أجازت المادة 76 من قانون الاثبات (المادة 27 بينات اردني) الاثبات بالشهادة في الوقائع المادية واجازت المادة (77 / أولا) اثبات وجود التصرف القانوني او انقضائه بالشهادة، اذا كانت قيمته لا تزيد على خمسة الاف دينارا، وندرس الوقائع المادية والتصرف القانوني الذي لا تزيد قيمته على خمسة الاف دينارا فيما يأتي :
أولا – الوقائع المادية :
ان الوقائع القانونية، هي واقعة مادية يرتب قانون عليها اثرا، وقد تكون واقعة طبيعية لا دخل لا رادة الإنسان كالموت وقد تكون واقعة اختيارية حدثت بإرادة الإنسان كالبناء والغراس، واذا كانت واقعة اختيارية، فقد يقصد من ورائها احداث الأثر القانوني عليها كالاستيلاء والحيازة، وقد لا يقصد هذا الأثر، كدفع غير مستحق، وقد يقصد عكس هذا الأثر كالعمل غير المشروع، وسواء كانت الواقعة القانونية طبيعية او اختيارية، وسواء قصد اثرها القانون او لم يقصد او قصد عكسه، فهي دائماً واقعة مادية، وليست ارادية كما هي الحال في التصرف القانوني وقد تنشئ الواقعة القانونية الحقوق الشخصية، كما هو الأمر في العمل غير المشروع والكسب دون سبب، وقد تكسب الحقوق العينية كما هو الأمر في الحيازة والموت (الميراث). وقد تقضي الحقوق الشخصية كما في اتحاد الذمة وقد تقضي الحقوق العينية كما في الترك، وقد تحدث آثارا قانونية اخرى، كما في القرابة وهي مانع من موانع الزواج، وفي الجوار ويحد من استعمال حق الملكية، وفي نزه الحيازة ويترتب عليها قطع التقادم وفي حالة القصر ويترتب عليها وقف التقادم، وفي الحاق المنقول بالعقار لخدمته ويحول المنقول الى عقار بالتخصيص، فالواقعة القانوني، كالتصرف القانوني قد ينشئ الحقوق الشخصية، وقد يكسب الحقوق العينية، وقد يقضيها جميعا وقد يرتب اثارا قانونية اخرى. وان المقابلة بين التصرف القانوني والواقعة القانونية هي مقابلة ما بين الارادة والفعل المادي، فحيث تمخضت الارادة الاحداث اثر قانوني فأحدثه القانون فثم تصرف قانوني، وحيث وقع عمل مادي ولو خالطته الارادة فرتب عليه القانون اثرا، فثم واقعة قانونية (1). والاصل في الوقائع المادية ان يكون اثباتها بالشهادة والقرائن القضائية، لانها تقع وتراها الناس ولا يمكن اعداد دليل كتابي بشأنها كالوقائع الطبيعية، فيضانات، براكين، زلازل، نضوج التمر، تكاثر الحيوان (2). و(حراثة الأرض ومنع استغلالها من المسائل المادية الجائز اثباتها بالشهادة)(3). وكذلك (اثبات قيام المدعي ببعض اعمال المقاولة التي لم ينفذها المقاول لتعلق ذلك بوقائع مادية)(4). واثبات الافعال غير المشروعة والجرائم التي يحاول مقترفوها اضفاء المشروعية عليها اخفاء لها وتهرباً من أحكام القانون (5). و(لا يجوز حصر الشهادة في دعوى الغصب، اذ يحق للمدعي تقديم شهود جدد لاثبات واقعة الغصب)(6). كما ان اثبات سكن العقار لأغراض تطبيق قرار مجلس قيادة الثورة (المنحل) رقم 1198 لسنة 1977 يكون بمختلف وسائل الاثبات ومنها البينة الشخصية لان الاشغال واقعة مادية (7)، الا ان هناك وقائع مادية مهمة ألزم القانون تسجيلها، كأثبات الولادة والوفاة بالسجلات الرسمية (8).
ثانياً – التصرف القانوني الذي تقل قيمته عن خمسة الاف ديناراً :
يقصد بالتصرف القانوني اتجاه الارادة الى احداث اثر قانوني معين، فيترتب القانون عليها هذا الأثر، مثال ذلك العقد، فهو تصرف قانوني يقوم على تطابق ارادتين وقد ينشئ الحقوق الشخصية او يكسب الحقوق العينية، وكذلك الوصية فهي تصرف قانوني يقوم على ارادة منفردة ويكسب الحقوق العينية، والوفاء تصرف قانوني يقوم على تطابق ارادتين والابراء تصرف قانوني يقوم على ارادة منفردة وكلاهما يقضي الحقوق الشخصية، فالتصرف القانوني سواء قام على تطابق ارادتين او قام على ارادة منفردة، وقد ينشئ الحقوق الشخصية وقد يكسب الحقوق العينية وقد يقضيها جميعا وقد يرتب آثارا قانونية اخرى (9). وأجازت المادة (77 / أولا) من قانون الاثبات، اثبات وجود التصرف القانوني او انقضائه بالشهادة، اذا كانت قيمته لا تزيد على خمسة الاف دينارا (والنصاب في قانون البينات الاردني هو مائة دينار م28)، وان هذه القاعدة ليست من النظام العام، لذلك أجازت المادة (77 / ثانياً) اثبات وجود التصرف القانوني الذي تزيد قيمته على خمسة الاف دينارا او كان غير محدد القيمة، او انقضائه بالشهادة، اذ وجد اتفاق او قانون ينص على ذلك (م28/1 بينات اردني) ومثال التصرف القانوني غير محدد القيمة، مطالبة الخصم خصمه بتقديم حساب دون ان يحدد الرصيد الذي في صالحه، لانه قد لا يعرف رصيده بعد، او المطالبة بمستندات مودعة لدى الاخر غير محددة القيمة كوديعة او شهادة طبية (10). او تسليم مخطوطات قديمة (11). وتقدر فيه الالتزام وقت تمام التصرف القانوني لا وقت الوفاء به، فاذا كانت قيمته في ذلك الوقت لا تزيد على خمسة الاف دينارا فتصح الشهادة لاثباته حتى لو زادت قيمته على خمسة الاف ديناراً بعد ضم الفوائد والملحقات (م 77 / ثالثاً) (اثبات) و (م 28 / 2 بينات اردني) واذا كان محل الالتزام مبلغا من النقود الاجنبية، فيتم تحويله الى النقد العراقي حسب سعر الصرف وقت تمام العقد (12). واذا كان للنقد الاجنبي أكثر من سعر بالعملة الوطنية، كانت العبرة بالسعر الرسمي ما لم يقض القانون او اتفاق يجيزه القانون بغير ذلك (13). اما اذا كان محل الالتزام شيئا غير النقود، فتقدر المحكمة قيمته وقت تمام العقد دون ان تتقيد بتقدير المدعي، فلها عند الحاجة ان تستعين برأي اهل الخبرة (14). (النتائج المترتبة على وجوب تقدير قسمة الالتزام وقت تمام التصرف القانوني لا وقت الوفاء به) يمكن تحديد هذه النتائج بما يأتي :
1-اذا كانت قيمة الالتزام وقت تمام التصرف القانوني لا تزيد على خمسة الاف دينارا فتصح الشهادة لاثباته حتى لو زادت قيمته على خمسة الاف دينارا بعد ضم الفوائد والملحقات. (م 77 / ثالثاً – اثبات). فاذا اقرض شخص آخر مبلغا قدره خمسة الاف دينار لمدة سنة بفائدة قدرها (5%) فيجوز للدائن (المقرض) ان يثبت عقد القرض بالشهادة ولو انه يطالب بأكثر من خمسة الاف دينارا، لان الزيادة لم تأت الا من ضم الفوائد الى الاصل. ويقصد بالملحقات، المصاريف كمصاريف الشيء المتنازع عليه كنفقات ارسال البضاعة او خزنها او المحافظة عليها، وقد تكون الملحقات معروفة وقت تمام التصرف كالفوائد الاتفاقية والشرط الجزائي عن التأخر في تنفيذ الالتزام، وقد تكون غير معروفة وقت قيامه، كالتعويض عن الاخلال بالالتزام (15). فالعبرة بقيمة التصرف القانوني وقت حصوله، اما اذا زادت قيمته وقت المطالبة القضائية او نقصت فلا قيمة لذلك. فاذا اتفق شخصان على شراء بطاقة يانصيب قيمتها دينار واحد على ان تكون قيمتها وما تحققه من ربع مناصفة فيما بينهما، فيجوز اثبات هذا الاتفاق بشهادة الشهود، حتى ولو ربحت البطاقة جائزة قيمتها أكثر من خمسة الاف دينارا، في حين اذا اتفق شخصان على شراء سهم بسند مناصفة فيما بينهما وكانت قيمة النصف تجاوز مبلغ خمسة آلاف دينارا، وجب اثبات هذا الاتفاق كتابة حتى لو نقصت قيمته الفعلية عن هذا المبلغ وقت حصول النزاع (16).
2-اذا اشتملت الدعوى على طلبات متعددة ناشئة عن مصادر متعددة جاز الاثبات بالشهادة في كل طلب لا تزيد قيمته على خمسة الاف دينار ا حتى ولو كانت هذه الطلبات في مجموعها تزيد على هذه القيمة، او كان منشؤها تصرفات قانونية ذات طبيعة واحدة بين الخصوم أنفسهم وكذلك الحكم في كل وفاء يتعلق بتلك الطلبات لا تزيد قيمته على خمسة الاف دينارا، فاذا كان للمدعي على المدعى عليه عدة حقوق متميزة اصلا وسببا وكانت قيمته كل منهما لا تزيد على خمسة الاف دينارا، مع ان قيمة المجموع تزيد على هذا الدفع، فان الشهادة تقبل من المدعي، ولو اقام دعوى واحدة للمطالبة بحقوقه المتعددة (17). فالعبرة في الدين بذاته لا بالدعوى، اي ان الدين اذا كانت قيمته دون نصاب الشهادة جاز اثباته بالشهادة، اما اذا تعددت الديون في الدعوى ذاتها وكان كل دين مستقل عن الدين الآخر بالأصل والسبب وكانت قيمته لا تتجاوز خمسين ديناراً، فحتى لو تجاوز مجموع اقيام تلك الديون هذا المبلغ جاز للمدعي ان يثبت تلك الديون بالشهادة، ولكن اذا كان بين تلك الديون المدعى بها ما تزيد قيمته على خمسة الاف دينارا فلا تقبل الشهادة في اثباته، وتبقى الشهادة مقبولة لاثبات الديون الاخرى، ذلك ان المدعي (الدائن) بإمكانه اقامة دعوى مستقلة بكل دين (18). وللقاضي ان يدقق في علاقة الديون المتعددة ليرى ما اذا كانت لا ترتبط ببعضها البعض او لا تشكل دينا واحدا تولد عن مصدر واحد، فيقضي عندئذ على تحايل الدائن بالزامة بالدليل الكتابي بدلا من الشهادة التي كان يأمل الاثبات بها (19).
3-اذا كان التصرف المطلوب اثباته جزءا من حق لا يجوز اثباته بالشهادة حتى لو كان هذا الجزء هو الباقي من الحق (م 79 / ثانياً – اثبات) فاذا كانت قيمة الدين ستة الاف دينارا مقسطا على ثلاثة أقساط متساوية وطالب الدائن المدين بواحد من تلك الأقسام وجب عليه ان يثبت عقد القرض كتابة، ولو انه لا يطالب الا الفين دينارا وهو مقدار القسط المستحق لأنه يؤسس طلبه على عقد فرض وقت صدوره يزيد على خمسة آلاف دينارا فكان عليه ان يعد دليلا كتابيا لاثباته (20). ويذكر أن هناك حالات توجب الاثبات بالكتابة حتى اذا كان مبلغ الصرف القانوني أقل من خمسين دينارا وهذه الحالات هي :
1.لا يثبت الصلح الا بالكتابة او بمحضر رسمي (م 711 من القانون المدني العراقي).
2.يجب ان يكون عقد الشركة مكتوبا والا كان باطلا (م 628 من القانون المدني العراق) (م 584 مدني اردني) وبموجب قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997، يعد المؤسسون عقدا للشركة موقعا منهم او ممن يمثلهم، ويقدم طلب التأسيس الى المسجل الشركات ويرفق به عقد الشركة ووثائق اخرى، وتكتسب الشركة الشخصية المعنوية من تاريخ صدور شهادة تأسيسها، وتعتبر هذه الشهادة دليلا على ان اجراءات التسجيل قد تمت وفق القانون.
3.لا يثبت الاتفاق على التحكيم الا بالكتابة ويجوز الاتفاق عليه اثناء المرافعة (المادة 252 من قانون المرافعات المدنية).
4.يجب ان يكون عقد العمل مكتوبا، ويحدد فيه نوع العمل ومقدار الاجر، وفي حالة عدم كتابة العقد، فللعامل ان يثبت العقد والحقوق الناشئة عنه بجميع طرق الاثبات (المادة 30 من قانون العمل رقم 71 لسنة 1987).
__________________
1-السنهوري، ج2 فقرة (1) ص2.
2-الدكتور هاشم الحافظ، محاضرات في الاثبات مطبوعة على الرونيو، كلية القانون بجامعة بغداد 1981 – 1982 ص82.
3-القرار التمييزي المرقم 875 / ص/ 1964 في 4/6/1964 قضاء محكمة التمييز، المجلد الثاني ص75.
4-القرار التمييزي المرقم 301 /م3/1974 في 2/7/1974 النشرة القضائية، العدد (3) السنة (5) ص11.
5-القرار التمييزي المرقم 69 /س/85 – 86 في 24 / 1 / 1987، غير منشور، مشار إليه في حسين الشمري ص49.
6-القرار التمييزي المرقم 40 / منقول /84 – 85 في 13/1/1985، مجموعة الأحكام العدلية، العددان الأول والثاني 1985 ص55.
7-قرار محكمة استئناف بغداد بصفتها التمييزية المرقم 349 / ح / 94 في 20 / 3/ 1994 الموسوعة العدلية، العدد (16) 1994 ص5.
8-انظر المادة (35) من القانون المدني والمادة (31) من قانون الأحوال المدنية رقم (35) لسنة 1972.
9-السنهوري، فقرة (1) ص 1-2.
10-الصوري، ج2 ص723 والنصاب (500) جنيه بموجب القانون رقم (18) لسنة 1999 (مصر) و(800) يورو في فرنسا بموجب المرسوم 2001 / 476 في 30/5/2006.
11-محمود جمال الدين زكي فقرة 681 ص1096.
12-العبودي، أحكام ص288.
13-مرقس، اصول الاثبات، ص416 هامش (31).
14-العامري، ص79.
15-محمود جمال الدين زكي فقرة 682 ص1098.
16-ابو الوفا، الاثبات ص118. العبودي، أحكام، ص288 – 289. الصوري، ج2 ص735 – 736.
17-ادوار عيد، ج2 فقرة 266 ص70. محمد عبد اللطيف ج1 فقرة 297 ص284. العامري ص80.
18-المادة (44) من قانون المرافعات المدنية وانظر الصوري ج2 ص740، ان المبدأ العام في قانون المرافعات، ان كل دعوى يجب ان تقام بعريضة، ولكن هناك بعض الاستثناءات منها، جواز الادعاء بعريضة واحدة بعد حقوق شخصية وعينية منقولة مثال، أن يطالب شخص آخر بمبالغ عن ديون متعددة وبأعاده ثلاجة او جهاز تلفزيون اشتراه منه، ويجوز ان تتضمن العريضة الطلبات المكملة كالمطالبة بالدين والفوائد اما الطلبات المترتبة عليها فمثالها المطالبة برد المغصوب زائدا ما انتجه من زوائد او ثمار، اما الطلبات المتفرعة فمثالها المطالبة بالأضرار الجسيمة التي أصابت المضرور زائدا تعويض العجز الذي أصابه نتيجة لحادث فيجوز جمع الدعاوى الناشئة وكذلك جواز طلب الفسخ مع الحكم برد بدل الايجار، كما تصبح المطالبة بدين وهو حق شخصي مع بدل قيمة منقول وهو حق عيني وذلك بعريضة واحدة وتصبح المطالبة برد المغصوب المنقول مع طلب التعويض. انظر الاستاذ ضياء شيت خطاب ص190. العلام ج2 ص31 و 37. القشطيني 1979 ص190 – 191. النداوي، المرافعات المدنية ص162 – 163.
19-ادور عيد ج2 فقرة 266 ص70. الصدة، 209. الصوري ج2 ص741.
20-الصوري ج2 ص782.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً