالملكية الصناعية؛
· الجرائم التي تمس بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة؛
· الجرائم المرتكبة ضد البيئة؛
· القتل العمدي أو العنف أو الإيذاء العمدي؛
· الاختطاف والاحتجاز وأخد الرهائن؛
· السرقة وانتزاع الأموال؛
· تهريب البضائع؛
· الغش في البضائع وفي المواد الغذائية؛
· التزييف والتزوير وانتحال الوظائف أو الألقاب أو الأسماء أو استعمالها بدون حق؛
· تحويل الطائرات أو السفن أو أية وسيلة أخرى من وسائل النقل أو إتلافها أو إتلاف منشآت الملاحة الجوية أو البحرية أو البرية أو تعييب أو تخريب أو إتلاف وسائل الاتصال؛
· الحصول أثناء مزاولة مهنة أو القيام بمهمة على معلومات متميزة واستخدامها لإنجاز عملية أو أكثر في السوق؛
· المس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات.”
إن هذا الحصر لهذه الجرائم التي تعد بمثابة تمهيد لجريمة غسل الأموال فيما بعد، يعتبر إجحافا في حق القاضي الزجري، خاصة و أن هناك جرائم أخرى خطيرة غير واردة في الفصل 574-1 من مجموعة القانون الجنائي، ومنها جرائم الغش التجاري والتهرب الضريبي والجمركي، وجرائم البورصة، وغيرها من الجرائم الخطيرة، بل إن من بين الجرائم الواردة في الفصل موضوع التحليل ناقصة في الصياغة و محدودة كما أن هذا الأسلوب الحصري يتسم بالجمود، لأنه لا اجتهاد مع النص، ولا القياس ولا التوسع في تفسير النص الجنائي يصلحان لإدراج جرائم أغفل المشرع إدراجها في زمرة الجريمة الأولية، مما سيتحتم معه تعديل هذه المادة كلما ارتأى المشرع ضرورة إدخال جريمة بعينها في صنف الجريمة الأولية.
يؤسس المشرع المغربي لعلاقة حتمية بين الجريمة الأصلية و جريمة غسل الأموال، كجريمتين مستقلتين كل منهما تحكمها الأركان الكلاسيكية للجريمة، إضافة إلى كون الجريمة الاصلية تعتبر عنصرا مفترضا لقيام جريمة غسل الأموال، مما يقودنا إلى القول أن توافر العناصر القانونية للجريمة الأولية وعدم تحريك الدعوى الجنائية بشأنها لا يحول دون تحقق المسؤولية الجنائية لمرتكب جريمة غسل الأموال وقيام الدعوى العمومية بشأنها زد على ذلك الحكم بالبراءة لتوافر مانع من موانع المسؤولية الجنائية، أو مانع من موانع العقاب كالعفو الشامل لعقوبة الجريمة الأصلية، والذي لا يوقف مسطرة المتابعة عن جريمة غسل الأموال.
الفقرة الثانية: الركن القانوني لجريمة غسل الأموال
يعتبر الركن القانوني أو الشرعي من بين الأركان الأساسية لقيام الجريمة و توقيع العقوبة إنطلاقا من مبدأ معروف ألا وهو مبدأ الشرعية الجنائية ” لاجريمة و لا عقوبة إلا بنص ” فلا يحق متابعة شخص و معاقبته من أجل فعل ما إذا لم يكن مجرما، والجريمة هي كل فعل أو إمتناع عن فعل مخالف للقانون و معاقب عليه، و نظرا لأهميته فقد تظمنه الدستور الجديد للمملكة المغربية كمبدأ دستوري.
وقد نظم المشرع المغربي جريمة غسل الأموال ضمن مجموعة القانون الجنائي من خلال قانون رقم 43.05 المتعلق بمكافحة غسل الأموال في الفرع السادس مكرر، فصول 574-1 و574-2 و 574-3 و 574-4 و 574-5 و 574-6 و 574-7.
الفقرة الثالثة : الركن المادي لجريمة غسل الأموال
الركن المادي هو السلوك الذي يرد على محل الجريمة ويرتب نتيجة معينة مع وجود رابطة سببية بين السلوك والنتيجة، ويتحقق الركن المادي بالاعتداء الملموس والواقعي على المصالح المحمية قانونا، وقد تطرق المشرع المغربي في قانون 43.05 الى صور تحقق الركن المادي لجريمة غسل الأموال من خلال الفصل 574-1.
· السلوك الإجرامـــــــي في جريمة غسل الأموال :
مغربيا نجد الفصل 574-1 قد حصر النشاط المادي لجريمة غسل الأموال في الصور و الأفعال الثالية :
· الصورة الأولى : تعد الأفعال التالية جريمة غسل الأموال إكتساب، أو حيازة، أو إستعمال، أو تحويل، أو نقل ممتلكات أو عائدات بهدف إخفاء أو تمويه مصدرها لفائدة الفاعل أو لفائدة الغير عندما تكون متحصلة من إحدى الجرائم المنصوص عليها في الفصل 574-2 بعده.
· الصورة الثانية : وتشمل إخفاء أو تمويه الطبيعة الحقيقية للممتلكات أو مصدرها أو مكانها أو كيفية التصرف فيها أو حركتها أو ملكيتها أو الحقوق المتعلقة بها، مع العلم بأنها عائدات متحصلة من إحدى الجرائم المنصوص عليها في الفصل 574-2 بعده.
· الصورة الثالثة : مساعدة أي شخص متورط في إرتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في الفصل 574-2 بعده على الإفلات من الآثار التي يرتبها القانون على أفعاله.
· الصورة الرابعة : تسهيل التبرير الكاذب بأية وسيلة من الوسائل لمصدر ممتلكات أو عائدات مرتكب إحدى الجرائم المشار إليها في الفصل 574-2 بعده التي حصل بواسطتها على ربح مباشر أو غير مباشر.
· الصورة الخامسة : المساعدة أو المشورة
في عملية حراسة أو توظيف أو إخفاء أو إستبدال أو تحويل العائدات المتحصل عليها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من إرتكاب إحدى الجرائم المذكورة في الفصل 574-2 بعده.
تأسيسا على ما ورد في النص فالسلوك الإجرامي لغسل الأموال يتجلى في الأفعال الهادفة إلى تمويه مصدر العائدات و الممتلكات المذكورة في الفصل 574-2، وكذا مساعدة وتسهيل التبرير الكاذب و تقديم المساعدة و المشورة في عملية الحراسة أو التوظيف أو الإخفاء أو الإستبدال أو تحويل العائدات المتحصل عليها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة
· النتيجة الإجرامية لغسل الأموال :
يقصد بالنتيجة الإجرامية الأثر المترتب عن نشاط الجاني(إيجابيا كان أم سلبيا) في مدلوله المادي الذي يظهر في التغيير الذي يحدث في العالم الخارجي كأثر ملازم لهذا النشاط. فالنتيجة في جريمة القتل هي إزهاق روح الضحية
والنتيجة لا تكون عنصرا من عناصر الركن المادي في الجريمة إلا بالنسبة لجرائم “النتيجة” أو جرائم “الضرر” أو الجرائم المادية دون الجرائم التي يطلق عليها جرائم “الخطر” أو الجرائم “الشكلية” التي لا يتوقف قيامها والمعاقبة عليها على حدوث نتيجة.
ولمعرفة النتيجة الإجرامية في جريمة غسل الأموال، فانه يتوجب معرفة ما إذا كانت هذه الأخيرة من جرائم الضرر أو الخطر اعتمادا على طبيعة الضرر الذي يلحق بالمعتدي عليه، وبالنسبة للمشرع المغربي فإنه يتفق مع المشرع المصري كونهما يعتبران أن جريمة غسل الأموال من الجرائم ذات النتيجة المادية التي تتطلب تحقق نتيجة بذاتها،
وهي إحداث التغيير على جوهر المال المتحصل من الجريمة الأصلية أو الأولية سواء كان ذلك بالإخفاء أو التمويه بمعنى أن النتيجة هي تطهير أموال لم يكن بالإمكان التعامل فيها إلا من خلال إضفاء صفة المشروعية عليها، بسبب أنها كانت ناتجة عن عمل غير مشروع بعد مرورها بعدة عمليات معقدة، ويعتبر إدخال المال في الدورة المالية (مرحلة التوظيف) من أجل إخفاء مصدرها غير المشروع (مرحلة التجميع) دون الوصول إلى مشروعية تلك الأموال (مرحلة الدمج) لسبب خارج عن إرادة الفاعل شروعا في جريمة غسل الأموال وقد عاقب المشرع المغربي على المحاولة في الفقرة الاخيرة من الفصل574-3.
أما المشرع الفرنسي فإنه لم يشترط تحقق نتيجة معينة بذاتها، و إنما جرم السلوك بحد ذاته، و بذلك نكون أمام جرائم شكلية.
· العلاقة السببية لجريمة غسل الأموال :
العنصر الثالث في الركن المادي للجريمة هو ضرورة توافر علاقة سببية بين النشاط المحظور و النتيجة التي حصلت بحيث لا يمكن تصور قيام الجريمة قانونا إذا إنعدمت (إنتفت) رابطة السببية، وهذه الأخيرة في علاقة بجريمة غسيل الأموال تتوفر بارتباط سلوك إجرامي إنصب على مال غير مشروع متحصل عليه في الفصل 574-2 من قانون 43.05، بالنتيجة التي توخاها الجاني و المتمثلة في تمويه أو إخفاء المصدر غير المشروع للممتلكات أو إكتسابها، أو حيازتها أو إستعمالها أو إستبدالها أو تحويلها
الفقرة الرابعة : الركن المعنوي لجريمة غسل الأموال:
الركن المعنوي هو مجموع العناصر النفسية المكونة للجريمة مما يعني أن الجريمة لا تقوم فقط على ما هو ملموس مادي بل يتشكلها ما هو معنوي نفسي أيضا، وهذا الركن هو سبيل المشرع إلى تحديد المسؤول عن الجريمة بحيث لا يسأل شخص عن الجريمة ما لم تكن هناك علاقة بين ماديات الجريمة و نفسية الجاني، ما يعني إتجاه إرادته لإرتكاب إحدى الأفعال المجرمة، ويأخد الركن المعنوي صورتين : الأولى هي القصد الجنائي ومن خلالها توصف الجريمة بأنها عمدية، والثانية تتحقق في صورة الخطأ إما بسبب رعونة أو إهمال، وقد أثير النقاش حول هذه مسألة الركن المعنوي لهذه الجريمة كونه قائم على القصد أو الخطأ.
أقرت إتفاقية فيينا من خلال المادة 3 بتوفر القصد في جريمة غسل الأموال في حين أخدت اتفاقية ستراسبورغ بإقامة جريمة غسل الأموال على الخطأ
مغربيا فقد كان المشرع حاسما في هذه المسألة بنص الفصل 574-1 من فقرته الأولى و التي جاء فيها : “تكون الأفعال التالية جريمة غسل الأموال عندما ترتكب عمدا و عن علم …”،
مما يعني أن المشرع أخد بالقصد الجنائي العام إنطلاقا من عبارة ترتكب عمدا وعن علم أي توفر العلم و الإرادة، وإضافة إلى ذلك فقد إشترط المشرع توفر القصد الجنائي الخاص متمثل في إخفاء أو تمويه المصدر الجرمي للأموال محل الغسل أو توظيف وإخفاء و إستبدال و تحويل المتحصلات الإجرامية أو تمكين شخص متورط في إرتكاب الجريمة المتحصل منها الأموال من الإفلات من العقاب.
خاتمة
رصدنا في هذا المقال الإطار القانوني لجريمة غسل الأموال في مجموعة القانون الجنائي المغربي من خلال الوقوف على العناصر التكوينية لهذه الجريمة والتي لا تخرج عن الأركان الكلاسيكية المتعارف عليها و هي الركن القانوني، و المادي، و المعنوي إلا انه تبين لنا وجود عنصر رابع وهو العنصر المفترض على إعتبار ان جريمة غسل الأموال من الجرائم التبعية التي تتطلب وجود جريمة سابقة لها هي مصدر الاموال غير المشروعة.
وقد إعتمد المشرع المغربي في سياق مكافحة جريمة غسل الأموال على مقاربة وقائية للحيلولة دون المس بالجانب الإقتصادي الذي لا زال فتيا من جهة، و إنجاح المكافحة من جهة أخرى لاقتلاع جذور هذه الظاهرة والتي لا يكفي فيها النص القانوني فقط ما لم يقترن بالإعتماد على التقنية و التكنولوجية لمكافحتها خاصة و أنه تم استحداث هذه الجريمة في الوقت الراهن لنتحدث عن جريمة غسل الاموال بطريقة الكترونية.
اترك تعليقاً