حجية أحكام محكمة النقض وفقاً للقانون المصري
حجية حكم النقض وسلطة محكمة الموضوع في تفسير القانون
“لما كان يتعين الإشارة بادئ ذي بدء إلى أن الحكم المطعون فيه قد تردى فى خطأ حينما أشار الى أنه يخالف حكم محكمة النقض فى أسبابه لأنه لم يخالف أسباباً ولكنه خالف قضاءً يتضمن فصلا فى مسألة قانونية تتعلق بمدى ولاية هيئة الرقابة الإدارية بالنسبة لرجال السلطة القضائية وقضى فيها بعدم ولايتها بالنسبة لهم وانحسار اختصاصها عنهم وقد اعتنق الحكم المطعون فيه فى رده على الدفع المبدى من الطاعنين فى هذا الشأن مفهوما سائدا بان محكمة الإعادة لا تتقيد بما تنتهي إليه محكمة النقض فانه يتعين القول بأنه إن صح هذا المفهوم بالنسبة إلى تقدير الوقائع والمسائل الموضوعية التي تتمتع محكمة الموضوع بحرية فى تقديرها فإنه بالنسبة للمسائل القانونية فإن الأمر مختلف لأن القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض فى المواد الجنائية ولئن خلا من نص مماثل لما نصت عليه المادة 269 من قانون المرافعات المدنية والتجارية فى فقرتها الثانية من أنه يتحتم على المحكمة التي أحيلت إليها القضية أن تلتزم بما انتهت إليه محكمة النقض فيما فصلت فيه من مسائل قانونية فان هذا المبدأ واجب الإعمال فى المواد الجنائية أيضاً لأنه لا وجه للتفرقة بين ما تفصل فيه محكمة النقض من مسائل قانونية مدنية كانت أو جنائية بل إن وجوب تقيد محكمة الإعادة بما تفصل فيه محكمة النقض من مسائل قانونية فى المواد الجنائية أوجب وألزم لتعلقها بالحريات التي يجب أن تستقر المبادئ التي تحكمها وتكفل حمايتها ولا يتأتى ذلك إلا بالالتزام بما تفصل فيه محكمة النقض من مسائل قانونية ولا يعترض على ذلك بما نصت عليه المادة 44 من القانون 57 لسنة 1959 سالف الذكر من أنه “إذا كان الحكم المطعون فيه صادرا بقبول دفع قانوني مانع من السير فى الدعوى ونقضته محكمة النقض وأعادت القضية الى المحكمة التي أصدرته لنظر الموضوع فلا يجوز لهذه المحكمة أن تحكم بعكس ما قضت به محكمة النقض وكذلك لا يجوز لمحكمة الموضوع فى جميع الأحوال أن تحكم بعكس ما قررته الهيئة العامة للمواد الجزائية بمحكمة النقض” لأن هذا النص قد خلا مما يقيد محكمة الإعادة فى هاتين الحالتين دون غيرهما والقول بغير ذلك تخصيص دون مقتض ولا سند فضلا عن أن ما تضمنه هذا النص لا يعدو فى حقيقته أن يكون من صور الالتزام بما تفصل فيه محكمة النقض من مسائل قانونية والذى يجب أن يعمم على كافة ما تفصل فيه محكمة النقض من هذه المسائل لتلتزم بها محكمة الإعادة وحبذا لو تناول هذه المسائل تعديل تشريعي والقول بغير ذلك مضيعة للوقت والجهد لا طائل من ورائه إلا إطالة أمد التقاضي بغير مبرر فضلا عن مجافاته للعقل والمنطق وتأباه طبيعة محكمة النقض التي هي فى الأصل محكمة القانون، لما كان ذلك وكان يقصد بالمسألة القانونية فى هذا المجال هي تلك المسألة التي تكون قد طرحت على محكمة النقض وأدلت فيها برأيها عن قصد وبصر فاكتسب حكمها قوة الشيء المحكوم فيه بشأنها بحيث يمتنع على محكمة الإعادة عند نظر الدعوى المساس بهذه الحجية، وكان المشرع وإن ناط بالمحكمة الدستورية العليا تفسير القوانين إلا أن ذلك لا يصادر حق جهات القضاء الأخرى فى تفسير القوانين وإنزال تفسيرها على الواقعة المعروضة عليها مادام لم يصدر بشأن النص المطروح تفسير ملزم من السلطة التشريعية أو من المحكمة الدستورية العليا طبقا للأوضاع المقررة فى قانونها بشأن طلبات التفسير وكانت محكمة النقض وهى محكمة لا تعلوها محكمة وبما تقتضيه وظيفتها من تفسير للقوانين قد تصدت لتفسير نصوص القانون رقم 54 لسنة 1964 بشأن الرقابة الإدارية وذلك فى حكمها الصادر فى الدعوى المعروضة بتاريخ 25 من سبتمبر سنة 2002 وقضت بعدم ولاية هيئة الرقابة الإدارية بالنسبة لرجال القضاء وانحسار اختصاصها عنهم وانحصاره فى العاملين بالجهاز الحكومي بالدولة ورتبت على ذلك آثارا سبقت الإشارة إليها فإنها تكون بذلك قد فصلت فى مسألة قانونية حازت قوة الشيء المحكوم فيه فى هذه الدعوى مما كان لازمه ألا تعاود محكمة الإعادة التصدي لهذه المسألة بأي حال من الأحوال بعد أن فصلت فيها محكمة النقض أو تناقش الآثار المترتبة على قضاء محكمة النقض فيها لما فى ذلك من مساس بحجية قضائها فى الدعوى وكان يجب أن يقتصر بحثها فى المسائل التي لا تمس هذه الحجية وغنى عن البيان إن هذا القول لا يصادر حق محكمة الموضوع فى تفسير نصوص القوانين على غير ما تراه محكمة النقض ولكن يكون ذلك فى دعاوى أخرى لأن أحكام محكمة النقض ليس لها طبيعة لائحية وتقتصر حجيتها على حدود النزاع المطروح فى ذات الدعوى بين الخصوم أنفسهم ولا يمتد أثر هذه الحجية الى غيرها، لما كان ما تقدم فانه ودون ما حاجة الى مناقشة الأسباب التي ساقتها محكمة الإعادة وأجهدت نفسها فى البحث عنها وخالفت بها محكمة النقض ما كان لهذه المحكمة (محكمة الإعادة) أن تعاود بحث تلك المسألة مرة أخرى بعد أن قضت فيها محكمة النقض بحكم حاز قوة الأمر المقضي حتى لو صادف الدعوى بعد صدور حكم النقض حكم أو تفسير مغاير من جهة ملزمة لأن حجية الأحكام تسمو على اعتبارات النظام العام، وإذ غاب هذا النظر عن محكمة الإعادة أو خالفته فان ذلك مما يعيب حكمها بمخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه”.
( نقض جنائي، في الطعن رقم 27375 لسنة 73 قضائية – جلسة 6/7/2003 – المستحدث من أحكام النقض – صـ 117 )
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً