حجز ما للمدين لدى الغير:
عندما يكون شخص دائناً لآخر ويكون هذا الآخر دائناً بدوره لشخص ثالث – فقد خول القانون للشخص الأول أن يقتضى حقه لا من مدينه مباشرة وإنما من أموال مدينه الموجودة في ذمة الشخص الثالث. وهذه هى طريقة حجز ما للمدين لدى الغير.
ومثال ذلك أن يحجز الدائن على أموال مدينه المودعة في أحد البنوك أن يكون المدين مالكاً لعقار يؤجره فيحجز الدائن على الأجرة المستحقة في ذمة المستأجرين أو أن يكون المدين مقاولا وله مستحقات في ذمة أرباب العمل الذين قام بالمقاولة لحسابهم ولصالحهم فيحجز الدائن على مستحقاته لدى أرباب العمل.
وهناك صورة ثانية لحجز ما للمدين لدى الغير وهى أن يكون للمدين منقولات مادية موجودة في حيازة شخص آخر فيحجز الدائن عليها لدى ذلك الشخص.
وظاهر من ذلك أن حجز ما للمدين لدى الغير قد ينصب على (دين) مستحق للمدين في ذمة الغير أو على (عين) أي على منقول مادى مملوك للمدين ولكنه ليس تحت يده بل هو موجود في حيازة الغير.
وحجز ما للمدين لدى الغير يعتبر في مجال الإجراءات المدنية صورة من صور الدعوى غير المباشرة التي يستعمل الدائن بمقتضاها حقوق مدينه ويقتضى حقوق مدينه من مديني ذلك المدين ويسمى هذا النوع أيضاً باسم: الحجز تحت يد شخص ثالث.
وقد يتم حجز ما للمدين تحت يد الغير بطريق حجز ما للمدين تحت يد الدائن نفسه (وهو ما يسمى بالحجز تحت يد النفس) وذلك في حالة ما إذا كان الدائن نفسه مديناً لمدينه – أو إذا كان للمدين منقولات موجودة تحت يد الدائن.
ويمكن أن نتمثل حجز ما للمدين لدى الغير في شكل مثلث في رأسه الدائن ولنطلق عليه اسم (أ) أما القاعدة ففي الزاوية اليمنى منها يوجد المدين المباشر لذلك الدائن ولنسمه (ب) وفى الزاوية اليسرى من القاعدة يوجد الغير أي مدين المدين أو الشخص الثالث الذى توجد عنده أموال المدين حقوقاً كانت ام منقولات ويسمى (ج).
وفى هذه الصورة يكون (ب) دائناً للغير (ج) ومديناً للدائن الأصلي (الحاجز) وهو (أ) – أي أنه يجمع بين صفة المدين/بالنسبة إلى (أ) – وصفة الدائن/ بالنسبة إلى (ج) ويقوم الدائن (أ) بالحجز على حقوق مدينه (ب) الموجودة تحت يد (ج) لكى يقتضى لنفسه ما له من حقوق في ذمة مدينه (ب). فهذا طريق غير مباشر لاقتضاء الحقوق شبيه بالدعوى المنحرفة في القانون المدني أو ما تسمى بالدعوى غير المباشرة.
صور وحالات خلافية:
وقد أسلفنا (عند الكلام في حجز المنقول) أن هناك صورا وحالات خلافية يتردد فيها الرأي بين طريق حجز ما للمدين لدى الغير وطريق حجز المنقول. ولا شك في أن تحديد طريق الحجز الذى يجب اتباعه يعتبر من المسائل الهامة لما قد يترتب من البطلان إذا اتبع طريق في موضع كان ينبغي فيه اتباع طريق آخر. فالحجز بغير الطريق القانوني يؤدى إلى بطلان الإجراءات ولذلك كان من المفيد (ومن الأهمية بمكان) تحديد طريق الحجز الواجب الاتباع بالنسبة لهذه الحالات الخلافية.
وتنحصر هذه الحالات فيما يأتي:
1) الحالة الأولى- حجز الخزائن:
وصورة المسألة هنا تتلخص في أن المدين (ب) تكون له خزينة في بنك يودع بها ما يشاء من نقود أو مصاغ أو أوراق. وقد جرى التساؤل عما إذا كان طريق الحجز الذى يجب اتباعه بالنسبة للخزائن في المصارف هو طريق حجز المنقول ام طريق حجز ما للمدين لدى الغير.
ويوجد في هذه المسألة رأيان: يقول أولهما أن الخزينة في حيازة صاحبها لأنه مستأجر للخزانة من البنك فيحجز على محتويات الخزانة حجز منقول كما لو كان شخص يستأجر شقة في منزل ويضع فيها منقولات فتحجز المنقولات حجز منقول لا بطريق حجز ما للمدين لدى الغير. وحجة هذا الرأي أن العقد المبرم بين البنك والعميل بشأن الخزانة هو عقد أجارة وان اتصال العميل بالخزانة مباشر ومن ثم فالعميل هو الحائز لمحتويات الخزانة أما البنك فإنه يجهل تلك المحتويات وليست لديه وسيلة لمعرفتها حتى يتمكن من التقرير بما في ذمته إذا ما اتبع طريق حجز ما للمدين لدى الغير.
أما الرأي الثاني فهو يكيف العقد القائم بين البنك والعميل بشأن الخزانة – بأنه عقد وديعة وليس عقد ايجار وان الخزينة (ومحتوياتها) هى في حيازة البنك الذى يتعهد بحراستها وحراسة محتوياتها والمحافظة عليها فالبنك هو الذى له الحيازة في الواقع والعميل يتطرق إلى خزانته (ليودع بها ما يشاء أو ليسحب منها ما يشاء) عن طريق البنك وبواسطته فلابد من تدخل البنك حتى يتصل العميل بخزانته ويملك البنك أن يمنع العميل من الدخول إلى حرم البنك حيث توجد الخزائن ومن الوصول إلى خزانته.
فالبنك هو الحائز الحقيقي للخزانة وبالتالي يجب الحجز عليها تحت يده بطريق حجز ما للمدين لدى الغير ومتى أعلن البنك بالحجز وجب عليه منع العميل من الاتصال بالخزانة. أما التقرير بما في الذمة فإنه يتم عن طريق ذكر رقم الخزينة وهذا يكفى أما فتح الخزينة وجرد ما فيها فإنه ممكن عن طريق استصدار أمر بذلك من قاضى التنفيذ. على أن من يقولون بأن طريق حجز المنقول هو الواجب الاتباع في هذه الحالة يحتجون لرأيهم بأن اتباع طريق حجز ما للمدين لدى الغير يحقق غاية معينة هى منع الازعاج ومنع الفضيحة التي يسببها حجز المنقول وهو أمر غير ذي موضوع بالنسبة للبنوك إذ أن دخول المحضر فيها أمر مألوف لا يسبب فضيحة ولا ازعاجا لأحد ولا يمس سمعة البنك بشيء.
كما أن خشية اختلاط الأموال غير متحققة في هذه الحالة أيضاً لأن كل خزينة من الخزائن المؤجرة للعملاء في البنك مستقلة بذاتها ومتميزة عن غيرها بما لا يدع مجالاً للخط بين خزانة وأخرى.
ومهما يكن من أمر – فإن الرأي في الفقه وفى القضاء منقسم فهناك من يذهب إلى أن طريق حجز ما للمدين لدى الغير هو الواجب الاتباع وهناك من يذهب إلى أنه طريق حجز المنقول. وقد كان هذا هو رأينا في كتابنا الوجيز في التنفيذ طبعة 1959 (ص 346) وهو رأى نعتقد الآن (بعد امعان النظر) أنه لا يزال محلاً للبحث والنظر.
2) الحالة الثانية- الحجز على مال القاصر تحت يد الوصي وما إليها:
أما الحالة الثانية فإن صورة المسألة فيها تتمثل في حجز ما قد يكون للقاصر في يد الموصى أو للمحجوز عليه في يد القيم أو للشخص البالغ الرشيد في يد وكيله أو نائبه – فهل يحجز على المال هنا حجز ما للمدين لدى الغير ام بطريق حجز المنقول؟
هناك رأيان: فقد اتجه البعض إلى القول بأن يد النائب (سواء كان وكيلاً ام وصياً ام قيماً) – تعتبر يداً عارضة والحق هو حق المدين (الأصيل: أي القاصر أو المحجوز عليه أو الموكل) وينصرف إلى ذمته فيكون الطريق الصحيح هنا هو حجز المنقول لأن الحيازة هنا هى حيازة القاصر أو عديم الأهلية (أو الأصيل عموماً). أما حيازة النائب فهي عرضية.
أما الرأي الثاني فيتجه إلى أن حيازة النائب هى حيازة مستقلة لأن الوصي ليس خاضعاً للقاصر بل بالعكس هو مشرف عليه ولذلك يحجز على المنقول المملوك للقاصر والموجود تحت يد الوصي حجز ما للمدين لدى الغير. وكذلك الشأن بالنسبة للمحجوز عليه فيحجز على المنقول المملوك له تحت يد القيم بطريق حجز ما للمدين لدى الغير. وكذلك قل بالنسبة للمفلس وأمواله الموجودة تحت يد السنديك – والمستأجر وما قد يكون تحت يده من منقولات مملوكة للمؤجر – والمستعير بالنسبة لأموال المعير – والمودع لديه بالنسبة للمودع – وأمين النقل بالنسبة لصاحب البضاعة – والدائن المرتهن رهن حيازة بالنسبة للمدين الراهن – فكل هؤلاء يحجز على المال (المنقول) الموجود تحت يدهم بطريق حجز ما للمدين لدى الغير. وهذا بخلاف ما إذا كان الشخص الذى توجد الأموال تحت يده خادماً أو ساعياً أو بواباً أو صرافاً في محل تجارى فإن المال الذى في يده يحجز حجز منقول.
ويذهب الرأي الراجح إلى أن الخادم وأمثاله في هذه الصور هو شخص خاضع لصاحب المال خضوع التابع للمتبوع فليس له حيازة مستقلة وكذلك الحال بالنسبة للصراف (أو أمين الخزنة) في المحل التجاري يحجز على الأموال الموجودة في صندوقه (الكيس) حجز منقول لأن حيازته لها ليست مستقلة ولا متميزة وانما هى حيازة مسندة إلى صاحب المحل وهذا هو المناط في تحديد معنى الغير في حجز ما للمدين لدى الغير فالغير هنا هو كل شخص ليس خاضعا للمدين (المحجوز عليه خضوع التابع للمتبوع وبالتالي فإن له حيازة مادية مستقلة عن الأصيل.
أما في حالة قيام علاقة التبعية والخضوع فإن الحيازة المتميزة (للغير) تنتفى. وبذلك يكون طريق الحجز الواجب الاتباع هو طريق حجز المنقول.
وهنا أيضاً تنتفى الحكمة من اتباع طريق حج ما للمدين لدى الغير وهى تفادى ازعاج الغير بدخول المحضر إلى محل اقامته (مما يؤدى إلى اساءة سمعته وإلى فضيحته) – وحشية اختلاط الأموال.
كذلك يجوز حجز الأموال الموجودة لدى الغير بطريق حجز المنقول (ويكون اتباع هذا الطريق صحيحا) إذا رضى الغير بدخول المحضر إلى مسكنه – لأن إذنه للمحضر بالدخول يجعل الحكمة المشار إليها فيما تقدم منتفية.
وشبيه بحالة قبول الغير وإذنه للمحضر بالدخول إلى مسكنه حالة ما إذا تم تهريب الأموال بنقل حيازتها إلى شخص من الغير ففي هذه الحالة يمكن استصدار أمر من قاضى التنفيذ بحجزها تحت يد ذلك الغير بطريق حجز المنقول لأنه متواطئ مع المدين على التهرب أو التهريب. ففي هذه الحالة يكون إذن القاضي كإذن المدين وتعتبر إجراءات حجز المنقول صحيحة.
على أنه ينبغي أن يراعى في هذا المقام أن القاضي لا يأذن إلا إذا قامت قرائن قوية على حصول غش أو تواطؤ من جانب الغير مما يبيح إيقاع الحجز عنده بطريق مباشر هو طريق حجز المنقول حماية للدائن من هذا الغش.
3) الحالة الثالثة- حالة الحجز على أموال معروضة في معرض عام:
اختلف الرأي أيضاً بالنسبة لهذه الحالة فمن الفقهاء من يرى أن طريق الحجز الواجب سلوكه هو طريق حجز المنقول على أساس أن المعرض أو إدارة المعرض ليس مودعاً لديها. بل هى تؤجر مكاناً للتاجر ليضع فيه بضائعه التي يعرضها فهي إذن في حيازته هو وليس في حيازة المعرض ومن الشراح من يرى أن حجز ما للمدين لدى الغير هو الطريق الصحيح للتنفيذ في هذه الحالة على أساس أن التاجر سلم الأشياء المعروضة إلى المعرض لوضعها مع غيرها وعرضها بمعرفة إدارة المعرض نفسه. فالعقد هنا عقد وديعة والحيازة للمعرض (المودع عنده) وليس للعارض (الذى قام بالإيداع).
وينطبق هذا الرأي كذلك على السلع التي تودع في المحلات التجارية لتباع على ذمة أصحابها مع احتساب عمولة للمتجر فإذا أراد أحد دائني صاحب السلعة أن يحجز على تلك السلعة في المتجر الذى تعرض فيه للبيع فيجب اتباع حجز ما للمدين لدى الغير لأن الحيازة للمتجر الذى أودعت السلعة فيه والعقد هنا عقد وديعة. (يراجع كتابنا: الوجيز في التنفيذ – المطبوع سنة 1959 صحيفة (340) وما بعدها).
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً