حجية الحكم الجنائي على المدني
محكمة التمييز
الدائرة المدنية
الطعن رقم (235) مدني
جلسة 18/ 6/ 2001
برئاسة السيد المستشار عبد الله علي العيسى – رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين علي شلتوت وفاروق سليمان وسمير عبد الهادي وفتحي محمود.
1 – دعوى (الصفة فيها) – محكمة الموضوع (سلطتها في استخلاص توافر صفة الخصم).
– استخلاص توافر الصفة في الدعوى – واقع لمحكمة الموضوع – شرطه.
2 – تقادم – تعويض – دعوى (تقادمها) – نشر – جريمة.
– جرائم النشر – سقوط دعوى التعويض عنها بمضي ثلاثة أشهر من تاريخ النشر ما لم تكن هناك ظروف قهرية حالت دون رفعها.
3 – إثبات (حجية الحكم الجزائي) – محكمة الموضوع (سلطتها في تقدير وحدة عناصر دعويين).
– حجية الحكم الصادر في الدعوى الجزائية أمام المحاكم المدنية – شرطها – أن يكون قد فصل فصلاً لازمًا في وقوع الفعل المكون للأساس المشترك بين الدعويين المدنية والجزائية وفي الوصف القانوني لهذا الفعل ونسبته لفاعله – مؤدى ذلك – امتناع المحاكم المدنية عن إعادة بحث هذه المسائل – علة ذلك – حتى لا يخالف حكمها الحكم الجزائي السابق له.
– تقدير وحدة العناصر في دعويين – موضوعي – شرطه.
1 – المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن استخلاص توافر صفة الخصم في الدعوى هو من مسائل الواقع التي يستقل بها قاضي الموضوع، وبحسبه أن يبين الحقيقة التي اقتنع بها وأن يقيم قضاءه على أسباب سائغة تكفي لحمله.
2 – النص في المادة 33/ 2، 3 من القانون رقم (3) لسنة 1961 بإصدار قانون المطبوعات والنشر على أنه (… ولا تقام الدعاوى عن هذه الجرائم إذ انقضى على تاريخ النشر ثلاثة أشهر، وتسقط دعوى التعويض إذا لم يرفعها المتضرر خلال المدة المذكورة ما لم تكن هناك ظروف قهرية حالت دون رفعها).
3 – من المقرر أن النص في المادة (54) من المرسوم بقانون رقم (39) لسنة 1980 بشأن الإثبات في المواد المدنية والتجارية على أن (لا يرتبط القاضي المدني بالحكم الجنائي إلا في الوقائع التي فصل فيها هذا الحكم وكان فصله فيها ضروريًا) يدل – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – على أن الحكم الصادر في الدعوى الجزائية تكون له حجيته في الدعوى المدنية أمام المحاكم المدنية كلما كان قد فصل فصلاً لازمًا في وقوع الفعل المكون للأساس المشترك بين الدعويين الجزائية والمدنية وفي الوصف القانوني لهذا الفعل ونسبته إلى فاعله، فإذا فصلت المحكمة الجزائية في هذه الأمور فإنه يمتنع على المحاكم المدنية أن تعيد بحثها ويتعين عليها أن تلتزمها في بحث الحقوق المدنية المتصلة بها لكي لا يكون حكمها مخالفًا للحكم الجزائي السابق له، ومن المقرر أيضًا أن القول بوحدة العناصر في دعويين هو مسألة موضوعية يستقل بها قاضي الموضوع بغير معقب متى كان قد اعتمد على أسباب لها أصلها الثابت في الأوراق ومن شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة وبعد المداولة،
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية، وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن المطعون ضدها أقامت الدعوى رقم 730/ 98 تجاري مدني كلي حكومة بطلب الحكم بإلزام الطاعن بأن يؤدي إليها 5001 دينار على سبيل التعويض المؤقت، وقالت بيانًا لذلك إنه بتاريخ 7/ 5/ 1998 صدر عدد مايو من مجلة (….) التي يمثلها الطاعن محتويًا على تحقيقات صحفية خاصة بوجود حالات تحرش جنسي من…. فيها وأنها سعت وديًا لدى الطاعن لمنع نشر هذه التحقيقات غير الصحيحة لما فيها من إهدار لسمعة وكرامة (….) إلا أن مسعاها لم يجد أذنًا صاغية منه فقامت بإبلاغ النيابة العامة بالواقعة حيث تحرر عنها القضية رقم (1162) لسنة 99 ج. م صحافة التي قضى فيها بحكم جزائي نهائي بإدانته وإذ لحقها بصفتها من جراء ما ارتكبته من جرائم القذف والتشهير الضرر فقد أقامت الدعوى بالطلبات سالفة البيان، ومحكمة أول درجة قضت للمطعون ضدها بمطلبها بحكم استأنفه الطاعن بالاستئناف رقم 717/ 2000 مدني وفيه حكمت المحكمة بتاريخ 26/ 6/ 2000 بتعديل الحكم المستأنف بجعل التعويض المقضي به نهائيًا وتأييده فيما عدا ذلك، طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق التمييز وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عرض الطعن على المحكمة في غرفة المشورة حددت جلسة لنظره وفيها صمم الحاضران عن الطرفين على طلباتهما والتزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب ينعى الطاعن بالوجه الأول من السبب الأول منها والسبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول إنه قد دفع أمام محكمة الموضوع بدرجتيها بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة ذلك أن البلاغ المقدم ضده إلى النيابة العامة كان مقدمًا من التربية والتعليم ووزير التعليم العالي، وهو صاحب الصفة وحده في تمثيل (….) ولما كانت الدعوى المطروحة قد أقيمت من (….) فإنها تكون غير مقبولة، هذا إلى أنه تمسك بسقوط الحق في رفع الدعوى وذلك لعدم تصحيح شكلها وإقامتها من صاحب الصفة قبل انقضاء ثلاثة أشهر على تاريخ النشر وفقًا لنص المادة (33) من قانون المطبوعات والنشر رقم (3) لسنة 1961 إلا أن الحكم المطعون فيه خالف هذا النظر وقضى برفض هذين الدفعين وهو ما يعيبه ويستوجب تمييزه.
وحيث إن هذا النعي في وجهه الأول مردود، ذلك أن من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن استخلاص توافر صفة الخصم في الدعوى هو من مسائل الواقع التي يستقل بها قاضي الموضوع، وبحسبه أن يبين الحقيقة التي اقتنع بها وأن يقيم قضاءه على أسباب سائغة تكفي لحمله، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض الدفع المبدى من الطاعن بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة على ما خلص إليه من توافر الصفة للمطعون ضدها في تمثيل (….) أمام القضاء وذلك في قوله (إن الثابت بمقتضى الحكم الجزائي الصادر في 11/ 10/ 99 في الدعوى رقم 1162/ 99 ج. م (19/ 89 صحافة) أن المستأنف عليها بصفتها قد تقدمت بالبلاغ للنائب العام ضد المستأنف بطلب اتخاذ الإجراءات القانونية وأرفقت بإخطارها بلاغ…. بصفته والمؤرخ 12/ 5/ 98 حول ذات الموضوع فضلاً عن أن المادة (7) من القانون رقم 29/ 66 في شأن التعليم العالي تعطى…. سلطة إدارة التعليم العالي من الناحية العلمية والإدارية والمالية وهو الذي يمثل (….) أمام الجهات الأخرى مما مفاده أن المستأنف ضدها بصفتها هي المخولة قانونًا بتمثيل (….) أمام الغير ومن بينها المحاكم) وإذ كان هذا الذي أورده الحكم في نطاق سلطته في فهم أمور الواقع في الدعوى سائغًا ومستمدًا من معينه الثابت بالأوراق ويكفي لحمل قضائه بغير خطأ في تطبيق القانون فإن النعي بهذا الوجه يكون على غير أساس،
والنعي في وجهه الآخر في غير محله، ذلك أن النص في المادة 33/ 2، 3 من القانون رقم (3) لسنة 1961 بإصدار قانون المطبوعات والنشر على أنه (…. ولا تقام الدعاوى عن هذه الجرائم إذا انقضى على تاريخ النشر ثلاثة أشهر، وتسقط دعوى التعويض إذا لم يرفعها المتضرر خلال المدة المذكورة ما لم تكن هناك ظروف قهرية حالت دون رفعها)، وكان البين من الأوراق وما أورده الحكم المطعون فيه بمدوناته أن النشر تم في 7/ 5/ 98 وأن تقديم البلاغ ضد الطاعن من المطعون ضدها و(….) و(….) كان في 13/ 5/ 1998 وأقامت المطعون ضدها دعوى التعويض المطروحة – باعتبارها صاحبة الصفة في رفعها على النحو سالف الإشارة – بتاريخ 27/ 7/ 1998 في غضون ثلاثة أشهر من تاريخ النشر ومن ثم فإنها تكون قد أقيمت في الميعاد المقرر قانونًا وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى هذه النتيجة فإنه يكون قد صادف صحيح القانون ويضحى النعي برمته على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بباقي أسباب الطعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وفي بيان ذلك يقول إن الدعوى المطروحة جاءت فاقدة لأساسها القانوني لانتقاء ركن الخطأ في جانبه إذ أن الدستور كفل للناس كافة حرية الرأي والبحث العلمي وأن التحقيقات الصحفية موضوع الدعوى لم تتضمن إساءة إلى شخص المطعون ضدها أو أي من… أو ما يمس سمعة (….) فيها بل إنها كانت سردًا لبعض المهازل الأخلاقية التي صدرت من بعض (….) وتناولتها الصحف في الكويت وهو ما يتوافر به سبب إباحة النشر وينفي معه ركن الخطأ وتتماحى المسؤولية التقصيرية غير أن الحكم المطعون فيه خالف هذا النظر وقضى بإلزامه بالتعويض استنادًا إلى حجية الحكم الجزائي رغم اختلاف الدعويين من حيث السبب بما لا يمنع القاضي المدني من معاودة بحث المسؤولية المدنية كما أنه لم يبين مدى أحقية المطعون ضدها في طلب التعويض وهو ما يعيبه بما يستوجب تمييزه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه من المقرر أن النص في المادة (54) من المرسوم بقانون رقم (39) لسنة 1980 بشأن الإثبات في المواد المدنية والتجارية على أن (لا يرتبط القاضي المدني بالحكم الجنائي إلا في الوقائع التي فصل فيها هذا الحكم وكان فصله فيها ضروريًا) يدل – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – على أن الحكم الصادر في الدعوى الجزائية تكون له حجيته في الدعوى المدنية أمام المحاكم المدنية كلما كان قد فصل فصلاً لازمًا في وقوع الفعل المكون للأساس المشترك بين الدعويين الجزائية والمدنية وفي الوصف القانوني لهذا الفعل ونسبته إلى فاعله، فإذا فصلت المحكمة الجزائية في هذه الأمور فإنه يمتنع على المحاكم المدنية أن تعيد بحثها ويتعين عليها أن تلتزمها في بحث الحقوق المدنية المتصلة بها لكي لا يكون حكمها مخالفًا للحكم الجزائي السابق له،
ومن المقرر أيضًا أن القول بوحدة العناصر في دعويين هو مسألة موضوعية يستقل بها قاضي الموضوع بغير معقب متى كان قد اعتمد على أسباب لها أصلها الثابت في الأوراق ومن شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها، لما كان ذلك وكان الحكم الابتدائي المؤيد والمكمل بالحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بإلزام الطاعن بالتعويض المقضي به للمطعون ضدها بصفتها استنادًا إلى ثبوت الخطأ في حقه أخذًا بحجية الحكم الجزائي النهائي رقم (1162) لسنة 99 ج. م الذي دانه عن جريمة النشر ذاتها المطالب بالتعويض عنها في الدعوى المدنية المطروحة وأصابتها بصفتها بالضرر، وذلك في قوله (وكان الحكم الجزائي الصادر في القضية رقم (1162) لسنة 99 والمقيدة برقم (19) لسنة 98 جنح صحافة والذي صار نهائيًا قد انتهى إلى إدانة ومساءلة المدعى عليه عن تهمة النشر
الذي من شأنه المساس بكرامة (….) ومن ثم واعتدادًا بالحكم الجزائي المذكور… باعتبار أن المحكمة الجنائية قد فصلت فصلاً لازمًا في وقوع الفعل المكون للأساس المشترك بين الدعويين الجزائية والمدنية وهو قيام المدعى عليه بالسماح بنشر التحقيق الصحفي الذي من شأنه المساس بكرامة (….) وفي الوصف القانوني لهذا الفعل ونسبته إليه ومن ثم فإن المحكمة تتقيد بذلك ويمتنع عليها أن تعيد بحثه أو مخالفته وترتيبًا على ذلك يكون المدعى عليه ملتزمًا بتعويض المدعية بصفتها عما أصاب (….) التي تمثلها من أضرار من جراء فعله الخاطئ سيما وقد أصيبت (….) التي تمثلها المدعية بأضرار نتيجة هذا الفعل الخاطئ أن هذا الضرر يستوجب التعويض وقد تحقق الضرر بالفعل وتمثل في الحط من قدر (….) وأن هذا الخطأ هو السبب لهذا الضرر…) وقد أيده الحكم المطعون فيه وأضاف ردًا على أسباب الاستئناف قوله (إنه بصيرورة الحكم الجزائي رقم 1162/ 99 جنح صحافة نهائيًا فإنه لا محل لمناقشة خطأ المستأنف من حيث ثبوته وذلك أن للحكم الجزائي الصادر في الدعوى المذكورة حجية في الدعوى المدنية…) وإذ كان هذا الذي أورده الحكمان – في نطاق السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع في استخلاص وحدة العناصر بين الدعويين الجزائية والمدنية وتقدير وقوع الضرر وعلاقة السببية بينه وبين الخطأ – سائغًا ومستمدًا من أصوله الثابتة بالأوراق ويكفي لحمل قضائهما ويؤدي إلى النتيجة التي انتهيا إليها بغير خطأ في تطبيق القانون فإن النعي يكون على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.
اترك تعليقاً