حقوق الإنسان والحريات الأساسيــــة بين الأصالـــة والتطـــور
ثمة مسألة لا بد من بيانها في البداية وهي تلك المتمثلة في حقوق ذلك أن الحقوق لاتخص جيلا معينا ولا فئة معينة بل انها تخص الانسان في مفهومه الشامل والمطلق، كما أن مفهوم حقوق الانسان قد شهد تطورا فمررنا من جملة الحقوق الطبيعية كالحق في البقاء، الحق في الأمن والتي هي حقوق فردية لتظهر بعد ذلك حقوق اخرى كانت وليدة جملة من العوامل كظهور فلسفيات وايديولوجيات جديدة تنادي بضرورة تحرير الانسان وارساء مبادئ المساواة فكانت ان ظهرت الحقوق النقابية والتي نتج عنها ارساء هياكل تعنى بمشاغل العمال وتبليغ مطالبهم واقتراحاتهم الى السلط المعنية.
هكذا تطور مفهوم حقوق الانسان من حقوق الفرد الى حقوق المجموعة متمثلة في حقوق الشغلية والنقابية حينئذ يتضح ان هذا التطور حمل معه اتساع واطراد فكرة الحق فأصبحنا نتحدث عن حقوق المجموعة ككل كما تظهر موجة اخرى من الحقوق وهي الحقوق الحديثة تلك المتمثلة في الحق في التعبير وابداء الرأي وكذلك المعتقد، يتضح حينئذ انه ثمة تداخل وتشابك بين المفهومين، اذا لاحظنا أن حق المجموعة يتقدم في مرحلة ما عن حق الفرد وفي المقابل يتقدم حق الفرد في مرحلة اخرى عن حق المجموعة وهو ما يجرنا الى البحث في عدم تلازم بمعنى التقابل بين المفهومين، لقد شاهدنا تقدم حقوق المجموعة في زمن ما فكانت حقوق المجموعة هي الحقوق المشاعة نستقرئ ذلك التقدم في زمن شهد فيه العالم فترة مخاض وذلك بفعل الدمار الشامل الذي خلفته الحرب (الأولى والثانية) فكان العالم في حاجة الى إعادة البناء والتنظيم فكانت الحاجة الى اليد العاملة الشغيلة وتبلورت فكرة حقوق المجموعة الشغلية وتأسست الهياكل التنظيمية لتبليغ حقوقهم وطلباتهم الى الأطر المعنية.
إن الحقوق النقابية قد تزامن معها ظهور حقوق اخرى منها الحق في العيش في محيط سليم فاثر الى الاضطراب الذي شهده العالم انبثق سعي من المجموعة الدولية للبحث في تأسيس للعيش في محيط سليم هادئ خال من كل الاضطرابات وعدم الاطمئنان كما يتطور مفهوم حقوق الانسان التي تعرف بالحقوق الفردية كالحق في التعبير وإبداء الرأي وكذلك المعتقد. في هذا السياق وجب طرح هذا السؤال هل أننا بحاجة الى تعزيز هذه الحقوق الفردية؟ ألم تحظ جملة هذه الحقوق الفردية بالعناية والحماية الكاملة في المواثيق والاتفاقيات الدولية، انه لا يمكن أن ننكر فكرة عدم الحماية للحقوق الفردية في اطار التشاريع والمواثيق والاتفاقيات الدولية ذلك أن جملة القوانين والمبادئ والاتفاقيات الدولية تحدثت بإطناب ونصت عن الحقوق الفردية ووضعت بنودا وتراتيب وجملة من النقاط نصت على تلك الحقوق الفردية لكن هذه العودة والاهتمام بالحقوق الفردية كانت جملة من الأسباب وهي متمثلة في كون الانسان يعيش فترة استقرار بعد الفترة السابقة المتمثلة في الاضطراب وعدم الأمان الناتج عن الحرب هي فترة تأمل وعودة الى الذات الى كيانه أي ككائن مبدع ولأنه كذلك وجب مساعدته على تقديم انتاجه وبلورة عملية الابداع وذلك بطريقة التعبير عنها فتبلور بالتالي حقه في التعبير وإبداء الرأي.
حقوق الانسان في إطار المنظومة التشريعـية الوطنية والدولية
لقد حظيت حقوق الانسان باهتمام كبير في اطار العلاقات الدولية اذ أنها باتت محور النقاشات في اطار الاتفاقيات ولقاءات والمعاهدات بين الدول وكذلك النصوص التشريعية نتعرض في هذا المضمار الى جملة من الحقوق التي حظيت بهذا الاهتمام نذكر في هذا الاطار الحق في الأمن اذ أن المشرع يضع شرط عدم القبض على أي شخص أو حبسه الا في الاحوال المنصوص عليها قانونا ونذكر في هذا الصدد الفصل 13 من الدستور الذي جاء فيه أن العقوبة شخصية ولا تكون الا بمقتضى نص قانوني سابق الوضع عدا حالة النص الأرفق وهكذا يقر الدستور هذا الحق بل أن نص الدستور ضامن لهذا الحق معتبرا أن الأصل أن يكون الانسان حرا والاستثناء أن يفقد هذه الحرية في احوال خاصة كأن يرتكب جريمة.
هذا وقد أقرت التشاريع والاتفاقيات الدولية هذا الحق ونذكر في هذا المعنى المعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادرة بتاريخ 16 ديسمبر 1966 وقد جاء فيه لكل فرد الحق في الحرية والسلامة الشخصية ولا يجوز القبض عليه وايقافه بشكل تعسفي كما لا يجوز حرمان أحد من حريته الا على أساس من القانون والتماشي مع الاجراءات المقررة بالقانون.
هكذا يتضح أن كل الاتفاقيات والاعلانات تضمن احترام هذا الحق، نذكر حقا آخر من حقوق الانسان حظي ايضا باهتمام كبير وهو الحق في الصحة ويتجلى ذلك بالحق عند التنصيص عليه في اطار الاعلانات في النصوص القانونية الدولية وكذلك الوطنية ونذكر المادة 25 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان والذي أقر هذا الحق نتبين أيضا هذا الاهتمام وهذا الحرص على ضمان هذا الحق ضمن التشريع الوطني ونذكر قانون 29 جويلية 1991 المتعلق بالتنظيم الصحي وقد جاء في الفصل 34 منه يجب ان تكون الهياكل الصحية العمومية مفتوحة لجميع الاشخاص الذين تتطلب حالتهم الصحية خدماتها، نفس القانون يقر في الفصل 35 منه أن ينتفع بمجانية العلاج والاقامة بالهياكل الصحية والعمومية كل تونسي معوز وزوجه وأطفاله الذين هم في كفالته بصفة قانونية كما ينتفع بمجانية العلاج والاقامة بالمستشفيات الاشخاص الذين تشملهم الدراسات العلمية أو الحملات الوقائية أو المصابين بأمراض وبائية..
نتعرض أيضا الى حق آخر من حقوق الانسان أقرته المواثيق والاعلانات الدولية وهو الحق في التعليم نتبين أن هذا الاقرار في الاعلان العالمي من حقوق الانسان والمواطن ونقرأ في المادة 26 منه أن لكل شخص الحق في التعليم ويجب أن يكون التعليم في مراحله الاولى والأساسية على الأقل مجاني وأن ييسر القبول للتعليم العالي على قدم المساواة التامة للجميع على أساس الكفاءة. نتبين من هذا النص القانوني أن الاقرار بحق التعليم يكون لكل الاشخاص دون تمييز على أساس الجنس أو العرق ويضع هذا الاعلان جملة من المعايير وجب اتخاذها في اطار هذا الحق وقد أقر التشريع الوطني هذا الحق بل جعله واجبا ووضع لذلك مبدأ أساسيا وهو المتمثل في إلزامية التعليم ووضع المشرع سنا معينة وهي سن السادسة اذا ما بلغ الطفل هذا السن وجب أن يلتحق بأماكن الدراسة من خلال هذا المبدأ الأساسي (إلزامية التعليم) نتبين السياسة التعليمية التي انتهجتها الدولة التونسية معتبرة أن التعليم هو حق وهو في نفس الوقت واجب على كل شخص.
حقوق الانسان والشرعية الدولية
عندما نعود الى المصطلح اللفظي لمبدإ الشرعية الدولية نتبين أنه كل ما هو مباح وجائز ومشروع في العلاقات الدولية بمعنى آخر أن العلاقات بين الأمم يجب أن تقوم على مبادئ ونصوص قانونية تنظم هذه العلاقات وبالتالي كل نزاع يعكر صفو هذه العلاقات يتعين أن يفض وفق القانون لكن ما علاقة الشرعية الدولية بحقوق الانسان أهي علاقة تقارب أم تداخل؟ لتبين هذه المسألة لا بد من الوقوف عند معنى هذا المصطلح وذلك من خلال المصدر نتبين هذا المعنى من المادة 38 من النظام الاساسي لمحكمة العدل الدولية وقد جاء في المادة 38 يطبق في فض النزاعات التي تعرض عليها.
أ) الاتفاقيات الدولية العامة والخاصة
(Les compromis internationales) التي تضع قواعد معترف بها صراحة من جانب الدول المتنازعة
ب) العرف الدولي (La coutume internationale) المقبول بمثابة قانون
ج) مبــــــــادئ القــــــــانـــــــون العامـــــــــة (Les règles générales du droit) التي أقرتها الأمم المتمدنة
د) احكام المحاكم ومذاهب كبار المؤلفين في القانون العام في مختلف الأمم حينئذ يتبين من خلال المادة 31 من القانون المذكور أن مصطلح الشرعية الدولية يتضح معناه من خلال تطبيقاته المتمثلة في الاتفاقيات الدولية، العرف الدولي، مبادئ القانون العامة، هذا البيان لمعنى الشرعية الدولية يجرنا الى البحث في أوجه العلاقة بين مفهومي منظومة حقوق الانسان ومبدإ الشرعية الدولية.
إن الحديث في شأن الشرعية الدولية مقترن بمسألة حقوق الانسان اذ سنتحدث في مسألة حقوق الانسان في الشرعية الدولية بمعنى آخر مدى احترام حقوق الانسان في الاطار الدولي. تبدو العلاقة في هذا المضمار علاقة تداخل بين المفهومين اذ أن مسألة البحث في مدى احترام حقوق الانسان في اطار العلاقات الدولية لا يمكن أن نتبينه الا من خلال معطيات ووضعيات دولية معينة يمكن أن نقف عند البعض منها ونذكر في هذا السياق قضية الشرق الاوسط التي تولدت بتاريخ 29 نوفمبر 1947 وأصدرت على اثرها الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها الى تقسيم فلسطين الى دولتين عربية ويهودية نتبين من خلال هذا القرار للجمعية العامة أن هذا الهيكل الأممي قد تجاوز اختصاصه (exés de pouvoir)، نضيف كذلك وضعية دولية اخرى وهي الحرب على العراق غداة اجتياح القوات العراقية للكويت بتاريخ 2 أوت 1990 والذي نتج عنه تدمير شامل للعراق لم يشمل المنشآت العسكرية فحسب، بل المنشآت الصحية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، يتضح من خلال هذه الوضعية الدولية خرق لمبادئ القانون العام الدولي، العرف الدولي وكذلك مبدأ العدل والانصاف الذي يفرض ان يبقى المدنيين خارج كل نزاع مسلح كما يفرض القانون الدولي كذلك مبدأ آخر هو مبدأ عدم المساس بالمنشآت الصحية والثقافية التي تمثل الركائز الاساسية لكل دولة وتمثل هويتها وكذلك ثقلها الحضاري، نذكر ايضا وضعية اخرى والتي تعرف بقضية لوكربي والتي تتنزل في قرار مجلس الامن بتاريخ 21 جانفي، هذا القرار الذي يطالب ليبيا تسليم مواطنين لها الى الولايات المتحدة الامريكية أو بريطانيا قصد محاكمتهما باتهمامهما بتفجير طائرة ركاب امريكية في الأجواء الاسكتلندية يتجلى في هذا الاطار خرق واضح لمبادئ حقوق الانسان ذلك أنه كان من المفروض أن تقع محاكمة المتهمين من طرف قضاء دولي وليس أن يقع تسليمهما قصد المحاكمة الى دولتين هما عضوين في هيكل أممي وهي منظمة الأمم المتحدة.
نذكر أيضا وضعية دولية اخرى وهي قضية الملف النووي الايراني وقرار مجلس الامن بتخلي ايران عن امتلاك المفاعل النووي يتضح من خلال هذه الوضعية الدولية خرق لمبدإ سيادة الدولة على اقليمها، يتضح من خلال هذه الوضعيات الدولية المتعددة التي وقع عرضها انه هناك عدم احترام حقوق الانسان، فقد لاحظنا أنه كلما نشب نزاع دولي الا وتبين ذلك التخلي عن التطبيقات المشار اليها في المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية حينئد يتبين أن مبدأ الشرعية الدولية هو النطاق الذي ينظر من خلاله الى مدى احترام حقوق الانسان أي الانسان في اطار العلاقات الدولية فينظر الى الانسان في نطاق اشمل وأوسع بتبين موقعه في منظومة العلاقات الدولية ذلك الموقع الذي ينكشف من خلال تلك الممارسات والاعمال التي تقوم بها وهي في كلمة تحركه في الاطار الدولي وكيفية الرد عليها عن طريق القرارات الدولية الصادرة عن الهياكل والهيئات الدولية.
اترك تعليقاً