حتى لا يفقد المجلس الوطني الشرعية وتكون قراراته باطلة
عبد الرحمن علي التويجر
أستاذ القانون العام والعلوم السياسية
لقد قام المجلس بإصدار إعلان دستوري في 3. 8. 2011 والذي جاء في إحدى فقرات ديباجته الأتي “لقد رأى المجلس الوطني الانتقالي المؤقت أن يصدر هذا الإعلان الدستوري، ليكون أساساً للحُكم في المرحلة الانتقالية “وجاء التأكيد على ذلك في وثيقة إعلان التحرير الصادرة في بنغازي بتاريخ 23 أكتوبر 2011 م حيث نادت فقرتها السادسة بضرورة الشروع الفوري في تنفيذ المرحلة الانتقالية كما نص عليها الإعلان الدستوري.
لكن إذا كان هذا العمل الذي قام به المجلس يعد خطوة مهمة فإنها بطبيعة الحال غير كافية لأنها لا تشكل إلا خطوة واحده من بين خطوات ثلاثة متساوية في الأهمية حيث تتمثل الخطوة الثانية في مدى حرص المجلس الوطني الانتقالي على التقيد بما جاء في هذه النصوص و معالجة ما يقع فيه من مخالفات لهذه النصوص، بينما تتمثل الثالثة في وجود جهة مستقلة تستطيع وضع حد لتصرفات المجلس التي تكون مخالفة لنصوص هذا الإعلان الدستوري.
في هذه الورقة نحاول الوقوف على الخطوة الثانية لنقف على مدى تقيد المجلس الوطني بهذه الوثيقة الدستورية.أولا ومعرفة النتائج المترتبة على ذلك ثانيا و تقديم الحلول التي على المجلس تبنيها اذا ما أراد أن يعيد الأمور إلى نصابها.
أولا: مظاهر عدم تقيد المجلس الوطني الانتقالي بنصوص الإعلان الدستوري
تعامل المجلس الوطني مع نصوص الإعلان الدستوري بعدة طرق تفيد عدم احترامه لهذه النصوص، تتفاوت فيما بينها من الانتقاء إلى الإهمال إلى تطبيق غير صحيح للنصوص.
1- الطريقة الأولى:الانتقاء:
لقد نص الإعلان الدستوري في الفقرة الأولى من المادة 30 على انه :” قبل التحرير يتم استكمال المجلس الوطني الانتقالي المؤقت حسب ما اقره المجلس الوطني ويبقى هو الذي يمثل أعلى سلطة في الدولة الليبية والمسئول عن إدارة البلاد حتى انتخاب المؤتمر الوطني العام.”.
كما نص في الفقرة الثانية من نفس المادة على انه ” بمجرد إعلان التحرير ينتقل المجلس الوطني الانتقالي المؤقت إلى مركزه الرئيس بطرابلس وسيشكل حكومة انتقالية خلال مدة أقصاها ثلاثين يوما، وخلال مدة لا تتجاوز تسعين يوما من إعلان التحرير يقوم المجلس بالاتي:1- إصدار قانون خاص بانتخاب المؤتمر الوطني العام 2- تعيين المفوضية الوطنية العليا للانتخابات 3- الدعوة إلى انتخاب المؤتمر الوطني العام ” وبهذا ينتهي دور المجلس الوطني الانتقالي ويسلم السلطة للمؤتمر الوطني العام.الوليد.
وحتى يتمكن من تطبيق الفقرة الأولى من هذه المادة كان قد قام بتشكيل لجنة برئاسة المستشارة القانونية بالمجلس الدكتورة سلوى الدغيلي كلفها بأن تحدد عدد المجالس المحلية وعدد الأعضاء الممثلين لها في المجلس الوطني الانتقالي حسب معايير جغرافية وسكانية والتي قدمت تقريرها في هذا الخصوص.حيث استقر رأي المجلس – بعد أن عرضت هذه اللجنة تقريرها عليه – على أن يكون عدد المجالس المحلية 41 وعدد ممثليهم في المجلس 100 عضو وهذا هو المقصود بعبارة “حسب ما اقره المجلس ” الواردة في الفقرة الأولى من المادة 30 المشار إليها أعلاه
لكن ما أن بدأ المجلس في تطبيق هذه الفقرات حتى ترك الفقرة التي تنص على استكمال أعضاءه وقام مباشرة بتنفيذ الفقرة الثانية والتي تنص على الانتقال إلى طرابلس و تشكيل حكومة انتقالية.
2- الطريقة الثانية: الإهمال:
لم يكتف الإعلان الدستوري بالنص على ضرورة استكمال المجلس الوطني الانتقالي لأعضائه فقط بل أكد على ضرورة انتخاب رئيس المجلس ونائبه وإضافة نائب ثان (الفقرة الثانية من المادة 18) وضرورة أن يحلف جميع أعضاء المجلس بما فيهم الرئيس اليمين القانونية (المادة 19)وأخيرا يشرع المجلس الوطني في وضع لائحة تنظم أسلوب العمل فيه، وتبين كيفية ممارسة وظائفه (مادة 20).
لكن على مستوى التطبيق نجد أن المجلس الوطني أهمل هذه النصوص إهمالا تاما وكأنها تتعلق بإعلان دستوري في دوله أخرى وليس في ليبيا.
3- الطريقة الثالثة: التطبيق الخاطئ لنصوص الإعلان الدستوري (قرار تعيين الحكومة الانتقالية مثالا)
على الرغم من أن المجلس – فيما يتعلق بتشكيل الحكومة – كان حريصا اشد الحرص على أن لا يتجاوز المدة المنصوص عليها في المادة 24 من الإعلان الدستوري والتي تنص على ضرورة تشكيل الحكومة خلال شهر من إعلان التحرير حيث أعلن فعلا عن تشكيلها في الوقت المحدد ،(اعلان التحرير كان يوم 23 أكتوبر وإعلان تشكيل الحكومة كان يوم 22 نوفمبر) إلا انه من الملاحظ انه لم يحترم الشروط الأخرى المتعلقة بالكيفية التي يجب أن يتم بها هذا الاختيار والمنصوص عليها في نفس المادة، ففي الوقت الذي تنص فيه هذه الأخيرة على أن المجلس الوطني يصدر قرار تعيين الحكومة في جلسة نصابها “كامل أعضاء المجلس”وبموافقة “ثلثي أعضاءه ” أي بحضور 100عضو وموافقة 66 منهم، نجد المجلس يقوم بذلك في جلسة لم يحضرها إلا 51 وبموافقة 26 عضو مقابل 25 عضو فقط من هؤلاء الأعضاء الحاضرين أي بأغلبية نسبية فقط
السؤال الذي يطرح في هذا السياق هو: هل بإمكان المجلس الوطني أن يهمل ما يشاء مرة وينتقي ما يشاء مرة أخرى ولا يتقيد بما يشاء مرة ثالثة من نصوص الإعلان الدستوري دون أن يحدث الكثير من النتائج السلبية على المستوى السياسي والقانوني؟ إذا كانت الإجابة عن هذا السؤال بالنفي فما هي النتائج السلبية المترتبة على كل هذه التجاوزات.هذا ما سنقف عليه في النقطة الموالية.
ثانيا: النتائج السلبية المترتبة على عدم التقيد بالنصوص الواردة في الإعلان الدستوري
ليس من الصعب رصد الكثير من النتائج السلبية ذات الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى النفسية الناتجة عن هذه التجاوزات إلا أنني أركز في هذه الورقة على الجانب القانوني فقط والمتعلق بالمجلس الانتقالي نفسه وأشير إلى نتيجتين تصبان في هذا الجانب.الأولى بطلان تصرفاته القانونية والثانية وصمه بعدم الشرعية وذلك من تاريخ 23/10/2011 تاريخ إعلان التحرير
1- بطلان قرارات المجلس الوطني الانتقالي المؤقت
إذا كان من المتفق عليه فقها وقضاء وقانونا أن كل قرارات اللجان والمجالس سواء كانت محلية أو إقليمية أو وطنية تكون باطلة إذا لم يتوفر النصاب القانوني لجلساتها أولا أو إذا لم يتوفر النصاب القانوني لعدد أعضائها الذين يجب أن يوافقوا على القرار المطروح للفصل فيه فإن قرار تعيين الحكومة الانتقالية هو قرار باطل لأنه لم يتوفر له لا النصاب المتعلق بالجلسة ولا النصاب المتعلق بالأعضاء.
قد يقول قائل أن المجلس طبق نصوص اللائحة القديمة [1] التي سبقت الإعلان الدستوري.وله الحق في ذلك ريثما يضع لائحة جديدة وفق ما نصت عليه المادة 20 من الإعلان الدستوري فالعمل باللائحة القديمة أفضل من العمل بدون لائحة.وهنا نتساءل:هل بإمكانه أن يفعل ذلك؟ إن الإجابة ستكون بالنفي بطبيعة الحال وذلك للمبررات التالية :
أ- عدم انسجام اللائحة القديمة مع الإعلان الدستوري حيث صدرت هذه اللائحة لتفصل نصوص النظام التأسيسي للمجلس الوطني الانتقالي الذي صدر بتاريخ 12 مارس2011م.والذي لم تتجاوز مواده 9 مواد وليس لها أية علاقة بالإعلان الدستوري وبالتالي لا تكون منسجمة معه لأن الوضع الطبيعي يقتضي أن تأت اللائحة لتفصل في نصوص قانونية شديدة العمومية تكون قد صدرت قبل اللائحة وليس العكس، الأمر الذي هو غير متوفر في العلاقة بين الإعلان الدستوري ولائحة المجلس القديمة وهذا ما دفع لجنة صياغة الإعلان الدستوري إلى النص في المادة 20 على أنه”يكون للمجلس الوطني الانتقالي المؤقت لائحة تنظم أسلوب العمل فيه، وتبين كيفية ممارسة وظائفه”.والتي ستكون بطبيعة الحال منسجمة مع الإعلان الدستوري.
ب-إذا كانت اللائحة القديمة جاءت لتفصل في نصوص النظام الأساسي للمجلس وإذا كان هذا النظام الأساسي تم إلغائه بصريح المادة 34 والتي تنص على الآتي” تلغى الوثائق والقوانين ذات الطبيعة الدستورية المعمول بها قبل العمل بهذا الإعلان.” وإذا كان النظام الأساسي للمجلس هو أحد القوانين ذات الطبيعة الدستورية فإن العمل بهذه اللائحة يجب أن يتعطل أسوة بالنظام الأساسي للمجلس.
ج- لقد قام الإعلان الدستوري بالنص على الأنصبة القانونية التي يجب توافرها في اختيار الحكومة في المادة 24 وبطريقة مختلفة تماما على ما جاء في اللائحة الداخلية القديمة الأمر الذي يؤكد انه تجاوزها ضمنا فهل يجوز للمجلس اللجوء إلى اللائحة القديمة في أمور نظمها صراحة الإعلان الدستوري.؟ إن اقل الأشخاص دراية بهذه الأمور سيجيب بالنفي.
2- وصم المجلس الوطني بعدم الشرعية
تنص المادة 17 على أن “المجلس الوطني الانتقالي المؤقت هو الممثل الشرعي الوحيد للشعب الليبي…”و إذا ما تساءلنا عن اللحظة التي تغيب فيها هذه الشرعية فإننا نجد الإجابة صريحة في الفقرة السابعة من المادة 30 التي تنص على الآتي “يحل المجلس الوطني الانتقالي المؤقت في أول انعقاد للمؤتمر الوطني العام”
بالتأمل في هاذين النصين نلاحظ ، أن المجلس يتمتع بشرعيه كاملة إلى لحظة انعقاد المؤتمر الوطني الأمر الذي يجعل القول أنه موصوم بعدم الشرعية قبل الوصول إلى هذه اللحظة هو قول يجافي ما جاء في هذا العنوان.
لكن بقراءة تركيبية لنصوص الإعلان الدستوري نلاحظ بوضوح أن بقاء المجلس متمتعا بشرعيته حتى لحظة انعقاد المؤتمر الوطني العام معلقا على عدة شروط من بينها استكمال المجلس لأعضائه (الفقرة الأولى من المادة 30: حيث تربط هذه الفقرة بصراحة بين استكمال الأعضاء وبقاء المجلس متمتع بشرعيته إلى حين ظهور المؤتمر الوطني العام (انظر نص الفقرة أعلاه) وانتخاب رئيس ونائبين له (الفقرة الثانية من المادة 18) وحلف اليمين لكل أعضاء المجلس بما في ذلك الرئيس(المادة 19).وإصدار لائحة داخلية تنظم.سير العمل به (المادة 20).
وبما أن المجلس الوطني لم يهتم بما جاء في هذه النصوص فإنه يعتبر مجلس غير شرعي منذ 23 نوفمبر 2011 أي منذ لحظة إعلان التحرير.[2]
السؤال الذي يطرح هنا والذي يبدوا انه في غاية الأهمية هو : ما هي الطريقة التي على المجلس إتباعها حتى يخرج من الوضع غير القانوني الذي يوجد فيه.هذا ما نقف عليه في النقطة الموالية.
ثالثا: كيفية استعادة المجلس لشرعيته وتصحيح تصرفاته القانونية:
قد يقول قائل انه بإمكان المجلس الوطني أن يقوم اليوم بتنفيذ ما نصت عليه المواد والفقرات المشار إليها أعلاه وبالتالي يكون قد استرجع شرعيته أولا وصحح قراراته التي اتخذها خارج هذه الشرعية ثانيا وأبعد شبح عيب البطلان عن تصرفاته التي سيقوم بها لاحقا ثالثا.
من الواضح أن هذا الكلام ليس صحيح إلا جزئيا لأنه إذا كان تطبيق المواد والفقرات المشار إليها أعلاه قد يعيد شرعية المجلس المفتقدة منذ إعلان التحرير ويزوده بما يمكنه أن يتصرف بعيدا عن تعرض قراراته للإلغاء إلا أن كل هذا لا يفيد المجلس في شي بالنسبة للقرارات التي اتخذت في الفترة الماضية حيث ستبق باطله ولا يمكن تصحيحها إلا عن طريق سحبها.لان اتخاذ هذه القرارات دون القيام بتطبيق النصوص المشار إليها أعلاه يعتبر خرقا لشكليات لم يضعها المشرع الدستوري اعتباطا، بل وضعها من اجل الحرص على تمثيل كامل الشعب الليبي في هذا المجلس من جهة ومن اجل أن يتصرف المجلس بشكل يضمن هذا التمثيل ومن ثم يقطع الطريق على كل من يحاول الحيلولة دون ذلك… والحال أن عدم اكتراث المجلس الوطني للمواد والفقرات المشار إليها أعلاه يعد إلغاء لهذه الضمانات التي وضعها المشرع الدستوري وتعطيل لفلسفته الكامنة وراء هذه النصوص والمتمثلة في الربط بين هذه الإجراءات وبين تحرير ليبيا. فالتحرير لا يكتمل وفق النصوص المشار إليها أعلاه بتحرير كامل التراب الليبي فقط بل بتمثيل كل المناطق في المجلس الوطني الانتقالي الأمر الذي يمنع المجلس حسب ما استقر عليه الفقه والقضاء والقانون أن يصحح هذه الإجراءات لان ذلك يعد – بالإضافة إلى ما قيل أعلاه- منح رخصة له للخروج على القواعد الشكلية من جهة والسماح له باتخاذ قرارات ذات اثر رجعي.من جهة أخرى.
بناء على ذلك ليس أمام المجلس إذا أراد أن يستمر في ممارسة مهامه في إطار الشرعية كما نص عليها الإعلان الدستوري الذي خطه بيده، وأراد أن يجعل تصرفاته القانونية في منأى عن البطلان وأراد أن لا يكون هو السباق إلى وضع اللبنات الأولى لنظام ديكتاتوري جديد يجعل من الدستور مجرد واجه للتمويه، عليه أن يقوم بحزمة من الإجراءات العاجلة من بينها:
1- التوقف على القيام بأي تصرفات باستثناء تلك المتعلقة باستكمال أعضائه وانتخاب رئيسه ونائبيه وحلف اليمين لكامل أعضائه ووضع لائحته (نقترح في هذا الصدد على المجلس أن يشرع فورا في وضع قانون أساسي وليس لائحة لان مؤسسة بحجم وطبيعة المجلس الوطني لا تنظم بلائحة ولا حتى بقانون عادي بل بقانوني أساسي)
2- سحب كل القرارات التي اتخذها المجلس منذ 23 10 2011 إلى اليوم وفي مقدمة ذلك القرار المتعلق بتشكيل الحكومة الانتقالية
3- تعويض المتضررين من جراء هذه القرارات الباطلة إذا ما طلبوا ذلك.
وبدون ذلك يصبح أوجه الشبه بين الإعلان الدستوري لسنة 2011 والإعلان الدستوري لسنة 1969 ليس على مستوى الشكل فقط حيث يحتوي كل منهما على 37 ماده بل على مستوى المضمون أيضا، أي كلاهما حبرا على ورق.!
اترك تعليقاً