وتتلخص فكرة هذه النظرية في أن هناك عقودا يتراخى فيها التنفيذ إلى أجل أو إلى آجال، ويحصل عند حلول أجل التنفيذ أن تكون الظروف الاقتصادية قد تغيرت بسبب حادث لم يكن متوقعا فيصبح تنفيذ الالتزام شاقا على المدين ومرهقا له إلى الحد الذي يجعله مهددا بخسارة فاذحة. الأمر الذي يجيز للقاضي أن يتدخل ليوزع تبعات هذا الحادث على عاتق الطرفين وبذلك يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول.
مثال ذلك أن يتعهد شخص بتوريد سلعة، ثم يحصل قبل حلول موعد التوريد أن يرتفع ثمن السلعة إلى أضعاف ثمنها وقت العقد وذلك بسبب قيام حرب أدت إلى تعذر ورودها من الخارج فيصبح هذا الشخص مهددا بخسارة جسيمة تجاوزت الحد المألوف،
في مثل هذه الحالة، وحينئذ يجوز للقاضي أن يعدل التزام المدين بحيث يقف به عند الحدود المعقولة، مما يؤدي إلى معالجة اختلال التوازن عند تنفيذ العقد، مما يمكن معه القول إن الوظيفة التي تؤديها هذه النظرية تقابل الوظيفة التي تقوم بها نظريتا الاستغلال والإذعان عند تكوين العقد، غير أن هاتين الأخيرتين تواجهان استغلالا من طرف قوي لطرف ضعيف ولهذا كان الجزاء فيهما أن يرفع عن الطرف الضعيف كل ما لحقه من غبن، أما نظرية الحوادث الطارئة فتعالج عاقبة حادثة لا يد فيها لأي من المتعاقدين، ولهذا كان أثرها توزيع تبعة هذا الحادث على عاتق الطرفين وأن أساس هذه النظرية هو العدالة[1].
شروط تطبيق نظرية الظروف الطارئة:
يجب أن يتراخى تنفيذ العقد بغير خطأ المدين
إن مجال تطبيق نظرية الظروف الطارئة يكون في العقود الزمنية والتي يتراخى فيها تنفيذ العقد بغير خطأ من المدين، مثال عقود التوريد التي يستغرق تنفيذها مدة من الزمن كعقود المقاولة، والمقصود بذلك أن يكون تراخي التنفيذ راجعا إلى طبيعة العقد ولسبب قاهر لا يد للمدين فيه، ولكن إذا كان تراخي التنفيذ ناتجا عن خطأ المدين فإن النظرية لا تنطبق عليه في هذه الحالة يتحمل المدين تبعة تقصيره، ولا تنطبق النظرية على العقود الاحتمالية، إذ هي بطبيعتها تعرض المتعاقد لكسب كبير أو لخسارة جسيمة[2].
يجب أن يكون الحادث الطارئ الذي وقع، استثنائيا وغير متوقع وعاما
إذا كان الحادث خاصا بالمدين فقط كإفلاس المدين أو اضطراب شؤونه المالية، فإن ذلك لا يعد حادثا طارئا، وإذا كان الحادث متوقعا فإنه يكون غالبا غير استثنائي، وعليه فيجب أن يكون الحادث الطارئ استثنائيا وأن يندر وقوعه وأن يكون عاما كالحرب أو زلزال أو وباء أو فرض تسعيرة جبرية أو إلغائها أو احتلال. كما يجب أن لا يكون في استطاعة المدين أن يدفع هذا الحادث عن نفسه. ويؤخذ بالمعيار الموضوعي وليس الشخصي، فلا يعتد فيه بشخص المدين وظروفه الخاصة، وإنما يراعى ما يجاوز المألوف[3].
أن يترتب على هذا الحادث أن يصبح تنفيذ المدين لالتزاماته مرهقا بحيث يهدده بخسارة فاذحة
يجب لانطباق حكم النظرية أن يجعل الحادث الطارئ تنفيذ الالتزام مرهقا للمدين إلى الحد الذي يهدده بخسارة فاذحة ويقدر الإرهاق في هذا الشأن بمعيار موضوعي، فلا يعتد فيه بشخص المدين وظروفه الخاصة وإنما يراعى فيه ما يجاوز المألوف من خسارة في التعامل كما ينظر إلى الصفقة ذاتها منفصلة عن ظروف المدين، فإذا كانت الصفقة التي أبرم بشأنها العقد قد أصبح المدين فيها مهددا بخسارة فاذحة تجاوز المألوف في التعامل إلى حد كبير. فإن حكم النظرية ينطبق حتى لو كان للمدين في ظروفه الخاصة الأخرى ما يجعل أثر هذه الخسارة ضئيلا بالنسبة إليه[1].
سلطة القاضي في تطبيق نظرية الحوادث الطارئة ودور المحكم في ذلك:
أ- سلطة القاضي:
للقاضي سلطة تجاوز حدود مهمته العادية (هي تطبيق القانون) فأجاز له استثناءا تعديل العقد، وذلك بأن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول كلما تأثر العقد بحوادث طارئة وهذا ما تؤكده مختلف التشريعات الوطنية[2]، وهذا يختلف عن القوة القاهرة والتي تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا وبذلك ينقضي الالتزام وتقع تبعة الهلاك على عاتق أحد الطرفين فحسب، وهو المدين في العقود الملزمة للجانبين، والدائن في العقود الملزمة لجانب واحد، أما الحادث الطارئ فيجيز رد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، وبذلك تتوزع الخسارة على عاتق الطرفين وسلطة القاضي في هذا الشأن مطلقة بمعنى أن له الحرية في اختيار الطريقة التي تحد من الإرهاق في تنفيذ الالتزام فلا يقضي القاضي بفسخ العقد. وسلطة القاضي في هذا الشأن من النظام العام ولا يجوز الاتفاق على سلبها منه[3].
ب- دور المحكم في تطبيق نظرية الحوادث الطارئة على العقود الدولية:
في عقود التجارة الدولية إذا أثار أحد أطراف العقد بأن تنفيذ الالتزام أصبح مرهقا ويهدده بخسارة جسيمة نتيجة لحادث طارئ أمام المحكم أو هيئة التحكيم، فمن واجب المحكم أن يتحرى هذا الحادث فإذا ما توافرت شروط الحادث الطارئ جاز للمحكم أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، ويوزع تبعة الحادث على عاتق الطرفين في العقد، وهذه النظرية تعالج اختلال التوازن عند تنفيذ العقد وأساس هذه النظرية هو العدالة، والتي يسعى إليها المحكم والقاضي الوطني، وهذا ما تؤكده العديد من الاتفاقيات الدولية التي عالجت التحكيم التجاري الدولي وكذلك مؤسسات التحكيم والقوانين الوطنية ذات الصلة.
[1] – د. عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، مرجع سابق، ص 722.
[2] – وهذا ما نصت عليه المادة (205) من القانون المدني الأردني (جاز للمحكمة تبعا للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن ترد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول إن اقتضت العدالة ذلك ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك).
[3] – د. أنور سلطان، مصادر الالتزام في القانون المدني الأردني، مرجع سابق، ص 132.
[1] – د. عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، مرجع سابق، ص 705-707.
[2] – د. منذر الفضل، النظرية العامة للالتزامات، مرجع سابق، ص 163.
[3] – د. أنور سلطان، مصادر الالتزام في القانون المدني، مرجع سابق، ص 125.