حرية الرأي و التعبير في القوانين الدولية و الوطنية
حرية الرأي والتعبير فى المواثيق الدولية والتشريعات الوطنية وموقف الاجتهاد القضائي
بقلم القاضي الدكتور محمد الطراونة
تمهيد:-
من المعلوم ان حقوق المواطن وحرياته الاساسية جميعا هى كل لا يتجزأ ، اي ان كافة حقوقه واجبة الاحترام والحماية والرعاية،الا ان حقه فى ابداء الري والتعبير عن رايه بحرية تامة ، اصبح من اهم الحقوق فى كافة الدول والمجتمعات التى ترعى وتصون حقوق الانسان ، كونها تنظر لهذا الحق كحق اصيل وثابت، ولايجوز ان يرد علية اية قيود او استثناءات، الا ما يفرضه القانون والنظام العام والاداب العامة.
ونظرا لاهمية هذا الحق فقد ورد النص عليه فى كافة المواثيق الدولية والاقليمية المعنية بحقوق الانسان ، كما تطرقت له كافة الدساتير والتشريعات الوطنية .
وعليه سوف نتطرق لهذا الحق على النحو التالي:
اولا:- حرية الرأي والتعبير على الصعيد الدولي:-
ورد النص الى الحق فى التعبير وابداء الرأي فى العديد من المواثيق والاعلانات نذكر منها:-
1- ماورد فى ديباجة الاعلان العالمي لحقوق الانسان وتحديدا المادة (19) منه التي نصت على مايلي(..لكل شخص الحق فى حرية الرأي والتعبير …ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الاراء دون اي تدخل واستقاء الانباء والافكار وتلقيها واذاعتها باية وسيلة كانت دون تقييد بالحدود الجغرافية..)
2- المادة (19) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التى تطرقت فى فقرتيها الاولى والثانية الى الحق فى الحرية والتعبير.
3- اعلان الامم المتحدة \اليونسكو الصادر فى صنعاء عام 1966 الخاص باستقلال وتعددية وسائل الاعلام.
4- اعلان ويندهوك الخاص بالصحافة المستقلة الصادر عن الامم المتحدة\اليونسكو عام 1991.
5- اعلان المآتا لعام 1992.
6- اعلان سنتياغو لعام 1994.
ونلاحظ ان النصوص الواردة فى الاتفاقيات الدولية فيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير مايلي:-
1- الحقوق الواردة فى الاتفاقيات مطلقة وغير مقيدة اي انها حقوق مطلقة ولايسمح باي استثناء لها او القيد عليها ولذلك تعتبر حرية الرأي والتعبير قاعدة ضرورية لاي نظام ديمقراطي.
2- تضمن الفقرة الثانية من المادة 19 من الاعلان العالمي والمادة 19 من العهد الدولى حرية نشر وارسال المعلومات كون حرية التماس الانباء والافكار وتلقيها ونقلها الى الاخرين وباية وسيلة ودونما اعتبار للحدود من العناصر المهمة للحق فى التعبير.
3- اذا كانت الفقرة الثالثة من المادة19 توكد صراحة ان ممارسة حرية الرأي والتعبير ستتبع واجبات ومسوؤليات خاصة وبالتالي يجوز اخضاع هذا الحق لبعض القيود التى تتصل بمصالح الاخرين او بمصالح المجتمع ككل فانه عندما يفرض طرف قيودا على ممارسة حرية الرأي والتعبير لايجوز ان تعرض هذه القيود جوهر الحق نفسه للخطر ،فالفقرة 3 تضع شروطا وخطوطا حمراء لايجوز تجاوزها او فرض القيود الا بمراعاة هذه الشروط وهي على النحو التالي:-
أ- ان ينص القانون صراحة على هذه القيود وهي احترام حقوق الاخرين وحرياتهم ومراعاة مبادى النظام العام ومعايير الامن القومي والقواعد الخاصة بالاداب العامة .
ب- لايجوز ان تفرض الا لاحد الاهداف المبينه فى الفقرتين الفرعتين (أ)و(ب) من الفقرة 3
ت- يجب تبريرها بانها ضرورية للدولة الطرف حتى تؤمن هدفا من تلك الاهداف .
وبالمحصلة يتوجب تفسير القيود والاستثناءات فى اضيق نطاق ممكن ،ونضيف ان العبرة ليست بما يرد فى هذه الاتفاقيات انما العبرة هى فى التطبيق العملي ،علما ان اية دولة تصبح طرفا فى الاتفاقيات الدولية فانه يقع على عاتقها التزام بادراج ما ورد فى هذه الاتفاقيات ضمن منظومة تشريعاتها الوطنية.
ثانيا:- حرية الرأي والتعبير على الصعيد الاقليمي:-
ورد النص على حرية الرأي والتعبير فى العديد من المواثيق والاتفاقيات الاقليمية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما ورد فى المادة(10 ) من الاتفاقية الاوروبية لحقوق الانسان والمادة( 19 )من الميثاق الافريقي لحقوق الشعوب والمادة(27 )من الميثاق العربي لحقوق الانسان.
الا اننا نلاحظ ان الاتفاقية الاوروبية لحقوق الانسان تكاد تكون نموذج يحتذي به ليس على الصعيد الاقليمي بل على صعيد العالم اجمع ، كون النصوص الواردة فيها بشكل عام وفيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير بشكل خاص تجد طريقها للتطبيق العملي ويشهد على ذلك الممارسات العملية واحكام المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان التى اقرت حق الفرد فى التعبير عن رايه بحرية تامة فى العديد من احكامها.
ثالثا:- حرية الرأي والتعبير على الصعيد الوطني:-
نجد ان الاردن لم يشذ عن القاعدة فقد تعامل مع حرية الرأي والتعبير من حيث النص والتطبيق بحيث يمكننا ايراد ابرز ملامح هذا الاهتمام على النحو التالي:-
1- رفع المشرع حرية الرأي والتعبير الى مصاف الحقوق الدستورية حيث ورد فى المادة المادة 15 من الدستور الاردني مايلي:-
أ- تكفل الدولة حرية الرأي ولكل اردني ان يعرب بحرية عن رايه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط ان لايتجاوز حدود القانون.
ب- الصحافة والطباعة حرتان ضمن حدود القانون.
2- كما ورد النص على ذلك فى قانون العقوبات من حيث اخذ المفهوم المخالف لنص المادة 198 من نفس القانون التى نصت على مايلي :-
(ايفاء للغايه المقصودة من هذا القسم ، ان نشر اية مادة تكون ذما او قدحا يعتبر نشرا غير مشروع الا اذا كان موضوع الذم والقدح صحيحا ويعود نشره بالفائدة على المصلحة العامة)
3- وورد النص على حرية الرأي والتعبير بموجب قانون المطبوعات والنشر رقم لسنة وتعديلاته والتى لايتسع المقام لذكر كافة النصوص الواردة فيه الخاصة بحرية الرأي والتعبير.
4- ولعل الترجمة الفعلية للنصوص الواردة فى الدستور والقوانين العامة او الخاصة وجدت التطبيق العملى لها من خلال القضاء حيث صدرت العديد من الاحكام من المحاكم الاردنية على اختلاف درجاتها والتى انتصر فيها القضاء الاردني لحرية الرأي والتعبير ايمانا بالقاعدة القائلة بان القضاء هو الحارس الطبيعي للحقوق والحريات وحسبنا ان نذكر فى هذا المجال القرار التمييزي الجزائي رقم 1118\2004 الذي ورد فيه:-
(كفلت الدولة بمقتضى المادة 15 من الدستور الأردني حرية الرأي والاعراب عنه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التمييز ما دامت في حدود القانون .
* أوجبت المادة 5 من قانون المطبوعات والنشر رقم 8 لسنة 1998 على المطبوعات احترام الحقيقة والامتناع عن نشر ما يتعارض مع مبادئ الحرية والمسؤولية الوطنية وحقوق الإنسان وقيم الأمة العربية والإسلامية ، وألزمت المادة 7 من ذات القانون الصحفي بالتوازن والموضوعية والنزاهة في عرض المادة الصحفية ، وحددت الفقرة ج من المادة 46 عقوبة لكل مخالفة لأحكام قانون المطبوعات والنشر لم ينص عليها فيه )
كما تكرر ذلك فى احكام محكمة العليا ونذكر منها :-
(قرار محكمة العدل العليا رقم 1997/352 (هيئة خماسية) تاريخ 1998/1/26
المنشور على الصفحة 600 من عدد المجلة القضائية رقم 1 بتاريخ 1998/1/1الذي جاء فيه:-
بما ان المحكمة توصلت الى ان القانون المؤقت 27/ 1997 ( قانون معدل لقانون المطبوعات والنشر ) هو قانون مخالف للدستور ، وبما ان القرار المطعون فيه استند على هذا القانون فيكون مستوجب الالغاء .
وقد تكرر هذا المبدا في القضيتين 341/ 97 و 351/ 97 المفصولتين بتاريخ 26/ 1/ 1998)
كما صدرت العديد من الاحكام عن محاكم الاستئناف والبداية والصلح التى تكرس الحق فى ابداء الرأي والتعبير.
وفى الختام نجد ان حرية الرأي والتعبير ومدي مراعاتها من قبل الدول اصبحت فى عالم اليوم (عالم ثورة الاتصالات والمعلوماتية)احد اهم ادوات قياس مدى التزام الدول بحقوق الانسان بشكل عام وحقه فى الرأي والتعبير بشكل خاص.
مع الاحترام
القاضي الدكتور محمد الطراونة
باحث فى مجال حقوق الانسان
اترك تعليقاً